إكتئاب أو أوجاع الإمعاء
قد يكون اللبنانيون أكثر شعوب العالم معاناة من تشنجات الكولون (الإمعاء الغليظة) نتيجة الأزمات السياسية والإجتماعية والمالية والحياتية المتتابعة والمتراكمة ومن دون أي بريق أمل. وليس اللبناني وحده يشكو من آلام الكولون، بل ربما نصف سكان العالم أو ما يعني بلغة الأرقام حوالي أربعة مليارات شخص، إمّا لواحد من الأسباب التي ذكرنا أو للاسباب كلّها مجتمعة. وللإضاءة على مشاكل الكولون والحدّ من تشنجاته، أعددنا هذا التحقيق…
نَشأَت سامية وهي تعاني آلامًا في بطنها مترافقة مع نوبات خفيفة من الغثيان والاسهالات وحالات الإمساك والتشنج. لكن تلك النوبات لم تكن بالطول أو الشدة، ما يستدعي اللجوء الى الطبيب. غير أن الوضع تغيّر فجأة. فخلال الاشهر الأخيرة بدأ يزداد تعاقب الاسهالات والامساكات وتزداد ايضاً آلام التشنجات. ولم يستطع طبيب العائلة أن يشخّص عند سامية مرضاَ معيناً، كما عجز ايضاً الطبيب المختص بأمراض الجهاز الهضمي. ففيما عدا هذه الأعراض، لم يكن هناك خلل فيزيولوجي حقيقي.
كانت سامية تعاني مرضًا يدعى تشنج الكولون، وهو أكثر الأمراض العضمية شيوعاً، ومع هذا ما زالت اسبابه مجهولة. ومع أن الأطباء لا يعرفون، حتى الآن، لماذا يحدث، فإنهم يعرفون ماذا يحدث. ويقول أحد الأطباء إن الذين يشكون من المرض يعانون من معدة وأمعاء (دقيقة وغليظة) حساسة. فالمرض يعتبر اضطراباً وظيفياً لأنه لا يشير الى وجود اي شيء في الأنسجة بل إلى وجود خلل في وظيفة الجهاز الهضمي.
في الحالات العادية، تنقبض العضلات من المري حتى آخر الأمعاء الغليطة انقباضات تدفع بالطعام عبر القنوات الهضمية بطريقة منظّمة. لكن هذه العملية تختلّ عند الاشخاص الذين يعانون تشنج الكولون. فالانقباضات لديهم ليست منتظمة أو متزامنة، لذا يفقدون انتظام نزول الطعام في أجوافهم، كما أن معدهم تفرز زيادة في الحامض المَعِدي. وهذا الحامض يولّد لديهم شعوراً مزعجاً من الجوع المستمر ولا سيما في الصباخ الباكر. ويتمثّل الخلل في الانقباضات لديهم بشعورهم بألم في البطن.
واذا كانت التشنجات متقطّعة وغير منتظمة، فالمصاب يعاني الاسهال. واذا كانت متواصلة ودائمة فهي تؤدي إلى الإمساك. ولكن الحالة العادية للمرض تتمثّل في تعاقب الاسهالات والامساكات. فالمصابون يشعرون بالصحة ليوم أو يومين، ثم تأتيهم نوبة من الاسهالات لبضعة ايام ثم تريحهم لتبدأ بعدها نوبة اخرى من الامساكات لبضعة ايام أخُر. وتعاود هذه الدورة سيرتها ثانية لذا فهم لا يذوقون طعم الراحة الكاملة.
ويتفق معظم الأطباء على أن تشنج الكولون هو رد فعل على ضربات الشدة التي نواجهها او سوء هضم الأطعمة المولدة للغازات. وليست هناك دراسات تفيد عن السبب الذي يجعل ردود الفعل هذه تؤدي الى المرض. لكن لوحظ أن الأعراض تزداد سوءاً بازدياد ضغط الشدة، فهي اكثر مسببات المرض شيوعاً. والأطعمة المولدة للغازات تسبّب المرض أيضاً لانها تعمل على نفخ اجزاء من القناة الهضمية. وهذا لا يزعج معظمنا، ولكنه عند المصابين يسبّب انقباضاً استجابياً يزعجهم بسرعة كبيرة، علماً أن مختلف الأطعمة تؤدي الى التشنجات المعوية المختلفة ايضاً باختلاف الأشخاص، وليس هناك قاعدة عامة لهذه الحالات. ولكن ينصح بشكل عام أن المرء اذا شعر انه يتحسّس من طعام معين فالأفضل الابتعاد عنه كلية. فأساس المتاعب مجهول حتى الآن، وما يُعرف عن الشدة والأطعمة هو أنها تزيد الحالة سوءاً، أما السبب في ذلك فغير معروف.
وحسب الاحصابات الطبية، فان ثلثي المصابين بتشنج الكولون هم من النساء بين العشرين والاربعين من اعمارهن وأن المرض ليس خطيراً في حالاتهن على الاطلاق، إذ ينحصر نطاقه في إزعاجه للمصابة التي قد يعطّلها عن أداء مهام معينة او عن القيام بالزيارات، ولكنه لا يقصر العمر مثلاً أو يؤدي الى السرطانات أو التهاب غشاء الكولون التقرحي. والذين يعانون تشنج الكولون لا يفقدون أوزانهم (إلا اذا كانوا يعانون الاكتئاب ايضاً).
وهناك لحسن الحظ عدة أمور ومواد يمكن ان تخفّف من المعاناة. ويبدو أن الأطباء يجمعون على فائدة مادة واحدة في هذا المجال آلا وهي الألياف. فالأطعمة المحتوية على الألياف هي حتماً حجر الزاوية في علاج تشنّج الكولون. وزيادة هذه الأطعمة يخلق فارقاً كبيراً لدى جميع من يشكون من المرض. ويمكن تناول الألياف في الأغذية كالخبز الكامل الحنطة والحبوب المحتوية على النخالة او ما يعادلها. وبالمقابل يفيد الابتعاد عن الأطعمة المسبّبة للغازات كالقنبيط، الكبير والصغير، والزهرة والبقول والبصل والعدس، لأن تناولها يذهب بقدر كبير من الألياف ومن المعادن والفيتامينات.
واذا لم تفد طريقة العلاج بالغذاء هذه يُلجأ إلى الداء وتُعطى مضادات التشنج لتخفيف حدة النوبات في القناة الهضمية، وبإمكان المصابين استعمالها عند الحاجة فقط. ولكن الحلّ الحقيقي يكمن في الوقاية والتحكم في مسببات المرض.
1-النظرة المتفائلة. ان اجراءات الوقاية والتحكّم ترتطبتان ارتباطًا كاملاً بما نتناوله من غذاء، بل لها علاقة ايضاً بما نشعر به إزاء ضربات الشدة في حياتنا. والنظرة المتفائلة في هذا المجال ضرورية للتخلّص من هذا المرض المزعج. وعلى الطبيب المعالج ان يُشعر مريضه بأن تشنج الكولون مرض غير مستعص على الشفاء. فبالامكان التحكم فيه واحياناً ننتصر عليه، وإذا أدرك المريض هذا الأمر، فلن ينظر نظرة متشائمة من أن مرضه سيتفاقم إلى سرطان أو غيره من الأمراض الخطيرة، فالقلق والتشاؤم لا يعملان إلا على تفاقم الحالة بالفعل. ويرى أحد الاطباء أن من الواجب التوكيد على السلوك والنظرة الايجابية لدى المريض. ولتخفيف وطأة الشدة يعمد هذا الطبيب في عيادته بالولايات المتحدة الى جعل المريض يبحث عن العوامل التي أدتّ إلى الشدة عنده ومن ثم التخلّص منها بطريقة عقلانية لا انفعالية. كما أن تغيير نمط الحياة عامل مهم، ويشمل ذلك، في رأي أحد الأخصاصيين القيام بتمارين رياضية هي في اعتقاده أفضل وسيلة للتخلّص من الشدة عن طريق الركض وركوب الدراجات وتمارين اللياقة، فضلاً عن المشي وخصوصاً السباحة.
2-علاجات مفيدة. من بين هذه العلاجات، العلاج النفسي، كما دلّت إحدى الدراسات في السويد على ذلك. ويرى البحاثة الذين قاموا بها أن الجمع بين العلاج النفسي والعلاج الدوائي يؤدي الى تحسن الحالة، لا على المدى القصير فحسب، بل على المدى البعيد أيضاً. وفي بريطانيا قارن البحاثة في إحدى الدراسات بين العلاج النفسي والتنويم المغناطيسي لعلاج المصابين الذين لم تنفع في حالاتهم الاجراءات الطبية الاخرى. وقد اثبتت هذه الدراسة فعالية وجدوى العلاج بالتنويم بشكل باهر فاق بكثير فعالية العلاج النفسي. كذلك لوحظ ان من يشكون من تشنج الكولون، يشكون ايضاً من القلق والاكتئاب، ولا يعرف ما إذا كان هذا هو سبب المرض، ولكن يعرف أنه يزيد الوضع سوءاً. لذا كانت الجرعات الخفيفة من مضادات الاكتئاب مفيدة في علاج اولئك المصابين.
3-التشخيص الدقيق أمر ضروري. تشخّص الحالة على انها تشنج الكولون إذا كان المصاب يشكو من آلام في بطنه وتشنجات وتغيرات في امعائه كالإسهالات والإمساكات وبعض الأحيان الشعور بالغثيان دون اي دلائل اخرى على وجود عرض خطير كالحمى وفقدان الوزن أو النزف. وتستمر هذه الأعراض عادة لمدة ستة أشهر فأكثر دون أن يطرأ عليها تغيير، كما تظهر الفحوص الطبية كلها عدم وجود أمراض أخرى. وهكذا تتصف فحوص التأكد من وجود تشنج الكولون بأنها فحوص مانعة لا جامعة، أي أن الطبيب يجري كل الفحوص للتأكد من عدم وجود مرض آخر كي يتأكد، بعد الأعراض الواضحة، من وجود هذا التشنج. ومن الفحوصات الأخرى للتشخيص الصحيح التأكد من أن الحالة ليست تضايقاً من اللاكتوز الذي له نفس الأعراض. فإذا زالت هذه بعد أسبوعين من الامتناع عن تناولة الأطعمة المحتوية على اللاكتوز،عرُِف المرض وإلا كان تشنجًا في الكولون. ولكن بعض المرضى يمكن أن يصابوا بكلا المرضين لكثرة شيوعهما، فأربعون في المائة من المصابين بتشنج الكولون يعانون، بدرجات متفاوتة، التضايق من اللاكتوز (أو سكر الحليب) مما يزيد حالتهم سوءاً. فعلى من يعانون من الاثنين التوقف لمدة أسبوعين عن تناول بعض منتجات الألبان أو ما يقاربها كالخبز والمعجنات والبسكويت، فقد يزول بذلك أحدهما، ويتم التأكد على الأقل من تشخيص تشنج الكولون.