صورة من الملتقى التكافلي الأخير ويبدو وزير الإقتصاد الليبي محاطاً بعلي الرقيعي الأمين العام السابق للإتحاد الليبي للتأمين، مروان عمر الأبيض رئيس مجلس الإتحاد ود. الطاهر البدوي نائب المدير العام لهيئة الإشراف على التأمين
قبل ما يُقارب الشهرَيْن، تحديداً في 10 و 11 أيلول 2025 ،استضافت ليبيا ملتقىً دولياً للتأمين التكافلي هو الأول من نوعه الذي يُعقد في القارة الإفريقية، ومن هنا أهميته، بخاصة أن التأمين في القارة السمراء، سواء التقليدي أو التكافلي، آخذ في النموّ أقساطاً وأرباحاً، والى درجة أن شركات إعادة أُسّست فيها، منها “وايكا ري، و”أفريقا ري، من دون أن ننسى أن في هذه القارة دولاً عربية تُدين شعوبها،و بالغالبية العظمى بالإسلام، وبالتالي يهمّها التأمين التكافلي كونه يتمّ التعامل به وفق الشريعة الإسلامية.
بداية، نشير الى ان هذا الملتقى هو ثمرة تعاون بين الإتحاد الليبي للتأمين والإتحاد العالمي لشركات التأمين التكافلي والإسلامي ومقرّه السودان، وهو يضمّ في عضويته شركات التكافل في الوطن العربي، ما يعني أن هذا الملتقى التكافلي كان مغطىً بمظلّة تكافلية أساسية في الدول العربية والعالم.
أسأل الإستشاري التأميني السيد تيسير التريكي، صاحب الخبرة التأمينية التي تزيد عن الأربعين عاماً، وهو الذي كان من المعدّين هذا الملتقى والعاملين على إنجاحه، عن المواضيع التي أُثيرت في الملتقى وتمّت معالجتها في إطار حملات التوعية للتأمين بمعناه الشامل،من ناحية، والتأمين المتخصّص التكافلي، أي الذي يدير الاعمال وفق الشريعة الإسلامية، من ناحية أخرى. قال لنا: “دعني أقول، أولاً، أن هذا الملتقى استقطب دولاً عربية عدة أذكر منها: مصر، السودان، تونس، الجزائر، المغرب، لبنان وغير ذلك من الدول،بحيث وصل عدد الحضور الى مايقارب المئة شخص، وهذا رقمٌ جيّد لأنه، كما أسلفنا،فإن الملتقى المذكور، هو الأول من نوعه أفريقياً، وثانياً لأن المحاضرات التي القيت فيه وورش العمل التي أقيمت، كانت غنيّة في القاء الضوء على وضع قطاع التأمين التكافلي، وما هو بحاجة اليه، وكيفية معالجة الإعادة التكافلية الضرورية لأن الشركات المعنية بالإعادة التكافلية عربياً، لا تزال تحتاج الى ملاءة كبيرة لتتمكّن من إدارة هذا المرفق. من هنا تركّز البحث على موضوع إنشاء مجمّع تأميني تكافلي يكون قادراً على سدّ ثغرة كبيرة كانت ولا تزال تُعيق نموّ وتطوّر هذا النوع التأميني المرتبط بالشريعة الإسلامية، وقد عُهد الأمر لشخصيات شاركت و طُلب منها أن تُعدّ الأبحاث المطلوبة والأفكار التي ستوصل الى تحقيق هذا المطلب المهمّ.

طبعاً لم تقتصر التوصيات على هذا الناحية فقط بل أن ثمة موضوعاً آخر أخذ نصيبه من المناقشات وهو التمهيد لتعزيز التعاون بين المصارف، سواء التكافلية منها أو المباشرة، وشركات التأمين التكافلي،علما أن إثارة هذا الموضوع يُحبّذه ويدفع اليه البنك المركزي الليبي. وأقول هنا أن في ليبيا مصارف تكافلية محدودة العدد ومن لا يتعامل وفق الشريعة الإسلامية، فإنه يُخصّص نافذة لإجراء معاملات بهذا الشأن، تماماً كما تفعل شركات تأمين تقليدية. وهذا ان دلّ على شيء فعلى ان أقساط التكافل آخذة في النمو والتطوّر.
والى هذيْن الموضوعَيْن الرئيسيَيْن، نوقشت أمور أخرى وصدرت توصيات بشأنها للتنفيذ.
س: ولكن موضوع إعادة التكافل كان دائماً يُشكّل عقبة في وجه إتمام العملية التكافلية برمّتها، الى درجة أنه غالباً ما كانت شركات التكافل تعتمد مبدأ “الضرورات تُبيح المحظورات” لتتمكّن من إكمال كل المراحل العملية التأمينية؟
ج: هذا الكلام صحيح، ومن هنا كان قرار إنشاء مجمّع تأميني تكافلي نأمل أن يُبصر النور ويحلّ هذا الإشكال. وهذا أضعف الإيمان.
س: هناك اعتقاد بأن التكافل قد لا ينجح في دولة مثل ليبيا باعتبار انها على مرّ العصور، كانت غير متشدّدة دينياً. فهل الوضع الليبي الحالي أعاد عقرَبَيْ الساعة الى الوراء أم أن الساعة التكافلية باتت أقرب الى هواء الليبيين؟
ج: اذا كنّا نتكلّم عن الموروث الديني فالشعب الليبي شعب مسلم ومشبّع بالثقافة الإسلامية، ما يعني أن هذا الواقع يسمح للتكافل بالإنتشار، علماً أن مبادئ التكافل الثلاثة: “الغُرَر والربا والإحتكار” مُصانة الى حدّ كبير في ليبيا، وهذا كلّه يُسهم في نموّ التأمين التكافلي وتحقيق عائدات للشركات والتي تتُصرّف دائماً وفق مبادئ التكافل نفسها أي عن طريق إنشاء صندوقَيْن أحدهما لمجلس الإدارة والثاني لحملة الوثائق للمضمونين.
س: ذكرتم أن هذا المؤتمر هو الأول الذي يُعقد في شمال أفريقيا في دولة عربية هي ليبيا، فهل سيكون مؤتمراً سنوياً بمعنى هل تستضيفه ليبيا في العام المقبل أيضا، وما بعد هذا العام؟
ج: بالتأكيد لن يكون الأول والأخير وإنما سيُعقد سنوياً، وفي كل مرة في دولة عربية ترغب في استضافته، ففي أثناء الملقى أبدت كل من الجزائر وتونس إستضافت الملتقى في 2026العام المقبل وبعد التداول تمّ الإتفاق على أن تستضيف هذا المؤتمر في العامَيْن المقبلَيْن الجزائر وتونس وإن لم تُحدّد بعد أيهما سيكون المستضيف الأول .
ان الإتحاد العالمي لشركات التأمين التكافلي والإسلامي هو في تواصل مع الجهتَيْن المعنيَتَيْن في البلدَيْن وكان للملتقى الليبي الفضل في إلقاء الضوء على ضرورة إقامت هذا الملتقى بشكل دائم، وهو ما دفع كل من الجزائر وتونس الى تبنيّ الفكرة وإبداء الرغبة في إستضافة الملتقى الثاني والثالث على التوالي.

س: ما الفائدة التي اكتسبتها ليبيا من هذا المؤتمر؟
ج: الفوائد كثيرة… أولاً أن هذا الملتقى عُقد في ليبيا التي تمكّنت من الإعداد له إعداداً جيّداً، وقد تلّقى الإتحاد الليبي، كما الإتحاد التكافلي، ثناء المشاركين فيه بسبب التنظيم الدقيق وجدول الأعمال الغني، فضلاً عن المحاضرات والمناقشات وورش العمل وأخيراً وليس آخراً التوصيات التي ركّزت على مواضيع كان التطرّق اليها يتمّ على هامش الأمور وليس في عمقها. ثم لا تنسى أن المؤتمرات تُشكّل حركة ثقافية مهمة للبلد وكذلك حركة سياحية وإن كان هذا المؤتمر لم يُعن كثيراً بالناحية الثانية. ويُمكن القول هنا للتاريخ، أن أول مؤتمر تكافلي في شمال أفريقيا استضافته ليبيا وكان ناجحاً رغم بعض الهنّات الهيّنات وهي غالبا ما تحدث في كلّ مؤتمر يُقام، مهما تكن التحضيرات له قد تمّت بعناية وبفريق عمل كبير، علماً ان بعض المشاركين زاروا ليبيا للمرة الأولى.
س: بالمناسبة، ماذا عن شركات التأمين في ليبيا وعن شركَتَيْ الإعادة والإتحاد الليبي للشركات؟
ج: في الواقع، عندنا تُخمة في الشركات بحيث أن العدد يصل الى خمسين شركة مُجازة طبعاً لممارسة هذه المهنة، وهذه الشركات إما تُمارس التأمين التكافلي او التأمين التقليدي، فضلاً عن وجود نوافذ تكافلية في الشركات التقليدية وفي المصارف.
بالنسبة للإتحاد الليبي حصل تغيير في مجلس إدارة الإتحاد في ديسمبر 2024 وفي الأمانة العامة. وهذا المجلس الجديد يحمل طابع شبابي وما يُمثّله هؤلاء من حيوية ورؤية مستقبلية ومواكبة للتطوّر التكنولوجي في هذا القطاع. أما بالنسبة للأمانة العامة فحصل فيه تغيير بعد استقالة السيد علي القريْعي لأسباب خاصة به أهمّها التفرّغ لأعماله، وقد حلّ محلّه السيد خالد المجراب، وهو شاب كان يشغل منصب المدير العام لشركة الوطن للتأمين. وبطبيعة الحال، استقال خالد من مجلس إدارة الإتحاد.
س: في مقابلة سابقة ذكرت لي أن في ليبيا قطاعا عمرانيا بحاجة الى إعادة الاهتمام به لإتمامه وبالتالي فإن هذه الحركة العُمرانية الإصلاحية تحتاج بشكل كبير الى قطاع التأمين. فماذا عندك من معطيات بهذا الخصوص.
ج: العمل جارٍ لتكملة ما بُني وتوقّف قبل سنوات بسبب ظروف سياسية وأمنية، ولكن كي نكون صادقين مع أنفسنا، فإن هذه الحركة العُمرانية المطلوبة لا تزال بحاجة الى جهد أكبر وتسريع في إنجاز المهمات وهو ما يتطلّب أيضاً ظروفاً ملائمة و جهدا لحل شكالات قانونية عدة .
س: ماذا عن دور قطاع التأمين في الناتج المحلي الليبي، وما هي النسبة العامة لـتأمين الفرد في ليبيا؟
ج: الحقيقة أن الرد عن هذين السؤالَيْن لا بدّ من العودة الى دائرة الإحصاءات للحصول على أرقام تخلو من الشوائب والتي لا أملكها.. لكن أستطيع القول أن حجم القطاع الليبي لا يُمثّل أكثر من نصف الى واحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وهذه النسبة منخفضة لظروف معيّنة، لذلك أقول اذا انطلق القطاع التأميني الليبي وزالت العقبات، فقد يُحقّق نسب نموّ غير متوقّعة.
أما في ما يتعلّق بالبرامج التأمينية فإن تأمين السيارات يُشكّل النسبة الأكبر من أقساط التأمين بشقَيْها الإلزامي والبطاقة البرتقالية لأن ليبيان، كما تعرف،مجاورة لتونس ولمصر، وبطبيعة الحال، فإن مبيعات البطاقة البرتقالية الى نموّ مستمر و دائم جراّء الزيارات المتبادلة، كذلك هناك حركة على الحدود مع مصر، ولو أنها خفيفة نسبياً. ثم هناك تأمينات الحريق والصحة و تأمينات الطاقة والبحري والطيران، وهي تُشكل أقساطاً لا بأس بها،علما ان شركتي الإعادة الليبيتين، وهما المظلة لإعادة التأمين وليبيا للإعادة أيضاً يلعبان دوراً في السوق المحلي وثمة محاولات للخروج الى أسواق في المنطقة ولكنها محاولات خجولة.

س: هل تحتاج ليبيا الى شركات أجنبية أو عربية كبيرة لتُساعد بإعادة إعمار ليبيا؟
ج: بالنسبة لقطاع التأمين فهو فاتح ذراعيه لكل من يودّ المساهمة في تغطية المخاطر الليبية وفي إتفاقيات التأمين وتطوير وبناء شراكة استراتيجية مع التأمين الليببي، ربما تكون الإستجابة من شركات التأمين الإعادة العالمية الكبرى محدودة لإعتبارات تتعلّق بكثير من العوامل أهمّها أن حجم السوق والأقساط لم يعد مغرياً لشركات التأمين الكبرى فهي تحتاج الى حدّ أدنى من أقساط التأمين. ولكن نحن على ثقة أن سوق التأمين الليبي واعد.
س: ما الدور الذي لعبه ويلعبه تيسير التريْكي في قطاع التأمين الليبي؟
ج: كلمة دور كبيرة جداً وليست في مكانها أولاً لأنني رجل متواضع ولا أُحب البهرجة وثانياً لأن ما أقوم به بمساعدة قطاع التأمين الليبي الناشء عن طريق تزويده بأفكار تُساهم في نهضة هذا القطاع وهذا تماماً ما حصل في الملتقى الأخير الذي شاركت في التحضير له كما في الإعداد في سعيٍ مني للنهوض بهذا القطاع لأن ليبيا تستحق كل خير ولأن قطاع التأمين بحدّ ذاته إذا نج وازدهر فهو يُشكّل رقماً مهماً في الناتج المحلي. بالمناسبة، أودّ أن أشكر الإتحاد الليبي للتأمين الذي وضع ثقته بي وأعطاني حرية الحركة ضمن إشراف الإتحاد طبعاً وللأهداف التي ذكرتها آنفاً.
























































