المراحل التي يمرّ بها الانسان منذ الولادة حتى الشيخوخة
بقلم الصّيدلي ابراهيم علي أبو رمّان
الشيخوخة هي التغيّرات الطبيعيّة المستمرّة والتدريجيّة التي تطرأ على الجسد اعتبارًا من بدايات البلوغ. تبدأ العديد من وظائف الجسم بالتراجع في بدايات المرحلة المتوسطة من العمر. وتشير الصورة التقليدية لمرحلة الشيخوخة بالعكاز ومساعدات المشي والاصابة بالأمراض المعيقة للحركة مثل الروماتزم والتهاب المفاصل وفقدان الذاكرة.
لا يوجد عمرٌ محدّد يمكن اعتباره عمر الدخول في مرحلة الشيخوخة. ولكنّ الصورة التقليديّة المرسومة عن هذه المرحلة في اذهاننا هي عبارة عن رجل أو إمرأة كبيرَيْن في العمر لا يتذكّر الواحد منهما ما قد مضى من عمره وما مرّ عليه من أحداث، ولهذا فهما دومًا بحاجة لمساعدة الأبناء أو الأحفاد الّذين يرافقونهما في العادة.
في اذهان الناس أنّ مَن بلغ السبعين من العمر، أصبح مسنًّا وعليه وَقْف كلّ الأنشطة من أيّ نوع كانت. لكن في الغرب، يتجنّبون عبارة “كبير السنّ” ويستبدلونها بثانية: “بداية الدّخول إلى الشيخوخة”. لكن هذا العُرف لم يَسْتند إلى أسس بيولوجية، وإنما هو عرف تاريخي. فمنذ سنين طويلة، جرى اختيار الـ 65 سنة كعمر للتقاعد في ألمانيا التي كانت الدولة الأولى التي تضع برنامجًا من هذا النّوع، وقد جرى لاحقًا اعتماد هذه القاعدة في معظم الدول المتقدمة، وقد يتبدّل هذا الواقع مع مرور العقود.
وفي الحقيقة فإنّ الشيخوخة يمكن ان تُقاس بعدّة طرق، منها العمر الزمني الذي يعتمد على متى ولد الشخص، ومنها العمر البيولوجي الذي يشير إلى التبدّلات الشائعة التي تحدث في الجسم مع زيادة السنين. وبما أن هذه التغيّرات تؤثر في بعض الأشخاص بشكل أسرع من أشخاص آخرين، فإن شخصًا ما، قد يشيخ في عمر الـ 40 سنة، في حين تتأخر شيخوخة شخص آخر في عمر أكبر. ولكن معظم الفوارق المُلاحظَة في العمر الظاهري بين الأشخاص الّذين هم في نفس العمر، تكون ناجمة عن أنماط الحياة والعادات والأمراض، أكثر من تلك الناجمة عن الشيخوخة بحدّ ذاتها. وهناك العمر الذي يستند الى الحالة النفسية بحيث نقول أنّ عمره عمر شيوخ وصحته صحة شباب، وعلى سبيل المثال: يمكن اعتبار شخص يبلغ من العمر 80 عامًا شابًا من الناحية النفسية إذا كان يمارس عمله، ويخطّط لمهامه المختلفة، ويترقّب الأحداث المستقبلية، وينخرط في نشاطات متنوعة.
إنّ الشيخوخة مرحلة من مراحل العمر المتأخرّة وبعض التغيّرات الناجمة عن العمليات الحيوية الداخلية في الجسم. وهذه التغيّرات تكون، في العادة، متوقّعة، ولا يمكن تجنّبها عمومًا. على سبيل المثال، تترافق الشيخوخة مع تسمّك عدسة العين وعدم مرونتها، فضلاً عن تراجع قدرتها على التركيز على الأجسام القريبة، وبالتالي يواجه المُسنّ صعوبة في القراءة (طول النظر او ما يُدعى بمد البصر الشيخي presbyopia). يحدث هذا التغيّر عند جميع الأشخاص المسنّين تقريبًا.
إنّ معدّل العمر بدأ يزداد في الفترة الاخيرة نتيجة لتحسُّن ظروف الحياة الصحيّة، الا ان هناك بعض الامراض التي يشعر بها الشخص عند مروره بمرحلة الشيخوخة مثل هشاشة العظام ونقصان الطول، إذ يفقد الأشخاص من ربع الى نصف بوصة كل عشر سنوات بعد سن الــ 40 أو الـ 50، فيما تفقد النساء طولهن أكثر من الرجال، علمًا أنّ البعض يقلّ طوله فقط بعد سن الـــ 60 أو الـ 70 ، والبعض الآخر لا يقلّ طوله على الإطلاق.
ويمكن للتغيّرات التي تحدث في سياق الشيخوخة الطبيعية أن تجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بأمراض محدّدة. ولكن يمكن اتخاذ إجراءات للحدّ من تأثيرات هذه التغيّرات. وعلى سبيل المثال، يكون المُسنون أكثر عرضة لفقدان أسنانهم. إلا أن الاهتمام في مقتبل العمر بنظافة الاسنان يمكن ان يقلّل من فقدانها. وعلى رغم أن فقدان الأسنان هو أمر شائع مع التقدّم في السن، إلا أنه ليس جزءًا أصيلاً من الشيخوخة لا يمكن تجنّبه.
وإلى ذلك، فإنّ القدرات الوظيفية للشخص يمكن ان تتراجع مع التقدّم في السن، وتكون مشابهة للتدهور الوظيفي الناجم عن الإصابة بمرض. على سبيل المثال، فالخرف وفقدان الذاكرة والاصابة بالزهايمر تُعد أمراَ عامًا بين جميع كبار السن. ويتزامن هذا الواقع مع صعوبة تعلّم لغات جديدة او الحُفْظ بشكل عام وزيادة القابلية للنسيان. في المقابل، يشكّل نسيان الاماكن او الأشياءَ أو التفاصيل، امرًا عاديًا بحيث ينسى اين وضع مفتاح السيارة. أما مرضى الخرف فقد ينسون أحداثاً برمَّتها كأن لا يتذكّر أنّ عنده سيارة او ينسى اسمه واين يسكن ولكنّه يبدو قادرًا على استعادة شريط الاحداث في صباه، بينما يصعب عليه معرفة متى تناول الطعام، كما يصعب عليه القيام بالمهمّات اليومية الاعتيادية (مثل قيادة السيارة، أو الطبخ، أو إدارة الشؤون المالية) وفهم الوسط المحيط، بما في ذلك معرفة السنة الحالية. وبالتالي، يُعد الخرف مرضًا، حتى وإن كان يصبح شائعًا في المراحل المتأخرة من الحياة. ومن المعروف أنّ هناك أنواعًا معينة من الخرف، مثل داء ألزهايمر تختلف عن الشيخوخة بأشكال أخرى أيضًا. على سبيل المثال، عند أخذ خزعة من نسيج الدماغ، تُلاحظ اختلافات بين مرضى ألزهايمر والأشخاص المسنين غير المصابين بهذا المرض. وبالتالي، هناك اختلاف واضح بين الشيخوخة والخرف.
الشيخوخة، كما ذكرنا، تتزامن مع فقدان القدرة الوظيفية، إنّها مرحلة من العمر تواكب نقصان القدرات الوظيفية والعقلية للشخص. وهي تزداد سوءا اذا رافقتها الامراض المزمنة مثل السكري والضغط وفقدان القدرة على خدمة الذّات.
وفي جميع الحالات، يجب على الشخص ان يراعي عدة نقاط لتجنُّب الوقوع في الشيخوخة غير الصحيّة، منها اتباع نظام غذائي صحي وممارسة التمارين الرياضية بانتظام والممارسة المستمرة للنشاط الذهني بحيث كلما التزم الشخص بهذه العادات في وقت أبكر، كلما حقّق نتائج أفضل. ولكن بأي حال، فإن البدء بهذه العادات في أي عمر يكون مفيدًا. وبهذا الشكل، يمكن الشخص أن يسيطر، بشكل أو بآخر، على التغيّرات التي قد يواجهها مع التقدّم في السن.
في الولايات المتحدة حيث يشكّل الاهتمام بالجانب الصحي جزءا كبيرا من الميزانية، لوحظ أن معدلات الشيخوخة الصحية آخذة بالارتفاع فيها، وذلك بناءً على ما يلي:
- انخفاض نسبة المُسنين الذين ينزلون في دور الرعاية (على رغم زيادة نسبة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 65-85 عامًا بين التعداد العام للسكان).
- انخفاض نسبة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 75-84 عامًا ويعانون إعاقات.
- انخفاض نسبة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن الــ 65 عامًا ويعانون إصابة شديدة بالسكري.
إنّ الشيخوخة تعتمد على عوامل عدّة، منها الوراثة فبعض الاشخاص تكون أعمارهم طويلة مقارنة بغيرهم ونمط الحياة الذي يساعد تجنّب التدخين، وعدم الإدمان على المخدرات والكحول، واتباع نظام غذائي صحّي والحفاظ على وزن جيد، وممارسة التمارين الرياضية والمهارات الذهنية والوظيفية وتجنّب الإصابة بالأمراض، فضلاً عن الاهتمام بتناول الطعام الصحي والفيتامينات ومضادات الاكسدة وتجنّب اماكن التلوث والضوضاء التي يمكن أن تُقلّل من متوسط العمر المتوقّع، حتى بين الأشخاص الذين يمتلكون أفضل تركيبة جينية.
وأخيرًا، فمن شأن التدابير المعتمدة للوقاية من الأمراض أو علاجها بعد الإصابة بها، خاصة إذا كان المرض قابلاً للعلاج والشفاء، أن تساعد في إطالة متوسط العمر المتوقّع. عمرًا مديدًا بصحة جيدة ونوعية حياة افضل.