يُعدّ شح الدولار في مصر حالياً، أحد أبرز التحديات الاقتصادية فيها، هي التي تعتمد على الاستيراد. ويرتبط واحد من هذه التحديات بتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث خرج نحو 20 مليار دولار بين كانون الثاني (يناير) وأيلول (سبتمبر) 2022، وبدأت الحكومة من جراء ذلك، تقييد الوصول إلى العملة الصعبة، وهي سياسة عدّها مراقبون “محفوفة بالمخاطر”.
والحقيقة أن معاناة المصريين مع الدولار بدأت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، عقب قرار البنك المركزي «بتحرير جزئي لسعر صرف الجنيه»، ليقفز الدولار من 7.8 جنيه إلى 18.7 جنيه، قبل أن يستقّر ما بين 15 و16 جنيهاً. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2021، أصدر البنك المركزي قراراً بالانتقال إلى سعر صرف مرن، لتتراجع قيمة الجنيه بشكل متسارع، ويتجاوز الدولار في كانون الثاني (يناير) 2022 نحو 27 جنيهاً، قبل أن يرتفع مرة أخرى في آذار (مارس) من العام نفسه، ويستقر سعره الرسمي في البنوك عند 30.85 جنيه للدولار الواحد، وإن ظل سعره يرتفع في السوق الموازية مع نقص النقد الأجنبي حتى تجاوز أخيراً حاجز الـ50 جنيهاً للدولار. نقص الدولار والضغوط على السوق الموازية، فضلاً عن تراجع السياحة فيها بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية ومن ثم اندلاع الحرب على غزة، دفع كلّ ذلك نحو موجة غلاء تزامنت مع ارتفاع نسب التضخم بمعدلات غير مسبوقة، حيث وصل في سبتمبر الماضي إلى 38 في المائة، قبل أن يتراجع على أساس سنوي إلى33.7 في المائة في شهر كانون الأول (ديسمبر) وإن ظل معدلاً مرتفعاً يضع عبئاً هائلاً على السكان الذين يعيش ما يقرب من ثلثهم بالفعل تحت خط الفقر.
وبمواجهة موجات التضخم المرتفعة اتخذت الحكومة إجراءات للحد من تداعياته على المواطنين، عبر مراقبة الأسواق، وتفعيل برنامجي «تكافل» و«كرامة» لدعم الفئات الأكثر احتياجاً.
وكانت مصر قد توسعت خلال السنوات العشر الأخيرة في الاقتراض لتتجاوز ديونها الخارجية الآن 160 مليار دولار، تنفق على سدادها أكثر من 40 في المائة من إيراداتها. ولم يحقق قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، التأثير المأمول لجهة الحد من الأزمة الاقتصادية، ويرجع خبراء ذلك إلى أنه “قرض مشروط بتعويم سعر الصرف وتقليص الدولة لدورها بشكل كبير في الاقتصاد”.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن نسبة إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد هي الأعلى حالياً بين الاقتصادات الناشئة، وتقدر بنحو 92.7 في المائة. وتتوقع موازنة مصر 2023 – 2024 أن تستوعب مدفوعات السداد 56 في المائة من إجمالي الإنفاق الحكومي. وعد مراقبون الديون «سبباً رئيسياً في دق ناقوس الخطر». لكن المسؤولين في مصر عادة ما يوجهون رسائل طمأنة بقدرتهم على سداد التزاماتهم المالية.