خصّص الإتحاد المصري للتأمين ملفاً متكاملاً عن مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ COP27 الذي يستمر انعقاده في مدينة شرم الشيخ على خلفية الأحداث المناخية القاسية التي شهدتها دول أنحاء العالم، فضلاً عن أزمة الطاقة التي أثارتها الحرب في أوكرانيا، والبيانات العلمية التي تؤكد أن العالم لا يفعل ما يكفي للتصدّي لانبعاثات الكربون وحماية مستقبل كوكبنا.
هذا النوع من المؤتمرات ليس مستجداً، بل يعود تاريخياً الى العام 1992 عندما نظمّت الأمم المتحدة قمة الأرض في ريو دي جانيرو بالبرازيل. يومها تمّ اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ وأُنشئت وكالتها التنسيقية، وهو ما نعرفه الآن باسم “أمانة الأمم المتحدة لتغيّر المناخ”. ففي هذه المعاهدة، وافقت الدول على “تثبيت استقرار تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي لمنع التدخّل الخطير من النشاط البشري في نظام المناخ”، وقد وقّع عليها حتى الآن 197 طرفاً مختلفاً. ومع دخول المعاهدة حيّز التنفيذ في العام 1994، أقدمت الأمم المتحدة بشكل سنوي على جمع كل الدول تقريباً لحضور مؤتمرات القمة العالمية للمناخ، المعروفة باسم “COP”، والتي تعني “مؤتمر الأطراف.” وخلال هذه الاجتماعات، تفاوضت الدول على ملاحق مختلفة للمعاهدة الأصلية لوضع حدود ملزمة قانوناً للانبعاثات، على سبيل المثال:
- بروتوكول كيوتو في عام 1997.
- اتفاق بـاريس الذي اعتُمد في العام 2015، والذي في خلاله وافقت جميع دول العالم على تكثيف الجهود من أجل محاولة الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية فوق درجات حرارة ما قبل الصناعة، وتعزيز تمويل العمل المناخي.
الجدير بالذكر أن COP26 في العام الماضي بلغ ذروته في ميثاق غلاسكو للمناخ الذي أتى بعد خمس سنوات من توقيع اتفاق باريس والذي حافظ على هدف الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية حياً، ولكن ضعيفاً.

فيCOP26 ، اتفقت الدول على تقديم التزامات أقوى في مؤتمر العام الحالي، إلا أن 23 دولة فقط من بين 193 دولة قدّمت خططها إلى الأمم المتحدة حتى الآن. كما شهد COP26 أيضاً العديد من التعهّدات التي التزمها الأطراف في ما يتعلق بالتزامات الصافي الصفري، وحماية الغابات والتمويل المناخي. أما العنوان العريض لمؤتمر العام الحالي فهو الانتقال “من المفاوضات والتخطيط إلى التنفيذ” لكل الوعود والتعهدات التي تمّ تقديمها من قبل، وصولاً الى تحقيق نتائج موضوعية شاملة وطموحة تتناسب مع التحدي القائم على العلم وتسترشد بالمبادئ التي تستند إلى الاتفاقات والقرارات والتعهدات والالتزامات ، من ريو 1992 إلى غلاسكو 2021 ، وكذلك تسريع العمل المناخي العالمي من خلال الحدّ من الانبعاثات وزيادة جهود التكيّف وتعزيز تدفّقات التمويل المناسب مؤكدة أن “الانتقال العادل” يظلّ أولوية للبلدان النامية في جميع أنحاء العالم.
وتتلخص أهداف المؤتمر في:
1-التخفيف Mitigation، أي التعاون للحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من 2 درجة مئوية والعمل بجدّ للحفاظ على تحقيق هدف الوصول إلى 1.5 درجة مئوية عن طريق اتخاذ إجراءات فورية وزيادة الطموح من قبل جميع الأطراف ، ولا سيما أولئك الذين هم في وضع يسمح لهم بذلك وأولئك الذين يستطيعون أن يكونوا قدوة تُحتذى.
2-التكيّف Adaptation، بمعنى كيف ستقوم الدول بالتكيّف مع تغيّر المناخ ومساعدة الآخرين على ذلك، خصوصاً بعدما أصبحت أحداث الطقس القاسية من موجات الحرّ والفيضانات وحرائق الغابات حقيقة يومية. وكان قادة العالم والحكومات والدول الأطراف، قد التزموا في COP26، بالعمل العالمي المعزّز بشأن التكيف، ومن هنا يجب التأكدّ من أن COP27 حقّق المطلوب بشكل حاسم وحثّ جميع الأطراف على إظهار الإرادة السياسية اللازمة في تحديد وتقييم التقدّم الذي تمّ احرازه نحو تعزيز المرونة ومساعدة المجتمعات الأكثر ضعفاً، الى جانب الهدف العالمي المتعلّق بالتكيّف.
3- التمويل Finance والوفاء بالتعهدات، أي ضرورة إحراز تقدم كبير في COP27 في القضية الحاسمة المتعلقة بتمويل المناخ وأيضا أهمية كفاية التمويل المتعلق به وإمكانية التنبؤ به لتحقيق أهداف اتفاق باريس، ولهذه الغاية، بدت هناك حاجة لتعزيز شفافية التدفّقات المالية وتسهيل الوصول لتلبية احتياجات البلدان النامية ، ولا سيما أفريقيا وأقلّ البلدان نمواً والدول النامية.

4-التعاون Collaboration، لأن التعاون بين الأطراف، يُحقّق الاهداف ويضمن أن يتبنّى العالم نموذجًا اقتصاديًا أكثر مرونة واستدامة.
وكانت مصر، في إطار استعداداتها لاستضافة COP27 ، قد أطلقت عدة مبادرات لتعزيز التنسيق مع الحكومات الأفريقية والوصول إلى رؤية وموقف أفريقيَيْن موحدَيْن، وإلى إيجاد طرق لتلبية احتياجاتها التمويلية اللازمة لتنفيذ مشاريع للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر ، في وقت تشهد فيه القارة موجة من أزمات الغذاء والطاقة. كذلك عقدت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية مشاورات منفصلة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمناقشة المبادرات التي أطلق عليها اسم “حياة كريمة لأفريقيا قادرة على مواجهة تغيّر المناخ”، و”أصدقاء تخضير الميزانيات الوطنية في أفريقيا والبلدان النامية “، وذلك لمناقشة الأفكار الأولية والخطوات التي يجب اتخاذها لتنفيذ المبادرات وتحديد الأدوار واقتراح جداول زمنية لإطلاقها. وفي (أيار) مايو ، تعاونت مصر في إطلاق العديد من المشاريع الأفريقية مثل “تحالف الهيدروجين الأخضر الأفريقي” مع موريتانيا وناميبيا وكينيا وجنوب إفريقيا.
الواقع الحالي في صورة رمزيّة

وتركّز الرؤية الرسمية لمصر بشأن COP27 على الانتقال الفوري من مرحلة المفاوضات إلى مرحلة التنفيذ الفعلي. كذلك تسعى إلى تحقيق تقدّم متوازن في قضايا خفض الانبعاثات أو التكيّف معها أو وسائل الدعم من التمويل والتكنولوجيا. ومن أجل ذلك، اجتمع وزراء المالية والاقتصاد والتنمية والبيئة الأفارقة في القاهرة في 7 أيلول (سبتمبر) 2022 لصياغة رؤية أفريقية موحّدة بشأن قضايا وبرامج التمويل لمواجهة تغيّر المناخ لضمان النمو المستدام .و تسعى مصر حالياً لأن تكون صوت إفريقيا خلال الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف.
وتطرح مصر نفسها صوتاً لأفريقيا كمسعى عاجل للتالي: على الدول الغنية أن تكثّف دعمها لأفريقيا والبلدان النامية في معالجة الآثار الماضية والحالية والمستقبلية لتغيّر المناخ، اذ يرسم تقرير العام 2022 الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ (IPCC) صورة قاتمة لمستقبل الحياة على الأرض… صورة تتسم بانهيار النظام البيئي، وانقراض الأنواع، والمخاطر المناخية مثل الموجات الحارة والفيضانات. وترتبط تلك الظواهر جميعها بمشاكل الصحة البدنية والعقلية ، و سيكون لها عواقب مباشرة وغير مباشرة على زيادة معدلات الأمراض والوفيات morbidity and mortality. ولتجنّب هذه الآثار الصحية الكارثية المحتملة في جميع مناطق العالم ، هناك اتفاق واسع النطاق على أن الارتفاع في درجة الحرارة العالمية يجب أن يقتصر على أقل من 1.5 درجة مئوية، مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية . ورغم أن اتفاقية باريس لعام 2015 حدّدت إطار عمل عالمياً يتضمّن توفير التمويل المناخي للبلدان النامية، فإن هذا الدعم لم يتحقّق بعد .
ووفقًا للبيان الصادر عقب منتدى مصر للتعاون الدولي واجتماع وزراء المالية والاقتصاد والبيئة الأفارقة، فإن إفريقيا تساهم بأقل من 4٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم ،ومع ذلك فإن أقل من 5.5٪ من تدفقات تمويل المناخ في العالم تتجه إلى إفريقيا. وعلى رغم من ضعف الموارد الاقتصادية ، تلتزم دول القارة الأفريقية بإنفاق 2 الى 3٪ من ناتجها المحلي الإجمالي كل عام لمواجهة آثار تغيّر المناخ، علماً أنه كانت لهذه الأزمة تأثيرات كبيرة على المحدّدات البيئية والاجتماعية للصحة في جميع أنحاء أفريقيا، ما أدى إلى آثار صحية مدّمرة. وتشمل المخاطر المرتبطة بتغير المناخ في أفريقيا: الفيضانات والجفاف وموجات الحر وانخفاض إنتاج الغذاء وانخفاض إنتاجية العمالة.
وبالفعل، تضاعفت حالات الجفاف في أفريقيا جنوب الصحراء بين 1970و 1979 و 2010و2019، بجسب تقرير للبنك الدولي ، 2021. ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ، ازداد سوء التغذية بنحو 50٪ منذ عام 2012 ، بسبب الدور المركزي الذي تلعبه الزراعة في الاقتصادات الأفريقية. كما سبّبت الصدمات البيئية وآثارها غير المباشرة ضرراً جسيماً بالصحة العقلية. وتشير التقديرات إلى أن أزمة المناخ قد دمّرت خُمس الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الأكثر عرضة للصدمات المناخية. لذا ينبغي أن يكون الضرر الذي يلحق بأفريقيا هو الشاغل الأكبر لجميع الدول.. فمن غير المنطقي أن تكون الدول الأكثر تضررًا هي الأقل مساهمة في الانبعاثات العالمية المتراكمة. لذا، هناك ضرورة لكي تتظافر الجهود من أجل التصدي لأزمة المناخ التي تخلق مشاكل مثل الفقر والأمراض المعدية والهجرة القسرية والصراعات التي تنتشر من خلال الأنظمة العالمية، ودائماً حسب تقرير البنك الدولي ، 2021. وتؤثّر هذه العوامل غير المباشرة في جميع الدول. و قد كان COVID-19 بمثابة دعوة للاستيقاظ لهذه الديناميكيات العالمية. وليس من قبيل المصادفة أن القطاعات الصحية كانت الأنشط في تحديد عواقب المخاطر النظامية المتزايدة على الصحة وطرق الاستجابة لها. لكن لا ينبغي أن تقتصر الدروس المستفادة من جائحة COVID-19 على مخاطر الجائحة فقط ، فمن الضروري أن تكون معاناة دول المواجهة، بما في ذلك تلك الموجودة في إفريقيا، الاعتبار الأساسي في COP27: في عالم مترابط، اذ إن ترك البلدان الضعيفة تحت رحمة الصدمات البيئية يؤدي إلى عدم الاستقرار الذي له عواقب وخيمة على جميع الدول.

صحيح أن التركيز الأساسي للقمة المناخية على سرعة الحدّ من الانبعاثات بحيث يتمّ الإبقاء على ارتفاع درجات الحرارة العالمية دون 1.5 درجة مئوية للحد من الأضرار، لكن بالنسبة لأفريقيا والمناطق الأخرى، فإن هذا الضرر خطير بالفعل. ذلك إن تحقيق الهدف الموعود بتوفير مئة مليار دولار من تمويل المناخ سنويًا هو أمر بالغ الأهمية على الصعيد العالمي، ويمكن القيام بذلك من خلال ضمان تركيز هذه الموارد على زيادة القدرة على مواجهة الآثار الحالية والتي لا مفرّ منها في المستقبل لأزمة المناخ، وكذلك دعم الدول النامية للحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. و يجب أن تأتي هذه الموارد في شكل منح لا بشكل قروض ، وأن يتمّ توسيع نطاقها بشكل عاجل قبل فترة المراجعة الحالية والتي تنتهي في العام 2025.
لقد تمّ إحراز بعض التقدّم في التكيّف في إفريقيا وحول العالم ، بما في ذلك توفير أنظمة الإنذار المبكّر والبنية التحتية لمواجهة الظواهر المناخية المتطرّفة. لكن دول المواجهة لم يتمّ تعويضها عن التأثر بأزمة لم تتسبّب فيها، ما سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار العالمي، حيث تضخّ الدول الأموال في الاستجابة للكوارث، لكنها لم تعمل على تقليل المشكلة الجذرية من خلال خفض الانبعاثات.
ان تغيّر المناخ، من خلال الظواهر المناخية المتطرفة مثل الأعاصير المدارية والتصحّر وارتفاع مستوى سطح البحر، يتسبّب في أضرار مكلفة للبلدان. ولأن اشتداد هذه “الكوارث الطبيعية” ناتج عن زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومعظمها من البلدان الصناعية الغنية، لذا فإن البلدان النامية – الأكثر تضررا في كثير من الأحيان – تجزم بضرورة حصولها على تعويضات. فقبل تسع سنوات، اتفق مفاوضو الأمم المتحدة بشأن المناخ على إنشاء آلية رسمية لمعالجة الخسائر والأضرار، ولكن لم يظهر سوى القليل من النتائج الملموسة، بخلاف الجهود التي تدعمها الجهات المانحة لتعزيز التأمين ضد كوارث الطقس في البلدان النامية. ومع تعرّض دول المواجهة لضربات أشد، فإنها تضغط للحصول على التمويل والمساعدات اللازمة للتعامل مع الخسائر والأضرار الناجمة عن تفاقم الفيضانات والجفاف والعواصف والحرارة وارتفاع مستويات سطح البحر. وقد تقدم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش باقتراح مثير للجدل للحكومات الغنية بفرض ضرائب على الأرباح “غير المتوقعة” لشركات الوقود الأحفوري. واقترح أن يتمّ إعادة توجيه الأموال إلى البلدان التي تعاني الخسائر والأضرار الناجمة عن تغيّر المناخ، وكذلك إلى الأشخاص الذين يعانون ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. لهذا لا بدّ أن تكون الخسائر والأضرار الناجمة عن تغيّر المناخ موضوعاً ساخنًا في المؤتمر الحالي في شرم الشيخ.
فما هي الخسائر والأضرار الناجمة عن تغيّر المناخ؟
يمكن قياس نسبة كبيرة من “الخسائر والأضرار” من الناحية المالية كتكلفة المنازل والبنية التحتية، ولكن هناك خسائر “غير اقتصادية” يصعب تحديدها كمياً مثل ثقافات السكان الأصليين إذا اضطر السكان في مجتمع ما إلى الهجرة بسبب عدم صلاحية أرضهم للسكن. وفي هذا الصدد، أوضح تقرير الأمم المتحدة الذي صدر في حزيران (يونيو) 2022 حول 55 اقتصادًا تضّرروا بشدة من تغيّر المناخ “(من بنغلاديش إلى كينيا إلى جنوب السودان)، أن سكان هذه المناطق كانوا سيصبحون أكثر ثراء بنسبة 20% لولا تغيّر المناخ وتكبّدهم خسائر لحقت بهم، تُقدّر قيمتها بـ 525 مليار دولار نتيجة للتغيّر في درجة الحرارة وهطول الأمطار على مدى العقدَيْن الماضيَيْن لا سيما وأن تدفقات المساعدات التي قُدمّت إليها لا تواكب احتياجاتها المتزايدة.
وتطرح دراسة الإتحاد المصري للتأمين السؤال التالي:
هل للتأمين دور في مواجهة مخاطر تغيّر المناخ؟ والجواب: نعم بالتأكيد! فكيف؟
1- يساعد التأمين ضد مخاطر المناخ في حماية الأفراد أو الشركات الصغيرة أو البلاد بأكملها من الضرر الدائم الناجم عن تأثير الظواهر الجوية المتطرفة. فعلى المدى القصير يقلّل من تأثير الكوارث الطبيعية، وعلى المدى الطويل يُساهم في الوقاية من مخاطر الكوارث . وكما أن للتأمين ضد مخاطر المناخ مزايا اقتصادية، فإنه أيضاً أداة إقتصادية تتيح للدول المتأثرة بتغيّر المناخ أن تصبح أكثر استقلالية، بعدما يزيد من قدرتها على إدارة مخاطر الكوارث بنفسها دون الاعتماد على المساعدات الدولية.
2- ولأنه لا يوجد حلّ واحد يناسب الجميع، يُعمل حالياً على تصميم الحلول التأمينية للحماية من الأحداث المناخية القاسية، وفقًا للاحتياجات والظروف المحلية، سواء من حيث أنواع المخاطر المناخية التي قد تواجهها منطقة ما، أو الاحتياجات والقدرات الاقتصادية للعملاء المحتملين. كما أن التقييمات المحلية ضرورية لفهم احتياجات المجتمعات الضعيفة وتحديد أفضل طريقة للاستعداد لها في حالة حدوث الكوارث الطبيعية. لكن التأمين ضد مخاطر المناخ ليس حلاً مستقلاً، بل ينبغي أن يكون دائمًا مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا باستراتيجيات إدارة المخاطر الوقائية، ما يضمن تقليل الخسائر والأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية إلى الحد الأدنى.
3- لا يزال تحمّل الأقساط على أساس المخاطر يمثّل تحديًا رئيسيًا للفئات الضعيفة من السكان، اذا تُعتبر تدابير زيادة القدرة على تحمّل تكاليف المنتجات التأمينية ذات أهمية قصوى لنجاح خطط التأمين. ولكي يصبح التأمين ميسور التكلفة، يجب أن يكون المنتج مدعومًا جزئيًا – أو كليًا – من قبل الحكومات أو الجهات المانحة الأخرى، و يجب أن تكون برامج السداد مصممة لتلبي الظروف الشخصية والاقتصادية للعميل.
4- ان المساعدة الدولية تُغطي حوالي 9٪ فقط من التكلفة الإجمالية للكارثة في المتوسط. وفي كثير من الحالات يتعيّن على الأُسر المتضرّرة دفع تكاليف الخسائر والأضرار بنفسها، أو الانتظار شهورًا للحصول على المساعدة الحكومية أو مساعدات المانحين من خلال الاعتماد على الأطراف الفاعلة ذوي الصلة مثل الجمعيات المحلية، والتعاونيات، مجموعات الادخار والائتمان. وتتمتع شركات التأمين بإمكانية الوصول إلى آليات تسليم التعويضات المعمول بها، وضمان أن تصل التعويضات للمتضررين في الوقت المناسب، وأن تكون موجهة بشكل جيد، وتغطي الضرّر بقدر أكبر من مدفوعات المانحين التقليدية، علماً أن هذه التعويضات السريعة تقلّل من حاجة الأسر إلى الحصول على قرض أو فيزا هجرة للعمل في الخارج أو اخراج طفل من المدرسة من أجل استعادة قوتها المالية مرة أخرى.

5- إن التأمين الشّفاف الذي يُشرك المجتمعات في التصميم والتنفيذ، هو الذي يولّد الثقة. وتتمثل الشفافية فى كيفية سداد التعويضات، التعاون مع المنظمات التي لها جذور عميقة في المجتمعات، إلى جانب ضمان مشاركة وإدماج النساء، ما يزيد من مستويات المشاركة الهادفة.
6- تعد الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية أمر بالغ الأهمية لضمان نجاح التأمين ضد مخاطر المناخ. ويُمكن برامج التأمين المصمّمة بشكل صحيح أن تُعطي حافزًا لتقليل المخاطر من خلال مكافأة العملاء على اتخاذ إجراءات إيجابية. كما يمكن أن تثني أقساط التأمين المرتفعة العملاء عن العيش في المناطق المعرّضة بشكل متزايد لخطر الفيضانات أو الانهيارات الأرضية، أو تشجعهم على اتخاذ تدابير وقائية، ما يقلل من مستويات ضعفهم على المدى الطويل.
وفي الإنتقال الى نتائج COP26 وعلاقتها بصناعة التأمين، نرى أن مؤتمر العام الماضي لم يُحقّق كلّ شيء كان من المفترض أن يحقّقه، لكنه سجّل بعض المعالم المهمة تجاه معالجة تغيّر المناخ. كانت هناك التزامات ملموسة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 45٪ بحلول عام 2030، مقارنة بخط الأساس لعام 2010. كما تمّ تخفيض المدى الزمني لمراجعة التزامات الدولة لخفض الانبعاثات من كل خمس سنوات إلى كل عام، وتم إدراج عبارة “صافي صفر” في الاتفاق النهائي لأول مرة. كما ركّز COP26 على بعض الموضوعات الرئيسية مثل: فجوة حماية التأمين، وإزالة الكربون بحلول عام 2050، والانتقال إلى إعداد التقارير التنظيمية الإلزامية. وهكذا باتت صناعة التأمين في وضع فريد للتعامل مع هذه التحديات وغيرها التي يجلبها تغيّر المناخ نظراً لمعرفتها بالمخاطر البيئية، ما يمكّنها من لعب دور حاسم في التقييم الدقيق للمخاطر، و التخفيف من الخسائر وسد فجوة الحماية، أي الفرق بين إجمالي الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث ومقدار تلك الخسائر التي يغطيها التأمين. ووفقًا لميونخ ري، تتجاوز فجوة الحماية من الكوارث الطبيعية في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط 95٪. ومع استمرار تغيّر المناخ متمثّلا في زيادة تواتر وشدة الظواهر الجوية المتطرفة، أصبحت فجوة الحماية قضية رئيسية بشكل متزايد في المناقشات المناخية. فخلال COP26، تمّ الإعلان عن مبادرات مختلفة تهدف إلى معالجة هذه القضية. على سبيل المثال، التزمت الحكومة الألمانية بمبلغ 18 مليون يورو للمساعدة في دعم أقساط التأمين للحكومات الأفريقية والوكالات الإنسانية، وذلك لتمكين السكان مالياً من شراء التأمين المتعلق بالمناخ من خلالAfrican Risk Capacity ، وهو تجمّع مخاطر معياري متعدد البلدان، يتمّ من خلاله تغطية المزيد من التدابير للمساعدة في بناء المرونة ومعالجة فجوة الحماية في البلدان ذات الدخل المنخفض.
وبالنسبة لإزالة الكربون، تمّ إطلاق تحالف لشركات التأمين من أجل تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية (NZIA) ، ويمثّل هذا التحالف شركات التأمين الكبيرة الملتزمة نقل محافظ الاكتتاب إلى صافي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2050. الأعضاء المؤسسون لـ NZIA هم:AXA (الرئيس)، أليانز، أفيفا، جينيرالي، ميونيخ ري، SCOR ، Swiss Re وزيوريخ. وتعهّد المؤسسون بوضع أهداف علمية بشكل فردي كل خمس سنوات والإفصاح عنها سنوياً. وأعلنت حكومة المملكة المتحدة أيضًا أنها ستطلب من الشركات العاملة فيها، بما في ذلك شركات التأمين وإعادة التأمين، نَشْر خطط مفصّلة لكيفية انتقالهم إلى مستقبل منخفض الكربون بحلول عام 2023. وقد انضمت هيئة اللويدز إلى NZIA قبل بدء COP26 مباشرة. كما أنشأت نظامًا جديدًا للإفصاح وشفافية الاستدامة على مستوى السوق، والذي سيتّم استخدامه لقياس التقدّم الذي أحرزه السوق نحو الوصول إلى صافي الصفر في محافظ الاكتتاب بحلول عام 2050.
للتذكير: قبل COP26، كان إفصاح الشركات عن الأنشطة المتعلقة بتغيّر المناخ محدوداً، مع وجود عدد قليل جدًا من مقاييس الإبلاغ المحدّدة بدقة. والآن، من خلال مزيج من الضغوط من جانب المستثمرين والنشطاء و التزام الحكومات بخفض الانبعاثات إلى الصفر في المستقبل بدأ العالم يشهد تقديم الشركات لإفصاحات إلزامية، بما في ذلك شركات التأمين.
لقد تمّ إطلاق فريق العمل المعني بالإفصاحات المالية المتعلقة بالمناخ (TCFD) في COP21 في عام 2015، وهو الآن إطار واسع الاستخدام لفهم المعلومات المالية المتعلقة بالمناخ والكشف عنها. و قد أعلنت حكومة المملكة المتحدة أنه بحلول نيسان (أبريل) 2022، سيكون إلزامًا على الشركات الكبيرة (تلك التي تضمّ أكثر من 500 موظف و تحقّق مبيعات بقيمة أكثر من 500 مليون جنيه إسترليني)، الكشف عن المعلومات المالية المتعلقة بالمناخ بما يتماشى مع توصيات TCFD.
يبقى أن نتعرف الى رأي الإتحاد المصري، وكما هي العادة، بشأن مخاطر المناخ. وفي هذا الصدد، يُشير التحقيق الى أن الإتحاد المذكور تنّبه لمخاطر المناخ منذ عدة سنوات وقام بالعديد من الجهود على مستوي تأسيس اللجان المتخصصة الدائمة مثل اللجنة العامة للتأمين المستدام واللجنة العامة للتأمين الزارعي أو اللجان المؤقتة مثل لجنة دراسة إنشاء مجمعة تأمين الاخطار الطبيعية، فضلاً عن عقد العديد من الحلقات النقاشية والمؤتمرات وورش العمل وقد أصدر الاتحاد المصري للتأمين إعلاناً باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية تزامنا مع انعقاد قمة الامم المتحدة للتغيّر المناخي، اكد فيه استمرار التزامه بالقضايا المتعلقة بالصمود والعدالة المناخية.
وينص الإعلان على:
– يجدّد الاتحاد المصري للتأمين التزامه بالمساهمة بشكل فعّال في تحوّل سوق التأمين المصري وكذلك المجتمع والاقتصاد المصريَيْن نحو مسار خالٍ من الكربون من أجل تحقيق النمو لجميع الأطراف. ويدعو الاتحاد جميع أعضائه إلى تفعيل الدور المهم الذي يلعبه التأمين لتحقيق العدالة والصمود المناخي للأجيال القادمة وضمان قدرة القطاع على مواجهة مخاطر المناخ وتجنّب خسائرها.
وللقيام بذلك، سنواصل جهودنا من أجل:
– تعزيز إمكانية الوصول إلى الشمول التأميني والتأمين متناهي الصغر في إطار العدالة المناخية.
– تقديم نماذج ومنتجات للتأمين المستدام للشركات الأعضاء لاعتمادها والعمل بها.
– مواصلة الجهود لإنشاء مجمّع لتأمين الأخطار الطبيعية للتخفيف من مخاطر المناخ.
– مواصلة الحصول على العضوية في الشبكات والأطر الدولية التي تدعم التأمين المستدام.

– تشجيع الشركات الأعضاء على تعميم الاعتبارات المناخية في الأطر التشغيلية الخاصة بها والاستمرار في الكشف عن المعلومات والأنشطة ذات الصلة من خلال تقارير حوكمة الاستدامة الثلاثية ESG وتقارير فرق العمل المعنية بالإفصاحات المالية المتعلقة بالمناخ TCFD والتي يتم طلبها من قبل الهيئة العامة للرقابة المالية وفقاً لقراري رئيس مجلس إدارة الهيئة رقمي (107)، (108) لسنة 2021.
– مواصلة الالتزام بالمبادرات والأنشطة واللوائح ذات الصلة التي تدعو إليها الهيئة العامة للرقابة المالية ودعم وتعزيز تلك المبادرات.
– يدرس الاتحاد المصري للتأمين امكانية توريق الاخطار القابلة للتأمين Insurance – linked securities من خلال آليه سندات الخسائر الكارثية Catastrophe bonds وفقا لتوصيات الهيئة العامة للرقابة المالية.
نُشير، على هامش هذا المؤتمر، إلى أن الإتحاد المصري للتأمين، أقام ثلاث ورش عمل هي:
– الأولى عن “دور التأمين في مواجهة قضايا المناخ”، بالتعاون مع شركات إعادة هي: سويس ري، ميتلايف العالمية، وأليانز، أدارتها السيدة سينا حبوس (مستشار الاستدامة بالاتحاد المصرى للتأمين) وتحدث فيها كلّ من: فيرونكا سكوتي (رئيس حلول القطاع العام بالشركة السويسرية لإعادة التأمين)، نوريا جارسيا (الرئيس الإقليمى لشركة متلايف ) وأيمن حجازى (رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذى لشركة أليانز مصر)
– الثانية “كيف يمكن شركات التأمين المساعدة في بناء القدرة على الصمود فى مواجهة موجات الجفاف المتزايدة”، بالتعاون مع الإتحاد الفرنسي للتأمين والإتحاد المغربي للتأمين أدارها رئيس الإتحاد المصري السيد علاء الزهيري وتحدث فيها: إكسويهى ليهان (الامين العام لمنتدى تطوير التأمين)، ستيفانو سيجنور (رئيس وحدة تغير المناخ والطاقة المستدامة بالمفوضية الأوروبية)، جو تيندال( مدير شئون البيئة ب OECD)، كارينا واللى (رئيس القطاع العام لقضايا المناخ بشركة أكسا).
– الثالثة عن “المخاطر المادية وقدرة البنية التحتية الحيوية على الصمود: قناة السويس كنموذج للدراسة” وذلك بالتعاون مع شركة “مارش”، وقد أدارها السيد هيثم طاهر (نائب رئيس مجلس الادارة لشركة متلايف) وتحدث فيها كل من: إيمى بارنس (رئيس إستراتيجية المناخ والاستدامة بمؤسسة مارش)، سكوت وليامز (مدير تنسيق شئون حوكمة الاستدامة الثلاثية بمؤسسة مارش)، ونك فاول (رئيس وحدة أخطار المناخ والاستدامة بمؤسسة مارش).
يبقى أن نذكر أنه بمناسبة انعقاد مؤتمر المناخ COP 27، أصدر الإتحاد العام العربي للتأمين نشرة الكترونية خاصة لتغطية أهم الفعاليات التأمينية في المؤتمر والقرارات التي لها علاقة بالتأمين. ويمكن الدخول اليها بالنقر على الرابط: https://gaif.org/Archive/f49c9ca4.pdf، علماً أن الإتحاد العام العربي للتأمين قد أطلق في الثاني من شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي مبادرة تهدف الى ايجاد حلول تأمينية عربية تُساهم في الحدّ من الآثار الكارثية للمخاطر الطبيعية.