ماذا لو حصل المحظور؟
د. الياس ميشال الشويري
لبنان، الذي كان في يومٍ من الأيام منارة للثقافة والحضارة في قلب الشرق الأوسط تحت ظل المارونية السياسية، أصبح اليوم يعاني من أسوأ أزمة في تاريخه المعاصر. على الرغم من تاريخ طويل مليء بالتنوّع الثقافي والتبادل الفكري، وكونه ملتقى الحضارات، إلا أن لبنان اليوم يشهد تحولات مفجعة تهدّد هويته ووجوده. من دولة تحتضن الأفكار الجديدة وتؤثّر في محيطها إلى دولة غارقة في أزمات سياسية واقتصادية متشابكة تعصف بكل جوانب الحياة.
الواقع اللبناني اليوم ليس مجرّد قصّة انهيار اقتصادي أو تعثّر سياسي، بل هو قصة شعب يعاني من فقدان الأمل في المستقبل، ويتجرّع مرارة العيش تحت نظام طائفي فاسد مرتهن للخارج، عجز عن توفير الحد الأدنى من متطلبات حياة كريمة للمواطن. الأزمة التي يعيشها لبنان اليوم لا تقتصر على انهيار العملة أو العجز في توفير الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه، بل إنها تشمل انهيارًا في الثقة بين الدولة والشعب، وتعميقًا للفجوة بين الطبقات الاجتماعية التي تعيش في ظل فقر مدقع، بينما تحتفظ فئة قليلة بالنفوذ والموارد.
اليوم، يعيش اللبنانيون تحت وطأة انهيار شبه شامل طال الاقتصاد، وأدّى إلى خسارة مدخراتهم في المصارف، وتدمير القدرة الشرائية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر. وبينما تتعثّر محاولات تشكيل حكومة فاعلة، يواجه لبنان أيضًا عزلة دولية متزايدة بعد فشل المنظومة السياسية الفاسدة والحقيرة بامتياز في تنفيذ إصلاحات حقيقية. تعيش البلاد في حالة من الشلل السياسي، حيث باتت كل القرارات المهمة مرهونة للتجاذبات الإقليمية والدولية.
يبدو أن لبنان يقبع في ما يشبه “مشنقة السلطة“، لا يعرف متى ستسقط القاعدة الخشبية التي تمسكه. ورغم أن هناك من يسعى لإيجاد مخرج من هذه الأزمة، إلا أن الحلول المطروحة غالبًا ما تكون غير كافية لمواجهة هذا التحدّي الكبير. فما هي جذور الأزمة اللبنانية؟ وكيف وصلنا إلى هذا المأزق؟ وهل هناك أي بارقة أمل تلوح في الأفق لإنقاذ لبنان من الانهيار الكامل؟ هذه الأسئلة تطرح نفسها اليوم بشكل ملحّ، ونحن نتابع عن كثب كيف يتعامل المسؤولون مع هذه الأزمة التي قد تكون آخر فرصة للبنان للخروج من نفق مظلم يهدّد بقاءه كدولة.
- جذور الأزمة اللبنانية
-الإرث السياسي: من الطائفية إلى الفساد المستشري. تعتبر الطائفية في لبنان أحد الأسباب الجذرية التي تقف وراء تأصيل الأزمة اللبنانية التي نعيشها اليوم. فقد أرسى النظام السياسي اللبناني منذ الاستقلال قواعد طائفية تحدّد توزيع السلطة بين الطوائف المختلفة، ما أضفى على السياسة اللبنانية طابعًا معقدًا يعتمد على المحاصصة بدلًا من الكفاءة الوطنية. هذا النظام الذي تجسّد في اتفاق الطائف عام 1990 لم يحقّق الاستقرار السياسي المطلوب، بل فشل في بناء دولة مؤسساتية قائمة على العدالة والمساواة بين جميع المواطنين، ما أدّى إلى تغوّل الزعامات الطائفية الفاسدة واحتكارها للسلطة.
مع مرور الزمن، أصبح النظام الطائفي في لبنان أشبه بآلية لتكريس السلطة في يد فئة قليلة، حيث تُستخدم هذه السلطة في خدمة المصالح الشخصية والعائلية للطوائف والزعامات السياسية بدلاً من خدمة الوطن ككل. تمكّن الفساد المستشري في الطبقات الحاكمة من القضاء على أي محاولة حقيقية للإصلاح، وأصبح المال العام ملكًا خاصًا للطبقة الحاكمة، ممّا أضعف مؤسسات الدولة وأدّى إلى تدهور الخدمات العامة. هذه الحالة من الاستئثار بالسلطة أضحت سمة أساسية في الحياة السياسية اللبنانية، ممّا ساعد في تعزيز الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد اليوم.
لقد ضاع لبنان في دوامة من الطائفية والفساد، بحيث أصبح الوطن ليس ملكًا لجميع المواطنين، بل أداة تستخدمها الزعامات السياسية الفاسدة لتحقيق مصالحها الطائفية. ومع تعمّق هذه الأزمة، أصبح لبنان غير قادر على اتخاذ قرارات وطنية تؤثّر في مصلحة الجميع، ما جعل البلاد تدور في حلقة مفرغة من الخلافات والتجاذبات السياسية التي لا تنتهي.
-الانهيار الاقتصادي والمالي. لبنان اليوم يواجه أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، أزمة لا تقتصر على انهيار العملة الوطنية فحسب، بل تشمل جميع القطاعات الحيوية في البلاد. فمنذ اندلاع الأزمة الاقتصادية في 2019، فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي، ممّا أدّى إلى انهيار القدرة الشرائية للمواطن اللبناني بشكل غير مسبوق. في الوقت ذاته، فقد العديد من اللبنانيين ودائعهم في المصارف، بسبب السياسات المالية الكارثية التي انتهجها المصرف المركزي، بالتواطؤ مع الطبقة السياسية الفاسدة.
تأثرت كافة القطاعات الاقتصادية بشكل كبير، حيث ارتفعت معدلات البطالة إلى مستويات تاريخية، وزاد الفقر ليشمل أكثر من نصف السكان. لم تقتصر الأزمة الاقتصادية على القطاع المالي فحسب، بل طالت جميع القطاعات الأخرى. قطاع التعليم يعاني من تدهور حاد، حيث أصبحت المدارس والجامعات عاجزة عن توفير التعليم الجيّد بسبب نقص التمويل وهجرة العديد من المعلمين إلى الخارج. القطاع الصحي أيضًا يواجه انهيارًا كاملاً، حيث أصبحت المستشفيات تعاني من نقص الأدوية والمعدات الطبية، ممّا جعل اللبنانيين يعانون للحصول على العلاج اللازم.
في هذا السياق، تراجعت القدرة الإنتاجية للعديد من الشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة، وازداد الاعتماد على الاستيراد لتلبية احتياجات السوق. كل هذه العوامل ساهمت في رفع معدلات الفقر، حيث أصبح المواطن اللبناني غير قادر على تأمين أبسط احتياجاته اليومية من غذاء ودواء.
-الانعزال عن المجتمع الدولي. لطالما كان لبنان مركزًا للحوار والتبادل الثقافي والسياسي في الشرق الأوسط، وارتبطت علاقاته الدولية بمصالح استراتيجية مع القوى الغربية والعربية. إلا أن تدهور الأوضاع السياسية الداخلية، وعدم قدرة الطبقة الحاكمة على إيجاد حلول للأزمة، أدت إلى عزل لبنان دوليًا. فالدول المانحة التي كانت تقدم مساعدات للبنان على مدى العقود الماضية، أصبحت اليوم تشترط تنفيذ إصلاحات حقيقية في النظام السياسي والاقتصادي قبل تقديم أي دعم جديد.

المجتمع الدولي أصبح يطالب لبنان بتنفيذ خطوات إصلاحية جذرية تبدأ بمحاربة الفساد، وتطوير النظام المصرفي، وتحديث البنية التحتية. إلا أن الطبقة السياسية في لبنان ترفض هذه الإصلاحات، إذ أن الكثير من الفاعلين السياسيين يستفيدون من الوضع الحالي ولا يرغبون في أي تغييرات قد تؤثر على مصالحهم.
إلى جانب ذلك، فإن العقوبات الدولية المفروضة على بعض الشخصيات السياسية الفاسدة قد زادت من عزلة لبنان، مما جعل هذا البلد أكثر عرضة للمخاطر. فالحروب الإقليمية، والضغوط الدولية، والاختلافات السياسية المحلية، كل هذه العوامل أسهمت في جعل لبنان في حالة من الانغلاق الدبلوماسي والإقليمي. هذا الانعزال عن العالم الخارجي، والذي يعزز القلق بشأن المستقبل، قد يجعل لبنان في حالة شديدة الضعف على جميع الأصعدة، ويزيد من تعقيد أي محاولة للخروج من الأزمة.
- تداعيات الأزمة على لبنان
- شلل المؤسسات وفقدان السيادة. لقد كان الانقسام السياسي الذي يعصف بالبنية الداخلية للبنان سببًا رئيسيًا في شلل كامل لمؤسسات الدولة اللبنانية. مع عدم القدرة على تشكيل حكومة فعّالة، دخل لبنان في مرحلة من الجمود السياسي الذي جعل من المستحيل اتخاذ قرارات جوهرية تضمن استقرار البلاد وأمن مواطنيها. في ظل هذا الانقسام، تراجعت هيبة الدولة، وأصبح القرار السياسي في لبنان مرهونًا لتجاذبات خارجية وإقليمية لا تمت بصلة لمصالح الشعب اللبناني.
وبدلاً من أن يكون القرار السياسي في يد القيادة اللبنانية المنتخبة التي يجب أن تمثل مصالح الشعب، أصبح القرار مرتهنًا بالأجندات الخارجية التي تفرض قوتها على الداخل اللبناني. هذا التراجع الكبير في قدرة الدولة على التحكم في شؤونها الداخلية جعلها عرضة للتدخلات الأجنبية، وأدى إلى تآكل السيادة الوطنية. أصبح لبنان في هذه المرحلة دولة فاقدة القدرة على اتخاذ القرارات المستقلة التي من شأنها حماية مصالحها القومية، ما يعمّق من التحديات التي يواجهها البلد، ويفاقم حالة من الضياع في تحديد هوية الدولة ومسارها المستقبلي.
-هجرة العقول وتفكّك المجتمع. تشكّل الهجرة واحدة من أخطر تداعيات الأزمة اللبنانية، فقد كان تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية دافعًا رئيسيًا لهجرة الأدمغة والكفاءات اللبنانية. خسر لبنان العديد من المتخصصين في مجالات حيوية مثل الطب والهندسة والتعليم، حيث غادر العديد من الأطباء والمهندسين والخبراء البحث عن فرص عمل وحياة أفضل في الخارج. هذه الهجرة ليست مجرد هروب من واقع صعب، بل هي فقدان طويل الأمد للمهارات والموارد البشرية التي شكلت لسنوات عديدة الأساس الذي يعتمد عليه الاقتصاد اللبناني.
لقد أثرت هذه الهجرة بشكل كبير على القطاعات الحيوية في لبنان، خصوصًا في مجالات الصحة والتعليم والبحث العلمي، حيث أصبح البلد في مواجهة مع نقص شديد في الكفاءات التي يمكنها أن تساهم في عملية التنمية والإصلاح. هذا النزيف البشري لا يقتصر فقط على العاملين في القطاع الخاص، بل يشمل أيضًا موظفين في القطاع العام، مما يجعل الدولة أكثر عجزًا في مواجهة التحديات.
بالإضافة إلى ذلك، يعكس تدفق الأدمغة إلى الخارج تفكك المجتمع اللبناني، حيث يزيد من تعميق الفجوة بين الأجيال ويخلق نوعًا من التشظي الاجتماعي. المجتمع اللبناني لم يعد قادرًا على الحفاظ على تماسكه، في ظل فقدان الكثير من الشباب الذين كانوا يشكلون الأمل في الإصلاح والتغيير. ومع هذا التفكك، يصبح من الصعب على لبنان النهوض مرة أخرى، ويزداد حجم التحديات التي تواجه إعادة البناء الاجتماعي والاقتصادي.
-انهيار البنية التحتية والخدمات الأساسية. تعد البنية التحتية والخدمات الأساسية من العوامل التي تدهورت بشكل غير مسبوق في لبنان نتيجة للأزمة المستمرة. من أبرز المشاكل التي يعاني منها اللبنانيون اليوم هي أزمة الكهرباء والمياه. فمع الانقطاع المستمر للكهرباء في معظم المناطق اللبنانية، أصبح اللبنانيون يعتمدون على مولدات خاصة للحصول على الطاقة، وهو ما يزيد من العبء الاقتصادي على المواطنين في ظل تدهور قدرتهم الشرائية. مشكلة المياه ليست بأفضل حال، حيث تواجه العديد من المناطق في لبنان انقطاعًا طويلًا في إمدادات المياه، ما يجعل حياة المواطنين أكثر صعوبة في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها.
قطاع الصحة هو الآخر يعاني من تدهور كبير. المستشفيات الحكومية والخاصة لم تعد قادرة على تلبية احتياجات المرضى بسبب نقص الأدوية والمعدات الطبية. كما أن العديد من الأطباء والممرضين غادروا البلاد، ممّا أضعف القدرة على تقديم الرعاية الصحية المناسبة. في ظل هذه الظروف، أصبح المواطن اللبناني يواجه خطرًا كبيرًا في الحصول على العلاج، وأصبح الكثيرون عاجزين عن تحمل تكاليف العلاج في الخارج أو شراء الأدوية الضرورية.
أما في قطاع التعليم، فقد شهدت المدارس والجامعات تراجعًا غير مسبوق في مستوى التعليم نتيجة لنقص التمويل وغياب الدعم الحكومي. الكثير من المدارس أصبحت تعاني من نقص في المواد الدراسية، والتجهيزات اللازمة، مما أثر سلبًا على مستوى التعليم وقدرة الطلاب على التقدم الأكاديمي. هذا الانهيار في قطاعات الصحة والتعليم والكهرباء والمياه يجعل لبنان في مواجهة خطر كارثة إنسانية شاملة، تهدد الحياة اليومية للمواطنين وتزيد من معاناتهم.
بالتالي، فإن استمرار هذه الأزمات في البنية التحتية والخدمات الأساسية يضع لبنان في وضع بالغ الصعوبة ويهدد استقراره الاجتماعي والاقتصادي على المدى الطويل.
- السيناريوهات المستقبلية الموسعة
- سيناريو الانهيار الكامل. إذا استمرت الأزمة اللبنانية على هذا النحو من الجمود، دون أي حلول جذرية، فإن لبنان سيكون في مواجهة خطر الانهيار الكامل على كافة الأصعدة. في ظل الفوضى السياسية والاقتصادية المستمرة، من الممكن أن تتسارع وتيرة الأزمات وتتحول إلى اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق. احتجاجات شعبية قد تتحول إلى مظاهر من العنف، وينتج عنها تفكك أمني قد يؤدي إلى فقدان السيطرة على الأمن في بعض المناطق. هذا الانهيار قد يُعيد لبنان إلى مشهد مشابه لذلك الذي شهده خلال الحرب الأهلية، حيث كانت الفوضى والدمار سيدا الموقف على مدى سنوات طويلة.
من دون استقرار سياسي أو حلول عملية، لن يقتصر الانهيار على مستوى الحياة اليومية للمواطنين، بل سيمتد إلى تآكل الهيكلية المؤسسية للدولة. وستؤدي هذه الفوضى إلى تدمير ما تبقى من أسس الدولة اللبنانية، وتفاقم أزمة اللاجئين، وزيادة التوترات الطائفية. ستكون نتائج هذا السيناريو كارثية على لبنان وشعبه، خاصة في ظل الظروف الإقليمية والدولية المضطربة. سيكون لبنان حينها مهددًا بعدم القدرة على التعافي أو العودة إلى نقطة انطلاق لعملية بناء مستدامة، في ظل أزمة ثقة كبيرة بين الشعب والدولة.
- انتخاب جوزيف عون ونواف سلام: فرصة التغيير في لبنان وتحديات الإصلاح. إن انتخاب قائد الجيش، العماد جوزيف عون، رئيسًا للجمهورية، وتكليف القاضي نواف سلام بتشكيل حكومة إصلاحية، يمثّلان بارقة أمل للبنانيين في ظل الظروف الراهنة. يُنظر إلى الرئيس جوزيف عون كداعم للاستقرار الأمني، نظرًا لخبرته العسكرية وقدرته على إدارة الأزمات الأمنية بكفاءة؛ في الوقت نفسه، يتمتع دولة الرئيس نواف سلام بسمعة قوية على الساحة الدولية، بفضل التزامه بالإصلاحات الاقتصادية والشفافية، ممّا يجعله مؤهلًا لقيادة لبنان في هذه المرحلة الحرجة. ومع ذلك، من الضروري أن تتألف الحكومة المزمع تشكيلها من شخصيات نزيهة ومستقلة، بعيدًا عن الفاسدين والمرتهنين للخارج، لضمان نجاح مسيرة الإصلاح واستعادة ثقة الشعب اللبناني.
ومع ذلك، فإن تحديات الإصلاح تبقى ضخمة. على القادة الجدد تشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن الرعاع من الفاسدين الذين ساهموا في تدهور الوضع الحالي والذين يطالبون اليوم بوزارة أو وزارات معينّة لا تليق بهم، وهو ما يتطلّب دعمًا سياسيًا قويًا من المجتمع الدولي لضمان تنفيذ الإصلاحات. كما أن العقبات الاقتصادية الكبيرة مثل الدين العام المرتفع، والتضخّم المستمر، وأزمة القطاع المصرفي، تحتاج إلى وقت وجهود هائلة لمعالجتها.
- سيناريو الوصاية الدولية. بعض الخبراء يعتقدون أن لبنان قد يواجه خيار الوصاية الدولية، إذا استمرت الطبقة السياسية في تجاهل التحديات والفرص لإصلاح الوضع الراهن وتسهيل تشكيل الحكومة. في هذا السيناريو، قد تشهد البلاد تدخلًا خارجيًا من قبل الأمم المتحدة أو مجموعة من الدول الغربية التي قد تسعى إلى إدارة شؤون لبنان بشكل مباشر، خاصة في مجالات الإصلاحات السياسية، الاقتصادية، والأمنية. قد يتضمّن هذا السيناريو فرض إصلاحات هيكلية شاملة للحد من الفساد، تعزيز المؤسسات الحكومية، وإصلاح النظام القضائي. ويُحتمل أن يتّم فرض مراقبة دائمة على النظام المالي اللبناني، وقد يترتّب على لبنان قبول بعض التدابير الصارمة التي تهدف إلى إصلاح النظام السياسي بطريقة تضمن تنفيذ هذه الإصلاحات.
من جهة أخرى، هناك قلق كبير من أن مثل هذا التدخّل قد يؤدي إلى المساس بسيادة لبنان، ويخلق حالة من الاستياء الشعبي. فالشعب اللبناني، الذي يعاني من التدخلات الخارجية منذ عقود، قد يجد في الوصاية الدولية مزيدًا من الإذلال الوطني، خاصة في ظل تراجع شعور الوطنيّة في خضم الأزمات المتواصلة. لكن من ناحية أخرى، قد تمنح الوصاية الدولية لبنان فرصة لإعادة بناء مؤسسات الدولة بعيدًا عن التجاذبات الطائفية والمحاصصة السياسية التي أضعفت النظام الداخلي.
وفي النهاية، يمكن أن يكون هذا السيناريو حلاً مؤقتًا يساهم في استقرار الوضع في لبنان على المدى القصير، ولكن سيكون من الصعب أن يُنظر إليه كحل دائم. يتطلب ذلك أيضًا تحولات في علاقة لبنان مع العالم العربي والمجتمع الدولي، وقد يثير الانقسامات بين القوى السياسية في الداخل.

- الخاتمة
لبنان اليوم يقف عند مفترق طرق حاسم في تاريخه الطويل والمعقد. البلد الذي لطالما كان رمزًا للتنوع الثقافي والسياسي في المنطقة، يواجه تحديات غير مسبوقة تهدد وجوده على جميع الأصعدة. إما أن يشهد لبنان نهضة حقيقية تخرجه من ظلمات الأزمة الحالية عبر إصلاحات جذرية، أو أن يسقط نهائيًا في هاوية الانهيار الكامل، مما يعني نهاية الدولة كما نعرفها.
الظروف الراهنة تدعونا إلى أن نكون واقعيين بشأن التحديات التي يواجهها لبنان، ولكنها أيضًا تفتح أمامنا نافذة أمل صغيرة. إذا كانت هناك رغبة حقيقية في التغيير، وإذا توحد اللبنانيون حول فكرة بناء وطن مستقل وقوي، فإن لبنان سيبقى قادرًا على النهوض من تحت الأنقاض. ومع ذلك، إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن لبنان سيواجه مصيرًا مظلمًا، حيث سيشهد تدهورًا مستمرًا في جميع المجالات، حتى الوصول إلى الانهيار الشامل الذي قد يكون لا رجعة فيه.
لبنان إما أن ينجو بإصلاحات جادة وحلول حاسمة، وإما أن يشهد سقوطًا مدويًا إلى أعماق الأزمة التي يبدو أنها لا مفر منها.