سون تزو
د. الياس ميشال الشويري
سون تزو، أو صون تزو Sun Tzu، يُعد واحدًا من أبرز الشخصيات التاريخية في مجال الفكر العسكري والاستراتيجية. وُلد في عام 551 قبل الميلاد خلال فترة كانت تشهد تحولاً كبيرًا في الصين، وهي فترة «عصر الربيع والخريف» (770-476 ق.م.)، حيث كانت الصين مكونة من مجموعة كبيرة من الممالك الصغيرة المتناحرة التي بلغت حوالي 130 مملكة. هذه الممالك كانت في صراع دائم، ممّا وفّر لسون تزو خلفية غنية من الحروب والخبرات العسكرية التي أثرت في كتاباته وأفكاره.
أهم ما يُذكر عن سون تزو هو كتابه الشهير “فن الحرب“، الذي يُعتبر من أقدم الكتب في العالم حول الاستراتيجيات العسكرية وما زال يُدرّس حتى اليوم في الكليات العسكرية والمؤسسات الإستراتيجية حول العالم. يُركز الكتاب على المبادئ العسكرية التي لا تقتصر فقط على الحروب التقليدية، بل تمتّد إلى كيفية التعامل مع الأعداء، وإدارة القوات، والتخطيط، وحسن استخدام الموارد البشرية والمادية. إلى جانب إبداعه في الأمور العسكرية، كان سون تزو أيضًا فيلسوفًا، حيث تناول في كتاباته جوانب تتعلق بالسياسة والإدارة والحكم. فهو يؤمن بأن الفوز في الحروب لا يتعلّق فقط بالقوة العسكرية، بل بالذكاء والاستراتيجية الجيدة والتخطيط السليم. وهو ما لخصه في قوله الشهير: “الفوز في مئة معركة ليس قمة المهارة، قمة المهارة هي كسر مقاومة العدو دون القتال.”
كتاب “فن الحرب“
كتابه “فن الحرب” هو عمله الأكثر شهرة وتأثيرًا، ويتألف من 13 فصلاً، حيث يعالج كل فصل جانبًا من جوانب الحرب. الكتاب ليس مجرّد دليل تكتيكي للحرب، بل هو أيضًا كتاب عن الاستراتيجية، القيادة، وفلسفة الحياة. تناول سون تزو الحرب ليس فقط باعتبارها صراعًا عسكريًا، بل كعملية تتطلّب تخطيطًا دقيقًا وحكمة كبيرة في التعامل مع الموارد والجنود، بل وحتى مع الشعب نفسه.
الفلسفة التي طرحها سون تزو ليست مجرّد مجموعة من القواعد التكتيكية، بل هي إطار فكري شامل يركّز على الحكمة في اتخاذ القرارات وتجنّب المخاطر غير الضرورية. بالنسبة له، القوة الحقيقية ليست في المعارك، بل في تجنبّها. هذا يعني أن الحكمة والفهم العميقَيْن للعوامل البشرية والنفسية هما أساس النجاح في الحرب. يرى أن الزعيم الجيد هو الذي يحقّق أهدافه بأقل قدر من الدمار والخسائر.
تأثير سون تزو
على مر العصور، تركت أفكار سون تزو بصمة عميقة في الفكر العسكري والاستراتيجي في جميع أنحاء العالم. يُدرّس كتابه “فن الحرب” في الأكاديميات العسكرية الشهيرة مثل “ويست بوينت” في الولايات المتحدة الأميركية، وأصبح مرجعًا لعدد من القادة العسكريين الكبار مثل نابليون بونابرت، المارشال فون كلاوزفيتز، وماو تسي تونغ. في العصر الحديث، لا يقتصر تأثير سون تزو على المجال العسكري فحسب، بل يتسع ليشمل مجالات متعددة مثل:
–إدارة الأعمال: يُستخدم كتاب “فن الحرب” كدليل للإدارة الاستراتيجية، حيث تُطبق مفاهيم مثل التخطيط المسبق، استغلال الفرص، والتحرك الذكي لتحقيق النجاح في الأسواق التنافسية.
–السياسة: القادة السياسيون يستخدمون حكم سون تزو في استراتيجياتهم لتحقيق أهدافهم دون الانجرار إلى صراعات مدمرة.
–الرياضة: حتى في مجال الرياضة، يمكن تطبيق مفاهيم مثل التحليل الدقيق للخصوم، الاستفادة من نقاط الضعف، والتكيّف مع الظروف لتحقيق النصر.
تعّد فلسفة سون تزو حول الحرب أداة قوية لفهم الصراعات الحديثة وإيجاد حلول غير تقليدية لها. فلسفته القائمة على تجنّب الصراعات المباشرة وتحقيق الأهداف بطرق غير تقليدية هي ما جعلته مرجعًا دائمًا، ليس فقط للقادة العسكريين بل أيضًا لكل من يسعى للنجاح في مختلف جوانب الحياة. تطبيق أقوال سون تزو على الصراع المستمّر بين لبنان وإسرائيل يتطلّب النظر إلى الصراع ككل من منظور استراتيجي طويل الأمد يتجاوز القوة العسكرية المباشرة. دعنا نلقي نظرة على كيفية تطبيق أقوال سون تزو في سياق النزاع اللبناني-الإسرائيلي.
1-النصر الأعظم هو ذلك الذي لا يتطلب قتالا“. هذا القول يعبّر عن الفلسفة الأساسية التي يتبناها سون تزو حول الحرب. بحسب سون تزو، إن أفضل أنواع الانتصار هو الذي يتحقّق بدون صراع مباشر. في رأيه، القوة الحقيقية تكمن في القدرة على تجنّب المواجهات العسكرية مع الحفاظ على تحقيق الأهداف. يعتبر سون تزو أن الإقناع، الدبلوماسية، أو حتى إثارة الانقسام داخل صفوف العدو من الأساليب الأكثر فاعلية لتحقيق النصر. لا يقتصر هذا المفهوم على ساحة المعركة فقط، بل يمكن تطبيقه في الحياة اليومية أيضًا، حيث تسعى الحلول السلمية إلى تجنّب الخسائر والدمار.
في سياق الحرب بين لبنان وإسرائيل، يمكن أن يتجسّد هذا المبدأ من خلال التركيز على الحلول الدبلوماسية، الضغط الدولي، أو حتى العمل على زعزعة العلاقات الداخلية لإسرائيل أو تحالفاتها الدولية. الانتصار هنا يعني تحقيق المكاسب السياسية أو الحقوقية دون اللجوء إلى القوة العسكرية. على سبيل المثال، من خلال الأمم المتحدة أو مؤسسات دولية أخرى، يمكن للبنان أن يسعى لتحقيق مكاسب في قضايا الحدود أو اللاجئين دون تصعيد الصراع العسكري.
2-المقاتل الحكيم هو من يتجنّب المعركة“. في هذه المقولة، يُبرز سون تزو أهمية الحكمة في تحديد متى ينبغي القتال ومتى يجب تجنبه. يشير إلى أن المقاتل الذي يعرف الوقت المناسب للانسحاب أو تجنّب الصراع يُظهر حكمة وبعد نظر أكثر من الذي يندفع إلى المعركة بدون تفكير. في سياق القيادة والسياسة، يشير هذا المبدأ إلى أهمية تبنّي استراتيجيات ذكية تتفادى الصراعات غير الضرورية وتقلّل من الخسائر والتبعات السلبية على المدى الطويل.
لبنان، بالنظر إلى التفاوت الكبير في القدرات العسكرية مقارنة بإسرائيل، يجب أن يتجنّب المواجهات المباشرة التي قد تؤدي إلى خسائر فادحة. الحكمة هنا تكمن في تجنب الصدام المباشر إلا في حالة الضرورة القصوى، مع التركيز على تعزيز الدفاعات الوطنية ودعم المقاومة الدبلوماسية أو الاقتصادية.
3-من يرغب في الانتصار، عليه أن يحسب أولا التكلفة“. قبل أي قرار بالحرب أو الدخول في مواجهة، يُشدّد سون تزو على ضرورة حساب التكلفة. ويقصد بذلك ليس فقط التكاليف الاقتصادية والعسكرية، بل أيضًا التكاليف الإنسانية والاجتماعية والنفسية. إن التقدير الخاطئ لهذه التكاليف قد يؤدي إلى دمار على المدى الطويل. القيادة الجيدة هي تلك التي تقرّر بعد تقدير شامل لجميع العواقب المحتملة، بما في ذلك التأثير على الموارد والجنود والشعب ككل.
يجب على لبنان قبل أي مواجهة أو اتخاذ قرار بشأن صراع محتمل مع إسرائيل أن يحسب التكاليف بدقة. هذا يشمل التكلفة الإنسانية، الاقتصادية، والاجتماعية التي قد تتحملها البلاد. بالنظر إلى الأزمات الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها لبنان، فإن خيار المواجهة العسكرية قد يكون كارثيًا. من المهم التركيز على خيارات أخرى أقل تكلفة، مثل الحرب النفسية أو الدبلوماسية.
4-تأمّل وتدبّر قبل إقدامك على أية خطوة“. يُشدّد سون تزو هنا على ضرورة التخطيط الدقيق قبل اتخاذ أي إجراء. يعتبر التأمل والتدبّر عنصرين أساسيين في كل استراتيجية ناجحة. ويقترح أن القائد أو المقاتل ينبغي عليه دراسة الظروف بدقة، بما في ذلك نقاط الضعف والقوة لدى العدو، وموقفه الذاتي، والعوامل البيئية والاجتماعية. اتخاذ خطوة غير مدروسة قد تؤدّي إلى فشل كامل، ولذلك فإن التخطيط المسبق هو مفتاح النجاح.
التخطيط المسبق هو مفتاح النجاح في هذا السياق. قبل أي خطوة، سواء كانت عسكرية، دبلوماسية، أو اقتصادية، يجب على لبنان تحليل الوضع بعناية. هذا يشمل دراسة نقاط القوة والضعف لدى إسرائيل، والوضع الإقليمي والدولي، والتحديات الداخلية التي تواجه كل طرف. التخطيط المدروس يمكن أن يساعد في تجنب أخطاء فادحة وفي تحقيق الأهداف بطرق غير تقليدية.
5-ذروة فن الحرب هي إخضاع العدو من دون قتال“. يتجلّى في هذه المقولة مفهوم ذروة الاستراتيجية الحربية عند سون تزو. بالنسبة له، النصر الحقيقي هو الذي يتم تحقيقه دون إراقة دماء أو تدمير الموارد. من خلال استخدام الدبلوماسية، والحيلة، والحرب النفسية، يمكن إخضاع العدو وجعله يخضع للأمر الواقع دون الحاجة إلى الدخول في معارك مباشرة. هذه الفكرة تعكس رؤية بعيدة المدى تهدف إلى تقليل الخسائر وتعظيم النتائج.
تحقيق هذا المبدأ يتطلب من لبنان التركيز على بناء نفوذ سياسي ودبلوماسي يُضعف موقف إسرائيل دون الحاجة إلى حرب. يمكن للبنان استخدام استراتيجيات مثل تعزيز العلاقات مع الدول الكبرى أو إقناع الرأي العام العالمي بعدالة قضاياه. تحقيق التفوق دون الدخول في صراع عسكري هو أفضل وسيلة لتحسين موقف لبنان على المدى الطويل.
6-لا توجد أية فائدة لأية أمة في إطالة أمد الحرب“. يعكس هذا القول فهم سون تزو العميق لأضرار الحروب الطويلة. فالصراع المستمر يُنهك الموارد، ويضعف الروح المعنوية للأمة، ويدمّر الاقتصاد. ولذلك، يدعو إلى إنهاء الحروب بسرعة وحسم. الأمة التي تنخرط في حرب طويلة ستجد نفسها في موقف ضعيف بغض النظر عن النتائج العسكرية المباشرة. هذه المقولة تنطوي على تحذير من الانزلاق في نزاعات لا نهاية لها قد تستنزف الأمة بالكامل.
لبنان يعاني بالفعل من ضغوط اقتصادية واجتماعية كبيرة، وأي حرب طويلة الأمد مع إسرائيل ستؤدي إلى استنزاف موارده بشكل أكبر. سون تزو يحذر من مخاطر الحروب الطويلة، ومن هنا يجب على لبنان أن يسعى دائمًا لإنهاء أي صراع بأسرع وقت ممكن من خلال التفاوض أو الحلول السلمية.
7-من يود القتال، عليه حساب النتائج“. يُشدد سون تزو هنا على أهمية التفكير في العواقب قبل الدخول في أي معركة. القائد أو الأمة التي تقرّر القتال دون التفكير في النتائج قد تواجه انتكاسات كبيرة. لا يتعلّق هذا فقط بالخسائر المادية والبشرية، بل أيضًا بالآثار الدبلوماسية، الاقتصادية، والنفسية. الحكمة تتطلب تحليل السيناريوهات المحتملة لكل معركة قبل البدء فيها.
لبنان يجب أن يدرس بعناية أي خيار عسكري قبل اتخاذه. النتائج المترتبة على أي تصعيد مع إسرائيل يمكن أن تكون مكلفة للغاية، سواء من حيث الخسائر البشرية أو التدمير للبنية التحتية. دراسة النتائج المحتملة لكل خطوة يمكن أن تحمي لبنان من خسائر كبيرة وتساعده في اتخاذ قرارات أفضل وأكثر حكمة.
8-أن تكسب مئة معركة ليس ذروة المهارة. أن تخضع العدو دون قتال هو ذروة المهارة“. يتوّج سون تزو أفكاره بهذا القول الذي يُلخص فلسفته الكاملة في فن الحرب. فهو يرى أن القائد العظيم ليس ذلك الذي يفوز في كل معركة، بل الذي يستطيع تحقيق النصر دون الحاجة للقتال. تحقيق الهدف دون إراقة الدماء، أو تدمير المدن، أو فقدان الجنود هو المهارة الأعظم. الاستراتيجيات التي تسعى إلى تفادي الصراع من خلال الحكمة والتخطيط والتلاعب النفسي تُعتبر الأنجح.
الهدف الاستراتيجي الأكبر للبنان يجب أن يكون تحقيق أهدافه السياسية والإقليمية دون الانجرار إلى حرب مباشرة. سون تزو يرى أن الفوز بدون قتال هو ذروة المهارة، وهو ما يمكن للبنان تطبيقه عبر وسائل أخرى مثل المقاومة السلمية، التأثير على الرأي العام الدولي، أو زعزعة الاستقرار السياسي داخل إسرائيل من خلال التحركات الدبلوماسية أو وسائل الإعلام.
9-إذا كان عدوك يشعر بالأمان من جميع النواحي، استعد له جيدًا“.سون تزو يشير إلى أن الأمان الزائف قد يجعل العدو في حالة استرخاء وضعف استعداد. إذا كان العدو واثقًا من أمانه، فإن هذا هو الوقت المثالي للاستعداد له جيدًا وتحضير خطة محكمة لضربه في لحظة غفلته. هذه الفكرة تنطوي على تحذير من الشعور بالراحة الزائدة، وتأكيد على أهمية التحضير الدائم.
إسرائيل تمتلك قوة عسكرية متقدمة وأجهزة أمنية قوية، مما يجعلها تشعر غالبًا بالأمان، سواء على مستوى الدفاعات الداخلية أو القوة الإقليمية. تطبيق هذا المبدأ يعني أن لبنان، أو الأطراف الفاعلة مثل “حزب الله”، يجب أن تتجنب المواجهات العسكرية المباشرة، والتركيز بدلاً من ذلك على التحضير السري والتكتيكي، سواء من خلال تحسين القدرات الدفاعية أو بناء تحالفات دولية وإقليمية تعزز مواقفهم.
10-إذا كان في وضع متفوق بالقوة، تفاداه“. عندما يكون العدو أقوى منك بشكل واضح، يدعو سون تزو إلى تجنب المواجهة المباشرة. بدلاً من التصادم مع قوة مدمرة، يمكن البحث عن استراتيجيات أخرى مثل الهروب المؤقت أو المناورة للتخفيف من قوة العدو. هذه الفكرة توضح أهمية استخدام الذكاء والحذر في التعامل مع مواقف القوة المتفوقة.
إسرائيل تُعتبر قوة عسكرية متفوقة في المنطقة. هذا المبدأ يشير إلى أن لبنان، الذي يعاني من قيود عسكرية واقتصادية، يجب أن يتجنب الاشتباكات المباشرة مع الجيش الإسرائيلي. بدلاً من ذلك، يمكن التركيز على استراتيجيات غير تقليدية مثل الحرب النفسية، العمليات غير المتكافئة (كما تفعل حركات المقاومة المسلحة)، أو الضغوط الدبلوماسية الدولية التي يمكن أن تضع إسرائيل في موقف صعب دون الحاجة إلى مواجهات مفتوحة.
11-إذا كان خصمك مزاجيًا، حاول أن تستفزه“. يعلم سون تزو أن العدو المزاجي سهل التأثر والانجرار خلف مشاعره. في مثل هذه الحالات، يستحسن استغلال طبيعته العاطفية ومحاولة استفزازه ليقوم باتخاذ قرارات غير محسوبة. هذا المبدأ يمكن تطبيقه في مجالات أخرى مثل المفاوضات أو العلاقات الشخصية، حيث يمكن التأثير على الخصوم أو المنافسين عبر استغلال عدم استقرارهم العاطفي.
في بعض الأحيان، يمكن أن تكون الاستفزازات الإسرائيلية نتيجة لضغوط داخلية أو دولية. إذا كانت إسرائيل في حالة مزاجية متوترة، ربما بسبب أحداث داخلية، يمكن للبنان أو المقاومة استغلال هذه الحالة من خلال استفزازات محسوبة، مثل التصريحات الإعلامية أو التحركات العسكرية المحدودة، مما قد يجبر إسرائيل على رد فعل غير محسوب يؤثر سلبًا على موقفها الدبلوماسي أو الداخلي.
12-تظاهر بالضعف بحيث تجعله مغرورًا“. تتمثل هذه الاستراتيجية في خداع العدو عبر إظهار الضعف حتى يصبح واثقًا ومغرورًا. عندما يشعر العدو بأنه في وضعية متفوقة بشكل واضح، فإن هذا الغرور قد يؤدي به إلى اتخاذ قرارات متهورة، مما يمنحك الفرصة للانقضاض عليه في اللحظة المناسبة. هذه الفكرة تحمل قيمة كبيرة في أي مجال تنافسي حيث يمكن التلاعب بثقة الخصوم لصالحك.
في بعض الأحيان، يظهر لبنان أو الأطراف الفاعلة فيه كدولة ضعيفة بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية. استغلال هذه الصورة لإسرائيل قد يدفعها إلى غرور يجعلها تقلل من شأن قدرات خصومها. من خلال الحفاظ على مظهر الضعف، يمكن أن يُفاجئ لبنان إسرائيل بتحركات أو دعم غير متوقع من أطراف أخرى، سواء كانت داخلية أو خارجية.
13-إذا كان يأخذ الأمور باليسر، لا تعطه فرصة ليستريح“. عندما يشعر العدو بالراحة ويأخذ الأمور بسهولة، فإن ذلك يعد فرصة لمهاجمته. سون تزو ينبه إلى ضرورة عدم منح الخصم الفرصة للاستراحة أو إعادة ترتيب أوراقه. يجب الاستمرار في الضغط عليه حتى لا يجد الوقت للتفكير أو التخطيط، مما يجعله أكثر عرضة للهزيمة.
عندما تهدأ الأمور، تحاول إسرائيل الحفاظ على حالة من الاستقرار على جبهتها الشمالية مع لبنان. تطبيق هذا المبدأ يعني أن المقاومة أو لبنان يجب أن تبقي إسرائيل في حالة من عدم الاستقرار، من خلال تكتيكات مثل الضغوط المستمرة أو المناورات المفاجئة، مما يجعل إسرائيل غير قادرة على الاسترخاء أو التخطيط بعيد الأمد بشكل مريح.
14-إذا كانت قواته متحدة، افصلها عن بعضها“. الوحدة هي مصدر قوة كبير لأي جيش أو مجموعة. سون تزو يشير إلى أن أفضل طريقة للتعامل مع الخصم الذي يملك وحدة وتماسكاً داخلياً هي زرع الفرقة بينهم. سواء كان ذلك عبر الخداع أو بث الشائعات، يمكن استغلال التوترات الداخلية لإضعاف العدو وتشتيت قوته. في الحياة اليومية، يمكن تطبيق هذا المبدأ في التفاوض أو المنافسة عبر استغلال الاختلافات الداخلية بين الخصوم.
إسرائيل تعتمد على جيش قوي ومتماسك وتعاون مع شركائها الدوليين والإقليميين. زرع الفرقة بين هؤلاء الأطراف من خلال دبلوماسية فعالة أو الضغط الدولي يمكن أن يضعف موقف إسرائيل. مثلاً، يمكن للبنان محاولة تفكيك التحالفات الإقليمية التي تدعم إسرائيل عبر تكوين علاقات جديدة مع دول المنطقة أو تعزيز العلاقة مع القوى العظمى التي لها نفوذ في السياسة الإقليمية.
15-إذا كان العاهل وأتباعه في انسجام، ازرع الفرقة بينهم“. عندما يكون القائد وجنوده أو أتباعه في حالة انسجام تام، يكون العدو في أقوى حالاته. هنا يقترح سون تزو أنه يمكن كسر هذه القوة من خلال خلق الانقسامات والخلافات بين القائد وأتباعه. هذا التكتيك ينطوي على استراتيجية زرع الشكوك والفرقة داخل صفوف العدو لضمان انهيار قوة القيادة.
إذا كان هناك انسجام بين القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، فيمكن للبنان أو المقاومة محاولة زرع الفرقة داخل القيادة الإسرائيلية أو استغلال الانقسامات الداخلية. هذا يمكن أن يشمل إثارة قضايا سياسية داخلية في إسرائيل قد تضعف تماسك النظام السياسي، مثل الضغوط الاقتصادية أو القضايا الاجتماعية التي تشغل الرأي العام الإسرائيلي وتبعد التركيز عن الجبهة مع لبنان.
16-هاجم عدوك حيث هو غير مستعد، واظهر في المكان غير المتوقع“. عنصر المفاجأة هو من أهم مبادئ سون تزو في الحرب. ينصح بالهجوم في المكان الذي يكون فيه العدو غير مستعد، والظهور في الوقت والمكان الذي لا يتوقعه. من خلال هذا المبدأ، يمكن تحقيق التفوق المفاجئ على الخصم وإرباكه تمامًا، مما يجعله غير قادر على رد الفعل السريع.
يستطيع لبنان أو الأطراف المقاومة استغلال هذا المبدأ عبر تنفيذ عمليات غير تقليدية أو استهداف نقاط ضعف لم تكن إسرائيل مستعدة لها، سواء من الناحية العسكرية أو الدبلوماسية. على سبيل المثال، تكتيكات مثل الهجمات السيبرانية، الدعاية، أو الضغط الدولي على محافل حقوق الإنسان قد تكون أكثر فاعلية من المواجهات العسكرية المباشرة.
17-أظهر الضعف عندما تكون قويا، وأظهر القوة حين تكون ضعيفا“. هذا التكتيك يعكس استراتيجية التمويه والخداع. عندما تكون في وضع قوي، يُفضل أن تظهر وكأنك ضعيف لتجنب لفت انتباه الخصوم. وعندما تكون ضعيفًا، عليك أن تبدي قوة أكبر مما تملك لتخيف خصومك وتمنعهم من استغلال ضعفك. هذه الاستراتيجية تنطوي على التلاعب بالإدراك، وهو أمر يمكن تطبيقه في شتى مجالات الحياة مثل السياسة والمفاوضات.
في ظل الوضع الاقتصادي الصعب في لبنان، قد يُظهر البلد نفسه وكأنه ضعيف على الساحة الدولية، ولكن في الواقع قد يمتلك أدوات قوة أخرى غير ظاهرة مثل التأثير الدبلوماسي أو دعم الشعوب العربية والإسلامية. من جهة أخرى، قد تظهر المقاومة قوتها العسكرية في حالات الضعف لترهيب الخصم أو إظهار قدرتها على التصدّي لأي عدوان.
18-تحرّك بانسياب الريح، وكن بصلابة الخشب. هاجم مثل النار، وكن ثابتا كالجبل“. يشبه سون تزو التكتيكات القتالية بعناصر الطبيعة. يجب أن يكون المقاتل مرنًا وسريعًا مثل الريح في حركته، ولكن في نفس الوقت صلبًا وقويًا مثل الخشب. وعندما يتعلق الأمر بالهجوم، يجب أن يكون سريعًا ومدمرًا كالنار، ولكن في الدفاع عليه أن يكون ثابتًا ولا يتزعزع كالجبل. هذه الرمزية تعكس التوازن بين المرونة والقوة، الهجوم السريع والدفاع الصلب.
يُشدّد سون تزو هنا على ضرورة المرونة والتكيّف مع الظروف. بالنسبة للبنان، يعني ذلك أن عليه أن يكون مرنًا في تحركاته الدولية والسياسية ولكن في نفس الوقت ثابتا في مواقفه الأساسية تجاه قضاياه. إذا كان الهجوم ضروريًا، فيجب أن يكون حاسمًا وسريعًا كالنار، وإذا كان الدفاع هو الخيار الأفضل، فيجب أن يكون ثابتًا وقويًا لا يتزعزع مثل الجبل.
الخاتمة
يتضّح من هذه الأقوال أن سون تزو يرفض فكرة العنف المجرّد، ويركّز على الحكمة في إدارة الصراعات. بالنسبة له، الحرب ليست مجرّد صراع دموي بين الجيوش، بل هي لعبة استراتيجيات معقدة تتطلّب فهمًا عميقًا للطبيعة البشرية والعوامل المؤثرة في الصراع. سون تزو يركّز على الحاجة إلى رؤية طويلة الأمد تتجاوز المكاسب اللحظية، وينادي باستخدام الذكاء والخداع وتجنّب المعارك التي قد تؤدّي إلى خسائر كبيرة. الأفكار التي طرحها سون تزو لم تظّل محصورة في مجال الحرب فحسب، بل تعدّت إلى مجالات أخرى مثل الأعمال والتجارة والسياسة. إن تطبيق هذه المبادئ في عالم اليوم، سواء كان ذلك في المجال السياسي أو الاقتصادي، يمكن أن يوفّر استراتيجيات ناجحة في تجنّب الصراعات وتحقيق الأهداف بأقل تكلفة ممكنة.
تطبيق أقوال سون تزو على الصراع بين لبنان وإسرائيل يتطلّب التركيز على الحلول غير العسكرية لتحقيق النصر. كان الأجدى لو تبنّى لبنان استراتيجيات تعتمد على الحكمة والدبلوماسية، مع تجنّب التصعيد العسكري كلما أمكن ذلك. من خلال التفكير طويل الأمد، وحساب التكاليف، واستخدام وسائل الإقناع، كان بإمكان لبنان أن يحقّق انتصارات جوهرية دون الحاجة إلى الدخول في حرب مباشرة مدمرة، كما هو الحال اليوم في مختلف الأراضي اللبنانية!