د. الياس ميشال الشويري
في المجتمعات التي تشهد فسادًا إداريًا، تصبح الحقائق مشوهة والمعايير الأخلاقية في التعليم ضبابية. في الجامعات اللبنانية، يتجلّى هذا الفساد من خلال استماع الإدارات إلى المخادعين من الطلّاب الذين يُظهرون أنفسهم ضحايا في حين أن الأساتذة، الذين يتحلون بالضمير، يصبحون في أغلب الأحيان ضحايا لهذه السياسات. في هذا المقال، سيتّم تحليل كيف يعكس مثل هذا الفساد في الجامعات اللبنانية صورة المقولة الشهيرة للكاتب المسرحي والروائي الفرنسي ألبير كامو “المخادع ذئب يبكي تحت أقدام الراعي“، وسنناقش العلاقة بين الطالب المخادع والأستاذ صاحب الضمير في سياق بيئة تعليمية مُعَطَّلة.
- الطالب المخادع وأثره في التعليم الجامعي
يمثّل الطالب المخادع أحد التحديات الكبرى التي تواجه البيئة التعليمية في الجامعات اللبنانية. قد يبدأ الخداع بالتحايل على الأساتذة في ما يتعلق بالأداء الأكاديمي من خلال تبريرات كاذبة لعدم إتمام المهام الدراسية أو الغياب المستمّر. بعض الطلاب يستخدمون قصصًا مفبركة حول مشاكل صحية أو عائلية للحصول على تسهيلات أكاديمية، بينما يراهن آخرون على علاقاتهم مع بعض أفراد الإدارة الجامعية للحصول على نتائج غير مستحقّة. هذه الأساليب تجعل من الصعب على الأساتذة تقييم الأداء الحقيقي للطلّاب بناءً على معايير علمية موضوعية.
في ظل هذه الظاهرة، تتحول العملية التعليمية إلى صراع غير متكافئ بين الطلاب المخادعين الذين يحققون أهدافهم على حساب الجد والاجتهاد، وبين الأساتذة الذين يسعون لإرساء قيم النزاهة والعدالة. يتأثّر مستوى التعليم بشكل مباشر عندما يُمنح الطالب المخادع امتيازات غير مستحقة، ممّا يخلق بيئة تعليمية غير عادلة تحبط الأساتذة الملتزمين بالقيم الأكاديمية. من جهة أخرى، يُؤثر هذا على باقي الطلاب الذين يلتزمون بالنزاهة، حيث يشعرون بأن جهدهم وتفوقهم الأكاديمي لا يُقدَّر بما يكفي مقارنةً بأولئك الذين يتبعون سبلًا ملتوية.

في النظام الأكاديمي الفاسد، تستمر دائرة الخداع وتزداد تعقيدًا. بعض الطلاب يُدركون الثغرات في النظام الجامعي، مثل التأخير في تنفيذ الإجراءات الإدارية أو الفساد الموجود داخل بعض الدوائر الأكاديمية، ويستخدمون هذه الثغرات لصالحهم. على سبيل المثال، يمكن للطالب المخادع استغلال ضعف نظام الشكاوى أو تصاعد التوترات بين الإدارات الأكاديمية للحصول على درجات أو تسهيلات غير مبررة. هذه الممارسات تقوض من نزاهة النظام الأكاديمي وتشجع على تعزيز السلوك غير الأخلاقي بين الطلاب.
- الإدارة الفاسدة في الجامعات اللبنانية
تعتبر الإدارة الجامعية الفاسدة أحد العوامل الرئيسة التي تساهم في تفشي الخداع بين الطلاب. عندما تُعطي الإدارة اهتمامًا أكثر للمصالح الشخصية أو السياسية على حساب التطبيق الصارم للمعايير الأكاديمية، فإنها تخلق بيئة ملائمة لظهور الطلاب المخادعين. قد تقوم الإدارة بتقديم تسهيلات لبعض الطلاب المفضلين، سواءً كانت هذه التسهيلات تتعلق بالدرجات أو بالتحايل على القوانين الجامعية. كما أن غياب الشفافية في اتخاذ القرارات أو المحاباة لبعض الطلاب يعزز ثقافة الخداع ويجعلها جزءًا من الواقع الجامعي.
في الجامعات التي تعاني من فساد إداري، يصبح من الصعب الحفاظ على الشفافية والعدالة في التعامل مع الطلاب. الإهمال في متابعة القضايا الأكاديمية أو التساهل مع المخالفات يؤدي إلى تدهور بيئة التعليم. الأساتذة الذين يحاولون الوقوف ضد هذه الممارسات قد يجدون أنفسهم في مواجهة مع الإدارة التي قد تتجاهل شكاويهم أو تسعى لإرضاء الطلاب المخادعين لأسباب سياسية أو اقتصادية. هذه الثقافة الفاسدة تجعل من الصعب تحقيق العدالة الأكاديمية وتشوه العملية التعليمية بأكملها.
إحدى أبرز مظاهر الفساد الإداري تكمن في غياب الرقابة الفعالة على الأنشطة الجامعية. لا تُنفَّذ القوانين بصرامة، مما يسمح للطلاب المخادعين باستغلال هذا الفشل الإداري لتحقيق مكاسب شخصية. وعندما تفتقر الجامعة إلى مراقبة صارمة، يتحول الخداع إلى سلوك طبيعي في حياة الطلاب. هذا يؤدي إلى تعطيل العملية التعليمية ويخلق بيئة غير آمنة علميًا وأخلاقيًا. لا سيما أن الإدارة الفاسدة، بدلًا من أن تقوم بتطبيق القوانين بشكل متساوٍ، تعزز الانحرافات وتساهم في تدهور التعليم.
- الأستاذ صاحب الضمير ودوره المهمش في بيئة تعليمية فاسدة
يقف الأستاذ صاحب الضمير في مواجهة تحديات ضخمة في ظل النظام الفاسد في الجامعات اللبنانية. يُعتبر الأستاذ صاحب الضمير أحد المدافعين الرئيسيين عن القيم الأكاديمية الحقيقية، التي تعتمد على النزاهة والعدالة. يحاول الأساتذة الملتزمون الحفاظ على الجودة الأكاديمية من خلال تطبيق معايير علمية صارمة، ولكنهم يواجهون صعوبة في محاربة الخداع المستشري في النظام الجامعي. هذا التناقض بين ما يتطلبه الضمير الأكاديمي وبين ما يتم تفضيله في الواقع العملي هو ما يجعل صوت الأستاذ مهمشًا في النهاية.

الأستاذ الذي يحاول أن يكون موضوعيًا في تقييم الطلاب قد يجد نفسه في موقف صعب عندما تتدخل الإدارة أو عندما يسعى الطلاب المخادعون إلى استغلال علاقاتهم لتغيير النتائج أو الحصول على تسهيلات غير مستحقة. في كثير من الأحيان، يُهمش رأي الأستاذ في القرارات التي تتعلق بالطلاب المخادعين لصالح مصالح أخرى. يصبح موقف الأساتذة صعبًا خاصة عندما يضطرون إلى مواجهة تهديدات بالانتقام أو محاولات الضغط عليهم من قبل الإدارة أو الطلاب الذين يحظون بمعاملة خاصة.
إن غياب العدالة الأكاديمية يخلق بيئة من الإحباط لدى الأساتذة الذين يحاولون جاهدين أن يكونوا موضوعيين. الأساتذة الذين يسعون لتطبيق معايير علمية صارمة في التقييم قد يشعرون بأن جهودهم لا تجد تقديرًا حقيقيًا، في ظل وجود نظام تشجعه الإدارة الفاسدة على تغذية سلوك الخداع. هذا الإحباط قد يؤدي إلى تراجع الدافعية لدى الأساتذة، مما يؤثر سلبًا على جودة التعليم وعلى علاقة الأستاذ بالطلاب.

- الخاتمة
تشكّل العلاقة بين الطالب المخادع والأستاذ صاحب الضمير في الجامعات اللبنانية نموذجًا مأسويًا يعكس الواقع المؤلم الذي تعيشه العديد من المؤسسات التعليمية في لبنان. في بيئة تغلب عليها الإدارة الفاسدة، يتسلّل الخداع إلى أروقة الجامعات، ويُستغّل الطلاب الفاسدون الموقف لتحقيق مصالحهم الشخصية. في المقابل، يصبح الأساتذة أصحاب الضمير في عزلة، حيث يُهمّش دورهم وتُخترق قيم التعليم الأكاديمي.
للحفاظ على نزاهة التعليم، من الضروري إجراء إصلاحات جذرية في النظام الأكاديمي والإداري، وتوفير بيئة تعليمية تشجّع على الصدق والنزاهة. يتطلّب ذلك فرض رقابة صارمة على الإجراءات الجامعية، وتعزيز الشفافية في اتخاذ القرارات الأكاديمية، إلى جانب تمكين الأساتذة من أداء دورهم دون ضغوط أو تهديدات. وحدها هذه الإصلاحات يمكن أن تعيد للتعليم مكانته كركيزة أساسية لبناء مستقبل أكثر نزاهة وعدالة.