النشرة الأسبوعية ذات الرقم 370 لإتحاد شركات التأمين المصرية عالجت “الإقتصاد السلوكي” وتأثيره على قرار شراء وثائق التأمين. والمقصود بـ “الإقتصاد السلوكي” هو الإقتصاد غير التقليدي. فبينما يُبنى هذا الاخير في شراء وثائق التأمين على تحليل المخاطر، والقدرة على الدفع، والمقارنة بين التكاليف والفوائد، تلعب العوامل السلوكية دوراً محورياً في تشكيل قرارات الأفراد المتعلقة بشراء التأمين.
كيف ذلك؟
تقول النشرة أن عوامل الإقتصاد السلوكي تلعب دوراً في قرارات الأفراد المتخذة وأهمها العواطف والإنجازات وليست التحليلات القلانية البحتة التي يوفرها الإقتصاد التقليدي.
من ذلك، أن شركات التأمين تستغلّ رفض بعض الأشخاص شراء بوالص ضد مخاطر يعتبرونها غير محتملة، بالتركيز على “الخسائر المحتملة”، في حال عدم شراء هذه البوالص.
كذلك، فهي إزاء تجاهل الشباب شراء منتج تأميني يرون أنهم لا يحتاجونه، تستخدم خططاً مثل إغرائهم بفحوص طبية مجانية وتقديم حسومات على الأقساط عند السداد، لتقليل تأثير التكلفة، وبالتالي تغيير وجهة نظرهم و حملهم على اقتناء بوالص معيّنة معروضة للبيع،و من ذلك أيضا: .
-بعد وقوع كارثة طبيعية مثل زلزال أو فيضان، يرتفع الطلب على التأمين بشكل مؤقت بسبب تضخيم الأفراد لتصوّرهم عن احتمالية تكرار الحدث، و في المقابل يقلّل البعض من أهمية المخاطر إذا لم يتعرّضوا لها شخصياً من قبل.
-يتجاهل آخرون المخاطر الحقيقية لاعتقادهم بأنها “لن تحدث لهم أبداً”، ما يؤدي لعدم شراء وثيقة تأمين أساسية مثل التأمين الصحي أو تأمين الممتلكات.
إزاء هذا التجاهل أو غض النظر عن شراء وثائق، هناك ما يُسمى بـ “تأثير التحيّزات المعرفية ” وأبرزها الأعراف الإجتماعية. مثال: إذا كان معظم أصدقاء الشخص أو زملائه لديهم تأمين صحي، فسيشعر بالضغط غير المباشر لامتلاك تأمين. يُضاف الى ذلك عامل آخر: الثقة التي هي عنصر حاسم في قرارات شراء التأمين. فإذا شعر العملاء أن شركة التأمين جديرة بالثقة، فإن احتمالية شرائهم للمنتج تزداد.
و من العوامل التي تعزّز الثقة أيضا: السمعة الجيدة للشركة، وضوح الشروط والأحكام، التعامل الاحترافي مع المطالبات .التأمينية
ومن الأمثلة التطبيقية للاقتصاد السلوكي في التأمين:
- تأمين السيارات: تقديم خصومات للسائقين الذين يقودون بأمان (باستخدام تقنيات تتبّع السلوك). وتذكير العملاء بفوائد التأمين قبل تجديد الوثيقة.
- التأمين الطبي: تقديم مكافآت للمشاركة في برامج اللياقة البدنية أو الفحوص الطبية المنتظمة، استخدام رسائل تذكير لتحفيز الأفراد على استخدام خدمات الرعاية الوقائية وتوعية المؤمن عليهم على الاستخدام الصحيح للتامين الطبي لتجنب اي مخالفات عن غير عمد.
- تأمين المنزل: خصومات لتركيب أنظمة أمان أو تحسينات تقلل من احتمالية وقوع الأضرار.
والآن: ما هي أثر تطبيق الاقتصاد السلوكي في التأمين؟ انها أربع فوائد:
-زيادة معدلات شراء وثائق التأمين، تحسين رضا العملاء، وتشجيعهم على اعتماد سلوكيات تقلل من المخاطر (مثل القيادة الآمنة أو الصيانة الوقائية) مما يفيد كلاً من العملاء وشركات التأمين، توعية العملاء علي اتباع تعليمات شركات التامين في الحفاظ علي حقوقهم مما قد يؤدي الي تقليل المخاطر، تعزيز الاستدامة المالية.

في ما يلي دراسة حالات تطبيق الاقتصاد السلوكي في شركات التأمين…
1-شركة “Discovery” للتأمين الصحي (جنوب أفريقيا)
- التحدي: تشجيع العملاء على اتباع أنماط حياة صحية لتقليل تكاليف الرعاية الصحية.
- الحل: إطلاق برنامج “Vitality” الذي يكافئ السلوكيات الصحية (مثل ممارسة الرياضة، وتناول وجبات صحية) بنقاط يمكن تحويلها إلى خصومات على أقساط التأمين أو مكافآت.
- النتائج: زيادة كبيرة في النشاط البدني بين العملاء وانخفاض تكاليف المطالبات الصحية.
2-دراسة حالة 2: شركة “Progressive” للتأمين على السيارات (الولايات المتحدة)
- التحدي: تحفيز السائقين على تحسين سلوكهم أثناء القيادة.
- الحل: تطوير جهاز “Snapshot” لمراقبة سلوك القيادة وتقديم خصومات للسائقين الآمنين.
- النتائج: انخفاض معدلات الحوادث بين السائقين المشاركين وتحقيق وفورات كبيرة في تكلفة التعويضات.
3- إحدى كبرى شركات التأمين الألمانية العالمية:
- التحدي: واجهت الشركة انخفاضًا في معدلات تجديد وثائق التأمين على الحياة، حيث كان العديد من العملاء يترددون في تجديد وثائقهم بسبب الكسل المعرفي والانحياز للحاضر.
- التدخل السلوكي: تطبيق الإشعارات السلوكية: أرسلت الشركة رسائل تذكير شخصية للعملاء قبل موعد التجديد، مع تضمين عبارات مثل “معظم عملائنا يختارون حماية أحبائهم من خلال تجديد وثائقهم تلقائيًا.”
تعديل العرض: بدلاً من تقديم وثائق تجديد تحتاج إلى موافقة يدوية، استخدمت الشركة خيار “التجديد التلقائي” مع إمكانية إلغاء الاشتراك بسهولة.
- النتائج: زيادة معدلات تجديد الوثائق بنسبة 15% ، تقليل معدل الانسحاب من برامج التأمين، وتعزيز رضا العملاء عن الخدمة بسبب سهولة العملية.
4- شركة: “Ping An” الصينية
التحدي: أرادت الشركة تقليل عدد المطالبات الاحتيالية وتحفيز السلوكيات الصحية بين عملائها.
التدخل السلوكي: استخدام البيانات الضخمة: جمعت الشركة بيانات سلوكية من تطبيقات الهواتف الذكية لتقييم أنماط سلوك العملاء، مثل مستويات النشاط البدني، برامج مكافآت سلوكية: أطلقت برنامجًا يكافئ العملاء الذين يمارسون الرياضة بانتظام أو يقودون سياراتهم بأمان بنقاط يمكن استبدالها بتخفيضات على أقساط التأمين، التأثير الاجتماعي: نشر قائمة “أفضل العملاء أداءً” لتشجيع المنافسة الإيجابية بين العملاء.
النتائج: انخفاض عدد المطالبات الاحتيالية بنسبة 30% ، تحسن سلوكيات العملاء فيما يخص القيادة الآمنة بنسبة 20% وزيادة رضا العملاء عن المنتجات والخدمات.

رأي الاتحاد :
يعد التحوّل نحو الاقتصاد السلوكي بالنسبة لشركات التأمين أكثر من مجرد اتجاه – فهو يمثل تغييراً جوهرياً في كيفية تقييم المخاطر، وتصميم المنتجات، وإدارة علاقات العملاء.
إن تبني الاقتصاد السلوكي في صناعة التأمين يعني دمج أنواع جديدة من البيانات والرؤى في نماذج المخاطر التقليدية، مما يسمح بتوقعات أكثر دقة وتنوعًا. ويمثل هذا تحولًا نحو نهج أكثر تركيزًا على العملاء وأكثر ديناميكية لإدارة المخاطر. ومع تزايد اعتماد الصناعة على الرقمية وتنافسيتها، فإن أولئك الذين يمكنهم الاستفادة من الرؤى السلوكية بشكل فعال سوف يقودون الطريق لبناء شركات أقوى وأكثر مرونة.
لذا يوصي اتحاد شركات التأمين المصرية بما يلي:
- تنفيذ حملات توعية تستند إلى مبادئ الاقتصاد السلوكي، مثل استخدام الرسائل المبسطة، والتذكيرات الرقمية، والنماذج الإرشادية التي تساعد العملاء على فهم أهمية التأمين.
- تطوير منتجات تأمينية مرنة تلبي احتياجات الفئات المختلفة من العملاء، مع تقديم خيارات بسيطة وواضحة تسهّل عملية اتخاذ القرار.
- استخدام الحوافز لتحفيز الشراء من خلال تقديم عروض وخصومات تعتمد على نظرية الحوافز الإيجابية لتشجيع العملاء على شراء التغطيات التأمينية.
- التواصل الفعّال مع العملاء من خلال تبنّي أساليب تواصل تعتمد على الاقتصاد السلوكي، مثل الرسائل الشخصية وتوفير المعلومات في الوقت المناسب، لتحفيز العملاء على اتخاذ قرارات الشراء.
- تعزيز الشفافية والثقة من خلال العمل على تبسيط الوثائق التأمينية وتوضيح المصطلحات الفنية لتقليل الغموض وتحسين ثقة العملاء في قطاع التأمين.
- تشجيع إجراء أبحاث ودراسات سلوكية دورية لفهم أنماط سلوك المستهلكين وتحديث الاستراتيجيات التسويقية بناءً على نتائج هذه الدراسات.
- تعزيز استخدام التكنولوجيا الرقمية مثل تطبيقات الهواتف الذكية والمنصات الرقمية لتسهيل عمليات شراء وتجديد الوثائق التأمينية.
- التثقيف السلوكي للعملاء من خلال إعداد برامج تثقيفية تركز على كيفية اتخاذ قرارات مالية سليمة، بما في ذلك التأمين كجزء من التخطيط المالي الشخصي.