طارق سيف يعلن التوصيات
ملتقى شرم الشيخ الذي انطلق قبل أربع سنوات، سجّل هذا العام نجاحًا كبيرًا باحتضانه حوالى ألف مشارك من دولٍ عربية وأجنبيّة ومصريّة بطبيعة الحال، رغم أنّ نسبة المشاركين طغى عليها الحضور الخارجي على المحلّي، وهذا إن دلّ على شيء، فعلى أنّ ملتقى شرم الشيخ ترسّخ عربيًا وعالميًا بعدما طغى على انطلاقته الحضور المصري.
وإلى المشاركين الذين تجاوز عددهم الألف خبير تأميني مباشر وإعادة، فضلاً عن وسطاء ومسوّيي أخطار، فإنّ هذا الملتقى تميّز بالمواضيع التي عولجت وهي مستمدّة من الواقع الحالي الذي يعيشه هذا القطاع وما يمكن أن يُبنى عليه بالنسبة للمستقبل. وتبقى إشارة إلى هذه التوصيات التي خرجت عن نمطها التقليدي هذه المرّة لطرحها أفكار حلولٍ تحاكي المرحة المقبلة في ضوء حاجة هذه الصناعة إلى ما يمكن أن يجعلها مواكبة للتطوّر أوّلاً، وتجديد بنيتها كي تستمرّ في ترك بصمة مهمّة على الاقتصاد العربي ثانيًا، وتحديدًا على الناتج المحلّي للدول التي تعتبر التأمين عائدًا مهمًّا وغطاءً لا بدّ منه في برامج تأمينيّة عدّة ثالثًا. ولعلّ أبرز هذه البرامج: الاستشفاء والحريق والممتلكات والمركبات والكوارث الطبيعيّة وغير ذلك الكثير، إذ أنّ العالم مُقبل، كما تشير الأرصاد، إلى زلازل وأعاصير وفيضانات وجفاف (وقد بدأ) وشحٌ في المياه وفي الطاقة وفي غيرها.
وفي الواقع، فإنّ من يقرأ التوصيات الستّ التي خرج بها المؤتمر ويتمعّن في مضامينها، يكتشف الوعي الذي يتمتّع به قادة صناعة التأمين في الوطن العربي وفي العالم وتحديدًا في مصر التي استضافت هذا الملتقى وألقت الضوء من خلاله على فجوات عدّة يجب ملؤها، لأنّ الفجوة كلّما اتّسعت كلّما ازدادت المطبّات والمشاكل وعندها لا يعود ردم الهوّات ممكنًا.
في قراءة سريعة لهذه التوصيات، نجد أنّ الاهتمام تركّز أوّلاً على قانون التأمين الموحّد المتوقّع صدوره قريبًا والإصلاحات الرقابيّة والتنظيميّة المتتالية المنتظرة. وفي الواقع فإنّ هذه التوصية مهمّة جدًّا لأنّها ترسم أمام صناعة التأمين طريقًا واضحًا للمستقبل في ضوء المتغيّرات والتطوّرات، والتي يجب أن تواكبها شركات التأمين العربية على وجه الخصوص. وفي هذا المجال نذكّر مثلاً، أنّه في بداية 2023 سيبدأ تطبيق المعيار المحاسبي العالمي IFRS 17 الذي سيجعل الأرقام شفّافة، وبالتالي يمنع أيّ شكل من أشكال الاحتيال والتلاعب بالأرقام والنتائج. ومع الأسف، فإنّ شركات عدّة بدأت تتلكّأ بالتطبيق، ما قد يحرمها من البقاء على الساحة التأمينيّة إلاّ إذا قرّرت الاندماج مع شركات كبيرة تعيد إليها أمل البقاء. ونشير هنا إلى أنّ لجنة الرقابة على شركات الضمان في لبنان ICC سمحت بتأجيل التطبيق سنة إضافيّة بسبب الظروف الاقتصادية الراهنة.
وبالانتقال إلى التوصية الثانية، فهي تركّز على ضرورة التعاون بين شركات التأمين المباشر وشركات الإعادة، وهذا مهمّ لأنّ التحديات المرتقبة والتي أشرنا إليها سابقًا، كبيرة جدًّا ولا بدّ من هذا التعاون لإنقاذ مركب صناعة التأمين من الغرق. ولكن يُطرح هنا سؤال على جانب من الأهميّة: هل هناك إمكانيّة لهذا التعاون في ظلّ الارتفاع المستمرّ لأسعار شركات الإعادة، وهذا حقّها بالنظر إلى الكلفة المتصاعدة خصوصًا على مستوى الشحن والاستشفاء والحريق والسفر وسواها؟
في التوصية الثالثة، كانت هناك لفتة إلى تكنولوجيا التأمين ودورها في تحقيق الكثير للراغبين في التأمين، باعتبار أنّ هذه التكنولوجيا قرّبت المسافات من جهة وخفّفت الكلفة من جهة أخرى وسرّعت العمل التأميني. لكنّ اعتماد هذه التكنولوجيا بات يشكّل عبئًا إضافيًا على الشركات مع موجة القرصنة التي واكبت هذه الانطلاقة التكنولوجية.
بالنّسبة للتوصية الرابعة، فتتناول موضوع الساعة: تغيّر المناخ وانعكاس هذا التغيّر على البيئة، وهو مؤتمر عالمي ستشهده القاهرة في الشهر المقبل والاستعداد له كبير لأنّ هذا التغيّر سيزيد من الأعباء الماديّة ومن الكلفة (الباهظة)، وهي كلفة تحتاج إلى تعاون بين شركات التأمين المباشرة وشركات الإعادة، كما جاء في التوصية الثانية.
في التوصية الخامسة، تركيزٌ على الاستعانة بالكفاءات الشابة لذوي المهارات المميّزة باعتبارهم قادة المستقبل. وهذه التوصية بديهيّة وقد بدأت شركات تأمين وإعادة عدّة في العالم أجمع، تستعين بهذه الكفاءات التي ستُدخل دمًا جديدًا إلى هذا القطاع.
تبقى التوصية السادسة التي طرحت فكرتَيْن للتنفيذ، أوّلهما إنشاء مجمّع من الشركات لتأمين الأخطار الطبيعيّة، وثانيهما إيجاد نوع من التكامل لخدمة تأمين المشروعات الصغيرة والمتوسطّة، فضلاً عن تغطية ما بات يُعرف بــ “الأجهزة المتناهية الصّغر”، لأنّ هذا النوع من التغطيات يقضي على البطالة ويحرّك مجتمع كلّ دولة ويُنعش القدرة على الصمود أمام أيّ خطرٍ من الأخطار المرتقبة.
يبقى أن نشير إلى أنّ مدير الاتّحاد المصري د. طارق سيف هو الذي قرأ هذه التوصيات في نهاية المؤتمر الذي تخلّله حفل توزيع جوائز على الفائزين بالموضوع البحثي، كما وزّعت ميداليات تكريم لوسائل الإعلام المكتوبة والالكترونيّة التي رعت هذا الملتقى، ومن بينها “تأمين ومصارف”، علمًا بأنّ أهمّ حدث في مجال التكريم هو ذاك الذي خُصّص به المدير السابق للاتّحاد الأردني لشركات التأمين السيد ماهر الحسين.
وبطبيعة الحال، تنعّم المشاركون بالأجواء اللطيفة لشرم الشيخ ومنتجعاتها وشواطئها وأسماكها الملوّنة، فضلاً عن حفلات تكريميّة دعت إليها شركات وأخرى غنائيّة ورقص.