النائب ألكسندر ماطوسيان
الحديث مع السيّد ألكسندر ماطوسيان في ما يتعلّق بالملفّ الاستشفائي وتداعيات هذا الملف، قد يغنيك عن استفسارات عدّة. ليس لأنّه نائب في البرلمان وعضو في لجنتَيْ الاقتصاد والصحّة المعنيّتَيْن بهذا الملف، وليس لأنّ ارتباطه بجمعيّة شركات الضمان ACAL يُعدّ ارتباطًا وثيقًا، وقد كان عضوًا في مجلس إدارة هذه الجمعيّة، كما أنّ شقيقه السيّد جورج ماطوسيان هو نائب رئيس الجمعيّة المذكورة، وإنّما أيضًا لأنّه يرأس مجلس إدارة شركة “المشرق للتأمين” التي تُعدّ واحدة من أبرز شركات قطاع الضمان في لبنان.
ولأنّ في فمِ النائب ماطوسيان الكثير ليقوله في هذا الملف وفي غيره، وبالجرأة التّي عوّدنا عليها، ولأنّ الظرف دقيق جدًّا ويحتاج أحيانًا إلى إمرار هذه المرحلة بأقلّ الأضرار الممكنة، حفاظًا على الوضعَيْن الانساني والاجتماعي للبنانيّين، فقد أفضى إلينا بما يكفي كي نكون على بيّنة بما حصل على صعيد هذا الملف الذي يزداد تعقيدًا يوم بعد الآخر.
فإلى الحديث الذي أجريناه عبر الهاتف، انسجامًا مع الإجراءات الصحيّة التي فرضها وباء Covid-19.
س: الملف الاستشفائي يتصدّر اليوم واجهة الأحداث لأسباب عدّة معروفة، لعلّ أهمّها مطالبة المستشفيات باحتساب الدولار على أساس سعر اللولار المعتمد في المصارف: 3900 ليرة للدولار الواحد. بصفتك معنيًا بهذا الملف، وللأسباب التي أدرجناها في المقدمة، فماذا عندك في هذا الإطار؟
ج: نحن اليوم نواجه مشكلة كبيرة كنّا لفتنا النظر إليها (عدّة مرات)، ومنذ وقت طويل، في وزارة الاقتصاد القيّمة على شركات التأمين، ومع الوزير شخصيًا. نبّهنا في تلك الإجتماعات، إلى خطورة الوصول إلى مرحلة نفقد فيها ثقة معيدي التأمين، والتي تتجسّد بسحب أيديهم من لبنان. للأسف، وللأسف الشديد أقول أنّنا اليوم وصلنا، أو تقريبًا وصلنا، إلى هذه المرحلة، إذ بدأنا نجد أنّ عددًا كبيرًا من معيدي التأمين العالميّين، متردّدون في العمل مع لبنان. حدث ذلك قبل انفجار مرفأ بيروت. ومع حصول هذه الكارثة الهائلة فاضت الكأس! وما زاد من حدّة المشاكل التي نعانيها، دخول المشكلة الاقتصاديّة المتدهورة على الخطّ، خاصة في ارتفاع سعر صرف الدولار الذي دَفَعَ بنا إلى المجهول.
يعرف الجميع أن بوالص شركات التأمين تحتسب اليوم على أساس سعر الدولار الرسمي أي 1515 ل.ل. للدولار الواحد، فيما أبلغتنا نقابة المستشفيات رسميًا بوجوب احتساب الليرة على أساس الدولار بـ 3900 بعدما كانت عرضت أن يكون التسديد موزّع بين دولار مصرفي (نصف المبلغ) وبين دولار على أساس 1515 ل.ل. وتفاديًا لأيّ مشاكل قد تقع بيننا وبين المستشفيات، قبلنا بهذا العرض كوننا شركاء معهم في هذا الملف الحسّاس.
ومنذ أيام، وصلني كتاب من مسؤولي مستشفيات جبل لبنان ورد فيه أنّهم، ابتداءً من أول آذار المقبل، سيشرعون في قبض فواتيرهم على أساس سعر صرف الدولار 3900 ل.ل. وهنا واجهتنا أسئلة عدّة منها: كيف ستتصرّف شركات التأمين بعد هذا الخطأ الكبير الذي قضى بتغيير التسعيرة من دون تمهيد وتحديد وضع الزبائن أمام الأمر الواقع؟ وإذا سلّمنا جدلاً أنّنا وافقنا على هذا الخطأ، فكيف يجب أن نضع التسعيرة؟ في الواقع أنّنا أمام مشكلة كبيرة، في وقت يصحّ في الحالة القول المأثور: “لا حياة لمن تنادي”.
نحن نعرف أن مصير شركات التأمين لا يعنيها ونعي أيضًا أنّها غير مدركة أن إفلاس هذه الشركات يؤدّي إلى خراب البلد بكامله، علمًا أنّها الوحيدة اليوم التي تدفع الأموال المتوجّبة عليها للمتضرّرين من الحوادث أو للمستشفيات أو غيرها، فماذا يمكن أن يحصل إذا توقّف هذا المورد وتوقّفت شركات التأمين عن الدفع؟ لا أحد يفكّر في هذا الموضوع، ومع الأسف!
لقد حذّرت من هذا الواقع مرارًا وتكرارًا، ونبّهت بشكل خاص المستشفيات بقولي لإداراتها أنّ شركات التأمين هي “الاوكسيجين” الذي تتنشّقه، ووضعت القيّمين عليها في صورة المعاناة التي نعيشها وطلبت منهم أن نتعاون لتخطّي هذه المرحلة الصعبة، ولتحمّل المسؤوليّة معًا. لكن للأسف، فللمستشفيات أيضًا أجندتها الخاصة بها، كما لديها مشاكلها ولا يهمّها ماذا يحصل بعد ذلك.
س: ما دور وزير الصحّة في هذه الحالة؟
ج: أنا على تواصل دائم مع وزير الصحّة في الحكومة المستقيلة أحمد حسن الذي “ليس له في اليد حيلة”. فماذا بإمكانه أن يفعل مع المستشفيات الخاصّة؟ عندما سمعنا أصداء أنّ تسعيرة المستشفيات ستصبح بسعر 3900 ل.ل.، طلبت من الوزير أن ينصّ بيانًا يمنع فيها المستشفيات من تقاضي الفواتير على غير السعر الرسمي والذي هو 1507،50ل.ل. وقد فعل ذلك ولكن لم نلقَ أي تجاوب. بالنتيجة، فشركات التأمين والمستشفيات تشكّلان حلقتَيْن بشكل سلسلة مترابطة، وأي خلل فيها تتوقّف الحلقة عن الدوران. وهنا أودّ أن أعطي مثلاً. اليوم شركات التأمين تغطّي راهنًا وباء الكورونا. المستشفيات ترفض استقبال المُصاب بالوباء قبل أن يضع وديعة ماليّة في الصندوق بقيمة 45 مليون ليرة لبنانيّة على أن يعيد المبلغ بعد خمسة أو ستّة أشهر! هذا أمر غير مقبول بتاتًا. وما أقوله هو شيء أكيد وموثوق به لأنّه حصل مع عدّة أشخاص من زبائن شركة “المشرق”.
س: بالنتيجة، أين نحن اليوم؟
ج: وضعنا اليوم مشابه تمامًا للأمل المعلّق في الهواء، بحيث لا نعرف إلى أين ستقودنا الرياح! شخصيًّا، قرّرت في الشركة وضع حلّيْن أمام الزبائن: امّا الدفع بشيك مصرفي بالدولار أو التسديد بالعملة الوطنيّة، ولأكون صادقًا، لن تكون التغطية مطابقة في الحالتَيْن كلتَيْهما. فتغطية من دَفَع بالعملة اللبنانيّة ستكون أقل من تغطية من دفع شيكًا بالدولار.
س: على أيّ سعر صرف؟
ج: طبعًا على السعر الرسميّ 1507،50! ليس بإمكاننا تغيير هذا السعر إطلاقًا، لا اليوم ولا غدًّا! فهذا السعر مُدرج في قانون النقد والتسليف ونحن كشركات تأمين لا يحقّ لنا بتاتًا زيادة أيّ قرش عليه! ولكن إذا غيّرت الدولة سعر الصرف الرسمي، فعندها نعمل بما ستقرّره.
س: وهل ستفرض على زبائنك الدفع نصف القيمة بالدولار والنصف الآخر بالليرة اللبنانية؟
ج: لن أفرض عليهم شيئًا، ولكن سأتمنّى من كلّ مَن من هو قادر على الدفع نصف القيمة بالدولار المصرفي (لولار) والنصف الآخر بالليرة اللبنانية أن يفعل ذلك، لأنّنا ندفع للمستشفيات بهذه الطريقة.
س: ولكنّك قلت أن التغطية لن تكون مماثلة في الحالتَيْن؟
ج: كي نستمرّ، ستكون التسعيرة الجديدة التي سنقرّرها بطريقة التغطية، إذ لم يعد بإمكاننا تحمّل هذه الأعباء!
س: وهل ستجد اعتراضًا من وزارة الاقتصاد أم من جمعيّة شركات الضمان ACAL؟
ج: ACAL لا تعارض إنما من الممكن أن نلقى معارضة من وزارة الاقتصاد، لذا سأطرح هذا الموضوع عليها، لأنّنا في الأساس نعرض كلّ منتج جديد على وزارة الاقتصاد قبل تسويقه. وفي حال رفضت علينا إيجاد حلّ آخر. نحن اليوم نواجه مشكلة كبيرة ولا يمكننا حلّها وحدنا، علمًا أنّ أحدًا لا يساعدنا. نحن كزورق يغرق في البحر ويتخبّط بين الأمواج من دون أن يدري أحدٌ به.
وفي المحصلة، إنّنا نضع الأفكار للوصول إلى حلّ يرضي جميع الأطراف: العميل، المستشفى، شركة التأمين ووزارة الاقتصاد، وذلك من أجل الاستمراريّة. وإذا اتُّخذ القرار بالدفع للمستشفيات بسعر صرف 3900 ل.ل. للدولار، فأنا أعترف أنّه لن يكون بإمكان القطاع إكمال المسيرة دون إيجاد حلّ بديل.
س: ألا يمكن أن يكون هذا الحلّ ببرنامج استشفائي من نوع آخر؟
ج: هذا ما نحاول الوصول إليه. البرنامج الاستشفائي من نوع آخر يجب أن يكون بالليرة اللبنانية مئة بالمئة، أمّا من يدفع بالدولار، فيكون له برنامج مختلف.
س: جرت العادة أن تُجدّد البوالص نهاية شهر شباط. هل وجدتم تراجعًا في التجديدات؟
ج: طبعًا هناك تراجع. فالكثير من الناس أوقفوا بوالصهم الاستشفائيّة ولجأوا إلى وزارة الصحّة مع إدراكهم أن الوزارة غير قادرة على تحمّل أعباء جديدة. لذلك، نحن نعمل على مساعدة وزارة الصحّة بعدم رفع ثمن البوالص لنتحمّل هذا العبء إلى جانب الدولة. همّنا اليوم المحافظة على زبائننا ولا نريد خسارة محفظتنا الاستشفائيّة ولا أموالنا.
س: وماذا عن كورونا وكيف ستعالجون الوضع؟
ج: نحن، كجمعية شركات ضمان، قرّرنا تغطية جائحة كورونا من الأساس وأصدرنا بيانًا بهذا المعنى. شخصيًا، عقدت اتفاقًا مع مستشفيات جامعيّة وغير جامعية لتغطية كورونا وذلك في المقرّ الحكومي وبإشراف لجنة كورونا. لقد وضعت الأسعار لكلّ شخص مؤمّن يضطرّ إلى دخول المستشفى بسبب كورونا.
ولكن، هناك خلل في التنظيم بين المستشفيات ووزارة الصحّة وشركات التأمين، ولا يوجد أي ترابط في الأفكار بينها. كما أنّ الأمر لا يخلو من بعض التحايل على القوانين والاتفاقيات. أنا أتفّهم هذا الموضوع في بعض الأحيان ولكن ليس بالإمكان الاستمرار على هذا النحو. اليوم، ومع وصول اللقاح، من المفترض أن تتغيّر الأمور.
س: كيف تتوقّع أن يكون العام 2021 بالنسبة لشركات التأمين مقارنة بــ 2020؟
ج: العام 2020 لم يكن عامًا سيئًا جدًّا على قطاع التأمين وذلك بسبب الإقفال بسبب كورونا، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض عدد الحوادث بشكل كبير، وبقيت الأحوال جيّدة نوعًا ما إلى أن حصل انفجار المرفأ الذي غطّت تداعياته على كلّ شيء. وكما تعرف أن شركات التأمين دفعت كامل التعويضات للمتضرّرين من الانفجار باستثناء المبالغ الكبيرة التي نسعى جاهدين مع معيدي التأمين للوصول إلى حلّ لمساعدة المتضرّرين الكبار.
بالنسبة للعام 2021، وإذا لم تحصل أيّ انتكاسة أمنيّة كبيرة على مستوى انفجار مرفأ بيروت، وإذا بقي سعر صرف الدولار الرسمي على ما هو عليه، أعتقد أن شركات التأمين لن تقع تحت خسائر كبيرة، وطبعًا لن تشهد أرباحًا، ولكن سيكون بإمكاننا تلبية طلبات الزبائن. مع ذلك، لا يمكنني أن أجزم بأيّ شيء في لبنان إذ أننا نعيش في مفاجآة يوميّة متلاحقة.
س: برأيك هل الحلّ السياسي بإمكانه إعادة الأمان نوعًا ما إلى الأسواق اللبنانية ومنها السوق التأميني؟
ج: الحلّ السياسي وحده لا يكفي. بداية، يجب أن تعود ثقة العالم بلبنان وإذا لم يحصل ذلك فلن يعود بإمكاننا العمل وخاصة مع القطاع المصرفي.
س: “المشرق” لها جذور وقواعد ومكانتها في السوق التأميني اللبناني وفي بلدان أخرى. ما وضعها اليوم بالنسبة لنمو الأقساط؟
ج: لا يوجد نمو كبير في الأقساط. نحن نحاول أن نحافظ، بقدر استطاعتنا، على زبائننا وموظفينا. لم نقتطع منالرواتب. وأنا أقول أنه لا داعي للخوف إذا بقيت الحالة مستقرّة، كما هي اليوم، ولم يحصل أي شيء يزعزع الوضع أكثر من ذلك. لا خوف من الاستمراريّة ولكن لا شيء مؤكّدًا مع مفاجآت هذا البلد. نحن اليوم، كشركات تأمين نلبّي حاجات الزبائن، ولكن لا أحد يدري كم من الوقت سنستمرّ! وزير الاقتصاد في الحكومة المستقيلة على علم بوضع كلّ الشركات، وهذا أمر بديهي. بالنتيجة نحن بحاجة إلى التنسيق في ما بيننا وسنبقى نعطي الأهميّة الكبرى للخدمات التأمينيّة ونحترم البوالص التي نصدرها.