المستشار عيد عبدالله الناصر
من الجنود المجهولين في قطاع التأمين العربي الذين أغنوا هذا القطاع وشركاته، بعلمهم وخبراتهم، وبقوا لا مبالين بالشهرة والضوضاء، يبرز اسم المستشار السعودي السيد عيد عبدالله الناصر الذي يشهد علمه واختصاصاته وخبرته على الدور البارز الذي لعبه في غير موقع، وبخاصة في إدارة المخاطر بقطاع التأمين، وكذلك في الإستشارات والتأليف واغناء المكتبة التأمينية (وغير التأمينية) بكتب ودراسات، فضلاً عن إنشائه مركزاً استقبل عشرات من أبناء المهنة الذين خضعوا لدورات في مبادئ التأمين، وكانت التجربة “رائعة”، كما وصفها لنا.
ولأن السيرة الذاتية للسيد عيد عبدالله الناصر تكون أكثر غنى في معلوماتها وأكثر وضوحاً في ترتيبها الزمني، فقد ابقيناها كما وردت الينا، وفي يقيننا أنها مختصرة جداً ولا تعطي الصورة الحقيقية والواقعية عما حقٌّقته هذه الشخصية التأمينية السعودية لتعميم الثقافة التأمينية، وقت كان وضع القطاع فيها لا يُحسد عليه.
في ما يلي نصّ الحوار مع السيد عيد عبدالله الناصر، انطلاقاً من سؤال أول حول مسيرته الذاتية. قال: “أنا حاصل على شهادة جامعية في المالية Finance من احدى الجامعات الاميركية، عملت كمحلل تأمين وادارة اخطار في أرامكو السعودية لمدة 30 عاماً، وتدربت وعملت على كل أنواع التأمين، حاصل شهادة الزمالة في ادارة المخاطر Asocite in Risk Management من المعهد الأميركي بنيويورك AII، وشهادة الممارسة في التأمين، ودبلوما في التأمين من معهد التأمين الملكي ببريطانيا CII، وكذلك دبلوم تأمين ودبلوم متقدّم في التأمين من المعهد المصرفي بالبحرين. تقاعدت من أرامكو وعملت رئيساً تنفيذياً لاحدى شركات التأمين السعودية، وبعدها عُيّنت مستشارا في لجنة الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية لمدة تسع سنوات. الان متفرغ واستعد للعودة بعمل يخدم سوق التأمين السعودي في هذه المرحلة.

س: كيف تقيّمون قطاع التأمين السعودي، و كيف تقارنونه بقطاع التأمين العربي؟
ج: قطاع التأمين السعودي هو قطاع ناهض وواعد بكل تأكيد، ومقارنته باسواق التأمين العربية ستكون عملية صعبة. المعلومات المتوافرة تؤكد بأنه الأكبر عربيًا من حيث الأقساط المكتتبة، والأكثر ترتيباً على مستوى الإدارة والتطوير. السوق بدأ تحت رقابة مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) والان تمّ انشاء هيئة خاصة للتأمين . تشكّل التغطيات التأمينية الإلزامية (السيارات والطبي) مصادر أقساط التأمين الرئيسية. في ما يخص المقارنة بالسوق العربية، المعلومات تشير إلى ان الكثير من الدول العربية مثل مصر والعراق والسودان والمغرب .. الخ سبقت المملكة في التأمين بعقود، ولكن الكثير من هذه الأسواق بقيت حبيسة الرؤية القديمة لفكرة التأمين (النظريات الإشتراكية ومفاهيم التأميم)، ولهذا بقيت على حالها، وحتى بعد تحرير تلك الأسواق، بقيت عاجزة على تطوير الذات، وأعتقد بأن سوق التأمين السعودية تجاوزت الكثير من الأسواق العربية على مستوى القوانين والأنظمة والتدريب.

س: هناك حركة قوية في القطاع السعودي للاستحواذ و الدمج. هل هذا ،برأيك، صحي ام هروب إلى الامام؟
ج: هذا طبيعي، فقبل الولادة الرسمية لسوق التأمين السعودية، أرامكو السعودية كانت تشتري التأمين من السوق العالمية، عبر وسطاء التأمين منذ العام 1947، وفي عام 1952م أسست شركة المشاريع العربية، وسيطا للتأمين، وبدأت أرامكو تشتري الوثائق من خلال هذا الوسيط، عدا ذلك لم تكن هناك شركات تأمين ولا وسطاء بشكل حقيقي، كان سوق التأمين عبارة عن “دكاكين” فتحت أبوابها بسجلات تجارية . كانت تعمل كشركات تأمين من خارج المملكة Off shor (البحرين، اليونان ..الخ)، ولم تكن هناك بنية تحتية قانونية أو إدارة، ولهذا كانت هناك مشاكل كثيرة في السوق. الملاحظ بأن هذه الدكاكين قدّمت طلبات لفتح شركات تأمين، ونقلت أمراضها الإدارية والفنية والنفسية الى الشركات التي ورثتها من الدكاكين السابقة، سواء كوسطاء للتأمين أو شركات، ولا يزال السوق يعاني من تلك العقلية القديمة، المتخلّفة، التي لا يعرف أغلبها سوى المصالح الشخصية. ولهذا فإن الإستحواذ سوف يفتح مجالاً واسعاً للتطور والإنتشار.
س: هل تعتقدون ان الثقافة التأمينية معمّمة على السواد الأعظم من الناس، و إذا كان الجواب لا، فما السبيل إلى ذلك؟
ج: هذه تحتاج الى دراسة للإجابه عن هذا السؤال، ولكن كمتابع عام، أعتقد بأن وعي الناس بالتأمين وأهميته قد تطوّر كثيراً عن المرحلة السابقة، ولكن نشر الوعي والمعرفة بالتأمين، في أي مجتمع، يحتاج الى جهد كبير، ويحتاج الى وقت، وكذلك يحتاج الى استثمار في البنية الثقافية والمعرفية للتأمين، وتحتاج إلى إيمان حقيقي من قبل المستثمرين في سوق التأمين بأهمية نشر الثقافية التأمينية، وأعتقد بأن المملكة تسير بثقة ووعي في الإتجاه الصحيح للمستقبل.
س: المؤتمرات التأمينية بالعشرات سنويا، فهل تحولّت إلى مناسبات لـ”البزنس” فقط؟
ج: لا أدري إن كنت تقصد المؤتمرات في المملكة العربية السعوية أم على الساحة العربية. بالنسبة للملكة هناك مؤتمرات تديرها عدة جهات مثل: هيئة الضمان الصحي، وهيئة التأمين، ومؤسسة النقد: وهي مفيدة للعاملين في سوق التأمين، والمؤتمرات هي عبارة عن تجمّعات لكبار المسؤولين والمستثمرين، والجانب التثقيفي فيها عادة ما يرتبط بآخر المستجدات من أفكار وممارسات تساعد في مراجعة السوق وتطويرة. حين تجد الأسرة تضع في ميزانيتها تكلفة تأمين مركباتها وبيوتها، ويتحدث أفراد الأسرة عن التأمين ولماذا؟ وكيف؟ هنا نبدأ بالقول بأن التأمين صار جزءاً من حياة المجتمع، وهذه العملية تحتاج الى صبر و وقت طويل لتتحقق.

س: ماذا عن مركز التدريب الذي ساهمتم في انشائه؟
ج: نعم، هذا يعود الى العام 1998م، و قد قمت بتقديم عدة دورات في مبادىء التأمين، مبادىء إدارة المخاطر، المطالبات، الإكتتاب، وفي ذلك الوقت، قبل قوننة سوق التأمين، كانت الرؤية الرسمية والشعبية للتأمين بأنه حرام، وشركات التأمين لم تكن تهتم بالتدريب والتطوير وأغلبها تعتمد على العمالة الوافدة من الهند والفلبين. وغب 4/4/1397هـ، أصدرت هيئة كبار العلماء قرارها رقم 51 في جواز التأمين التعاوني وتوافقه مع قواعد الشريعة الإسلامية، وإعتماداً على هذا القرار الحكيم تمّ التصريح بإنشاء الشركة الوطنية للتأمين التعاوني، بموجب مرسوم ملكي كريم في 18/1/1986م كأول شركة تأمين سعودية برأس مال قدره 500 مليون ريال سعودي. وباشرت التعاونية أعمالها في نفس العام. ولكن اصدار قرار تأسيس سوق التأمين السعودي لم يبدأ إلا بعد ذلك بعقدين تقريباً.
بالنسبة للمعهد، وقد صدرت الموافقة عليه في 18/10/1418هـ بقرار من المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني رقم (1755)، أعتقد بأنها كانت تجربة رائعة والكثير من العاملين في سوق التأمين السعودية، المنطقة الشرقية تحديداً، يتذكرون تلك التجربة بالخير لما فيها من مغامرة مهنية وثقافية. ومن خلال هذا المعهد شكّلنا منتدى التأمين بالمنطقة الشرقية، ومن خلاله قدمنا دورات تأمينية بدون مقابل لنشر الوعي والثقافة التأميني بين موظفي الشركات، وكانت تجربة رائعة، تعاونت في تنفيذها الكثير من شركات التأمين في المنطقة الشرقية.