خضار لسلطة صحية
هذه حلقة ثانية من ذكريات “رحلة الى النرويج”، لطبيب الأطفال الأديب د. غالب خلايلي الذي أحيا سابقاً ويحيي حالياً “أدب الرحلات الذي قضت التكنولوجيا المتقدمة عليه أو كادت، وبخاصة مع تدنّي نسبة القراء في العالم وسقوط عرش صاحبة الجلالة وحلول عرش الـ Online مكانه، بل على أنقاضه!
في هذه الحلقة يغوص الكاتب في تفاصيل تاريخية وسياسية واجتماعية عن النرويج مع توقفه عند العادات الغريبة العجيبة، خصوصاً في موضوع الزواج والإنجاب!
فإلى هذه الحلقة الثانية، ومن ثم الى الحلقَتَيْن الثالثة والرابعة، اللتين ستُنشران تباعاً…

د.غالب خلايلي
يلاحظ الزائر أن كلّ شيء متوفّر في النرويج، من الموز الضخم إلى التفاح الأحمر والأخضر الكبير اللماع، إلى البندورة الحمراء الصلبة (غير المهروسة كما في السحاحير التي نعرفها)، إلى الخيار الأخضر الطويل المغلف بالنايلون الشفاف، إلى الثوم المقنّن (1-3 حبة في العبوة)، والبصل، والبرتقال (اليافاوي!) والكريب فروت والليمون والفلفل بألوانه، والأناناس والخضار والملفوف، علما أن الناس يشترون معظم الأصناف بالحبّة. يمكنك هنا أن تشتري السّلَطة مجزّأة مفرومة تختار أنت ما تريده من أنواعها وتضعها في علبة. كل أنواع الجبن واللحوم والحليب والشاي والقهوة موجودة. الخبز بأنواعه موجود عدا أرغفة الخبز التقليدية السورية التي نعرفها. يمكنك أن تجد في هونيفوس البعيدة عن العاصمة نحو 60 كيلومترا كل شيء في علب. أغلب الطعام مجمّد معلّب، وهذا يساعد ربات المنازل العاملات في الطهو السريع للطعام عقب الانتهاء المتأخر من العمل، علماً أنك لا تجد محلات تجارية مفتوحة بعد السادسة مساء، إذ لا مجال للاستعباد الذي يجبر الموظفين والعمال أن يعملوا حتى آخر الليل.
السيارات بأنواعها متوفّرة لكنها غالية. الأسواق الكبيرة (السوبر ماركت أو المول بمعناه الحديث) جديدة علينا تماماً، وهي واسعة جداً وحاوية على كل ما يحتاجه أي منزل من الطعام إلى الزينة. أبواب (المول) تفتح وحدَها بمجرّد أن تصبح قربَها. كل شيء متوفر لكنه غالٍ. مرّ نحو عقد بعد ذلك حتى بدأت الأسواق المشابهة تنتشر في دول الخليج. حدّثنا أحدهم عن أزمة اقتصادية في النرويج منذ ثلاث سنوات، لكنّ البلاد، ويتحدّث بثقة عالية منحتها له مصداقية الساسة هناك، في طريقها نحو تجاوزها.
ومع توفر أشياء كثيرة إلا أن اليد العاملة قليلة ومكلفة، والحرص على وطنيتها عالٍ ولو كان مكلفاً.

النرويج مملكة الازدهار.. لكن بعد صراعات دامية
تُعَدّ النرويج (Norge, Noreg) من أرقى بلدان العالم اليوم وأكثرها أمناً. يعود اسمها إلى التسمية النوردية القديمة «طريق الشمال». هي مملكة دستورية ديمقراطية برلمانية، وثيقة الصلة بالغرب وأميركا، تقع في الجزء الغربي من شبه الجزيرة الاسكندنافية (الممتدة حتى القطب الشمالي)، مساحتها كبيرة (385 ألف كيلومتر مربع)، فيما سكانها قلائل (نحو 5.5 مليون نسمة اليوم، وكانوا بحدود 4 ملايين 1988)، وهم خليط من الاسكندنافيين (80%) ومنهم الفايكنج (الغزاة)، والسكّان الأصليون (السابميون)، والمهاجرون.
والناظر إلى النرويج الحديثة يراها بلداً هادئا متقدماً، لكنه إذا غاص في تاريخها وجده حافلاً بالصراعات الدموية (من قبل الفايكنج) والظلم (للسكان الأصليين) وحتى الفقر، فهي لم تصل إلى الاستقرار والتقدم إلا بعد مخاضات تاريخية قاسية، لتزدهر بعد الحرب العالمية الثانية بالتصنيع والتجارة البحرية، ثم اكتشاف النفط والغاز البحريين في سبعينيات القرن العشرين، ناهيك عن الغابات والمعادن وثروات البحر وصناعة الورق وبناء السفن، ولهذا تمتّع الناس – مع حكومات نزيهة – بنُظُم رعاية صحية وتعليم وضمانٍ اجتماعي عالية المستوى.

السكان الأصليون (السابميون) وتاريخ من الاضطهاد:
كانت النرويج مأهولة منذ الألف العاشرة قبل الميلاد، بسكّان الشمال الأصليين «شعب سابمي Sapmi». في الترجمات يكتبون ساميين، لكننا سنكتبها سابميين تمييزاً عن شعوبنا ىالسامية. هم يسمون أيضاً «أصحاب الملابس المهترئة، اللابيين Lapps أو Laplanders»، ويعدون نحو 70 ألفاً في محيط دائرة القطب الشمالي (أقاصي شمال النرويج والسويد وفنلندا وشبه جزيرة كولا الروسية). وهم قوم لهم لغتهم الخاصة، عاشوا في خيام وأكواخ بدائية عشبية، وهاجروا مع قطعانهم في وحدات مكونة من خمس أو ستّ عائلات، وامتهنوا صيد الأسماك والحيوانات (من أجل فرائها)، وعملوا في رعي غزلان الرنّة البرية، وتنقلون تزلجاً على الثلج والجليد، وعُدّ الزواج عندهم واجباً مقدساً للحفاظ على النسل، فلا يسمح فيه للأجنبي بالزواج من القبيلة، ولا يجوز للفتاة «الزواج» إلا بعد أن تنجب. وللسابميين القدماء (قبل تنصيرهم) اعتقادات متوارثة، إذ يعدّون لكل شيء في الطبيعة روحاً، وإن كان جماداً، فهو يمتلك طاقة إيجابية، وحتى يستفيد الإنسان منها عليه أن يتعامل معها بحكمة. ومن المؤسف أن هذه الشعوب كانت من الأكثر عرضة للعنصرية والاضطهاد في العالم (كما الهنود الحمر في أميركا وكندا والأبورجيين في أستراليا)، فالسويد مثلاً حرّمت على طلبتهم التحدث بلغتهم الأصلية، إلا أنها تراجعت حديثاً ومنحتهم حق العيش بحرية، حسب قوانينهم القبلية وعاداتهم وتقاليدهم، وفي عام 1989 أصبح لهم برلمان خاص، وحقوق متساوية مع مواطني الدول الاسكندنافية.
الفايكنج (الغزاة) والاسكندنافيون:
الفايكنغ Viking أصلاً هي كلمة تصف نشاطا محدّدا يعني (الإغارة أو السلب)، وقد أتى (الفايكنغيون) من أهل الشمال الاسكندنافي « Norsemen or Norse People»، ملاك الأراضي والزعماء ورؤساء العشائر والخدم والمزارعين الدنماركيين والنرويجيين والسويديين الذين ينتمون إلى الشعوب الجرمانية. ولما ساءت الأحوال راح هؤلاء يبحثون عن حياة أفضل، فأتى المحاربون البحريّون (الفايكنج، الذين وصفهم الإنجليز أنهم قراصنة غزاة وثنيون متوحّشون، وذئاب مفترسة بين الخراف) فداهموا المواقع الساحلية وخاصة الأديرة في الجزر البريطانية، وقتلوا الرهبان ونهبوا الكنوز، واستعمروا مناطق واسعة من أوروبا (بما فيها إشبيلية الأموية) في القرن 9 حتى القرن 11، وتركوا بصماتِهم العميقةَ في معظم أنحاء بريطانيا وأوروبا، وأجزاء من روسيا الحديثة وآيسلندا وغريندلاند.
هذا ويتبادر إلى ذهن الناس عند سماع كلمة «الفايكنغ» أنهم عمالقة، لكنهم في الحقيقة متوسطو الطول (الرجل 172 سم، والمرأة 158 سم)، يتمتعون بقوة جسدية كبيرة حيث كان العمل البدني الشاق ضرورياً للبقاء على قيد الحياة. وكانت ملامح وجه الرجال والنساء أكثر تشابهاً مما هي عليه اليوم، ولون الشعر ما بين أشقر وأحمر، ومتوسط العمر بين 40 إلى 50 عاماً للرجال و 38 عاماً للنساء بسبب مخاطر الولادة.
عاش الإسكندنافيون في الجنوب، وادّعوا ملكية أراضي الشمال، وأساؤوا كثيراً للسابميين، وحاولوا طمس ثقافتهم بسياسات الاستيعاب والتطبيع الثقافي القسري والتنصير، لأنهم «شعب بدائي متخلف»، وحظر استخدام لغتهم في المدارس والحياة العامة، ناهيك عن التعقيم القسري للحد من النسل.
ويقال إن هارالد هارفاغر (هارالد ذو الشعر الفاتح) وحّد الاسكندنافيين في دولة نحو عام 872 م بعد معركة هافرسفيورد، فأصبح أول ملك للنرويج الموحّدة. كانت مملكة هارالد على سواحل النرويج الجنوبية، فحكمها بقبضة حديدية مما دفع النرويجيين إلى مغادرة البلاد للعيش في آيسلندة وجزر فرو وجرينلاند وأجزاء من بريطانيا وأيرلندة، فأسسوا المدن الأيرلندية: ليمريك ودبلن وووترفورد. هذا واستُبدلت التقاليد المسيحية (الكاثوليكية) بالنوردية بشكل تدريجي في القرنين العاشر والحادي عشر، لكن بقي ما يميّز النرويج والسويد أن الإقطاعية لم تتطوّر فيهما كما في بقية أوروبا، وبقيت على طابع محافظ جداً، حماها من الثورات اللاحقة.
حكم الملك ألفريد إنجلترا من (871 -899 م) وهزم الفايكنغ في معركة إيدنجتون في عام 878، ليعتنق زعيم الفايكنغ المسيحية بعدها. وفي العام نفسه استرجع ألفرد لندن، وقسّمت إنجلترا بين الفايكنغ والإنجليز، إلى أن جاء حفيده ملكاً فقاد انتصاراً على الفايكنغ عام 937 م، وقُتل إيريك بلوداكس آخر ملوك الفايكنغ في يورك عام 954 م، واسترجع الإنجليز مملكتهم نهائياً.

استقلال النرويج في 17 أيار 1814 صار اليوم الوطني
أمضت النرويج تاريخاً معقداً اتحدت فيه مع الدانمارك فالسويد، وقضت المجاعة عاميّ 1695 و 1696 على 10% من سكان النرويج. وبعد أن هاجمت بريطانيا الدنمارك والنرويج، تحالفت النرويج مع نابليون الأول في معركة كوبنهاغن. أدّت الحرب إلى مجاعة عام 1812، ووجدت المملكة الدنماركية نفسها في الجانب الخاسر عام 1814 فاضطرت للتنازل عن النرويج لملك السويد.
هنا استغلت النرويج الفرصة لإعلان الاستقلال، واعتماد دستور مستند إلى النموذجين الأميركي والفرنسي، وانتخب ولي عهد الدنمارك والنرويج كريستيان فريدريك ملكاً في 17 أيار 1814، ليصبح هذا اليوم يوماً وطنياً.
التزمت النرويج الحياد في الحرب العالمية الأولى، فتعرضت لضغوط بريطانية وسلّمت أجزاء من أسطولها التجاري الكبير بأقل الأسعار، فكان على السفن النرويجية رفع العلم البريطاني (رغم خطورة إغراق الغواصات الألمانية لها)، ولهذا فقدت البلاد كثيراً من بحارتها وسفنها. أعلنت النرويج أيضاً حيادها خلال الحرب العالمية الثانية فغزاها النازيون في 9 نيسان 1940، لتنشأ حركة مقاومة ضدهم وتتحرر البلاد بمساعدة الإنجليز.
هذا دفع النرويج أن تكون من المؤسسين لحلف الناتو في 4 نيسان 1949 (متخلية بذلك عن حياديتها)، وأن تهدي شجرة ميلاد للمملكة المتحدة في شهر كانون الأول من كل عام، اعترافاً بفضلها، علماً أن حفل نصب الشجرة يقام في ساحة الطرف الأغر(ترافلغار) الشهيرة في لندن.

النرويج أغلى بلد في العالم، والإنجاب قليل:
مما لا شك فيه أن النرويج أغلى بلاد العالم. يعبر الناس عن صعوبة الحياة بقولهم: الكرون يكرّ أمامنا، ونحن نركض وراءه دون أن نستطيع الإمساك به. ولهذا فإن كل الناس يعملون، إذ لا شيء بلا ثمن. لا توجد خدمات بلا مقابل (حتى رمي الزبالة، إذ تضغط وتجمع بأكياس خاصة)، والأشياء الرخيصة غالية بسبب الضرائب العالية. ثمن حذاء عادي عام 1988 هو 400-800 كرون، وثمن بنطال الجينز 500 كرون، علماً أن البنطال الممزّق المهترئ أغلى بكثير. يا لتدنّي الذوق العالمي، فمن كان منا يجرؤ على لباس كهذا، فيما تحول إلى موضة (الأكابر والأصاغر) في ربع القرن التالي حتى اليوم؟
إنجاب الأطفال قليل، والزواج الرسمي الموثّق قليل، والطلاق كثير، وكلا الزوجين يعملان من أجل عيش كريم، ومن أجل تسديد أقساط المنزل على عشرة أو عشرين عاماً. ما يحدث هو أن البنوك تعطي قروضاً لشراء المنازل (الخشبية غالباً) والسيارات.
الشبّان بعد الثامنة عشرة يحلمون بالسيارات، فقبل ذلك ممنوع. رخصة القيادة تكلف 10-15 ألف كرون، ومع ذلك ترى في أي بيت سيارة أو أكثر، قديمة مصانة بعناية، أو حديثة. جودة العمل والصيانة أمر مقدس عندهم. الحافلات (الباصات) قليلة وغالية الأجرة، وسيارات التاكسي (مرسيدس، وفولفو) فخمة وغالية الأجرة جداً، وقلّةٌ يستخدمونها، لأن السيارات الخاصة أوفر.

شعب عامل لطيف قليل التعداد يحترم القانون
عدد سكان النرويج عام 1988 قليل نسبيا، نحو أربعة ملايين، وعدد الأطفال قليل. نسبة الطلاق عالية، والعمر الوسطي للزواج سبع سنوات. العائلات متفكّكة ولكن بشكل سلميّ مألوف. العطلة مقدّسة في هذه البلاد (كما سنفصل لاحقا) تبدأ بعد ظهر الجمعة شاملةً يومي السبت والأحد، فترى الشباب والصبايا يترنّحون سكارى في الطرق. البلاد أمينة آمنة، حتى إن كثيراً من الناس ينامون وأبواب بيوتهم غير مقفلة، وإذا نسيت محفظتك في مكان ما، يغلب أن تجدها في مكانها ولو بعد أسبوع (لا أدري إذا تغير الحال اليوم). كما يصعب أن ترى في البلاد شرطياً واحداً، عدا الشرطي (اللطيف!) الذي رأيناه في المطار. كأنه كان مخصّصاً لنا. حتى عندما راجعنا قسم الشرطة للسؤال عن الإقامة وجدنا موظفين وموظفات بملابس مدنية أنيقة كأنهم موظفو بنك، لكن أشد صرامة.
والناس هنا عموماً مكبّلون بالقوانين، ومع هذا يحترمون النظام والقانون احتراماً يصل حدّ التقديس. والناس كلهم يعملون، ومن لا يعمل لا يعيش جيداً. الضرائب كثيرة، لكن يمكن حتى للفقير أن يمتلك سيارة جيدة (تذكروا عامل الخدمة المصري في المطار). معظم البيوت خشبية مجهزة تجهيزاً حضارياً جيداً.. وثمن البيت وقتها بحدود مليون كرون، وكلّ شيء مؤمّن عليه. برامج التلفزيون مملّة، ربما لأننا لا نعرف اللغة، وتنتهي في العاشرة ليلا. عندما سقطت طائرة شمال البلاد عُرض الحادث لمدة تزيد عن ساعة، استعرضوا فيها كل الأسباب، وكل التفاصيل.. فيما ظهرت رئيسة الوزراء Gru Harlem Brundtland على الشاشة تبكي (وهي أول امرأة تتقلد هذا المنصب، وصارت لاحقاً مديرةً لمنظمة الصحة العالمية). لم أرَ مسؤولاً عربياً يبكي من قبل. الإنسان هنا غالي الثمن جداً.
والناس عموماً بسطاء، وثقافتهم العامة دون الوسط أو حتى معدومة. بعضهم، الريفي، لا يعرف غير بلدته كل حياته. ومع ذلك يأخذ الناس من الإعلام فكرة سيئة عن بلادنا، لكنهم يدهشون عندما تتاح لهم الفرصة لزيارتها أو معاشرة أهلها. وما رأيته أننا أهل بلاد الشام أكثر معرفةً بأمور كثيرة، فشعوبنا مطلعة مسيّسة بالفطرة ربما لهمومها الكثيرة. أما هم فشعب عامل يستفيد من التقنيات الحديثة والحضارة الصناعية، ولا يوجع رأسه بكثير من التفكير ما دام يضع كل ثقته بساسته.
مصنع لحوم فريد نظيف ومديره في أناقة جرّاح..
مررنا بمصنع لحوم يبدأ بالبقر والخرفان والخنازير المذبوحة، وينتهي في علب فيها كل أشكال اللحم المعروفة والمطهوّة أحياناً (مفرومة، شرحات، بسطرما، نقانق، كبد، مرتديلا، علب، سلامي، مع العظم للشواء… كل ما يخطر ببالك). أشياء كثيرة لا نعرفها أبداً. والمعمل كله لشخص واحد عمره 34 عاماً، يعمل أكثر من عماله، فيما يجري العمل الآلي البحت على قدم وساق. رأينا لحاماً أشقر يلبس صدارة بيضاء كثوب الطبيب الجراح، فوقها واقٍ جلدي، كما يلبس قميصاً أبيض مكوياً، مع ربطة عنق حمراء أنيقة. شعره مصفف كأنه ذاهب إلى حفل، فيما لا توجد أية روائح أو شوائب في (المعمل). كل شيء نظيف ومرتب. بصراحة: مذهل.
في النرويج سمعت أول مرة عن نلسون مانديلا:
إنه سجين الحرية الأشهر صاحب الرقم 4664 (توفّاه الله في الخامس من كانون الأول 2013، عن عمر يناهز 95 عاماً). ظلمه الغربيون، ووصموه بأشنع تهمة وهي الترويع (يترجمونها الإرهاب). كانوا سبباً في سجنه سنة 1962 مدة 27 عاماً. وبعدئذ اضطروا أن ينحنوا له، فحاز جائزة نوبل للسلام عام 1993، وصار أول زعيم (غير أبيض) لجنوب أفريقيا في نظام الفصل العنصري عام 1994.

لكن، كيف تعرفت إلى قصته وأنا لم أسمع عنه من قبل؟
وقتها نُظِّم حَدَثٌ فنيّ مهمّ عرضه التلفزيون النرويجي. النرويجيون شعبٌ جديد عليّ، واهتماماتهم غريبة عن اهتماماتنا نحن العرب (المعذّبين بقضايا مختلفة كثيرة) كما رأيتها في ذلك الحين. كنتُ وقتها غريباً حتّى عن التلفزيون عموماً، إذ انهمكتُ لوقت طويل في التحصيل العلمي. قيل لي وقتها: إن الحفل الفني في لندن، ويشارك فيه كبار الفنانين والفنانات، تأييداً لإطلاق سجين الحرية الشهير نلسون مانديلا. وقتها تعرّفت أول مرة إلى السجين الذي سيصبح أشهر شخصيات العالم، وأول رئيس (ملوّن) لجنوب إفريقيا، بعد عهد طويل من ظلم الإنسان الأبيض، الذي ظلم فيمن ظلم كثيراً من العباد في مختلف أنحاء العالم، وما يزال.