المبنى الرئيسي لـ أكسا الخليج
بقلم فضلو هدايا
كلام كثير قيل عن شركات التأمين اللبنانيّة والأوضاع الصعبة التي تمرّ بها. وقد ازداد هذا الكلام بوتيرة أكثر حدّة خلال العام الحالي، مع تدهور الوضع الاقتصادي وانهيار العملة المحليّة، فانتشارCovid-19 واكتظاظ أجنحة المستشفيات المخصّصة للوباء بالمصابين، وصولاً إلى زلزال مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي. وكان لشركات التأمين اللبنانيّة، في كلٍّ من هذه “المحطّات” الثلاث، إذا جاز التعبير، استنفارٌ محسوب، لارتباط الشركات بهذه المحطّات، بطريقة أو أخرى، سلبًا أم إيجابًا.
وما لفتني في هذا المجال عبارة قالها رئيس جمعية شركات الضمان في لبنان ايلي طربيه يشير فيها إلى أنّه “لا يعتقد شخصيًا، أنّ قطاعًا تأمينيًا في دول العالم قد يكون قادرًا على الصمود أمام زلزال المرفأ وجائحة Covid-19”! لقد قال هذه الجملة المعبّرة عن الواقع، في سياق الندوة التي دعت إليها الأمانة العامة للــ GAIF قبل أسابيع لبحث تداعيات الانفجار على شركات الضمان في لبنان. (راجع التفاصيل كاملة في ملف هذا العدد ابتداءً من الصفحة 50).
لا أريد الدخول في تفاصيل “أوجاع” شركات الضمان لأنّ ما قيل في تلك الندوة كافٍ وشافٍ ومعبّر. إنّما أودّ أن أتوقّف عند حَدَث تأميني مهمّ حصل قبل يوميْن من وضْعِنا اللمسات الأخيرة على هذا العدد، عنيتُ بذلك استحواذ مجموعة الخليج gig على كافة أعمال AXA – الخليج مع حصّة مجموعة يوسف بن أحمد كانو (YBA KANOO)، ما يجعل من هذه الصفقة واحدة من أكبر عمليّات الاستحواذ في قطاع التأمين في المنطقة.
ومن المعروف عن AXA أنّها أكبر شركة تأمين دوليّة في خمسة أسواق في المنطقة، مدعومة بخبرة 70 عامًا، قدّمت خلالها مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات التأمينيّة للعملاء من الشركات والأفراد، مع التركيز بشكل كبير على قطاعات التأمين الطبّي والممتلكات والحوادث. من هنا طرح البعض سؤالاً غالبًا ما يُطرح عند حصول هذا النوع من الصفقات: هل شعرت AXA العالميّة أنّ AXA الخليج لم تعد “بقرة حلوبًا” فقرّرت الانكفاء في ظلّ الخلاف بين الدوحة والدول الخليجيّة الباقية، حيث لها مقرّ فيها؟ هل أدّت الأزمة الاقتصاديّة الواضحة المعالم بعد تراجع أسعار النفط وقلّة المشاريع على الصُعُد كافة، إلى اتّخاذها قرارَ الإدبار من المنطقة والبحث عن أسواق جديدة؟ وأخيرًا وليس آخرًا: هل شعرت AXA العالميّة بوطأة الأزمات وسخونتها، فبدأت تنسحب تدريجيًا من أسواق تعتبرها راكدة، وإلاّ ما معنى هذا الانكفاء من منطقة الخليج ومن دول أساسيّة، بعد انسحابها من بولندا وجمهوريّة التشيك وسلوفاكيا في شباط الماضي؟
طبعًا، لا إجابات واضحة لأيّ من هذه الأسئلة المطروحة، وإن كنّا نسلّم، ولا شكّ في ذلك، أنّ AXA العالميّة لا تزال ثاني أكبر شركة تأمين في أوروبا ووضعها المادي متين، لكن بالتأكيد لها حساباتها الخاصّة ونظرة مستقبليّة قد لا تكشف عنها. لقد حقّقت من الصفقتَيْن المذكورتَيْن أعلاه حوالى مليار ونصف المليار، وهذا ربحٌ إضافي يمكنها الاستفادة منه في استثمارات مربحة، في الولايات المتحدة على سبيل المثال لا الحصر، وهذا فعلاً ما أكّده لنا رئيس مجلس إدارة AXA الشرق الأوسط السيد روجيه نسناس الذي قال أنّ حجم هذا الاستثمار في القارة الأميركيّة قد يصل إلى 15 مليار دولار.
سقْتُ هذه المقدّمة لأؤكّد متانة قطاع التأمين في لبنان، على نحو ما أكّده المشاركون في ندوة الـ GAIF وأمينها العام شكيب أبو زيد، وإليكم، للدلالة، حجّة واحدة متعلّقة بـ AXA العالميّة وAXA الشرق الأوسط تحديدًا، التي تديرها مجموعة NASNAS-HANEMOGLOU وتملك 50 بالمئة من أسهمها، فيما تملك AXA العالميّة الـ 50 بالمئة الباقية.
فعلى رغم الأوضاع المزرية المعروفة في لبنان من اقتصاديّة وماليّة وسياسيّة واجتماعيّة، يُضاف إليها انفجار المرفأ، فإنّ AXA العالميّة لم تُقدِم على خطوة تجاه لبنان مماثلة لخطوتها الخليجيّة، بل أبقت على شراكتها مع AXA الشرق الأوسط لمعرفتها الأكيدة أنّ هذه الشركة لا تزال مُمْسكة بزمام الأمور، بدليل أرقامها المالية التي توحي بالثقة، فضلاً عن أنّ لبنان، بعد هذه الإحاطة الدولية به، لا بدّ أن يستعيد موقعه الشرق أوسطي لا المحلّي على رغم ما يُقال عن أنّ إسرائيل سلبت هذا الدور!
في أيار من العام الماضي، احتفلت أكسا العالميّة مع أكسا الشرق الأوسط بمرور 115 عامًا على الشراكة بينهما. ولإحياء هذه المناسبة، قَدِم إلى لبنان الرئيس التنفيذي لــ “أكسا” العالميّة Thomas Burbel والمدير المالي Wilm Langenbach لتعزيز التعاون مع رئيس AXA الشرق الأوسط روجيه نسناس ومديرها العام ايلي نسناس. وخلال إقامتهما القصيرة في لبنان والتي زارا خلالها مسؤولين، صرّح الزائر الضيف Burbel أنّ “إيمانه بمستقبل لبنان الاقتصادي كبير جدًّا وأنّ دوره في المنطقة سيتعاظم”، وكأنّه يُدلي بهذا التصريح اليوم!
يبقى أن نذكّر بأنّ مجموعة الخليج التي تسلّمت عمليّات AXA في المنطقة، هي على قدر أهل العزم، كما أنشَدَ المتنبّي، لمتابعة مشوار شركة التأمين العالميّة تحت إشراف وعناية وإدارة الرئيس التنفيذي للمجموعة السيد خالد سعود الحسن.
فمبروك وبالتوفيق لـ gig وشكرًا لـ AXA الشرق الأوسط التي أكّدت للقاصي والداني أنّ قطاع التأمين في لبنان متين وبات، بإمكانيّاته المتواضعة، وبعد الصفقة الأخيرة، واحة أمان للاستثمار، على رغم كلّ الألغام الموضوعة في وجهه!