البريستول.. أيّام العزّ ولّت
آخر معالم الفخامة لفندق الـبريستول الذي أقفل نهائيًا في 23 تموز 2020، سُجّل يوم السبت الماضي في 8 أيار، عندما تمّ نقل الأثاث الفاخر لهذا الفندق التاريخي إلى جمعية “بيت البركة” التي تقوم بمساعدة عائلاتٍ لبنانيّة تعاني ضائقة ماليّة شديدة، فضلاً عن المتقاعدين الذين يعانون، في معظم الأحيان، عزلة ونقصًا في الرعاية الصحيّة الوقائيّة. وقد نقلت الجمعية الأثاث لتوزيعه لاحقًا على عائلات تضرّرت بيوتها وخسِرت مفروشاتها، جرّاء انفجار المرفأ.
وإذا كان قرار إدارة البريستول بتقديم هذا الأثاث لعائلات لبنانيّة يُعدّ من الخطوات الإنسانيّة الداعمة لمتضرّري مرفأ بيروت على الأقلّ من حيث الشكل، إلاّ أنّ ما جرى يؤكّد بما لا يقبل الشكّ، أن القيّمين على فندق البريستول الذي تأسّس في العام 1951 والذي أقفل أبوابه مرّاتٍ عدّة ثمّ افتتحها لاستقبال شخصيّات سياسيّة بارزة ونجوم من جميع أنحاء العالم، قطعوا الأمل نهائيًا من إمكانيّة اسئناف دوره، على رغم ورشة إعادة التأهيل التي خضع لها البريستول بين عامَي 2013 و2015 والتي كلّفت ملايين الدولارات. ومن المعروف أنّ هذا الفندق البيروتي، وطوال سبعين عامًا، كان شاهدًا على حقبات مختلفة من تاريخ لبنان الحديث. ومع “سقوط” آخر أمل بعودته إلى “الحياة”، فإنّ المصير المأساوي له، يجسّد الواقع الحالي للانهيار الاقتصادي الحادّ في لبنان، وتاليًا انهيار لبنان الذي عرفه العالم في الحقبات الماضية ولا سيّما في فترات العزّ والرفاهية والبحبوحة التي عُرِفت عن هذا البلد الصغير بحجمه والذي كان كبيرًا بمكانته وبأهله وبحضارته وبقيمه، وكذلك بنقده، إذ كانت الليرة اللبنانيّة تُعتبر، في وقتٍ من الأوقات، العملة الرابعة في العالم من حيث قوّتها ومتانتها. ومن المعروف عن هذا الفندق العريق ذي الخمس نجوم أنّ المصمّم الفرنسي جان رويير (1902 – 1981) هو الذي قام بتصميمه من الداخل قبل أن يرى البريستول النور في العام 1951.
يبقى أن نشير، وبحسب احصاءات جمعية بيت البركة، أنّ هناك مليونَي لبناني يواجهون خطر ندرة الغذاء و60 بالمئة من السكان هم تحت خطّ الفقر. أمّا الطبقة الوسطى التي مثّلت سابقًا 65 بالمئة من إجمالي السكان فتمثّل اليوم 15 بالمئة فحسب. وكانت هذه الجمعية، وبحلول 17 تشرين الأوّل 2019، قد ساعدت أكثر من الف عائلة محتاجة. وعلاوة على ذلك، أنشأت قاعدة بيانات تضمّ 50 ألف عائلة في 351 منطقة في لبنان اعتُبرت على أنّها عائلات تعاني ضائقة ماليّة قويّة، وعلى الشكل التالي: 48 بالمئة في بيروت الكبرى، 30 بالمئة في شمالي شرقي لبنان، و28 بالمئة في الجنوب. وهذه الأرقام لا بدّ أن تكون قد تبدّلت حتمًا مع الأوضاع التي عرفها لبنان منذ بداية العام الحالي حتّى الآن، خصوصًا مع ارتفاع سعر الدولار وتراجع سعر صرف الليرة اللبنانية إزاءه.
نذكر أخيرًا أنه في شباط 2019 افتتحت الجمعية سوبرماركت مجانيًا أنيقًا على نظامٍ من النقاط يجعل المحتاجين يشعرون وكأنّهم يتسوّقون فعليًّا، وكلّ ذلك بغرض المحافظة على كرامتهم. وإلى ذلك، فإنّ الجمعيّة تستخدم الأكياس البلاستيكيّة في منشآتها وتعمل على إعادة تدوير جميع العبوات التي لا تتوافق مع قواعد الجمعيّة.
وإلى ما تقدّم، قامت الجمعية بتجديد 38 منزلاً بالكامل حتى الآن ولا تزال في صدد تأهيل 200 شقّة، كما تسدّد الفواتير غير المدفوعة (الإيجار والكهرباء والمياه) لـ 93 عائلة من المتقاعدين. وهي أيضًا تعالج أشخاصًا مصابين بأمراضٍ مزمنة كالسرطان وغسيل الكلى والسكري، كما تساعد وتؤازر المحتاجين إلى الأطراف الصناعية وأطقم الأسنان وأجهزة السمع وغير ذلك.
آخر مسمار في نعش لبنان الذي يمثّله عن حقّ وحقيقة فندق البريستول، قد دُقّ السبت الماضي. رحمة الله عليكَ يا لبنان!