يهود امام حائط المبكى
د. الياس ميشال الشويري
تُعد العلاقات الاجتماعية وكيفية تفاعل الأفراد مع محيطهم عنصرًا جوهريًا يعكس هوية وثقافة أي مجتمع. في العالم العربي والمجتمع الإسرائيلي، يتجسّد هذا التفاعل في شكلَين مختلفين يعبّران عن فلسفتيَن ثقافيتين واجتماعيتين متباينتين. فبينما يميل العرب إلى التركيز على العلاقات الشخصية والاجتماعية الضيقة في إطار ما يُعرف بـ “ما بين الفخذين“، يعبر الإسرائيليون عن توجههم نحو قضايا أوسع تمتد إلى المجتمع ككل، وهو ما ينعكس في مفهوم “ما بين الصدعين“. هذه المقارنة تُلقي الضوء على الجوانب العميقة التي تشكل النسيج الاجتماعي والثقافي لكل مجتمع، وتبرز كيفية تأثير هذه الاختلافات في معالجة الأزمات وبناء العلاقات الداخلية والخارجية.
- العلاقات الاجتماعية في الثقافة العربية: “ما بين الفخذين“
العلاقات الاجتماعية في الثقافة العربية تُبنى على أساس الروابط الشخصية القوية، والتي تشكّل حجر الزاوية في بنية المجتمع. يُنظر إلى العلاقة بين الأفراد على أنها انعكاس للقيم الاجتماعية الراسخة، حيث يحتل التفاعل الشخصي مكانة أساسية في الحياة اليومية. تتجلّى هذه العلاقات في الحميمية التي يتميّز بها المجتمع العربي، حيث ترتكز العلاقات على الثقة، الوفاء، والتعاون المشترك بين الأفراد. تتعزّز هذه الروابط من خلال التقاليد والعادات التي تجعل من الأسرة والعشيرة والمجتمع المحلي وحدات اجتماعية مترابطة، ما يُسهم في تكوين بنية اجتماعية متماسكة قائمة على القرب الشخصي.
إلى جانب ذلك، يتمتع النظام الاجتماعي في العالم العربي ببنية تتسم بالتداخل بين الحياة الشخصية والعامة. القرارات والمواقف السياسية والاجتماعية غالبًا ما تتأثر بالعلاقات الشخصية والعائلية، ما يجعل الانتماء إلى العائلة أو العشيرة يلعب دورًا حاسمًا في تحديد مكانة الفرد في المجتمع. وهذا الانتماء يُمثل مصدرًا للأمان والدعم في أوقات الأزمات، حيث يعتمد الأفراد بشكل كبير على شبكة العلاقات الاجتماعية المباشرة للتغلب على التحديات اليومية.
- التركيز الإسرائيلي على “ما بين الصدعين“
على النقيض من ذلك، يعكس مفهوم “ما بين الصدعين” في الثقافة الإسرائيلية نهجًا أكثر شمولية يُركّز على المجتمع ككل بدلاً من العلاقات الفردية فقط. في هذا السياق، يُنظر إلى القضايا الوطنية والوجودية على أنها مسؤولية جماعية تتطلب التفاف المجتمع حول أهداف مشتركة. يُشير هذا المفهوم إلى البُعد الفكري والاستراتيجي الذي تتسم به الحياة الاجتماعية والسياسية في إسرائيل، حيث تُعتبر الأزمات الوطنية والقضايا الكبرى محاور رئيسية يتعامل معها المجتمع بشكل جماعي.
هذا التوجه يُبرز ثقافة المشاركة والتعاون على مستوى المجتمع والدولة. فالتحديات الأمنية، السياسية، والاقتصادية تُعالج من خلال سياسات وطنية تنبع من وعي جمعي يُركّز على المصالح العامة أكثر من المصالح الفردية. يتمّ تحفيز المجتمع على التكاتف والعمل بشكل مشترك لتحقيق أهداف كبرى تتعلق بمستقبل الدولة والمجتمع، ما يُعزز الإحساس بالمسؤولية الجماعية ويخلق نوعًا من الوحدة الوطنية القائمة على المصير المشترك.
المنسف العربي
- الفروق الثقافية والاجتماعية بين العرب وإسرائيل
يكشف تحليل البُنى الثقافية والاجتماعية لكل من العرب والإسرائيليين عن اختلاف جذري في طريقة تشكيل الهوية الاجتماعية وبناء العلاقات. الثقافة العربية تُبنى على شبكة من الروابط الشخصية التي تحدد كيفية تفاعل الأفراد مع بعضهم البعض، بينما تعكس الثقافة الإسرائيلية نهجًا أكثر تنظيمًا يُركز على الهوية الوطنية والمجتمعية بشكل عام. في المجتمع العربي، يُنظر إلى النجاح الاجتماعي من خلال علاقات الأفراد مع محيطهم المباشر، بينما يُقاس النجاح في المجتمع الإسرائيلي بمدى الإسهام في القضايا الوطنية والمصلحة العامة.
هذا الفرق يظهر بشكل أوضح عند التعامل مع الأزمات والتحديات. في العالم العربي، غالبًا ما يتم اللجوء إلى الحلول من خلال العلاقات الشخصية، حيث يتم البحث عن الدعم من خلال الأفراد والجماعات الصغيرة مثل العائلة أو القبيلة. بينما في إسرائيل، يُنظر إلى الأزمات على أنها فرصة لتعزيز الوحدة الوطنية والتعاون الجماعي، ويتم التعامل معها من خلال مؤسسات الدولة والمجتمع ككل. هذا النهج يُعزز من قدرة المجتمع الإسرائيلي على مواجهة الأزمات بطريقة أكثر تنظيمًا، مقارنة بالمجتمع العربي الذي يعتمد بشكل أكبر على الحلول الفردية والمحلية.
- أثر هذه الفروق في التعامل مع الأزمات
الاختلافات الثقافية بين العرب وإسرائيل تلعب دورًا كبيرًا في كيفية التعامل مع الأزمات والتحديات الكبرى. ففي حين تُفضل المجتمعات العربية البحث عن حلول للأزمات من خلال تعزيز الروابط الشخصية والاجتماعية، يركز المجتمع الإسرائيلي على حلول جماعية تتطلب تكاتف المجتمع بأكمله. يُترجم هذا الاختلاف في أوقات الأزمات الوطنية والسياسية إلى توجهات مختلفة، حيث يُمكن للمجتمع الإسرائيلي حشد الموارد والجهود بشكل أكثر فاعلية لمواجهة التحديات.
في المجتمعات العربية، يعتمد الأفراد بشكل أكبر على الروابط العائلية والقبلية كوسيلة لتحقيق الاستقرار والتغلب على التحديات. لكن في بعض الأحيان، يمكن أن يُؤدي هذا النهج إلى تعزيز الانقسامات الداخلية وغياب الحلول الفعالة على المستوى الوطني. على النقيض من ذلك، يعتمد المجتمع الإسرائيلي على نموذج شامل يُشجع على التكاتف بين مختلف فئات المجتمع، مما يُسهم في بناء استراتيجيات وطنية طويلة الأمد قادرة على التعامل مع التحديات بفعالية أكبر.
- الخاتمة
إن الفرق بين “ما بين الفخذين” في الثقافة العربية و”ما بين الصدعين” في الثقافة الإسرائيلية يُجسد اختلافًا جوهريًا في كيفية فهم المجتمعات للعلاقات الاجتماعية والتفاعل مع الأزمات والتحديات. يُسلط هذا المقال الضوء على أنماط التفكير التي تُميز كل ثقافة، ويوضح كيف أن هذه الاختلافات تؤثر بشكل مباشر على السياسة، المجتمع، والاقتصاد. من خلال فهم هذه الفروق الثقافية، يُمكن تعزيز الحوار والتفاهم بين الشعوب، مما يسهم في بناء جسور للتعاون والتعايش على أسس مشتركة من الاحترام المتبادل والتفاهم الثقافي.