مرفأ بيروت قبل الانفجار
د. الياس ميشال الشويري
في 4 آب 2020، شهد لبنان واحدة من أسوأ الكوارث في تاريخه الحديث: انفجار مرفأ بيروت. أدّى الانفجار إلى مقتل أكثر من 200 شخص، وإصابة الآلاف، وتشريد عشرات الآلاف، مع دمار هائل في قلب العاصمة. لم يكن هذا الحدث مجرّد كارثة مادية بل ترك أثرًا نفسيًا واجتماعيًا عميقًا على المجتمع اللبناني، خاصة أهالي الضحايا. بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على هذه الكارثة، لم تتحقّق العدالة بعد، ولم يُحاسب المسؤولون. القادة السياسيون والأمنيّون الذين قد تكون لهم يد في منع التحقيق واجهوا مصيرًا مختلفًا، إذ لقي بعضهم حتفهم، مما أثار مشاعر مختلطة بين أهالي الضحايا الذين يتوقون للعدالة.
1- الانفجار: الخلفية والأسباب.
كان الانفجار نتيجة تخزين 2750 طنًا من مادة نترات الأمونيوم في أحد عنابر مرفأ بيروت. هذه المادة الخطرة كانت موجودة في المرفأ منذ عام 2013 بعد أن تم مصادرتها من سفينة مهجورة. ورغم معرفة السلطات بمخاطر المادة، لم يتمّ اتخاذ أي إجراءات جدية للتخلص منها أو نقلها إلى مكان آمن. في يوم الكارثة، اندلع حريق في العنبر 12، حيث كانت نترات الأمونيوم مخزّنة. سرعان ما تحوّل الحريق إلى انفجار هائل يعادل في قوته انفجارًا نوويًا صغيرًا، مما أدى إلى تدمير واسع النطاق في بيروت.
2-التداعيات الإنسانية والنفسية على أهالي الضحايا.
بالإضافة إلى الأضرار المادية الهائلة التي لحقت بالمرفأ وبيروت، عانى أهالي الضحايا من صدمة نفسية عميقة. فقدان أحبائهم في حادثة كان من الممكن تجنّبها، خلق شعورًا بالخيانة والغضب. الكثيرون منهم يشعرون أن ما حدث لم يكن مجرد حادث عادي، بل نتيجة فساد وإهمال طويل الأمد من قبل السلطات. يتحدث العديد من أهالي الضحايا عن مشاعر اليأس والإحباط بسبب تأخر العدالة والعرقلة المتعمدة للتحقيقات.
منذ وقوع الانفجار، لم تتوقف مطالب الأهالي بالعدالة والحقيقة، إلا أن المشهد السياسي والقضائي في لبنان حال دون تحقيق أي تقدم ملموس في هذا الاتجاه. في ظلّ كلّ هذا، يعاني أهالي الضحايا من حالة عدم اليقين، حيث يشعرون بأن حياتهم وحياة أحبائهم قد تم تجاهلها لصالح مصالح سياسية ضيقة.
3-التحقيقات المعطلة: عوائق العدالة.
منذ اللحظة الأولى للانفجار، بدأت مطالبات واسعة النطاق بإجراء تحقيق شفاف ومستقل لتحديد المسؤولين عن هذه الكارثة. تم تعيين قاضٍ لقيادة التحقيق، ولكن منذ ذلك الحين، تعرقلت العملية القضائية بشكل مستمر نتيجة التدخلات السياسية والضغوطات. تمّ استبدال القضاة وإقالتهم، وتمّ استخدام الحصانات السياسية لحماية المسؤولين من المساءلة.
الشخصيات السياسية والأمنية المتورّطة في قضية المرفأ اعتمدت على نفوذها السياسي والقانوني لتعطيل سير العدالة. هذه العوائق السياسية أثارت استياء الأهالي والمجتمع اللبناني بشكل عام، حيث أصبح واضحًا أن المصالح السياسية تقف عائقًا أمام الكشف عن الحقيقة. التحقيقات تعثّرت مرارًا، ورغم الضغوط الشعبية والدولية، لم يتم اتخاذ خطوات حقيقية نحو محاسبة المسؤولين.
4-مقتل القادة الذين منعوا التحقيق: كيف يشعر أهالي الضحايا؟
مؤخرًا، قُتل بعض القادة السياسيين والأمنيين الذين كانت لهم أدوار بارزة في تعطيل التحقيقات ومنع محاسبة المسؤولين. هذه الأحداث ولّدت ردود فعل مختلطة بين أهالي الضحايا. بالنسبة للبعض، كان مقتل هؤلاء القادة نوعًا من القصاص غير المباشر، حيث يشعرون بأن العدالة قد بدأت تأخذ مجراها بطرق غير متوقعة.
ومع ذلك، فإن هذه الردود لم تكن إيجابية بشكل كامل. العديد من أهالي الضحايا يرون أن مقتل القادة لا يعوّض عن محاكمة شفافة وعادلة. العدالة في نظرهم لا تتمثل في القتل أو الانتقام، بل في تقديم المسؤولين إلى المحاكم والاعتراف بتقصيرهم وإهمالهم. من جهة أخرى، يشعر بعض الأهالي بأن مقتل هؤلاء القادة قد أضاع الفرصة لتحقيق عدالة حقيقية، حيث أن المحاكمات القانونية كانت ستكشف عن العديد من التفاصيل التي لا تزال غامضة.
إن شعور أهالي الضحايا تجاه هذه الحوادث يظل معقدًا: فهم يريدون العدالة، ولكن ليس العدالة الانتقامية بل تلك التي تأتي من خلال القانون والشفافية. مقتل المسؤولين قد يُنظر إليه كجزء من دائرة العنف المستمرة في لبنان، حيث يتم اللجوء إلى العنف بدلًا من القانون لحل النزاعات.
5-ردود الفعل الشعبية والدولية على مقتل القادة.
على الصعيد الشعبي، كانت هناك مظاهر فرح واستبشار لدى بعض اللبنانيين عند مقتل القادة المتهمين بتعطيل التحقيقات. يعتبر الكثيرون أن هؤلاء القادة كانوا جزءًا من المنظومة الفاسدة التي حكمت البلاد لعقود، وأن موتهم ربما يمثل بداية لنهاية هذه الحقبة. لكن في الوقت ذاته، هناك قلق متزايد من أن لبنان لا يزال عالقًا في دائرة العنف السياسي والانتقام، مما يحول دون بناء دولة القانون.
دوليًا، كانت ردود الفعل أقلّ حدة، مع التركيز المستمر على ضرورة إجراء تحقيق مستقل وشفاف. الدول الغربية ومنظمات حقوق الإنسان لا تزال تطالب بفتح التحقيقات بشكل كامل وإزالة العوائق السياسية أمام القضاء اللبناني. لكن مقتل القادة قد يعقد هذه المطالب، حيث أن العديد من الشهود أو المتورطين قد لا يكونون موجودين للإدلاء بشهاداتهم.
6-النظرة الرمزية لموقف الضحايا: “من العلياء وبازدراء“.
يستخدم البعض تعبير “ضحايا انفجار مرفأ بيروت ينظرون من العلياء وبازدراء” كاستعارة تصف حالة الغضب والاحتقار التي يشعر بها أهالي الضحايا تجاه المسؤولين عن هذه الكارثة. هؤلاء الذين فقدوا حياتهم في الانفجار يُنظر إليهم وكأنهم يراقبون من السماء، يأسفون على ما يحدث على الأرض من تعطيل للتحقيقات وتلاعب بالعدالة. هذه الصورة الرمزية تعكس شعور أهالي الضحايا بأن الموتى يُهانون مرة أخرى، ليس فقط بالإهمال الذي أدى إلى وفاتهم، بل بالتلاعب المستمر بمنع كشف الحقيقة.
7-مستقبل العدالة في قضية مرفأ بيروت.
رغم مقتل بعض القادة الذين كانوا يعوقون التحقيق، لا تزال قضية انفجار مرفأ بيروت مفتوحة ومليئة بالغموض. الكثير من العائلات لا يزالون يأملون في تحقيق العدالة، ولكنهم يدركون أن النظام السياسي الحالي يقف عائقًا كبيرًا أمام ذلك. ومع ذلك، هناك إصرار شعبي متزايد على ضرورة التغيير الجذري في لبنان. قد يكون مقتل بعض القادة بداية لمرحلة جديدة، حيث يمكن للبنان أن يبدأ في إصلاح نظامه القضائي والسياسي، ولكن يبقى الطريق طويلًا ومعقدًا.
8-الخاتمة
إن انفجار مرفأ بيروت ليس مجرد حدث عابر في تاريخ لبنان، بل هو رمز لفشل نظام سياسي بأكمله. أهالي الضحايا يقفون في الصف الأول للمطالبة بالعدالة، لكنهم يواجهون تحديات كبيرة في نظام مليء بالفساد والمصالح السياسية. مقتل القادة الذين كانوا يمنعون التحقيق قد يكون نقطة تحوّل، لكنه لا يعوّض عن المحاسبة القانونية الشفافة التي يتوق إليها الأهالي والمجتمع اللبناني. مستقبل العدالة في هذه القضية يعتمد بشكل كبير على مدى قدرة لبنان على تحقيق الإصلاحات السياسية والقضائية اللازمة.