بسبب التكاليف التشغيلية الباهظة وتحديات الملاءة المالية واشتداد المنافسة في الداخل ومن الخارج على المشاريع الحكومية الكبرى وزيادة التغطيات الإلزامية، يشهد قطاع التأمين في السعودية حركة اندماجية واضحة المعالم بدأتها
«عناية السعودية للتأمين التعاوني» و«سلامة للتأمين التعاوني» بعقدهما اتفاقية اندماج ملزمة، لتتبعهما «ملاذ للتأمين التعاوني» و«ليفا للتأمين»، اللتان مدّدتا مذكرة تفاهم لدراسة اندماج محتمل، وهو ما يعكس اتساع نطاق صفقات الاستحواذ أو الدمج داخل قطاع التأمين السعودي.
وكانت شركتا «عناية» و«سلامة» أعلنتا عن إبرام اتفاقية دمج الاولى بالثانية بتاريخ 14 آب 2025 ونقل جميع حقوقها والتزاماتها وأصولها إليها، مقابل قيام الأخيرة بإصدار 18.89 مليون سهم عادي بقيمة اسمية تبلغ 10 ريالات للسهم لصالح مساهمي “عناية”.
وبموجب هذه الصفقة، سيُلغى إدراج أسهم «عناية» باعتبارها ستنقضي، على أن يحصل مساهموها على 0.8215 سهم في «سلامة» مقابل كل سهم يملكونه. وتمّ تقييم سهم «عناية» عند 6.62 ريال، بانخفاض نسبته 9.53 في المئة مقارنة بسعر الإغلاق السابق للاتفاقية. وأوضحت الشركتان أن تفاصيل الجدول الزمني والتكاليف المتوقعة ستُعلن لاحقاً بعد الحصول على الموافقات النظامية. وكانت الشركتان قد وقعتا مذكرة تفاهم غير ملزمة في شباط الماضي، وحصلتا في حزيران على عدم ممانعة الهيئة العامة للمنافسة بشأن الصفقة.
بالنسبة لشركة “ملاذ”، فقد أعلنت تمديد مذكرة التفاهم مع شركة «ليفا» لمدة ستة أشهر إضافية، بعد توقيعها اتفاقاً مبدئياً غير ملزم في نهاية العام الماضي لدراسة صفقة اندماج محتملة تقوم على دمج «ليفا» في “ملاذ”.
ويأتي ذلك في وقت أعلنت فيه هيئة التأمين في أيار الماضي، عن إلغاء تراخيص 28 شركة استناداً إلى نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني، مؤكدة أن هذه الخطوة تأتي امتداداً للإجراءات التصحيحية المعلنة في آب 2024، بهدف دعم فاعلية القطاع واستقراره وحماية حقوق المؤمن لهم والمستفيدين، بما ينعكس إيجاباً على الاستقرار المالي.
وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» للتصنيف الائتماني رأت في تقريرها أن قطاع التأمين السعودي، رغم ارتفاع درجة تركّزه وضعف معدل اختراقه، يملك فرص نمو كبيرة مدفوعة بالتوسع الاقتصادي والمبادرات الحكومية للتأمين الإلزامي.
وأشارت الوكالة أيضاً ،وفق تقرير قالت «الشرق الأوسط» أنه أطلعت على نسخة منه، إلى أن حجم السوق تضاعف بين عامي 2020 و2025 بفضل المشاريع الضخمة وزيادة عدد السكان، في حين يُهيمن خمسة لاعبين كبار على ما بين 70 و75 في المئة من الإيرادات. كما توقعت الوكالة أن تُسهم عمليات الاندماج وجمع رؤوس الأموال في تعزيز الملاءة المالية، مع بروز فرص واعدة في التأمين على الحياة والادخار، الذي لا يمثل حالياً سوى 5 في المئة من إجمالي أقساط السوق.
جدير بالذكر أن الأداء المالي الأخير للقطاع عكس تباينات حادة وضغوطاً متزايدة مع تراجع الأرباح على مستوى الشركات الصغيرة كما الكبير منها مثل «بوبا العربية» و«التعاونية» و«تكافل الراجحي»، التي تتمتع بقدرات رأسمالية وإدارية عالية، ستكون في موقع قيادة لعمليات الاستحواذ والاندماج، سواء بشكل كامل أو عبر شراكات مالية أوسع، مستفيدة من وفورات الحجم وتوسيع قنوات التوزيع.
وبرأي محمد فراج الرئيس الأول لإدارة الأصول في “أرباح كابيتال” وفي حديث مع الشرق الأوسط، “أن المستقبل لن يُبنى فقط على منتجات التأمين الطبي والمركبات، بل على قطاعات بديلة؛ كالتأمين الصحي المبتكر، والتأمين السيبراني، وسندات الكفالة المرتبطة بالمشاريع الحكومية الكبرى، إضافة إلى منتجات الادخار والتقاعد طويلة الأجل”.