• من نحن
  • تواصل معنا
Description of the image
لا نتيجة
عرض جميع النتائج
  • الرئيسية
  • رسالة من المحرر
  • الحدث
  • المفكرة
  • مصارف
  • تأمينية
    • شركات تأمينية
    • توعية تأمينية
    • فتاوى تأمينية
  • ملف
  • مقابلات
  • مقالات
  • طب
  • فـي ميزان العدالة
  • منوعات
  • مؤتمرات
  • الرئيسية
  • رسالة من المحرر
  • الحدث
  • المفكرة
  • مصارف
  • تأمينية
    • شركات تأمينية
    • توعية تأمينية
    • فتاوى تأمينية
  • ملف
  • مقابلات
  • مقالات
  • طب
  • فـي ميزان العدالة
  • منوعات
  • مؤتمرات
Description of the image
  • الرئيسية
  • رسالة من المحرر
  • الحدث
  • المفكرة
  • شركات تأمينية
  • توعية تأمينية
  • فتاوى تأمينية
  • ملف
  • مقابلات
  • مقالات
  • طب
  • فـي ميزان العدالة
  • منوعات
  • مؤتمرات


د. الياس ميشال الشويري
يعلّق على مقولة لعلي الطنطاوي
عن الحمار ويقول:
الحفرة أصبحت وطن اللبناني…

2025/08/08
- بحث
د. الياس ميشال الشويرييعلّق على مقولة لعلي الطنطاويعن الحمار ويقول:الحفرة أصبحت وطن اللبناني…

من انفجار مرفأ بيروت

د. الياس ميشال الشويري

يُقال إن الإنسان كائنٌ عاقل، يتعلّم من أخطائه، ويطوّر نفسه، ويرتقي بتجاربه. لكن ماذا لو كان هذا الإنسان يتكرّر في سقطاته حتى السخف، ويعود إلى نفس الحفر التي أهلكته، ويُعيد انتخاب من أهانه، ويقدّس من سرقه، ويصمت على من قتله؟ هنا تنهار كل التعريفات التقليدية للعقل. وهنا، تكتسب مفارقة الأديب والمفكر السوري علي الطنطاوي عمقًا صادمًا حين يقول: “الحمار إن سقط في الحفرة مرة، يجتنبها فلا يسقط فيها مرة أخرى، والإنسان يسقط في الحفرة الواحدة خمسين مرة، ثم لا يجتنبها ولا يبتعد عنها“. هذه الجملة ليست فقط توصيفًا حادًّا للغباء البشري، بل صفعة لأمة فقدت إحساسها بالخطر، واعتادت الإهانة، وصنعت من الفشل هوية.

في هذا المقال، ننطلق من هذه المقارنة الساخرة والموجعة، لنغوص في واقع الشعب اللبناني، هذا الشعب الذي بات، بفعله ووعيه، أدنى من الحمار، لأنه لم يتعلّم شيئًا من الحروب، ولا من الانهيار الاقتصادي، ولا من جريمة ٤ آب، ولا من عقود من الفساد والمحاصصة. نعرض في محاور متسلسلة كيف تحوّل اللبناني من ضحية إلى متواطئ، ومن مقهور إلى مدافع عن جلّاده، ونفكّك الأدوات التي جعلته يحبّ الحفرة أكثر من الخلاص منها: الطائفة، الزعيم، الإعلام، المدرسة، والدين. ونسأل في النهاية: هل ما زال هناك أمل في استعادة الكرامة والعقل، أم أن الحفرة أصبحت المقام الأخير لهذا الشعب؟

  1. المفارقة الأخلاقية بين الحمار والإنسان

يبدأ علي الطنطاوي اقتباسه بمفارقة ذكية لا تخلو من سخرية جارحة: “الحمار إن سقط في الحفرة مرة، يجتنبها فلا يسقط فيها أخرى، والإنسان يسقط في الحفرة الواحدة خمسين مرة، ثم لا يجتنبها ولا يبتعد عنها“. هذه المقارنة ليست مجرد تشبيه عابر، بل دعوة للتأمل في عمق التناقض بين الفطرة الحيوانية التي تسعى للبقاء، والعقل البشري حين يُعطّل دوره. فالحمار، برغم الصورة الشعبية التي تصوّره غبيًا، يمتلك قدرة فطرية على تمييز الضرر وتجنّبه. أما الإنسان، الذي يُفترض أنه عقلاني، فإنه يغدو في كثير من الأحيان مخلوقًا مدمنًا للسقوط، أسيرًا لعاداته المدمّرة، ومُقاوِمًا لأي محاولة للنجاة.

وإذا أردنا أن نغوص أكثر في أبعاد هذا التشبيه، نرى أن المشكلة ليست في الوقوع بحد ذاته، بل في الرغبة العمياء بالعودة إلى الحفرة ذاتها، وكأن الذاكرة قد مُسحت، أو كأن الألم قد صار جزءًا من الهوية. هنا يتحوّل الفشل إلى نمط حياتي، وتتكرّس ثقافة الانهزام، حيث يُصبح البقاء في الحفرة أهون من مواجهة المجهول خارجها. في هذا السياق، يغدو الإنسان أكثر بلادة من الحمار، لأنه يبرّر بقاءه في الحفرة بالأعذار الأيديولوجية، أو بالعجز، أو بالمؤامرة، أو بالقدر، أو بالطائفية، وكلها أدوات دفاع نفسي تريح الضمير لكنها لا تنقذ الحياة. الفرق الجوهري أن الحمار، لا يملك هذا الكمّ من التبريرات، لذا يختار النجاة دون تردّد.

في هذا الإطار، يصبح الحمار نموذجًا للغريزة الصافية التي تُدرك خطر التجربة الأليمة ولا تكرّرها، بينما يتحوّل الإنسان إلى كائن يُعاند مصلحته، ويستمر في الدوران في حلقة مفرغة من التجريب العبثي. والسؤال هنا ليس فقط: لماذا لا نتعلّم؟ بل أيضًا: لماذا نُصرّ على تمجيد جراحنا؟ لماذا يتفاخر الإنسان بسقوطه المتكرّر وكأنّ في الانكسار بطولة؟ هذا الانقلاب في القيم هو ما جعل الشعوب الفاشلة تُعظّم فشلها وتُزخرف الحفر التي سقطت فيها، فتسكنها وترفض الخروج منها، وتهاجم من يحاول إنقاذها.

  1. لبنان وحفرة النظام الطائفي

من بين الشعوب التي ينطبق عليها هذا التشخيص المؤلم، يبرز لبنان بوصفه النموذج الأوضح لشعبٍ يسقط في الحفرة نفسها منذ عقود، ثم يرفض أن يعترف بالحفرة أصلًا. فبعد انتهاء الحرب الأهلية باتفاق الطائف، توهّم اللبنانيون أن السلام قد وُلد، لكن الحقيقة أن النظام الطائفي خرج أقوى، متحوّلًا من بندقية إلى بنية. ومع كل استحقاق انتخابي، لم يختَر اللبناني الخروج من الحفرة، بل قرر تعميقها، بإعادة إنتاج نفس الطبقة التي قادته إلى الجحيم. بقي أسيرًا لغرائزه المذهبية، يحارب من أجل زعيمه، ويجوع من أجله، ويهاجر بسبب فشله، ثم يعود ليمنحه صوته مجددًا.

هذه الحفرة اللبنانية ليست حفرة واحدة، بل شبكة من الفخاخ، كل فخٍّ له وجه ديني أو طائفي أو مناطقي. لكن الحفرة الأصلية هي غياب العقل الجماعي. لقد نجح الزعماء في خلق حالة من الإدمان الجماهيري على الزعامة، حيث يصبح الزعيم جزءًا من هوية الفرد، لا مجرّد ممثل سياسي. وهذا هو التفسير الحقيقي لسقوط اللبنانيين المتكرّر: إنهم لا يسقطون لأنهم مغفّلون فحسب، بل لأنهم اختاروا أن يكونوا تابعين في وطن بلا مواطنين. لذلك، حين يسرقهم الزعيم، يُبرّرون له. حين يُفلس البلد، يتّهمون الآخرين. وحين تنفجر بيروت، يبحثون عن شماعة، لا عن محاسبة.

والأدهى من ذلك، أن الشعب الذي ذاق مرارة الحرب، وذُلّ الاحتلال السوري، ونهب النظام المالي، وتهديدات ميليشيا السلاح، لا يزال يُراهن على من داس عليه. في بلد طبيعي، يُفترض أن تؤدي كل كارثة إلى لحظة وعي أو انتفاضة. لكن في لبنان، تؤدي الكارثة إلى تبريرٍ إضافي لبقاء المجرم في منصبه. من هنا، يظهر أن الحفرة ليست في النظام فقط، بل في الشعب نفسه. إن الغباء الجمعي ليس وراثيًا، بل مكتسب، ومتعمّد. إنك حين تنتخب قاتلك، تكون قد أصبحت شريكًا في الجريمة، ولا تعود ضحية. وهنا يصبح الحمار أرقى أخلاقيًا، لأنه لا يُكرّر انتحاره، ولا يصفّق لجلاده.

الحمار يدل على الطريق في احيان كثيرة
  1. حفرة ٤ آب والانفجار الأخلاقي للشعب

ربما لم يكن هناك يوم أكثر تعبيرًا عن سقوط الإنسان في الحفرة ذاتها من يوم ٤ آب 2020، حين انفجرت بيروت وسُحقت أحياءٌ كاملة، وقُتل الأبرياء، ولم يُحاسَب أحد. ذلك الانفجار لم يكن فقط تفجيرًا لمرفأ، بل تفجيرًا لضمير الوطن، وانكشافًا نهائيًا لحقيقة الدولة الفاشلة والشعب المتواطئ. بعد الفاجعة، انتظرنا أن تكون هذه اللحظة فاصلة، أن يصرخ الناس: كفى. لكن ما حدث كان العكس تمامًا: تحوّلت الجريمة إلى ذكرى سنوية، وكرنفال إعلامي، بينما استمرّ الجلادون في الحكم، وتمّت عرقلة التحقيق، وتحوّلت الدماء إلى ديكور سياسي.

ما بعد ٤ آب كان لحظة سقوط جماعي، لا للنظام فقط، بل للناس أيضًا. فحين تنفجر العاصمة، ويُمنع القاضي من كشف الحقيقة، ثم تعود الحياة كأنّ شيئًا لم يكن، فإننا لم نعد أمام شعب، بل أمام قطيع. لم ينزل الناس إلى الشوارع بالملايين. لم يُسقطوا أي مسؤول. لم يُعلّقوا المشانق الرمزية في الساحات. بل عادوا إلى حساباتهم الطائفية، وصراعاتهم الصغيرة، وانتخاباتهم المكررة. وحين جاءت صناديق الاقتراع، كانت المفاجأة الصادمة: عودة نفس الطبقة، بأرقام متفاوتة، لكن بنفس العقليّة. وهنا يتكرّر السؤال: من المسؤول الحقيقي عن الحفرة؟ من الذي يسكنها رغم فظاعتها؟

اللبناني لم يخرج من الحفرة لأن الحفرة أصبحت وطنه، والسقوط فيها جزء من هويته الوطنية. في بلد تحوّلت فيه النكبات إلى تقاليد، والشهداء إلى شعارات، والموت إلى سياسة، يغدو الشعب شريكًا في الكارثة، لا مجرد ضحية لها. لقد تصرّف اللبناني بعد ٤ آب كما لو أنّ الانفجار كان زلزالًا طبيعيًا، لا نتيجة فسادٍ وإهمالٍ وسوء إدارة. هذه اللا مبالاة ليست حيادًا، بل جريمة. إن تكرار الخطأ بعد معرفة سببه هو خيانة للذات. لذلك، فالفرق بين اللبناني والحمار، هو أن الحمار يملك شرف التعلّم، أما اللبناني، فيملك جرأة الإنكار. وهذا ما يجعل الحمار، في النهاية، أذكى، وأنبل، وأكثر احترامًا للنجاة.

من احمر من الثاني: الانسان ام الحمار ؟
  1. الثقافة الجماعية التي تبرّر الحفرة

حين يتكرّر السقوط في الحفرة، تصبح المشكلة في العقل الجمعي لا في النظام فقط. فالمجتمع الذي يعيد انتخاب فاسديه، ويمجّد زعماءه رغم فشلهم، ويعيش في قوقعة طائفية، إنما يبني ثقافة تبرّر الغرق، وتزخرف الحفرة بدلًا من ردمها. في لبنان، لم تعد الزعامة وظيفة سياسية، بل تحوّلت إلى عقيدة دينية، يستمدّ منها الفرد قيمته وانتماءه و”كرامته“. هكذا تصبح الحفرة رمزًا للهوية، لا رمزًا للخطر. يتعلّق بها اللبناني كما يتعلّق بالسجن، لأنه لا يعرف معنى الحرية. وهكذا تُعيد الضحية إنتاج سجّانها، وتدافع عنه بحجج “التوازن الطائفي” أو “الوجود التاريخي” أو “الخوف من الآخر“.

المشكلة الأكبر ليست فقط في قادة ينهبون، بل في شعب يعرف أنهم ينهبونه، ثم يمنحهم شرعية الاستمرار. هذا هو جوهر الانحطاط السياسي: أن يتحوّل الفساد إلى نمط حياة، ويُربّى الأطفال عليه. فكم من الأجيال نشأت في لبنان وهي ترى من يسرق يصبح وزيرًا، ومن يفجّر يصبح نائبًا، ومن يعارض يصبح مهددًا أو منفيًا؟ كيف لشعب أن يخرج من الحفرة إذا كان يدرّس أبناءه أن الحفرة وطن، وأن الناهب أب، وأن الطائفة أهم من العدالة؟ هنا يتحوّل الغباء إلى “تراث”، والهزيمة إلى “هوية وطنية”، ويُصبح الانهيار الاقتصادي مجرّد تفصيل في طريق الحفاظ على “التوازن“.

وفي خضمّ هذا الانحدار، تُقمع كل محاولة للتغيير باسم “الواقعية“. فيُتهم الثائر بأنه مدفوع، والمثقف بأنه انفصالي، والمستقل بأنه “غير ناضج سياسيًا”. أما الزعيم الفاسد، فيُقدّم على أنه “ضامن الاستقرار”. وهذه أخطر مرحلة في السقوط: حين لا تعود الحفرة مشكلة، بل تصير ضرورة! حين تصبح البلادة بطولة، والاستعباد عقلانية، والارتهان حنكة سياسية. عندها، لا يكون الإنسان أدنى من الحمار فقط، بل يكون قد اختار أن يعيش تحت مستواه، باقتناع وإصرار. فالحمار، رغم محدودية وعيه، لا يبني معبدًا لحفرته، ولا يُطلق على سجّانه اسم “الضمانة الوطنية“.

  1. الإعلام، الدين، والمدرسة… أدوات إعادة الحفر

إن السقوط في الحفرة مرّة لا يكون جريمة، بل تجربة. أما السقوط فيها مرارًا فهو نتيجة منظومة شاملة تُعيد إنتاج الجهل وتمجيد السقوط. في لبنان، تلعب ثلاث مؤسسات أساسية دورًا خطيرًا في تبرير الحفرة: الإعلام، والدين، والمدرسة. الإعلام، بدلًا من أن يفضح الفساد، يغدو أداة تلميعه. فمعظم القنوات ممولة من الزعماء أنفسهم، وهي تُجنّد المذيعين لإقناع الناس بأن الحفرة ليست حفرة، بل “قدر لبناني“، وأن من يعارضها هو “مشاغب“، أو “فوضوي“. هكذا تُنقل الحفرة من واقع مادي إلى خيال شعبي، فتُقبَل كحقيقة لا نقاش فيها.

أما المؤسسة الدينية، فهي الأكثر خبثًا، إذ تستخدم لغة السماء لتبرير قبح الأرض. فبدلًا من أن تكون صوتًا للحق، صارت صوتًا للزعيم. رجال دين يُباركون مشاريع السياسيين، يشاركون في الانتخابات، يؤسّسون أحزابًا، ويُحرّمون الثورة على “أولي الأمر” حتى لو كانوا قتلة. الدين في لبنان لم يُستخدم كأداة للارتقاء، بل كأداة لضمان الخضوع. وهذا يُفسّر لماذا يقف الشعب في الحفرة صامتًا، مردّدًا دعاء الخلاص بدلًا من طلب الحساب. لقد أُعيد تشكيل وعيه الديني ليقبل المذلّة باسم “الصبر”، ويؤمن أن الظالم إنما هو “ابتلاء إلهي“.

أما المدرسة، فهي التي تُخرّج أجيالًا من التلاميذ دون مهارات نقد أو تحليل. التعليم اللبناني، بدلًا من أن يفتح العقول، يغلقها. مناهج عقيمة، وتاريخ مزوّر، وغياب كامل للتفكير النقدي. الطالب اللبناني يتخرّج وهو يعرف أسماء الرؤساء منذ الاستقلال، لكنه لا يعرف معنى العدالة أو العقد الاجتماعي. يتعلّم قواعد النحو، ولا يتعلّم قواعد المواطنة. وهكذا، يصبح المواطن مهيّأً للقبول بالحفرة، لأنه لا يملك أدوات رفضها. وهنا يصبح السقوط عقيدة، والغباء بنية، والحمار الذي لا يتعلّم إلا مرة أكثر تحرّرًا من إنسان يتعلّم كل شيء إلا معنى أن يكون حرًا.

  1. ثنائية الذل والخوف… وقود البقاء في الحفرة

قد يسأل البعض: لماذا لا يثور اللبناني؟ لماذا لا يخرج من الحفرة رغم الألم والخراب؟ الجواب يكمن في ثنائية الذل والخوف، التي تتغذى من تاريخ طويل من القمع والانقسام والابتزاز العاطفي والطائفي. الذل ليس مجرد إحساس فردي بالهوان، بل يصبح شعورًا عامًا حين يُحرم الشعب من كرامته لعقود. اللبناني اليوم لا يرى نفسه مواطنًا، بل تابعًا، متسوّلًا للخدمات، خائفًا من الغد، ومرعوبًا من فكرة “الفراغ”. هكذا يُعيد اختراع أعدائه زعماء، ويُسلّمهم رقبته خوفًا من الفوضى، في حين أن الفوضى الحقيقية قائمة في وجودهم واستمرارهم.

الخوف في لبنان ليس فقط من الحرب، بل من الآخر الطائفي، من الحليف، من الغريب، من القاضي، من الإعلام، من الحقيقة، وحتى من الأمل. يتم تخويف الناس ليلًا ونهارًا من “الأسوأ“، بينما هم يعيشون الأسوأ فعلًا: بلا كهرباء، بلا ماء، بلا أمان صحي، بلا عدالة، بلا تعليم. ومع ذلك، لا يزال كثيرون يردّدون عبارة “ما عنا بديل“، وكأن البلاد خالية من الكفاءات، أو كأنّ قدر اللبناني أن يُحكم من مجموعة من السماسرة الفاسدين. الحفرة في لبنان لا تُخيف لأنها أصبحت “منطقة راحة” في وعي الناس، والخروج منها يعني المواجهة، وهم فقدوا القدرة على المواجهة منذ زمن.

لكن، لا يمكن للشعوب أن تعيش دائمًا في الحفرة. التاريخ يُظهر أن حتى أكثر المجتمعات ذلًا وخوفًا تنهض في لحظة ما. غير أن هذه اللحظة تتطلب شرارة ووعيًا جماعيًا، وهذا ما لا يزال ناقصًا في لبنان. الحراك الشعبي عام 2019 كاد أن يكون هذه اللحظة، لكنه تفتّت تحت سطوة الطائفية، والتضليل الإعلامي، وشراء الذمم، وتدخلات الخارج، وافتقار الداخل إلى خطة. لكن رغم فشل الحراك، كشف شيئًا مهمًا: أن الحفرة ليست أبدية، وأن الشعوب التي تُذل يمكن أن تصرخ، لكنها تحتاج إلى من يعلّمها كيف تحوّل الصرخة إلى حركة، والحركة إلى فكر، والفكر إلى مشروع تحرّر، لا إلى حفلة غضب موسمية.

الحمار لا يلدغ من الجحر مرتين
  1. طريق الخروج… هل من أمل بعد كل هذا السقوط؟

رغم هذا المشهد السوداوي، تبقى هناك فسحة صغيرة للأمل. فليس من الإنصاف القول إن كل اللبنانيين متواطئون أو أغبياء. هناك فئة مقاومة، صامتة أحيانًا، لكنها واعية. فئة تعرف أن المشكلة ليست فقط في الطبقة السياسية، بل في تركيبة الوعي الشعبي. هذه الفئة تكتب، تحتج، تبني مبادرات، تحاول بثّ الوعي، وتزرع في المدارس والجامعات بذور الخروج من الحفرة. هؤلاء لا يملكون قنوات إعلامية ولا ميليشيات، لكنهم يملكون وضوح الرؤية وشجاعة المواجهة، وهم أمل لبنان الحقيقي، إن لم يُستنزفوا في الطريق. فالمعركة ليست فقط مع السلطة، بل مع الشعب الذي يدافع عنها.

الخروج من الحفرة يتطلّب أولًا الاعتراف بها، ثم الاعتراف بمن يحفرها، ثم رفض السكن فيها. وهذا يعني عملية تربوية، ثقافية، سياسية طويلة، لا تأتي عبر صندوق اقتراع فقط، بل عبر إصلاح جذري في التعليم، واستقلال القضاء، وتحرير الإعلام، وكسر المرجعيات الطائفية. الشعب الذي يرفض تغيير ذاته، لا يمكنه تغيير حكّامه. لذا، فإن أول طريق للخلاص يبدأ من تحطيم الأصنام النفسية، لا فقط السياسية. يجب أن يتعلّم اللبناني أن يقول “لا” للزعيم كما يقولها لأي معتدٍ. فالمحتل لا يحتاج إلى دبابة دائمًا، يكفيه أن يزرع فيك طاعة طوعية باسم الحماية والهوية والخوف من المجهول.

وأخيرًا، في مواجهة هذا الواقع، نعود إلى الطنطاوي. لعلّ عبارته الساخرة كانت أعمق مما بدت: أن نتعلّم من الحمار. نعم، أن نغار من حيوان لا يملك عقلًا لكنه يملك غريزة النجاة، في حين أننا، بعقولنا المعطّلة، نحتفل بسقوطنا ونصنع منه بطولات وهمية. ربما نحتاج اليوم إلى “ثورة أخلاقية” قبل أن نُطالب بثورة سياسية. أن نُعيد تعريف الكرامة، لا بوصفها مجرد كراهية للآخر، بل احترامًا للذات، ورفضًا للذل، وجرأة على التحرّر من السقوط المكرّر. ففي النهاية، ما يُخرجنا من الحفرة ليس “الزعيم النزيه”، لأنه لن يأتي، بل “الشعب الذي يرفض أن يكون أقل من الحمار“.

  1. الخاتمة

يبدو أن الكارثة الكبرى ليست في وجود حفرة سياسية أو طائفية أو اقتصادية، بل في وجود شعب لا يريد الخروج منها. فالسقوط، بحد ذاته، لا يُدين الإنسان، بل إصراره على السقوط هو ما يجعله أدنى من الحيوان. وهذا تمامًا ما نراه في لبنان: نظام فاسد، زعماء متآمرون، مؤسسات منهارة، وأناس يصفّقون لكل ذلك باسم “الوفاء” أو “الانتماء”. كيف تُبنى دولة حين يُصفّق الشعب لكل من دمّرها؟ كيف تقوم عدالة حين يُخَوَّن القاضي ويُحمى القاتل؟ كيف تنتصر الكرامة حين يُستبدل الوطن بالطائفة، والقانون بالزعيم، والمواطنة بالتبعية؟ لا يمكن.

الفرق بين الإنسان والحمار في نهاية المطاف ليس في العقل فقط، بل في الإرادة. الحمار يملك غريزة تحميه من السقوط مجددًا، واللبناني يملك وعيًا يستخدمه لتبرير السقوط مرارًا. نحن أمام مفارقة وجودية: أن يفشل الإنسان في امتحان البديهيات، أن يخون أبسط شروط النجاة، أن يحتضن جراحه ويعبد قاتله. هذه ليست مجرد مأساة سياسية، بل سقوط أخلاقي كامل. ولكي نبدأ رحلة الخلاص، لا بد من أن نعترف أولًا: لقد أصبحنا أقل من الحمار، لا لأننا ضعفاء، بل لأننا اخترنا الخضوع. ومن لا يعترف بحفرته، لن يخرج منها أبدً

أخبار ذات صلة

اللبناني عندما يصبح ابن بيئتةلا ابن الحقيقة..د. الياس ميشال الشويري معلّقا :المأساة ليست في أن الإنسان يُخطئبل في انه يجهل أنه يُخطئ !
بحث


اللبناني عندما يصبح ابن بيئتة
لا ابن الحقيقة..
د. الياس ميشال الشويري معلّقا :
المأساة ليست في أن الإنسان يُخطئ
بل في انه يجهل أنه يُخطئ !

16/09/2025

...

“ما من جريمة كاملة في هذا العصر سوى أن يولد الإنسان عربياً”..(محمد الماغوط)د. الياس ميشال الشويري معلّقاً:  قوله أكثر ما ينطبق على لبنانحيث الولادة ابتلاء لا نعمة…
بحث


“ما من جريمة كاملة في هذا العصر
سوى أن يولد الإنسان عربياً”..
(محمد الماغوط)
د. الياس ميشال الشويري معلّقاً:
قوله أكثر ما ينطبق على لبنان
حيث الولادة ابتلاء لا نعمة…

15/09/2025

...

د.غالب خلايلي يتابع الكتابة عنسيدة المشروبات “القهوة” (4) ويقول: آثارها الصحية عديدة ..قد تُبعد عنك الزهايمر..تنشّط القلب والكليَتَين وتدّر البول…
بحث


د.غالب خلايلي يتابع الكتابة عن
سيدة المشروبات “القهوة” (4) ويقول:
آثارها الصحية عديدة ..
قد تُبعد عنك الزهايمر..تنشّط القلب
والكليَتَين وتدّر البول…

15/09/2025

...

تزامن عيد ارتفاع الصليب   مع اغتيال بشير الجميل تلاقٍ زمني يؤكد أن قيام لبنان لا يتحقّق الا بالتضحيات…د. الياس ميشال الشويري عن هذا التلاقي:الطريق الى الحرية يمرّ عبر التضحية..
بحث


تزامن عيد ارتفاع الصليب
مع اغتيال بشير الجميل
تلاقٍ زمني يؤكد
أن قيام لبنان لا يتحقّق الا بالتضحيات…
د. الياس ميشال الشويري عن هذا التلاقي:
الطريق الى الحرية يمرّ عبر التضحية..

12/09/2025

...

تحميل المزيد
المنشور التالي
بحضور 450 شخصية اقتصاديةمن 37 بلداً..الرئيس جوزاف عون في مؤتمرالإقتصاد الإغترابي الرابع وبالعامية:الطريق صعب لكن الإصلاح بدأ..


بحضور 450 شخصية اقتصادية
من 37 بلداً..
الرئيس جوزاف عون في مؤتمر
الإقتصاد الإغترابي الرابع وبالعامية:
الطريق صعب لكن الإصلاح بدأ..

Tamin wa Masaref | by OnSups

  • سياسة خاصة
  • الأحكام والشروط
  • تواصل معنا
يرجى الانتظار...

اشترك في نشرتنا الإخبارية

هل تريد أن يتم إعلامك عند نشر مقالتنا؟ أدخل عنوان بريدك الإلكتروني واسمك أدناه لتكون أول من يعرف.
اشترك في النشرة الإخبارية الآن
لا نتيجة
عرض جميع النتائج
  • الرئيسية
  • رسالة من المحرر
  • الحدث
  • المفكرة
  • مصارف
  • تأمينية
    • شركات تأمينية
    • توعية تأمينية
    • فتاوى تأمينية
  • ملف
  • مقابلات
  • مقالات
  • طب
  • فـي ميزان العدالة
  • منوعات
  • مؤتمرات

Tamin wa Masaref | by OnSups