توقف عن تناول طعام اذا شعرت أنك تريد التقيؤ
لعل أفضل تعريف للحساسية هو انه عبارة عن رد فعل مُفرط يبديه جهاز المناعة في الجسم، بما في ذلك الكريات البيض في الدم التي تعمل على مقاومة الامراض، وكذلك النسيج اللمفاوي والغدة الصعطرية Thymus Gland ومخ العظام. وتحدث ردة الفعل هذه أحياناً، عند تناول المواد البروتينية التي تتسبّب باثارة جهاز المناعة وتحريضه على افراز الاجسام المضادة للبكتيريات التي تهاجم بدورها المواد البروتينية، وبالتالي، فإن جهاز المناعة يفرز الهستامين وغيره من المواد الكيميائية التي من شانها ان تعمل على تهيّج انسجة الجسم، اكثر هذه الانسجة تاثراً هو أنسجة جهازَيْ الهضم والتنفس. من هنا تنشأ تلك الاعراض الناجمة عن الاصابة بالحساسية تجاه الطعام، مثل الغثيان والاقياء والاسهال والطفح الجلدي او صعوبة التنفس، وفي بعض الحالات الحادة، قد يصاب المريض بالسكتة الدماغية التي قد تقضي على حياته.
وتنشأ هذه الظاهرة في اغلب الاحيان عن مواد قليلة نسباً مثل المواد البروتينية في حليب البقر وبياض البيض والفول السوداني والقمح وفول الصويا، علماً بان معظم الاطعمة التي يظن انها تسبّب الحساسية ليست كذلك. وعلى سبيل المثال، فان الشكولاته نادراً ما تسبب ردود فعل سيئة في جهاز المناعة في الجسم. كذلك فمن الخطأ القول بان السكر مادة تثير الحساسية، او تضعف جهاز المناعة، وكذلك الفريز والبندورة.
ومع ان الاطفال عادة ما تكثر لديهم حوادث الاصابة بحساسية الطعام أكثر من البالغين، الا ان الدراسات المقلقة لهذا الموضوع تشير الى ان ثلثَيْ هذه الاصابات التي تسبّب ردود افعال سيئة تجاه بعض الاطعمة تزول عندما يتناولها الاطفال في برشامات الأمر الذي يشير بوضوح الى دور العامل النفسي في هذا الصدد.
وفي ضوء تكاثر النظريات التي لا تستند الى اساس علمي في موضوع الحساسية، والتي تعزو كل انواع الاضطرابات النفسية والفيزيولوجية الى حساسية الطعام، يتبين بشكل واضح السبب الذي يجعل كتيراً من الاشخاص (يقرّرون) انهم يعانون نوعاً معيناً من أمراض الحساسية تجاه الطعام، حتى ولو لم يتعرّضوا الى أي اختبار او فحص طبي. ومع ذلك، فليس ثمة دليل على ان حساسية الطعام تؤدي الى الاضطرابات التي يُقال عنها أنها تسببّها، بما في ذلك القلق والتهاب المفاصل والآلام العضلية. ومن الخطأ ايضاً القول بان حساسية الطعام قد تسبب التعب او الاكتئاب او ايا من الاضطربات الاخرى التي تُعزى اليها. ولذلك فمن المستبعد جداً ان يؤدي تجنّب بعض الانواع المعينة من الطعام الى احراز اية فائدة للشخص المصاب بأحد هذه الاعراض المرضية.
ما تقدّم لا يمنعنا من القول ان بعض الاضطربات الصحية التي لا علاقة لها بالطعام تتحسّن في بعض الاحوال النادرة عندما يمتنع المصاب بها عن تناول الطعام المشكوك بامره. فمعضم حالات الصداع، على سبيل المثال، لا تنجم عن تناول اي نوع من انواع الطعام. ولكن الادلة العلمية تشير الى ان بعض المصابين بصداع الشقيقة يشعرون بنوع من الارتياح عن طريق تجّنب بعض المواد المعينة، علماً أن الحليب قد يسبّب الربو في بعض الاحيان، ومع ذلك فلا بدّ من ملاحظة ان معظم المصابين بالربو لا يتاثرون بتناول اي نوع من انواع الاغذية، بما في ذلك الحليب. وينسحب الأمر على منتجات الالبان التي تسبب احتقان الأنف لدى الاطفال، ومع ذلك فبينما يتحسّن بعض هؤلاء الاطفال عندما يحذف الحليب من غذائهم، الا ان الاعراض لا تعود عادة عندما يعودون الى تناول الحليب. وهكذا فمن الصعب جداً ان نعزو احتقان الانف الى حساسية الحليب.
خذْ مثالاً آخر وهو التهاب الاذن الذي يفتقد كثيرون حصولها مع تناول بعض الأطفال منتجات الحليب، ولكن زوال آلام الاذنَيْن عادة خلال الصيف تجعلنا نستبعد اية علاقة سببية بين هذه الظاهرة من جهة وأي نوع من أنواع الغذاء من جهة اخرى.
كذلك فالاكزما من الاعراض المرضية التي يُقال انها تتفاقم لدى الاطفال المصابين بها عن طريق تناول بعض الانواع المعيّنة من الغذاء، مع ان تجنب بعض هذه الأنواع المعينة من الغذاء قد يخفّف بشكل جزئي من اعراض الاكزما، الا انها لا تعمل على زوالها والخلاص منها. لذا يصعب تحديد ما اذا كان الاضطربات الفيزيولوجية هو نتيجة فعلية ناجحة عن حساسية الطعام، وذلك لأن اعراضها المعروفة مثل الاسهال والاقياء والطفح الجلدي قد تنجم عن اية حالات مرضية اخرى. حتى ان العوامل النفسية مثل التوترات العاطفية قد تؤدي الى نفس الاعراض التي تثيرها ردود الفعل التحسسية.
وربما كان الاعتقاد الجازم بالآثار المرضية لاي نوع من انواع الغذاء يسبب المرض مثلاً. وخذ مثالاً على ذلك، حالة المراة التي كانت تتألم من تشنجات طويلة المدى، ومن نوبات غثيان بعد تناول الحليب، ولو بكمية صغيرة جداً. فقد اعطيت المرأة ماء بواسطة انبوبة غير شفافة ادخلت في معدتها، ثم اخبرت ان المادة التي اخذتها الحليب، فما لبثت أن شعرت بالغثيان وبتشنجات شديدة في معدتها، وذلك خلال عشر دقائق. وفي ما بعد اعطيت حليباً بالفعل، ولكنها اخبرت انه ماء، فلم تشكُ من اية اعراض.
فإذا كنت تشكو في انك مصاب بحساسية الطعام، فإن أفضل طريقة للتأكّد من ذلك هو استشارة طبيب كفؤ مختص بامراض الحساسية اذ سيقوم بإجراء استفساراً كاملاً عن التاريخ الصحي لك ولافراد عائلتك بشكل مختصر، ويتابع استقصاءه بشكل عام مع تركيز الانتباه بشكل خاص على تفاصيل الاعراض التي تشعربها ووقت حدوثها وانواع الاطعمة التي تتناولها والعلاقه المتبادلة بين كل ذلك .
على أن أفضل طريقة للتعامل مع مرض الحساسية تجاه نوع او اكثر من الاغذية بسيطة جداً تتخلص من تجنب تلك الانواع والامنتاع عنها تماماً. ولكن ذلك قد لايكون سهلاً في كل الاحوال. فقد يكون من السهل ان تمتنع، مثلاً، عن تناول الفول السوداني، ولكن الامتناع عن تناول كل منتجات الالبان قضية اخرى تختلف كلياً.
ومن المعروف ان بعض المصابين بالحساسية يستطعون ان يتحملوا كميات صغيرة من الاغذية التي يتحسّسون تجاهها، ولكن الآخرين يعانون ردود فعل حادة بحيث يتوجب عليهم ان يقرؤوا بدقة بالغة البطاقات الملصقة على علب الاطعمة ذات التركيبات المتعددة، وان يسألوا خدم المطاعم عن محتويات الوجبات المتوافرة لديهم حتى لا يقعوا في اية اخطاء مأساوية.
ولكن ما يبذله المريض من الوقت والجهد وربما من المال ايضاً في سبيل حذف بعض المجموعات الغذائية الرئيسية من وجبات الطعامه ليس الاجزءاً واحداً من المشكلة. ففي بعض الاحيان تتسبّب مثل هذه الطرق عن نقص خطير في بعض المواد الغذائية الرئيسية، الأمر الذي يؤكد لنا مرة اخرى ضرورة استشارة الطبيب المختص بحيث لايقع المريض في اي اخطاء، سواء من الناحية المرضية او من الناحية الغذائية.
ومن المجازفات التي يتعرّض لها كل من يعمد الى الامتناع عن تناول بعض المواد الغذائية بسبب افتراضه انها تسبّب ردود الفعل المعاكسة قبل استشارة الطبيب الكفؤ بغض النظر عن انه يزيد من احتمال اتباعه لنظام غذائي غير متوازن، هو ان من المحتمل جداً ان يكون مهملاً علاج اضطراب صحي خطير ربما كان كاملاً وراء حساسية الطعام وردود الفعل التي يشعر بها. لذلك وقبل ان تقوم بتضحيات غذائية على حسابك الخاص، عليك ان تسأل نفسك ما اذا كان الأمر يستحق الكفّ عن تناول اغذية لست متاكداً انها تسبّب لك ضرراً، خاصة وان المصابين بحساسية الطعام الحقيقية هم نادرون جداً والاحتمال في كونك أحدهم هو احتمال ضعيف. وتذكر في هذا الصدد المقولة الشعبية الشهيرة التي تعبر عن واقع الأمر والتي تشير الى ان ما يمكن ان يعتبر غذاء لشخص قد يكون سُمّاً لآخر. وعليك ان تسأل نفسك هذا السؤال البسيط: لماذا احرم نفسي من غذاء لست متاكداً من انني يجب ان اقلع عنه؟