يعاين ضغط مريض
مع أن الوفيات الطبية نادرة في الطائرات المحلّقة، الا أن الوقاية ضرورية وخصوصاً اذا كان المسافر يشكو علّة ما. فما هي الإرشادات الواجب اتباعها؟
عودة إلى الثلاثينات من القرن الماضي، مع فجر انطلاق الطيران التجاري، وبدء خطواته الأولى المتعثّرة خطواته المتعثرة العصبية، كان العاملون والعاملات القيّمون على رعاية أمور الركاب، يُنتقون انتقاء من بين خبراء التمريض المسجّلين رسمياً. وقد كانوا يرتدون الألبسة البيضاء المنشاة المعروفة. وكان القادرون جسدياً منهم يؤدّون، الى جانب التمريض الطائر، كل الأعمال البدنية. فقد كان المضيفون يسهمون في دفع الطائرات المروحية من داخل الحظيرة الى مدرج الطيران، ويصبّون القهوة في فناجين الركاب ويرعون المرضى.
أما اليوم فلم يعد هنالك ممرضات وممرضون على متن طائرات الركاب. كما أن أنواع المسافرين جوًّا قد اختلفت أيضاً. فقبل عشرين عاماً، كان ركاب الطائرات افتى واصغر سناً. لذلك، فإن لنا أن نتوقع زيادة عدد الطوارئ الطبية بين ركاب الطائرات.
الوفيات نادرة: ان الطيران في هذه الأيام مأمون وحوادثه قليلة، أو هي شبيهة بحوادث السيارات على كل حال. فإذا لم يكن المسافر يُعاني مشكلة طبية شديدة فإن ركوب الطائرة لا يُسبب له أي أذى. فالطيران العادي المألوف يُراعي اعتبارات الضغط الجوي في غرفة الركاب على أي ارتفاع، بحيث أن الإنسان العادي يستطيع تحمّل الضغط بدون أي انزعاج. أما اذا كان مصاباً بآفة شديدة، فإن مقدار تحمّله قد يطرأ عليه شيء من الضعف. فالمصاب بآفة قلبية أو رئوية أكثر احتمالاُ بالتأثر بالإرتفاعات من سواه. ومن حسن الحظ ان الوفيات الطبية أثناء الطيران نادرة اذا اخذ في الحسبان العدد الهائل من ركاب الطائرات في العالم.
ان أية طائرة للركاب تابعة لأي من الخطوط الجوية الكبرى، لا تخلو في معظم الحالات من شخص ذي خبرة طبية. والتأهل الطبي في هذه الأحوال لا يعني بالضرورة ان يكون ذلك الشخص طبيباً بل يكفي أن يكون قد نال حظاً من التدريب الطبي.
وأول عمل ينبغي أن يتقنه المعاون الطبي الملحق بطائرة الركاب هو أن يكون قادراً على مواجهة الطوارئ، كإخماد الحرائق وإخلاء الطائرة من الركاب عند هبوطها. ومن البديهي أن يأتي تدرّب المعاون على مواجهة الطوارئ الطبية على رأس التدريبات التي ينبغي له أن يُتقنها ويمارسها.
الإتصال اللاسلكي ضروري. من المبادئ الطبية التي تعرفها كلّ أم، أن الحاجة تستدعي دائماً وجود طبيب تَسهُل مراجعته في أي وقت من الأوقات لمعالجة الحالات الصحية الطارئة. هذا على الأرض. أما في الجو، فإن الحاجة تدعو الى وجود اتصال سهل بالراديو بين قائد الطائرة والمراكز الأرضية. والحقيقة هي أن هناك شركات للطيران قد فطنت الى ذلك، فأوجدت مثل هذا الإتصال عن طريق إيجاد خط أحمر لا يفتر ساعة واحدة بين الطائرة والأرض. لكن في الأحوال الطارئة يتصل قائد الطائرة مع أقرب مطار منذراً بوقوع حادث طارئ. ويتولى المختصون على الأرض أمر الإتصال بأقرب طبيب متيسر واستدعائه لمعالجة الحالة.
يُستدل من هذا على أهمية وجود الإتصال اللاسلكي الدائم بين قمرة الطائرة والمطار. فالطبيب في مثل هذه الحالة يعرف كيف يُسدي المعونة الطبية المطلوبة، فهو يستدعي سيارة اسعاف لملاقاة الطائرة عند هبوطها، وهو الذي يقرّر ما اذا كانت الحالة تستدعي نقل المريض الى المستشفى الصحيح لوضعه تحت رعاية وإشرافه.
عندما يكون الأمر متعلقاً بأمور الصحة في الطائرات المحلقة في الجو، فإن هناك أوجها كثيرة لتحسين الإستعدادات الطبية حفاظاً على أرواح الركاب. في ما يلي بعض ما ينبغي اتخاذه من إجراءات لمواجهة مثل هذه الحالات الطارئة:
- يجب أن تتظافر جهود المختصين في شركات الطيران والمؤسسات وخبراء الطوارئ الطبية والمعاونين الطبيين في الطائرات والمسؤولين في المطارات، من أجل إيجاد مبادئ إلزامية تحسن الإستجابة الطبية للطوارئ في الجو.
- الزام الطائرات بإيجاد اتصال لاسلكي دائم مع أطباء الطوارئ.
- التأكيد على شركات الطيران بضرورة تدريب عدد من الأفراد على الإسعافات الطبية المحددة الأغراض الى جانب الإسعافات الأولية العادية.
- الطلب من جميع الطائرات أن تحمل التجهيزات الطبية الأساسية اللازمة للوقاية من العدوى كأقنعة البلاستيك ذات الدسام الواحد التي تستعمل لإجراء التنفس الإصطناعي من الفم الى الفم، وكذلك القفازات الجراحية.
- تزويد كل المعاونين بقوائم مطبوعة مشتملة على الإجراءات الطارئة الواجب اتباعها.
ارشادات ونصائح. مع ذلك، يمكن تجنب الطوارئ الطبية باتباع الإرشادات التالية:
1- استشر طبيبك. اذا المسافر بالطائرة مصاباً بمشكلة طبية فعليه أن يبحث مع الطبيب مسألة طيرانه. فهناك تحليلات طبية يُمكن إجراؤها لقياس مقدرة الشخص على تحمّل الطيران في الإرتفاعات العالية.
2- تجنب الطيران فور إجراء عملية جراحية. ان الإسراع في ركوب الطائرة بُعيْد إجراء جراحة يمكن أن يخلق مشاكل للمسافر. لأن هذا التسرّع قد يؤدّي في بعض الحالات الى تمدد الهواء والغازات في الجسم. تحاشَ السفر بالطائرة الى ما بعد ثلاثة أسابيع على الأقل من إجراء جراحة قلبية أو رئوية أو معدية أو معوية، وبعد أسبوعين على الأقل من إجراء جراحة عينية. ولا ينبغي السفر بالطائرة الا بعد انقضاء ما بين أربعة وستة أسابيع على الإصابة بنوبة قلبية.
3- تحاشّ الطيران عند الإصابة بنزلة شديدة وخمج في المسالك التنفسية العلوية الأخرى. فالزكام الحادّ والرشح الشديد وأمثالهما يُمكن أن تسبب آلاماً حادة في الجيوب والآذان، قصيرة الأمد وذلك بسبب التبدّلات في الإرتفاعات. فإذا وجد الإنسان نفسه مضطراً الى السفر بالطائرة في مثل هذه الحالات، فعليه أن يصطحب معه مرذاذ لأنفه وقطارته لاستعمالهما قبل الهبوط وأثناءه لتخفيف آلام الأذن اذا حدثت، امتخطْ برفق واضغطْ أنفك ضغطاً يسيراً وذلك لدفع الهواء عبر نفير أوستاش، أو مضغ اللبان.
4– احمل معك تاريخك الطبي والبس قلادتك أو أسورتك اللتين تنبهان الناس الى وجود مرضك. وقد يفيد المريض أن يحمل معه أيضاً مذكرة من طبيبه تبين نوع الأدوية التي يتعاطاها والجرعات المطلوبة. فعن هذه السبل يستطيع أي طبيب غير خبير بحالتك الصحية أن يعرف كل شيء عن حالك.
5- خطّطْ سلفاً. اذا كان الإنسان مصاباً بالسكري الذي يتطلب تناول الأنسولين، وإذا كان بحكم رحلته مضطراً لعبور ثلاث مناطق زمنية أو أكثر (شرقاً أو غرباً) فليضع بمعاونة طبيبه قائمة بالأطعمة والأدوية التي ينبغي تناولها.
6- اجعل أدويتك قريبة المنال. احضر الأدوية في حقيبة اليد التي تلازمك لا في حقيبة العفش، وضعها تحت المقعد بحيث يسهل الوصول اليها بسرعة. تأكد من وضع بطاقة عليها لتمييزها ومعرفة محتوياتها. إذا كان الأمر يتطلب بقاءها باردة للإستعمال فضعها في علبة معزولة للتبريد كما تحفظ زجاجات الأطفال. لا تطلب من موظفي الطائرة وضع الأدوية في البراد، فقد تضيع عرضاً أو قد ينسى المريض استعادتها في نهاية الرحلة.
7- اجلس في مكان تقل فيه احتمالات الإصابة بدوار السفر. أي تجنب الأمكنة التي تدور فيها الطائرة دورة كبيرة.
8- تجنب الدخان. اذا كنت مدخناً فحاول الإمتناع عن التدخين أثناء السفر. واذا كنت غير مدخن، فاجلس بعيداً من القسم المتخصّص للتدخين قدر المستطاع. فالدخان يجعل من الصعب على الجسم أن يأخذ حاجته من الأكسيجين.
9- ابق ندياً. ان الهواء داخل الطائرة جاف. وهذا الجفاف قد يزيد من سوء حالة الإصابة بمشاكل تنفسية. اشرب كثيراً من السوائل قبل الطيران وأثناءه. وتجنّب الكحول. فالإرتفاع يقوي من تأثير الكحول على الجسم.
10-راقب فمك. لا تدخل فيه أطعمة قد تسبب لك الأرجية. احمل معك أطعمتك الخفيفة لئلا تغرى بتناول مأكولات محرمة عليك.
11- اكثِرْ من الحركة. ان البقاء طويلاً في ظروف كثيرة الإزدحام يُمكن أن يسبب استنقاع الدم في الأطراف السفلية وهذا قد يسبب إغماء الشخص اذا نهض من مقعده بسرعة. ولكن أسوأ من ذلك أن خمول بعض الأشخاص قد يؤدي الى اصابتها بجلطات دموية تصل من الساقين الى الرئَتَيْن مُحدثة مشاكل جسيمة. لذلك حرّك ساقيك صعوداً وهبوطاً بين وقت وآخر أثناء جلوسك.
12- اعلن عن مشكلتك. اذا شعرت بأنك مقدم على مشكلة أثناء السفر بالطائرة، كآلام في الصدر، أبلغ معاون الطائرة فوراً بذلك. فكلما أسرع الشخص في الإعلان عن مشكلته، تحاشى أن تتحوّل الى مشكلة طارئة حقيقية.