ترامب يقسم اليمين
د. الياس ميشال الشويري
بعد حوالي 35 عامًا من حصولي على الجنسية الأميركية، أجد نفسي في لحظة تأمّل عميق وشكر لله على هذه النعمة العظيمة. أمس، وأنا أشاهد حفل تنصيب الرئيس دونالد ترامب على شاشة التلفزيون، شعرت بمعنى عميق لقيمة هذه الجنسية التي حملتها منذ سنوات طويلة. لقد كان الحصول على هذه الجنسية نقطة تحوّل فارقة غيّرت مسار حياتي وفتحت أمامي آفاقًا جديدة. بفضل هذه الجنسية، تمكّنت من التمتّع بحرية أكبر، والوصول إلى إمكانيات أوسع، وتحقيق العديد من الطموحات التي كنت أحلم بها منذ البداية، طموحات لم يكن من الممكن تحقيقها في وطني الذي أصبح رهينة لمنظومة فاسدة حولته إلى دولة فاشلة على كافة الأصعدة.
في هذا المقال، أرغب في التعبير عن امتناني لله على منحي هذه النعمة العظيمة، واستعراض الأثر الكبير الذي أحدثته الجنسية الأميركية في حياتي، وكيف أصبحت هذه الهوية رمزًا للفخر والاعتزاز لكل من يحملها.
- الشكر لله على النعمة
حصولي على الجنسية الأميركية كان بمثابة بداية جديدة ومهمة في حياتي نقلتني إلى مرحلة مختلفة تمامًا من المسؤولية والفرص. لقد كان لها أثر عميق في حياتي، اذ غيّرت مساري الشخصي والمجتمعي بشكل جذري. أصبحت أشعر بانتماء إلى وطن يحمل قيم الحرية والمساواة، وأتاح لي أن أعيش في بيئة تحترم حقوق الإنسان وتؤمن بقدرات الأفراد على تحقيق أحلامهم. على المستوى الشخصي، فتحت الجنسية الأميركية أمامي آفاقًا واسعة لتحقيق الطموحات التي طالما راودتني: من التعليم العالي، إلى الانخراط في المجتمع، الى بناء مسيرة مهنية ناجحة. كان لكل خطوة معنى خاص يعكس الأثر الإيجابي لهذه الجنسية في حياتي. أما على المستوى المجتمعي، فقد منحتني هذه الهوية فرصة للاندماج في مجتمع متنوّع الثقافات والأديان، مجتمع يؤمن بالتعددية ويرى في التنوّع مصدر قوة وإبداع. إن ما يجعل هذه التجربة أكثر تميزًا هو أنها لم تكن مجرّد تغيير في الوضع القانوني، بل كانت نقلة نوعية في نظرتي إلى الحياة. لقد شعرت بأنني أصبحت جزءًا من أمة تقدّر الجهد والمثابرة، وتمنح الجميع فرصة متساوية لتحقيق أحلامهم بغض النظر عن خلفياتهم.
- قيمة الجنسية الأميركية
الجنسية الأميركية تحمل في طيّاتها تاريخًا طويلًا من القيم الإنسانية والمبادئ الديمقراطية التي تجعل منها رمزًا للحرية والكرامة الإنسانية. الولايات المتحدة الأميركية، منذ نشأتها، كانت منارة للحرية وواحة للفرص، تقدّم للأفراد من مختلف الثقافات والخلفيات منصّة لتحقيق الذات وبناء مستقبل مليء بالأمل والتطوّر. لقد منحتني هذه الجنسية القدرة على الوصول إلى نظام تعليمي متطوّر ومتنوّع، حيث استطعت تطوير مهاراتي الفكرية والمهنية. كما فتحت لي آفاقًا جديدة في العمل، حيث تمكنت من بناء مسيرة مهنية مستقرة وناجحة في بيئة تحفّز على الإبداع والتفوّق. على مستوى التجارب الحياتية، الجنسية الأميركية وسّعت دائرة معارفي ومنحتني الفرصة للتفاعل مع أشخاص من مختلف أنحاء العالم. تعلّمت من هذا التنوّع أن القوة تكمن في الاختلاف، وأن المجتمعات التي تحتضن التنوّع الثقافي والديني قادرة على تحقيق التقدّم والازدهار.
إن الولايات المتحدة تمثّل نموذجًا فريدًا للمجتمع الذي يسعى لتحقيق العدالة والمساواة للجميع. هذه القيم الراسخة هي ما تجعل من الجنسية الأميركية مصدرًا حقيقيًا للفخر والاعتزاز. فحامل هذه الجنسية ليس فقط مواطنًا ضمن حدود جغرافية معينة، بل هو جزء من أمة تسعى لتعزيز حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية في الداخل والخارج. إنها جنسية تضع على عاتق حاملها مسؤولية كبيرة ليكون سفيرًا لهذه المبادئ، ويسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وإثراء المجتمع بقيم الحرية والاحترام المتبادل. إلى جانب ذلك، الولايات المتحدة توفّر بيئة تُشجّع على التفكير النقدي والإبداع، ممّا يعزّز مكانة الفرد في المجتمع. إنها بيئة تحترم التميّز، وترى في كل إنجاز فردي خطوة نحو تعزيز القوة الجماعية للأمة. لذلك، فإن الجنسية الأميركية هي رمز للانتماء إلى مجتمع يسعى دائمًا لأن يكون أفضل، ولأن يُلهم العالم بقيمه وإنجازاته.
الجواز الاميركي
- الفخر والاعتزاز بحمل الجنسية الأميركية
منذ أن حصلت على هذه الجنسية، شعرت أنني أعيش في وطن لا يتوقّف عن السعي نحو التقدّم والابتكار، وطن يحمل تاريخًا طويلًا من الإنجازات والابتكارات التي جعلت منه قوة عظيمة في العالم. هذه الإنجازات ليست مجرّد نجاحات اقتصادية أو عسكرية، بل هي أيضًا نجاحات إنسانية وثقافية، ترتكز على قيم العدالة والمساواة والحرية التي تعد جزءًا أساسيًا من الهوية الأميركية. إن الجنسية الأميركية تعني لي الكثير؛ فهي ليست مجرّد وثيقة تمنح الحقوق، بل هي التزام يرافقه الكثير من الامتيازات. إنها تمنحني الحق في العيش بحرية لا مثيل لها، حرية تجعلني قادرًا على اتخاذ قراراتي الشخصية والمهنية دون قيود تعيقني. كما أنها تمنحني الفرصة للتأثير على القضايا التي تهمني، سواء على المستوى المحلي من خلال دعم المشاريع المجتمعية والتنموية، أو على المستوى العالمي من خلال المساهمة في القضايا التي تمّس حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الدولية. لقد أصبحت جزءًا من مجتمع يسعى نحو التقدّم والتطوّر المستمر، مجتمع يؤمن بأن التغيير لا يأتي إلا بالعمل الجماعي والتفاني. هذه البيئة الملهمة أتيحت لي من خلالها فرص لا تُحصى للإسهام في هذا التقدّم. في مجال التعليم، استطعت أن أستفيد من نظام تعليمي متقدّم، وساهمت من جانبي في نقل المعرفة والإسهام في بناء أجيال جديدة. وفي مجال العمل، كنت قادرًا على الانخراط في سوق متنوّع وحيوي، ممّا ساعدني على تطوير نفسي وتحقيق إنجازات تعود بالنفع على المجتمع.
أما على صعيد المشاركة المدنية، فقد أتاحت لي الجنسية الأميركية الانضمام إلى مجتمع يُقدّر المشاركة الفاعلة، ويؤمن بأن لكل فرد دورًا في بناء المستقبل. شعرت دائمًا بأنني جزء من منظومة تدعم الابتكار وتشجّع الإبداع، وتجعل من كل جهد فردي خطوة نحو تعزيز القوة الجماعية. باختصار، الجنسية الأميركية بالنسبة لي ليست مجرّد هوية قانونية أو فرصة شخصية، بل هي شعور عميق بالانتماء إلى أمة تؤمن بالحرية والكرامة والإنجاز. إنها تذكير دائم بأن العمل الجاد والمثابرة يمكن أن يؤديا إلى تحقيق أحلام لا حدود لها، وأن الانتماء إلى مجتمع متنوّع ومبدع يمكن أن يكون دافعًا مستمرًا للنجاح والنمو.
- الخاتمة
إن الجنسية الأميركية ليست مجرد هوية قانونية، بل هي شرف كبير وفرصة عظيمة للعيش في بيئة تسعى لتحقيق العدالة والمساواة، وتوفّر فرصًا لا حصر لها. لكن وسط هذا الشعور بالفخر، لا يسعني إلا أن أعبّر عن الحزن العميق الذي يلّفني عندما أقارن بين ما حققته في رحلتي الشخصية وبين ما آل إليه وطني الأم، لبنان. ذلك الوطن الذي كان رمزًا للفخر والاعتزاز في الخمسينات والستينات، عندما كانت الرئاسة فيه عنوانًا للسيادة والكرامة الوطنية، تحوّل اليوم إلى مشهد مؤلم تقوده زمرة فرّطت بحقوق لبنان وسيادته وأفقدته مكانته على الساحة الدولية.
وفي الوقت الذي تستطيع فيه الولايات المتحدة، الدولة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 340 مليون نسمة، انتخاب رئيسها في الوقت المحدّد بكل دقّة وتنظيم، نجد أن لبنان، الدولة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها خمسة ملايين شخص، يعاني من التعثّر والفشل حتى في أبسط المهام الوطنية، كاختيار رئيس للجمهورية أو تشكيل حكومة. وبدل أن يتعاون السياسيون لإعادة بناء الوطن، نجدهم غارقين في سياسات لا تمّت إلى الوطنية بصلة، سياسات دمّرت لبنان واقتصاده، وفرّطت بمصالح الشعب، وجعلت الوطن رهينة لأطماع خارجية ومصالح شخصية. إن هذا التناقض يذكرني دائمًا بضرورة الحفاظ على القيم والمبادئ التي ترمز إليها الجنسية الأميركية، والالتزام بالمساهمة في دعم كل مسعى يهدف إلى استعادة لبنان الذي نحلم به؛ وليس هذا اللبنان الذي أضحى للأسف وطن السلب والنهب، وطن العمالة والانبطاح للخارج على حساب مصلحة الوطن وأبنائه، وطن فقدت فيه القيم الوطنية ومعاني السيادة، وأصبح رهينة لمنظومة فاسدة حقيرة تعمل لمصالحها الشخصية وأجندات خارجية، متجاهلة حقوق الشعب ومعاناته.