قطعتان من الخيار لمداواة العينين
د.الياس ميشال الشويري
في الوقت الذي تخطو فيه الدول المتقدمة خطوات واسعة نحو تعزيز حقوق الحيوانات، يجد الإنسان اللبناني نفسه غارقًا في أزمات مستمرة تهدّد أبسط حقوقه المعيشية. مشهد الاهتمام المتزايد برفاهية الحيوانات في الخارج يكشف حجم الفجوة بين العالمين، حيث تتراجع حقوق الإنسان في لبنان أمام انعدام العدالة وغياب مؤسسات الدولة الفاعلة. هذه المفارقة تدفع للتساؤل: كيف يمكن لدول أن توفر رعاية طبية وملاجئ للحيوانات بينما يعجز المواطن اللبناني عن تأمين قوت يومه أو تلقّي العلاج؟
1. القوانين والتشريعات
في الدول المتقدمة، تُعتبر حماية الحيوانات جزءًا أساسيًا من المنظومة القانونية والأخلاقية. توجد قوانين صارمة تعاقب أي شخص يرتكب انتهاكًا في حق الحيوانات، سواء كان ذلك في إطار العنف المباشر أو الإهمال. تتنوّع التشريعات بين قوانين تحظّر استخدام الحيوانات في التجارب القاسية إلى قوانين تُلزم أصحاب الحيوانات الأليفة بتقديم الرعاية الصحية والغذاء اللازمَيْن. كما تُخصّص أقسام خاصة في الشرطة لمتابعة قضايا الإساءة للحيوانات، ويتّم تخصيص موازنات ضخمة لدعم مراكز حماية الحيوان ومؤسسات المجتمع المدني التي تُعنى بهذه القضايا.
على النقيض، في لبنان، وعلى الرغم من وجود نصوص قانونية تحمي حقوق الإنسان، إلا أن ضعف مؤسسات الدولة وغياب الرقابة الحقيقية يؤدّي إلى تعطيل هذه القوانين. المواطن اللبناني يجد نفسه أمام منظومة مليئة بالثغرات، حيث تُنتهك حقوقه يوميًا دون أي رادع قانوني فعلي. المظالم التي يتعرّض لها المواطن لا تُتابَع بالشكل المطلوب، وتمّر الاعتداءات على الحقوق الفردية والجماعية دون محاسبة.
2. الرعاية الصحية
في العديد من الدول المتقدمة، تُقدّم للحيوانات الأليفة رعاية صحية متطوّرة تشمل زيارات دورية للطبيب البيطري، وخدمات الطوارئ، والتأمين الصحّي للحيوانات.كما تُجرى لهاعمليات جراحية معقدة وتُعالج من الأمراض بأحدث التقنيات، ويُعتبر إهمال علاج حيوان جريمة تستوجب المساءلة القانونية. تتوفّر أيضًا خدمات نفسية وسلوكية للحيوانات التي تعرّضت لصدمات، ما يعكس مستوى الرعاية والاهتمام بصحتها ورفاهيتها.
أما في لبنان، فيعاني القطاع الصحي للبشر من انهيار شبه كامل. المستشفيات تفتقر إلى المعدات والأدوية، وغالبًا ما تكون تكلفة العلاج فوق قدرة المواطنين. المواطن اللبناني يُضطّر إلى دفع مبالغ طائلة مقابل أبسط الخدمات الصحية، وقد يُرفض علاجه في المستشفيات إذا لم يكن قادرًا على تغطية التكاليف. ضعف الضمان الاجتماعي وغياب خطط التأمين الصحي الشاملة يفاقمان الوضع، ليصبح الحصول على العلاج حلمًا بعيد المنال.
3. المأوى والغذاء
في الدول المتقدمة، تُخصّص مراكز إيواء للحيوانات المشردة وتُمول من الحكومات والمجتمع المدني. تُوفر لهذه الحيوانات بيئة نظيفة وآمنة، ويتمّ الاعتناء بها حتى تُتبنى من قِبل عائلات جديدة. تُخصص برامج لتغذية الحيوانات وتُقام حملات توعية لتشجيع المواطنين على رعاية الحيوانات المشردة أو التبرّع لدعم هذه المؤسسات. يُنظر إلى الحيوانات ككائنات تستحق الحياة الكريمة، ما ينعكس في مستوى الاهتمام برفاهيتها.
في المقابل، يعيش العديد من اللبنانيين في ظروف معيشية متردية، حيث ترتفع معدلات الفقر والبطالة. مشاهد الأطفال يبحثون في القمامة عن الطعام أصبحت مألوفة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة. الغذاء أصبح رفاهية لا يتمكّن الكثيرون من تحملّها، فيما يُعاني اللبنانيون من نقص في المواد الأساسية وارتفاع الأسعار بشكل جنوني. هذا الواقع يُجسّد مأساة إنسانية يتفوّق فيها الاهتمام بالحيوان في دول أخرى على اهتمام الدولة اللبنانية بمواطنيها.
4. المحاسبة والمساءلة
في الدول المتقدمة، أي شخص يُدان بإساءة معاملة الحيوانات يواجه محاكمة علنية وغرامات كبيرة، وفي بعض الحالات يُعاقب بالسجن. تُعامل قضايا العنف ضد الحيوانات بجدية تامة، وتُعرض في وسائل الإعلام لتوعية الجمهور بضرورة احترام حقوق الحيوانات. هذه الإجراءات الصارمة تساهم في خلق مجتمع أكثر إنسانية يحترم حقوق جميع الكائنات الحية، بغض النظر عن تصنيفها.
أما في لبنان، فإن انتهاك حقوق الإنسان يتمّ بشكل يومي من قبل السياسيين والمسؤولين، دون أن يواجهوا أي نوع من المساءلة. المحاكمات شكلية، والتحقيقات غالبًا ما تُغلق دون نتائج تُذكر. يعيش اللبناني في ظلّ سلطة لا تضع حقوقه في سلم الأولويات، وتُهدر كرامته تحت وطأة الفساد والمحسوبيات. وبدلًا من أن تكون الدولة الحامي الأول للمواطن، تتحوّل إلى أداة لقمعه وسلبه حقوقه، مما يعزز شعورًا عامًا بالإحباط وفقدان الثقة في مؤسسات الدولة.
5. الخاتمة
إن المقارنة بين حقوق الحيوان في الدول المتقدمة وحقوق الإنسان في لبنان ليست مجرّد انعكاس لفجوة اقتصادية أو سياسية، بل هي مؤشّر صارخ على غياب العدالة الاجتماعية وتردّي القيم الإنسانية في بلد يعاني من فساد مزمن وانعدام الإرادة الحقيقية للإصلاح. حقوق الإنسان يجب أن تكون أساس أي مجتمع يسعى للتطوّر، ولا يمكن للبنان أن ينهض إلا من خلال تعزيز كرامة مواطنيه وضمان حقوقهم الأساسية. فحين يصبح الاهتمام بالحيوان معيارًا، فمن الأولى أن يُنظر إلى الإنسان اللبناني بعين الرحمة والإنصاف