أحمد البتانوني
من شركات التكافل العاملة في الكويت والتي استطاعت أن تنمو وتتطوّر رغم حداثة عمرها، إذ انطلقت فعليًا في التغطيات في العام 2017، نّذْكُر شركة “زمزم للتأمين التكافلي” التي تقدّم خدمات تأمينيّة عدّة من أبرزها التأمين البحري والحريق والحوادث العامة، فضلاً عن الرعاية الصحيّة وسواها. ويتمّ كلّ ذلك وفق الشريعة الاسلاميّة، تطبيقًا وممارسة.
من أركان هذه الشركة حاليًا شخصية معروفة في قطاع التأمين العربي هو السيد أحمد البتانوني الذي تولّى المسؤوليّات في هذه الشركة حديثًا، بعد تعرّك مهني يصل إلى عشرين عامًا، انتقل خلالها إلى شركات عدّة، وبعضها يتعاطى التأمين التكافلي بينها شركة “وثاق” التي تولّى فيها مسؤوليّات عدّة منها إدارة التأمين الصحّي، إدارة التأمين على الحياة، إلى إدارة قسم إعادة التأمين. وقد أمضى في هذه الشركة 14 عامًا انتقل بعدها إلى “الشركة الكويتيّة العالميّة” وكان فيها مسؤولاً عن إدارة فرعَيْن هما الحياة والصحّي، ومن ثمّ أصبح مسؤولاً عن إدارة إعادة التأمين لينضمّ بعد ذلك إلى شركة “زمزم” ليضع خبرته وحرفيّته في خدمة هذه الشركة لحاجتها إلى دم جديد وأفكارٍ خلاّقة وتطلّعات تواكب التطوّر التكنولوجي العالمي، وفق مبادئ وأصول الشريعة الإسلامية.
في هذا الحديث الذي أجريناه مع السيد أحمد البتانوني، تحدّث إلينا عن السوق الكويتي وما يواجهه على المستويَيْن: التأمين المباشر وإعادة التأمين. قال لنا:
– إنّ فرص الاستثمار في الكويت عديدة ومُغرية رغم الظروف العالمية التي تُثقل كاهل دول العالم بسبب الأزمات المتلاحقة، ومن أبرزها أزمة كوفيد 19 التي شلّت الاقتصاد وتركت تداعيات لا تزال مستمرّة، والأزمة الروسيّة الأوكرانيّة التي أجهزت على ما تبقّى من بصيص أمل في هذا العالم المضطرب. لكنّ الاستمراريّة تبقى عنوانًا مقدّسًا إذ لا يمكن أن ينطفئ الكون وينتهي بمجرّد وقوع أزمة من التي أشرنا إليهما، خاصة أنّ العالم منذ بدايات التاريخ، شهد الكثير من الحروب والمطبّات والنزاعات ولكنّه استمرّ صامدًا يقاوم وينتظر في الوقت نفسه بارقة الأمل، وقد أدركه ذلك النور وبدأ يبني نفسه حجرًا فوق حجر بطموح ومن دون يأس.

نعود إلى الكويت لنشير إلى أنّ حكومتها تعمل حاليًا على جَذْب المشاريع الخارجيّة لأنّ أي تحريك للقطاع الاقتصادي يمكن أن يعود بفوائد على الوطن. ومتى بدأ العمل في هذه المشاريع، سيتمكّن قطاع التأمين من أن يتحرّك ويستعيد بريقه وبالتالي التعويض عمّا فات من خسائر.
ولا شكّ أنّ هذا الانفتاح الكويتي هو مواكبةً لباقي الدول العربية التي خطت خطواتها في هذا الاتجاه حيث نرى أنّ دولاً شقيقة كالسعودية وسلطنة عُمان والإمارات وقطر ظهر بالفعل عليها آثار هذا الانفتاح الذي فعّل وعزّز الاستثمارات الخارجيّة. ونحن نعلم أنّ دولة الكويت تُعدّ من الدول الخليجيّة النشطة والمواكبة للتطوّر العالمي، فإنّها حتمًا ستحقّق توجّهاتها الاستثماريّة، إذ أنّ تنويع الاقتصاد، خصوصًا في هذه الأيام، هو الأمل المُرتجى. وبديهي القول هنا أنّ هذا الانتعاش متى حصل، سينعكس إيجابًا على قطاع التأمين وعندها سيساهم هذا القطاع بالناتج المحلي الكويتي بنسبة كبيرة.
س: عملت في قطاع الإعادة، فكيف تقيّمه؟
ج: إنّ قطاع الإعادة هو قطاع حماية للمؤمّن لهم ولما تمّ التأمين عليه، وبطبيعة الحال، فإنّه يحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة لا تتوافر حاليًا في دولنا العربيّة إلاّ إذا أُنشئت شركات إعادة كبيرة تشارك فيها شخصيّات تستطيع مدّها بالدعم المادي الذي يبقيها ثابتة الخطى. وفي الآونة الأخيرة، سعت شخصيّات مموّلة إلى الحديث عن هذا الموضوع، كما عالجته الأمانة العامة للاتحاد العام العربي للتأمين في واحدة من الندوات التي عقدتها قبل عامين. لكنّ الحلحلة في اتّجاه إنشاء مثل هذه الشركات لا تزال خجولة، ومن هنا فإن اللجوء إلى شركات الإعادة الأجنبية مستمرّ بوتيرة تصاعديّة إلى درجة أنّ شركات التكافل، واعتمادًا على نظرية “الضرورات تبيح المحظورات”، بدأ البعض منها يسلّم محفظته إليها خوفًا من الوقوع في خسائر كبيرة جرّاء الكوارث الطبيعيّة والزلازل والفيضانات والتغيّر المناخي وغير ذلك الكثير. وبسبب هذه المخاطر والمخاوف والتوقّعات الممكن حدوثها، ارتفعت أسعار الإعادة العالميّة خصوصًا مع تفشّي جائحة كورونا.
وإذا عُدنا إلى قطاع التأمين الكويتي، نجد أنّ هذه الجائحة أثّرت سلبًا عليه رغم ارتفاع أقساط التأمين في 2020 ووصول تلك الأقساط إلى ما يعادل 1،738 مليار دولار بزيادة قدرها 8 بالمئة عن العام 2019 والذي بلغت فيه الأقساط ما يعادل 1،602 مليار دولار. وكانت هذه الأقساط قد سجّلت في العام 2021 ارتفاعًا نسبته 4 بالمئة عن 2020 لتحقّق ما يعادل 1،813 مليار دولار. وعلى رغم هذا الارتفاع في الأقساط، إلاّ أن إجمالي مبالغ التأمين انخفضت بمعدّلات 3 بالمئة لعام 2020 و2 بالمئة لعام 2021، ما يعكس الأثر السلبي للجائحة.
س: لكن ألم تفدْ الجائحة قطاع التأمين في أمورٍ أخرى؟
ج: بلى، لقد استفادت الشركات من هذه الجائحة على المستوى التكنولوجي، إذ أنّ معظمها كي لا نقول جميعها، أُعيدت هيكليّتها وتوجّهها نحو الاستثمار في التقنيات الرقمية والبيانات لفهم وتحديد هوية العملاء والحصول على رؤية دقيقة وواضحة لتقييم المخاطر وتداركها.
س: هل من كلمة أخيرة تقولها في هذا الصدد؟
ج: إنّ قطاعَي التأمين والإعادة سيشهدان تحديات كبيرة قد تكون أصعب من جائحة كورونا وتداعياتها الثقيلة. فهناك التضخّم الاقتصادي العالمي وهناك التغيير المناخي وآثاره على كافة الأصعدة، فضلاً عن المجاعات المحتملة، وأزمات الطاقة المتوقّعة والحروب القائمة والوشيكة. إنّ كلّ هذا يمهّد إلى تحدٍ كبير ستواجهه صناعة التأمين والإعادة، ولكننا سنكون أكثر تفاؤلاً رغم ذلك، فقد يفتح لنا المستقبل آفاقًا جديدة للنموّ، إذ كلّما زاد الشعور بالخطر ازدادت الرغبة في الشعور بالأمان، وهذا يتمّ عن طريق التأمين، مباشر وإعادة…