جدّة خطفت الأنظار بعد افتتاح محطّة الرحلات البحرية.
وفقًا لآخر مراجعة ربع سنوية لسوق العقارات في السعودية التي أعدها مستشارو العقارات العالميون، knight Franc، فإنّ أداء القطاع السكني في المملكة يستمر مزدهرًا.
رئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط في “نايت فرانك” السيد فيصل دوراني، أوضح في مداخلة له أنّ “التعافي بعد وباء كوفيد لم يكن سهلاً على الإطلاق، ومع ذلك شهدت المملكة نموًّا مستدامًا في قطاعات معينة من السوق. ففي القطاع السكني، على سبيل المثال، ساهمت المبادرات الحكومية المختلفة، مثل “سكني” ومبادرات وزارة الاسكان الاخرى، في تسريع معدلات ملكية المنازل في جميع أنحاء المملكة. علاوة على ذلك، أسهمت جهود الحكومة لدعم النمو في السوق السكنية، في إيجاد سوق تطوير نشط بشكل استثنائي، بدليل الانتهاء من 155 ألف منزل جديد قبل نهاية عام 2023 في الرياض وجدة ومنطقة الدمام، مئة ألف منها في الرياض وحدها. وقد ارتفعت اسعار الشقق في العاصمة بأسرع معدل في المملكة، إذ نمت بنسبة 7.6٪ على أساس سنوي، وهي أسرع وتيرة نمو منذ العام 2017 على الأقل”.
إلى ذلك، لاحظ الباحثون في “نايت فرانك” أن عدد المعاملات السكنية في الرياض ارتفع بنسبة 77٪ على أساس سنوي، وقدحدث الاتجاه التصاعدي نفسه في مدينة جدة الساحلية المطلّة على البحر الأحمر، حيث ارتفع عدد المنازل المباعة بنسبة 44٪ مقارنة بالعام الماضي. لكن في مقابل ازدهار القطاع السكني، فان سوق المكاتب في المملكة، باستثناء مدينة الرياض، تعرّض ولا يزال، لضغوط كبيرة، مع استمرار انخفاض أسعار الإيجارات جرّاء ضعف الطلب على المكاتب، وعلى رغم دعم إيجارات المكاتب من الفئة الأولى في الرياض من خلال الطلب المستمر من عدة قطاعات وخاصة من كيانات القطاع العام وشبه العام المنشأة حديثًا. ولكن اتجاه الكثير من الشركات والمؤسسات لدمج أعمالها وتقليص عدد موظفيها شكّل اتجاهًا ضاغطًا رئيسًا على سوق المكاتب في المملكة، وهذا الاتجاه عكس سلوك السوق العالمي الذي لا يزال يركّز على تصحيح الوضع عقب الوباء، فضلاً عن الاستمرار في العمل عن بُعد كوسيلة تُخفّض الكلفة بنسبة عالية جدًّا. واللافت أنّ ما يقرب من 1.8 مليون متر مربع من المكاتب الجديدة في المملكة التي خُطّط لها سابقًا، ستُصبح جاهزة بحلول نهاية عام 2023، أكثر من نصفها بقليل (56 بالمئة) ستكون في مدينة الرياض وحدها.
هذا الوضع الملتبس إلى حدٍّ ما في ما خصّ قطاع المكاتب، دفع البعض إلى التأكيد أن الطلب المحلي المتزايد على المكاتب لا بدّ أن يساعد في امتصاص بعض المعروض من المساحات المكتبية الجديدة، تزامنًا مع الإصلاحات الاقتصادية التي عزّزت مختلف أوجه أنشطة دورة الحياة في المملكة. لكن تظل هناك أسئلة حول تأثير ضخ جميع المساحات المكتبية الجديدة في السوق، إذ من المحتمل أن تتعرّض المكاتب من فئة الدرجة الثانية (B) إلى أكبر ضغط هبوطي في الإيجارات مع نمو الاتجاه نحو الجودة من قبل كافة القطاعات، لا سيما في مدن مثل الرياض وجدة، والتي ستشهد زيادة بنسبة 25٪ و36٪ على التوالي في إجمالي المعروض من المكاتب في السنوات الثلاث المقبلة.
وتتوقع “نايت فرانك” أن يصل إجمالي مخزون المساحات المكتبية في الرياض وجدة إلى 5.3 مليون متر مربع و 1.8 مليون متر مربع على التوالي بحلول نهاية عام 2023.
جدير بالذكر أنّ قطاع التجزئة كان أحد أهم ضحايا الوباء، بدليل انخفاض معدلات الإيجار الرئيسية في مراكز التسوّق في جميع أنحاء البلاد بنسبة تتراوح بين 1 و5٪ خلال الأشهر الـ 18 الماضية، وفقًا لـ “نايت فرانك”. وفي الواقع، فخلال الربع الثاني من العام الماضي وحده، انخفضت الإيجارات في أفضل مراكز التسوّق في المملكة بنسبة تتراوح بين 1.5 و3٪ في الرياض وجدة ومنطقة الدمام.
عن هذا الانخفاض، قال فيصل دوراني: “لقد كان هائلاً نتيجة الوباء والقيود المتكرّرة على حركة السفر الدولي، ومع ذلك، فإن إعادة فتح الحدود أمام السياح من 49 دولة، إلى جانب الإنفاق الهائل الناتج من السياحة المحلية قد يساعدان في حماية السوق من المزيد من الانخفاضات الحادة”.
وبحسب البنك المركزي السعودي (SAMA)، ارتفع الإنفاق الاستهلاكي في السعودية بنسبة 2.1٪، ليبلغ نحو 261 مليار ريال في الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بـ 256 مليار ريال عن الفترة نفسها من العام الماضي. وفي هذا الصّدد، فإنّ قطاع الأغذية والمشروبات حقّق أكبر ارتفاع، بتسجيله نسبة 35٪، أي ما يوازي 17.4 مليار ريال، بينما ارتفع الإنفاق في المطاعم والمقاهي بنسبة 58.5٪ خلال الفترة نفسها. ويرتبط هذا الأداء المتفوّق النسبي جزئيًا بالتخفيف المتصاعد لقيود الإغلاق، ما أدى إلى زيادة الإقبال على منافذ الأطعمة والمشروبات في المملكة.
لقد كان لـــ Covid-19 تأثير واضح على أداء سوق الضيافة، فالسياحة الدولية تقلّصت نتيجة الاغلاقات الاحترازية، لكن هذه الاغلاقات ساهمت في زيادة اعداد المسافرين للسياحة الداخلية في انحاء المملكة، ما ساعد في دعم القطاع في بعض المواقع، فبرزت جدة سوقًا متميّزًا بشكل خاص، متفوقة في الأداء على بقية مدن البلاد، مع استئناف العمرة وكذلك عطلة العيد الأخيرة، حيث بلغ متوسط معدلات الإشغال حتى الآن هذا العام 50٪، وهو أعلى بكثير من المتوسط الوطني. ولقد أدّى افتتاح محطة الرحلات البحرية في ميناء جدة الإسلامي في تموز (يوليو)، بالإضافة إلى تعزيز خط أنابيب الإمداد، في تقوية جاذبية المدينة بين السياح المحليين، إذ بلغ إجمالي المعروض من الفنادق عالية الجودة في جدة 13،230 غرفة في نهاية أيّار (مايو) 2021، مع الأخذ في الاعتبار المشاريع التي تمّ البدء فيها فقط، لأنّ توقّعات “نايت فرانك” هي أن يزداد المعروض من الغرف في جدة بنسبة 64٪ بحلول نهاية عام 2023 إلى 20،600 غرفة أعلى من الرياض والدمام مجتمعين.
ووفقًا لهيئة السياحة السعودية، فقد ارتفع إنفاق السياحة الداخلية في الفنادق والمطاعم والترفيه بمقدار الثلث العام الماضي.