مقال جديد لخبير التأمين وإدارة المخاطر، المستشار السعودي عيد عبدالله الناصر خصّ به موقع “تأمين ومصارف”، هو اقتناء وثائق في غير فرع تأميني والإحتفاظ بها “لوقت التخلي” كما نقول في لبنان، أي عندما يقع الحادث الذي يحتاج الى آلاف الريالات أو الدولارات لترميم سيارة بعد حادث مروري، أو لتجديد أثاث بيتي بعد حريق أو تسديد فاتورة استشفائية بعد التعرّض الى نكسة صحية وغير ذلك.
على أن الأهم في هذا المقال، وهذا يُقال للمرة الأولى ربما: لماذا يوظف في الشركات الكبيرة، خبير تأمين تولى متابعة شؤون التغطيات، وغالباً ما تكون عديدة؟
سؤال برسم كل رجل أعمال يملك شركة كبيرة. وبالنسبة للشركات المتوسطة والصغيرة، لماذا لا يكون عندها استشاري، تماماً كاستشاري طبي، أو هندسي، أو قانوني؟ ولماذا “لا نُعقلها ونتوكّل” كما جاء على لسان الرسول الكريم؟
جمعتني جلسة بصديق قديم، صار اليوم من رجال الأعمال، وكان من الطبيعي أن يتطرق الحديث إلى التأمين. سألته:
-هل تشتري تأمين على ممتلكاتك؟
-نعم، فالأخطار اليوم كثيرة.
-وهل لديك موظف مختص يتابع وثائق التأمين؟
-هذه من مسؤوليات المحاسب.
هنا ظهرت المفارقة: فالكثير من الشركات والأفراد ينظرون إلى التأمين على أنه مجرد قسط سنوي مدفوع، بينما يغفلون عن أن جوهره الحقيقي هو حقوق مالية ضخمة محفوظة لهم عند وقوع الخطر.
لنأخذ مثالًا بسيطًا: وثيقة مسؤولية ضد الغير لسيارة قسطها 1500 ريال تقريباً، لكن الحد الأقصى للتغطية قد يصل إلى عشرة ملايين ريال. الفارق هنا هائل: أنت لا تشتري ورقة قيمتها 1500 ريال، بل تشتري حقًا ماليًا قد يساوي ملايين الريالات في حال وقوع حادث. ومع ذلك، يكتفي كثير من المشترين بدفع القسط وحفظ الوثيقة في درج مغلق حتى يأتي تاريخ التجديد أو تقع الكارثة، ليكتشفوا لاحقًا أن الوثيقة لم تكن تغطي الخطر الذي وقع أصلًا.
فهل تحتاج إلى موظف تأمين؟
الإجابة تعتمد على حجم نشاطك:
–الشركات التجارية: إذا كانت تتعرض لمجموعة من الأخطار (حرائق، مسؤوليات، توقف أعمال، سيارات، معدات…) من الحكمة أن تعيّن موظفًا أو تستعين بخبير تأمين يتابع الوثائق بدقة، تمامًا كما تستعين بمحامٍ أو مدقق حسابات.
–الأفراد: بالنسبة لتأمين السيارة أو المنزل، يمكن الاكتفاء بالاعتماد على وسيط (سمسار) متخصص، على أن يكون وسيطًا موثوقًا به يتحمل مسؤولياته القانونية إذا ارتكب خطأ يضر بمصلحتك.
فلماذا نهمل الاستشارة في التأمين؟
نستشير الأطباء حين نمرض، والمهندسين حين نبني بيوتنا، والمحامين حين نرفع أو نواجه دعوى. لكننا نادرًا ما نستشير خبيرًا في التأمين. ربما لأن عقد التأمين يبدو مجرد وعد نظري معلق على حادث قد يقع وقد لا يقع. لكن هذا “الوعد التجريدي” يُمكن أن يتحوّل في لحظة إلى أرقام ضخمة تُصرف كتعويضات أو يُرفض صرفها بسبب ثغرة لم ينتبه لها أحد.
هنا يأتي دور المتخصص: فهو من يحوّل الوثيقة من ورقة نظرية إلى أداة عملية للحماية المالية، ويستبق المخاطر ليحدد ما إذا كان حد التغطية كافياً وملائماً أم لا.
الخلاصة: حين تفكر في التأمين، لا تنظر فقط إلى القسط الذي تدفعه، بل إلى الحقوق المالية التي تملكها بموجب الوثيقة. الفرق بين 1500 ريالًا قسطًا و10 ملايين ريال حقًا، هو ما يحدد إن كنت بحاجة إلى استشارة متخصصة أم لا.
التأمين ليس مجرد “فاتورة سنوية”، بل شبكة أمان مالية قد تنقذك أنت أو شركتك من خسائر مالية فادحة.