وسام فتوح… أهم التقنيات…. الذكاء الاصطناعي
الشمول المالي الرقمي بات مصطلحًا متداولاً في الوسط المصرفي مع التطوّر الكبير لوسائل الاتّصال عبر الانترنت والتقنيّات الحديثة في إطار الثورة الصناعيّة الرابعة. ونظرًا إلى أهميّة هذا المصطلح الذي ساعد على تمكين المؤسّسات الماليّة من توسيع نطاق الوصول بخدماتها إلى الفئات غير المشمولة ماليًا، ازداد هذا الشمول المالي أهمية بحيث كثُرَت الكتابات عنه على مستوى المؤسّسات المالية الدولية والعربية، إذ من المعروف أنّ هناك 1،7 مليار شخص بالغ حول العالم، بحسب التقديرات الدوليّة، لا يملكون حسابات مصرفيّة، من بينهم 1،1 مليار إنسان يملكون هواتف محمولة، وهو ما يمثّل فرصة خاصة للبلدان النامية للإستفادة من التوسّع عبر استخدام الهاتف المحمول في النفاذ إلى الخدمات المالية. وغنيٌّ عن القول أنّ لهذا الاستخدام تأثيرًا إيجابيًا على الاقتصاد. وبحسب التقديرات، فإنّ الشمول المالي الرقمي يساعد في تعزيز الناتج المحلي الاجمالي العالمي بنسبة 6 في المئة| وتحقيق مكاسب يبلغ مجموعها 3،7 تريليون دولار أميركي بحلول 2025. قضلاً عن ذلك، فإنّ كلّ زيادة بنسبة واحد في المئة في عدد السكان الذين يحملون الهاتف الجوال في عمليّاتهم المصرفية، تؤدّي إلى تحسين دخل الفرد بنسبة 0،3 بالمئة. ومن أجل ذلك، بدأت الدول، وهي بالإجمال نامية ولم تنفتح على التطوّر التكنولوجي العالمي، إلى مواكبة العصرنة سعيًا إلى تحسين أوضاعها الاقتصاديّة عبر الرقمنة. ويمكن الاستشهاد هنا بدول مثل غانا وكينيا وأوغندا في القارة الافريقيّة التي تشبّهت بالهند. وكانت هذه الأخيرة قد تمكّنت من تطوير تقنيّاتها المالية باستخدام الناس أجهزة الهاتف المحمول وتبنيّ المؤسّسات والشركات والمصارف أنظمة الدفع الالكترونيّ التي أوصلت تلك الدول إلى شمول مالي كامل. وما تسعى إليه الدول الأفريقيّة المُشار إليها، ينسحب على دول عربية تعوّل على الرقمنة لتسهيل نفاذ 63 بالمئة من السكّان البالغين إلى الخدمات الماليّة التي عبّد بعض الدول، طريق الوصول إلى تلك الخدمات المصرفية والمالية عبر الشبكة الالكترونيّة والهاتف النقّال.
أمين عام اتّحاد المصارف العربية السيد وسام حسن فتوح، وبالنظر إلى الاهتمام الكبير بهذا الشمول المالي الرقمي على المستوى المصرفي، طرحنا عليه عدّة أسئلة يتناول هذا المصطلح الجديد الذي دخل بقوّة إلى قطاع المال بشكلٍ خاص، ومنه إلى قطاع المؤسّسات والشركات. سألناه بداية عن مفهوم الشمول المالي وأهميّته. أجاب:
- بات الشمول المالي من الاولويات في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، بالنظر إلى توفيره تكافؤ الفرص للوصول إلى الخدمات المالية لمختلف فئات المجتمع، علمًا أنّه يتيح للأفراد والشركات الوصول إلى المنتجات والخدمات المالية المناسبة من القروض والأسهم والتأمين وغيرها، بأسعار معقولة وفي الوقت المناسب.
إلى ذلك، يستهدف الشمول المالي فئات لا يتعاملون مع البنوك ويعانون نقصًا في التمويل، وهو بذلك يؤمّن لهم خدمات مالية مستدامة.وبالتالي يساعد على تحقيق النمو الاقتصادي.
إن الهدف من الشمول المالي هو إزالة جميع الحواجز أمام العرض والطلب للخدمات المالية والمصرفية. ومن هذه الحواجز ارتفاع تكاليف فتح الحسابات، ومتطلبات التوثيق للخدمات والمنتجات المالية والمصرفية، وقلة الوعي المالي، وقلة الثقافة المالية. إن الافتقار إلى البنية التحتية المالية الشاملة من شأنه استبعاد العديد من فئات المجتمع المهمّشة وذات الدخل المنخفض عن الخدمات المصرفية.
س: علامَ يعتمد هذا الشمول المالي الرقمي؟
ج: تعتبر الابتكارات الرقمية عنصرًا أساسيًا لتعزيز الشمول المالي، ويمكن تطبيقات الهاتف المحمول المبتكرة أن تمنح السكان الفقراء وفي المناطق النائية والمستبعدين إمكانية الوصول إلى حدّ كبير من التمويل المصرفي التقليدي وإلى مجموعة واسعة من الخدمات المصرفية بطريقة سهلة وأكثر أماناً. كما تساعد تلك الخدمات الرقمية في تعزيز الشفافية والتدقيق المالي والحدّ من الاحتيال.
إنّ الشمول المالي الرقمي يعتمد على الوسائل الرقمية للوصول إلى السكان المستبعدين والمحرومين مالياً من خلال مجموعة من الخدمات المالية الرسمية المناسبة لاحتياجاتهم والمقدّمة بشكل مسؤول وبتكلفة معقولة للعملاء، وبطريقة مستدامة، وذلك بفضل التقنيات الجديدة ونماذج الأعمال المبتكرة والإصلاحات.
س: ما تأثيرات الشمول المالي الرقمي على الصارف؟
ج: إن تعزيز الشمول المالي الرقمي يفتح آفاقًا واسعة أمام المصارف العربية ويساعد في الوصول إلى المليارات من العملاء الذين يعانون نقصًا في الخدمات المالية، عن طريق التقنيات الرقمية وتعدّد قنوات الوصول. وتتسارع مسيرة التحوّل الى الشمول المالي الرقمي مع ظهور المزيد من التقنيات الجديدة باستمرار.
إن المكونات الأساسية للشمول المالي الرقمي تتضمّن منصّات للمعاملات الرقمية التي تمكّن الزبائن من إجراء أو تلقي المدفوعات والتحويلات وتخزين القيمة إلكترونياً، علمًا أنّ الأجهزة التي يستخدمها هؤلاء هي: الهواتف المحمولة والأدوات المالية الرقمية كبطاقات الدفع التي تتّصل بجهاز رقمي في نقاط البيع، من دون أن ننسى وكلاء التجزئة، والخدمات المالية الرقمية التي تقدمها البنوك وغير البنوك للمستبعدين مالياً والمحرومين من الخدمات.
س: ما هي الفوائد التي يجنيها المستبعدون والحرومون ماليًا؟
ج: هي عديدة، منها الوصول إلى الخدمات المالية المصمّمة وفقاً لاحتياجات العملاء وظروفهم المالية، ومنها فتح حسابات رقمية، والحدّ من مخاطر الخسارة والسرقة والجرائم المالية الأخرى التي تسبّبها المعاملات القائمة على النقد. كذلك، فإنّ من الفوائد أيضاً: انخفاض التكاليف، تمكين الاقتصاد وزيادة مشاركة المرأة في الدورة الاقتصادية.
س: هل هذا يعني انتفاء المخاطر؟
ج: في الحقيقة، هناك مخاطر عدّة ناجمة عن تعامل المصارف مع شركات غير مالية تستخدم تقنيات جديدة، وإنشاء علاقات تعاقدية جديدة بين المؤسسات المالية والأطراف الثالثة، واستخدام شبكات الوكلاء، وارتفاع تكاليف تأمين الشمول المالي، والاستخدامات الجديدة للبيانات التي قد تطاول قضايا الخصوصية وأمن البيانات. وعليه يتوجّب مضاعفة جهود التنظيم والإشراف على عمليات الشمول المالي الرقمي. وتتناول القضايا التنظيمية الرئيسيّة التي يثيرها هذا الشمول، مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (AML / CFT)وتنظيم النقود الإلكترونية وحماية المستهلك وتنظيم نظام الدفع والمنافسة. وعلى جميع الهيئات التنظيمية المحلية والدولية، التواصل الفعال والتعاون في ما بينها لوضع التشريعات والضوابط اللازمة.
في مقابل هذه المخاطر، فإن الأعمال المتطوّرة والسياسات التنظيمية والخدمات المصرفية المفتوحة وطرق الدفع الجديدة، لها تأثير إيجابي، إذ تساعد في توسيع نطاق وعمق الخدمات المالية بطريقة تدعم الشمول المالي. ومن أهم التقنيات: الذكاء الاصطناعي (AI) الذي يُستخدم في التدقيق والرقابة، البيانات الضخمة، تقنية البلوكشين (سلسلة كتل البيانات) التي تستخدم كسجل غير قابل للتغيير للمعلومات والمعاملات الخاصة بالشمول المالي، تقنيات القياسات الحيوية لتحديد هوية المستخدم والمصادقة البديلة مثل التعرف على قزحية العين والتعرف على الوجوه، الانترنت السريع، الهواتف الذكية والأجهزة المحمولة والشبكات الرقمية للمنتجات والخدمات المالية.
س: ماذا عن الشمول المالي للمنطقة العربيّة؟
ج: مبادرة الشمول المالي للمنطقة العربية (FIARI)التي أطلقها صندوق النقد العربي بالتعاون مع منظمات دولية، تساعد في تعزيز الوصول إلى الخدمات المالية في المنطقة العربية من خلال آليات تنسيق فعالة ودعم تنفيذ سياسات الشمول المالي الوطنية. ويساهم اتحاد المصارف العربية في تعزيز الشمول المالي في المصارف العربية من خلال بناء القدرات وتطوير المهارات وتعزيز الدور الريادي للمرأة في الاعمال ودعم السياسات والتشريعات للحدّ من المخاطر والمساهمة في إنشاء البنى التحتية المالية الشاملة.