الثنائي الرئاسي الانقاذي
تحية طيبة وبعد،
في ظلّ الظروف العصيبة التي تمرّ بوطننا الحبيب لبنان، أكتب إليكما بصفتي مواطناً لبنانياً يئّن تحت وطأة الانهيار الشامل الذي طاول كافة الأصعدة في البلاد. لقد بات لبنان نموذجاً مأساوياً لدولة تآكلتها منظومة الفساد والمحاصصة، وتحولت إلى ساحة للفوضى الإدارية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والقضائية، والأمنية. ما يدفعني إلى كتابة هذا الكتاب ليس فقط الأمل، بل الشعور بالمسؤولية في تسليط الضوء على الأوضاع المتردية والمطالبة بحلول جذرية تضع لبنان على طريق التعافي.
لبنان، بين الماضي المجيد والحاضر المأساوي
لطالما كان لبنان، بفضل موقعه الجغرافي وثروته البشرية، مركزاً للتميّز الثقافي والتجاري والمصرفي والتعليم العالي في المنطقة. إلا أن السياسات المتعاقبة منذ نهاية الحرب الأهلية وحتى يومنا هذا أفرغت الدولة من مضمونها وحوّلتها إلى “دولة فاشلة” بمعايير الحوكمة والتنمية. فقد أصبح لبنان نموذجاً حياً للفشل المؤسساتي الناجم عن هيمنة الفاسدين واستغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية.
أولاً، انهيار الاقتصاد اللبناني
لبنان يشهد أحد أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم منذ منتصف القرن العشرين، بحسب تقارير البنك الدولي. فقد أدت سياسات سوء الإدارة المالية إلى تدمير العملة الوطنية، حيث فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 98% من قيمتها أمام الدولار الأميركي منذ العام 2019. هذا الانهيار أثر بشكل مباشر على حياة المواطنين:
–ارتفاع معدلات الفقر: يعيش أكثر من 80% من اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.
–البطالة المستشرية: تشير الإحصائيات إلى أن البطالة تجاوزت نسبة 40%، ممّا يدفع الشباب إلى الهجرة بشكل غير مسبوق.
–انهيار القطاع المصرفي: تجميد ودائع المواطنين في البنوك أفقد الثقة بالقطاع المصرفي، الذي كان يُعتبر ركيزة الاقتصاد اللبناني.
–أزمة الكهرباء والوقود: يعيش اللبنانيون في شبه ظلام دامس بسبب انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، إضافة إلى أزمة نقص الوقود التي أدّت إلى شلل في مختلف القطاعات الإنتاجية.
ثانياً، تفكّك المؤسسات العامة
لم يعد من الممكن الحديث عن دولة قادرة على توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها. مؤسسات الدولة تعاني من الشلل بسبب الفساد المستشري والمحاصصة السياسية:
–القضاء المسيّس: يعاني القضاء من تدخلات سياسية تعيق تحقيق العدالة، ما أدّى إلى تآكل الثقة بمنظومة العدالة.
–الخدمات العامة المتدهورة: التعليم والصحة باتا حكراً على من يستطيع تحمّل كلفتهما الباهظة، في حين يعاني عامة الشعب من تردّي هذه الخدمات.
–الأمن الغذائي: تعاني البلاد من نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية نتيجة انهيار سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار بشكل جنوني.
ثالثاً، الفساد كعقبة أساسية
الفاسدون الذين تربعوا على عرش السلطة لعقود طويلة استغلوا مواقعهم لتحقيق مكاسب شخصية بدلاً من خدمة الصالح العام. هذا الوضع أدى إلى:
–إهدار المال العام: مليارات الدولارات أُهدرت على مشاريع وهمية.
–غياب الشفافية: لا توجد آليات واضحة لمحاسبة المسؤولين.
–تفكّك النسيج الاجتماعي: تسبب الفساد في تزايد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية.
رابعاً، استبعاد الفاسدين كخطوة أولى للإصلاح
إن استبعاد الفاسدين عن مواقع القرار يمثّل الخطوة الأولى في مسيرة الإصلاح. بدون هذه الخطوة، ستظّل كل الجهود الأخرى مجرّد محاولات ترقيعية لن تعالج جوهر المشكلة. ومن أجل تحقيق ذلك، أقترح النقاط التالية:
–إطلاق حملة وطنية لمحاربة الفساد: تشمل فتح ملفات الفساد الكبرى ومحاسبة المتورطين. مهما علا شأنهم.
–تعزيز استقلالية القضاء: تأمين استقلال القضاء عن التدخلات السياسية لضمان محاسبة عادلة.
–تطهير القضاء: تطهير القضاء ليس مجرّد مهمة إصلاحية بل هو خطوة تاريخية لإنقاذ الوطن من الفساد والفاسدين وإعادة بناء دولة قائمة على العدل والمساواة.
–إصلاح الهيكلية الإدارية: إعادة هيكلة الإدارات العامة وتوظيف الكفاءات بدلاً من المحاصصة.
خامساً، القيادة المتجردة كضرورة ملحة
نيلسون مانديلا قدّم نموذجاً عالمياً للقيادة المتجرّدة. في المقابل، يحتاج لبنان إلى قادة يعملون بإخلاص وتفانٍ لتحقيق نهضة شاملة:
–إعادة بناء الثقة: اتخاذ خطوات فعلية وملموسة لإعادة ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة.
–إشراك الشباب والكفاءات: تمكين الشباب من المشاركة في صنع القرار.
–التخلّي عن المصالح الشخصية: العمل بروح وطنية بعيداً عن الأنانيات الحزبية والطائفية.
سادساً، التحديات الإقليمية والدولية
لا يمكن فصل أزمات لبنان عن التدخلات الإقليمية والدولية التي أسهمت في تفاقم الوضع. لذلك، يجب تبنّي سياسة خارجية متوازنة تحفظ استقلالية القرار اللبناني.
الخاتمة
إن لبنان يقف على مفترق طرق. إما أن نواجه الواقع بشجاعة ونتخذ قرارات جريئة لاستبعاد الفاسدين والشروع في إصلاحات جذرية، أو أن نستسلم للانهيار الذي لن يرحم أحداً. المسؤولية اليوم بين أيديكم، أيها القائدان، لتكونا رموزَيْن للتغيير الإيجابي ولبناء لبنان الذي يحلم به أبناؤه. “عاش لبنان” لن تتحقّق إلا إذا كان القانون هو السيد والعدالة هي الميزان الذي يحكم الجميع دون استثناء. مع الإرادة الصادقة والجهود المخلصة، يمكن للبنان أن ينهض من جديد.
وفقكما الله في هذه المهمة التاريخية!
د. الياس ميشال الشويري