أسعد ميرزا… مساهمونا لا يقبلون بالخسائر
همّ الاستشفاء يزداد يومًا بعد يوم عند اللبناني، كما عند شركات التأمين، كما عند وزارة الصحّة، وإن كان لكلّ أسبابه. وإذا كان همّ وزارة الصحّة والذي يُفترض أن يكون الأكبر، يعود إلى الميزانيّة التي تُرصد لها في الموازنة العامة المُرتقبة والتي لم تكن تكفي في الستوات العادية الماصية أكثر من ستة أشهر، فكيف سيكون عليه الحالهذا العام، مع ازدياد الفقر والعَوَز؟ ألا يعني أنّ دورها مُصاب بالشّلل وربما الشلل التام؟ وإذا كانت شركات التأمين التي تتحرّك على إيقاع عزف المستشفيات، وإيقاع هذه الأخيرة هو تسديد الفواتير بالدولار “الفريش”، فإنّ اللبناني المغلوب على أمره يحمل وحده الهمّ الأكبر: إن لم يُسدّد العملة الخضراء فدخول المستشفى سيكون مستحيلاً، ولنا تكهّن نتئج أحلاها… مرّ!
بإزاء هذا الوضع الذي يصحُّ وصفه بـ “المأساوي”، كيف يعلّق عضو مجلس إدارة جمعية شركات الضمان ACAL والرئيس التنفيذي لشركة The Capital السيد أسعد ميرزا؟ هل في الأجواء بارقة أمل تريح المضمون وشركة التأمين ووزارة الصحّة أيضًا التي خسرت داعمًا لها هو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي توحي آخر أخباره أنّه يلفظ أنفاسه الأخيرة؟
في هذا الحديث يرسم أسعد ميرزا صورة شفافة وواقعيّة عن وضع قطاعَيْ التأمين والاستشفاء في لبنان. وأقول شفافة وواقعيّة لأنّ كثيرين لن يُسرّوا بالأجوبة وقد يراها البعض صادمة ولكن هذه هي الحقيقة، والحقيقة في مرّات كثيرة، كما يُقال… تجرح! فإلى نصّ الحوار…
س: ماذا عن البرنامج الاستشفائي على المستوى التأميني الذي بات يشكّل اليوم الهمّ الأكبر للمواطنين، وبوصفك عضوًا في مجلس إدارة جمعية شركات الضمان ACAL، ما هو توجّه الجمعية؟
ج: الحقيقة التي لا بدّ من قولها ومهما كانت صعبة، هي أنّنا لم نعد قادرين سوى تقاضي ثمن البوالص بــ “الفريش” دولار، وهذا الكلام هو خلاصة التوصيات التي صدرت عن ACAL، إذ في حال لم نقم بهذه الخطوة، ولو على قساوتها، فسنقع في كارثة كبيرة. وعلى ما أعتقد، فجميع شركات التأمين بدأت تطالب بــ “الفريش” لأنّ المستشفيات لم تعد ترحم أحدًا، وإذا لم يتمّ الدفع بهذه الوسيلة، فعلى طالب التأمين أن يدفع الفروق. ورأيي الخاص فإنّ ما تطلبه المستشفيات محقّ، لأنّ التكاليف أصبحت باهظة وتُدفع جميعها بالدولار الفريش من صيانة الأجهزة إلى تصليح الآلات الطبيّة، إلى اقتناء المستحضرات الطبيّة وغيرها… وهناك أيضًا الأطبّاء الاختصاصيّون الذين بدأوا يتقاضون أيضًا أجورهم ورواتبهم بــ “الفريش” دولار (أو ما يعادل القيمة بالعملة الوطنية)، ما دفع كثيرين من الذين غادروا لبنان إلى العودة والعمل فيه، وقد أخبرني أحدهم أنّ من له رتبة بروفسور في مستشفى أوتيل ديو بات يتقاضى 900 ألف ليرة لبنانية لقاء المعاينة الواحدة! لذلك لم يعد باستطاعة شركات التأمين إلاّ أن تسير على الخطى نفسها.
س: ولكن ألا يوجد خيار آخر في الدفع لزبائن مؤمّنين في شركة ما منذ عشرات السنين واليوم، وبسبب هذه الأزمة، لم يعد باستطاعتهم تأمين ثمن البوالص بالعملة الأميركيّة الورقيّة؟ وفي هذه الحال، فما هو مصيرهم؟
ج: نحن شركات مالية ولدينا مساهمون لا يقبلون بالخسائر، فضلاً عن أنّ التسديد لشركات الإعادة في الخارج لا يمكن أن يحصل إلاّ بــ “الفريش” دولار! يمكننا، مثلاً، مسايرة الزبائن، كأن نطلب منهم 20 بالمئة من قيمة البوليصة شيكًا مصرفيًا (لولار)، والباقي أي 80 بالمئة “كاش” وبالدولار الأميركي، هذا أكثر ما يمكننا عمله.
——————–
المؤمّنون الأفراد اختاروا الدرجة الثانية –
والمنتسبون إلى مجموعات… حافظوا على مواقعهم!
قطاع التأمين هو الأفضل من قطاعات أخرى –
وThe Capital في وضع جيّد نسبة لأوضاعنا الاقتصاديّة
———————–
س: ألم تجدوا أية حلول عقب اجتماعاتكم مع وزير الاقتصاد؟
ج: إنّ الدولة نفسها مفلّسة، فأية حلول سيقدّمها لنا وزير الاقتصاد على رغم محاولاته تقديم المساعدة! فضلاً عن ذلك، فإنّ نقابة المستشفيات اتّخذت قرارًا بهذا الشأن ولا عودة عنه. وقد اجتمعت شخصيًا مع نقيب المستشفيات المهندس سايمان هارون، فأعلمني أنّ المشكلة الكبيرة هي أن تعريفة صندوق الضمان الصحّي للدرجة الثالثة في المستشفيات هي 90 ألف ليرة، ما يوازي 3 إلى 4 دولارات، بينما تعريفة شركة التأمين هي 106 دولارات! فكيف سيكون بإمكان الضمان تغطية الفرق؟
س: أبلغني رئيس اتحاد صناديق التعاضد الصحّي السيد غسان ضو أنّهم قد يلجأون إلى مساعدة منتسبينهم، ومعظمهم من غير المقتدرين، بالتعاقد مع أربعة أو خمسة مستشفيات في مناطق لبنانيّة مختلفة تقبض منهم الكلفة باللولار… فلماذا لا تحذو شركات الضمان حذو الصناديق؟
ج: لا شكّ أنّ صناديق التعاضد تعاني اليوم أكثر ممّا تعانيها شركات التأمين. مع ذلك، فإنّ لها حرية الحركة أكثر منّا، أنا شخصيًا لست ضدّهم ولكن طلبي منهم أن يكونوا منظّمين عدا أنّهم غير خاضعين لهيئة رقابيّة مثل شركات التأمين، ومن هنا فالشكاوى التي ترد من المنتسبين إلى صناديق التعاضد تفوق بكثير تلك التي ترد من شركات التأمين. يُضاف إلى ذلك أنّنا، كشركات، علينا اعتماد مستشفى جامعي أو أكثر، ما يحول دون أن نحذو حذو الصناديق.
س: وفي المحصلة، ستتدنّى نسبة مجدّدي البوالص الاستشفائيّة هذا العام…
ج: صحيح، لكن هناك الكثير ممّن كانوا مؤمّنين درجة أولى، قد عدّلوا بوالصهم باعتماد الدرجة الثانية، وهؤلاء من المؤمّنين المنفردين. ولكن من هم في شركة أو مؤسّسة، أي في مجموعات نقابيّة أو مؤسّسات أو مصارف، فقد حافظوا على الدرجة الاستشفائيّة نفسها لأنّ النقابة أو الركة هي التي تسدّد. لكن ما هي نسبة الذين لم يعد بمقدورهم تجديد بوالصهم، فلم نتمكّن بعد من معرفة هذه النسبة لأنّ عملية التجديد والتسديد بالدولار “الفريش”، لا يزالان في البداية ولم تتخطَ بعد الشهرَيْن.
س: ومن تخطّى عمرًا معيّنًا، هل سيتمكّن من الانتقال إلى شركة أخرى أسعارها أقلّ؟
ج: نحن نحاول مساعدة هذه الطبقة من الناس بعرض عليهم بوالص بنسبة 25 بالئة أقل من البوالص العادية ولكن بالفريش دولار، بشرط عدم دخول المستشفيات الجامعية.
س: وماذا عن البرامج التأمينيّة الأخرى؟
ج: بالنسبة لهذه البرامج ومنها مثلاً التأمين على المركبات، فمن لا يدفع بالفريش دولار بإمكانه التسديد بشيك مصرفي (لولار)، ولكن بزيادة أربع مرات قيمة البوليصة، والسبب أنه عند حصول أي حادث ، فإنّ قطع التبديل تُشترى بالفريش دولار! والأمر أيضًا ينسحب على بوالص حوادث العمل وغيرها..
س: ما وضع قطاع التأمين اليوم في لبنان، بشكل عام، وشركة The Capital بشكل خاص؟
ج: لا يزال وضع قطاع التأمين حتى اليوم أفضل من قطاعات أخرى، على رغم أن عددًا من الشركات توقّفت نهائيًا عن العمل أو في طور تصفية أعمالها…
في ما خصّ The Capital، فهي، والحمدلله، لا تزال في وضع جيّد نسبة للوضع الاقتصادي المتردّي جدًّا الذي يمر بلبنان، وأنا أتوقّع أن يبقى الوضع على ما هو عليه هذا العام أيضًا!