الكورونا ضعضعت الحكومة لناحية إستيعاب المصابين
يقول المثل اللبناني: “علقان بين المطرقة والسندان“، وهو تعبير يُجسّد حالة البؤس والضياع التي يعيشها اللبنانيون في ظل أزمات متفاقمة طالت جميع جوانب حياتهم. منذ عقود، واللبناني يعاني بين أزمات سياسية خانقة وأوضاع اقتصادية متدهورة، في ظل نظام طائفي وفساد مستشرٍ. لكن السنوات الأخيرة شهدت تفاقماً غير مسبوق لهذه الأزمات، لدرجة أن المواطن بات عاجزاً عن تأمين أبسط مقومات الحياة.
هذا المقال يتناول بالتفصيل أوجه الأزمات التي جعلت اللبناني “مُهاناً” بين مطرقة الظلم وسندان الحرمان، مسلطين الضوء على جوانب اقتصادية، اجتماعية، بيئية، وسياسية.
1- المطرقة الاقتصادية والسندان المالي
بين مطرقة الدولار وسندان اللولار. منذ بداية الأزمة المالية في 2019، تحولت الليرة اللبنانية من عملة مستقرة إلى ورقة بلا – قيمة، مع انهيار غير مسبوق أمام الدولار. ولزيادة المأساة، ابتكرت المصارف مفهوم “اللولار“، وهو الدولار المصرفي المعلّق في الحسابات والذي لا قيمة فعلية له في السوق. هذا التلاعب بالعملات أفقد المواطنين مدخراتهم التي عملوا لسنوات لتأمينها، وأصبحت الرواتب بالكاد تكفي لشراء الحاجات الأساسية.
–بين المصارف وسندان الصرافين. المصارف اللبنانية التي كانت تُعتبر رمزاً للاستقرار المالي، أغلقت أبوابها في وجه المودعين، وفرضت قيوداً تعسفية على سحب الأموال. في المقابل، استغل الصرّافون غياب الدولة وتحكموا بسعر صرف الدولار في السوق السوداء، ممّا زاد العبء على المواطنين. غياب الرقابة الحقيقية جعل المواطن يرزح تحت رحمة مؤسسات مالية تُدير الأزمة وفقاً لمصالحها.
– بين مطرقة الضرائب وسندان المُضاربين. فرضت الحكومات المتعاقبة ضرائب عشوائية على المواطنين في وقت كانوا فيه عاجزين عن تأمين احتياجاتهم الأساسية. بالتوازي، ازدهر التلاعب في الأسواق من قبل المضاربين، ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق. غياب سياسات اقتصادية رشيدة ساهم في تعميق الهوة بين الطبقات الاجتماعية، حيث ازداد الأغنياء ثراءً وازداد الفقراء بؤساً.
2- المطرقة الاجتماعية والسندان الصحي
–بين المستشفيات وسندان المرض. مع انهيار القطاع الصحي، أصبحت المستشفيات تطلب الدفع بالدولار أو ما يعادله، ممّا جعل العلاج غير متاح لشرائح واسعة من الشعب. في المقابل، تفاقمت الأمراض بسبب غياب الأدوية التي تُهرّب أو تحتكر من قبل المستوردين. المواطن اللبناني اليوم بين خيارين: إما أن يموت بسبب عدم القدرة على العلاج، أو يعيش في خوف دائم من مرض لا يستطيع تحمّل تكاليفه.
– بين مطرقة الوباء وسندان الغباء. أظهرت أزمة جائحة كورونا مدى تخبّط الدولة في اتخاذ قرارات فعالة. غياب التخطيط والتنسيق جعل المواطن اللبناني يدفع الثمن، سواء من خلال نقص الرعاية الصحية أو فقدان مصدر رزقه نتيجة الإغلاق العشوائي للاقتصاد.
– بين مطرقة التعليم وسندان الجهل.الانهيار الاقتصادي لم يستثنِ قطاع التعليم، حيث أصبحت المدارس والجامعات الخاصة بعيدة المنال عن معظم اللبنانيين. أما التعليم الرسمي، فواجه تدهوراً كبيراً بسبب الإضرابات المستمرة وضعف التمويل. هذا الوضع يُهدّد الأجيال القادمة، حيث بات الوصول إلى التعليم الجيد حكراً على الطبقات الميسورة فقط.
3- المطرقة البيئية والسندان التنموي
– بين مطرقة المكبّات وسندان المحارق. تحولت أزمة النفايات في لبنان إلى كارثة بيئية دائمة. بين مكبات عشوائية تنتشر في كل مكان ومحارق غير قانونية، يعاني اللبنانيون من تلوث يُهدد صحتهم. هذه الأزمة ليست نتيجة ضعف الإمكانيات، بل تعبير عن فساد إداري مزمن وغياب رؤية بيئية مستدامة.
– بين مطرقة الكسّارات وسندان المقالع. المقالع والكسارات التي تعمل بدون رقابة قانونية دمرت البيئة اللبنانية. تُستخدم هذه المنشآت لاستغلال الموارد الطبيعية لصالح فئة صغيرة من أصحاب النفوذ، بينما يتحمّل المواطنون العاديون أضرارها الصحية والبيئية.
– بين مطرقة التغيّر المناخي وسندان الحرائق. في ظل غياب خطط لمواجهة التغيّر المناخي، باتت لبنان عرضة لحرائق مدمرة كل عام، تلتهم الغابات وتزيد من معاناة المواطنين الذين يعيشون أصلاً في بيئة متدهورة.
4- المطرقة السياسية وسندان الطائفية
– بين ملوك الطوائف وأمراء الحرب. النظام الطائفي الذي يُهيمن على لبنان جعل من المواطن أسيراً للتجاذبات السياسية والطائفية. زعماء الطوائف يتلاعبون بمصير الشعب لتحقيق مكاسبهم الخاصة، ممّا يمنع أي إصلاح حقيقي أو تقدّم.
– بين مطرقة “الدويلة” وسندان “الدولة“. غياب مفهوم الدولة القوية التي تمثّل جميع اللبنانيين، وظهور “الدويلة” التي تفرض أجنداتها الخاصة، جعل من لبنان ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، ممّا زاد من تفاقم الانقسام الداخلي.
– بين مطرقة البرلمان وسندان الحكومة. الشلل الحكومي والتعطيل المستمر لعمل البرلمان يعكسان غياب الإرادة السياسية لإحداث تغيير حقيقي. هذا الوضع أدّى إلى تفاقم الأزمات، حيث أصبحت الحكومة والبرلمان عاجزين عن خدمة الشعب.
5- المطرقة الثقافية وسندان التبعية
– بين مطرقة الإعلام وسندان التضليل. تحول الإعلام اللبناني إلى وسيلة لخدمة المصالح الطائفية والسياسية، ممّا زاد من حالة الانقسام ونشر الكراهية بدلاً من تعزيز الوحدة الوطنية.
– بين مطرقة الجهل وسندان المعرفة. ضعف نظام التعليم وتفشّي ثقافة الاستسلام للأمر الواقع جعلا المواطن اللبناني أكثر عرضة للتضليل والهيمنة السياسية. هذا الواقع يُهدّد مستقبل الوطن، حيث أن غياب الوعي والمعرفة يحول دون بناء دولة حقيقية.
6- الخاتمة
لبنان ليس ضحية المطرقة أو السندان، بل ضحية شعب ارتضى أن يكون في موقع المفعول به دون المطالبة بحقوقه. الحل الوحيد للخروج من هذا النفق المظلم هو وعي اللبنانيين بضرورة التغيير، والتحرّك لفرض دولة مدنية تقوم على العدالة والمساواة، بعيداً عن الطائفية والفساد. ليبقى السؤال مفتوحاً: هل سيبقى اللبناني “مُهاناً”، أم سينتفض لاستعادة كرامته؟