مؤسسات مقفلة وعمالها باتوا مشرّدين
الأزمة الاقتصاديّة التي يعانيها لبنان بسبب الوضع السياسي المتردّي أوّلاً، ومن ذلك عدم التمكّن من تشكيل حكومة جديدة، يُضاف إليها التداعيات التي خلّفتها جائحة كورونا على القطاعات كافة، ولا سيما الانتاجيّة منها، أوقفا العمل في العديد من المؤسّسات التي، إمّا أقفلت أبوابها نهائيًا أو استغنت عن موظّفين وعاملين فيها، ثانيًا، ما رَفَعَ عدد العاطلين من العمل إلى ما فوق نسبة الـ 50 بالمئة. ولا حاجة بنا للتذكير هنا من أن ثمة مؤسّسات أجنبيّة غادرت لبنان وأنّ الدولار الواحد وصل إلى سقف الـ 15 ألف ليرة، وأنّ المصارف، ومن دون وجه حقّ، مارست ذاتيًا الـ Hair Cut والـ Capital Controlو لا تزال ماضية في هذه السياسة التي أفقرت الناس وشلّت الحركة التجاريّة والصناعيّة وحتى الدوائيّة، وحوّلت لبنان إلى مجتمع يفتّش كثيرون من أبنائه عن لقمة خبز في مستوعبات القِمامة!
أمّا الطامة الكبرى، فتمثّلت بانفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي الذي سدّ في وجه اللبنانيّين آخر بصيص أمل كانوا ينتظرونه!
ولأنّ مؤسّسات تربويّة وتجاريّة وصناعيّة واستشفائيّة ومصرفيّة دأبت منذ أكثر من سنة على قطع أرزاق الموظّفين والعاملين فيها، فقد كان لا بدّ لأصحاب الاختصاص من الإدلاء بدلوهم في هذا الموضوع الذي يقضي على أيّ أمل يعيد لبنان إلى ما كان عليه قبل هذه الأزمة الخطيرة، كي لا نقول إلى عصره الذهبي، لأنّ هذا العصر قد ولّى إلى غير رجعة مع اتّفاقيّات السلام التي عُقّدت والتي لا نزال ننتظر المزيد منها في قابل الأيّام بين دول عربيّة أخرى وبين اسرائيل.
المحامي شادي خليل أبو عيسى، رئيس المركز الحقوقي والفكري ICIP، أعدّ دراسة قيّمة عن وضع العمّال في ظلّ المآسي الراهنة اللبنانيّة الراهنة، لعلّها تكون مرشدًا للضحايا منهم، وما أكثر عددهم!
فإلى هذه الدراسة القيّمة التي حذفنا منها بعض الحواشي ومصادر الاجتهادات ليتّسع المجال، ولإنّها لا تهمّ إلاّ الحقوقيّين أصحاب الاختصاص، في حين أنّ الغرض من الدراسة نشر الوعي لا أكثر ولا أقلّ.
في ظلّ انتشار جائحة كورونا التي شلّت معظم الأعمال وأدّتْ إلى تجميد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتبدّل سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية وعدم استقراره وانخفاض القدرة الشرائية وارتفاع أسعار السلع بصورة متزايدة، أصبح المواطن يعيش أزمة صحية وأخرى اقتصادية اجتماعية. وفي هذا الإطار، أصبح الأُجراء (العمال) يعيشون القلق المستمر على أوضاعهم خلال هذه الفترة الصعبة في البلاد.
لا بدّ من حماية الأجر والأُجَرَاء معًا، كي لا نصل إلى الانهيار المتزايد على كافة الصعد. وفي هذا الصّدد، فالمادة السابعة من الاتفاقية العربية رقم 15 بشأن تحديد وحماية الأجر (انضم إليها لبنان وتمّ نشرها في الجريدة الرسمية في العدد 28 بتاريخ 8/6/2000) تشير إلى أنه يستحق العامل أجره كاملاً حتى وإن لم يقدّم عملاً لأسباب خارجة عن ارادته، على أن تحدّد التشريعات الوطنية تلك الأسباب. وإذا كانت القاعدة القانونية تحتمل التفسير، فإنّه يجب الأخذ بالذي هو أكثر حماية لمصلحة العامل (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 575/71). وتؤكّد المادة 43 من قانون العمل على إعطاء الأجراء حق الاستفادة من الاتفاقيات والأنظمة الأكثر فائدة لهم، كما أنه لا يجوز، وفقاً لقرار وزير العمل رقم 193/2006، صرف الأجراء لأسباب اقتصادية أو بسبب القوة القاهرة أو التوقف النهائي، من دون التشاور مع وزارة العمل وإلاّ يعتبر كل انهاء لعقود الأجراء بمثابة صرف تعسفي، ولهذا يقتضي الالتزام بمضمون المادة 50 الفقرة ” و ” من قانون العمل بصورة عامة (محكمة التمييز المدنية، رقم 99 تاريخ 31/5/2007 ورقم 70 تاريخ 26/4/2006).
واستنادًا إلى ما تقدّم، فإنّ توقّف مؤسسة ما، عن تسديد أجور مستخدميها وصرفهم من العمل بسبب العجز المالي غير الثابت وعدم مراجعتها وزارة العمل والتشاور معها عند تعثّر أوضاعها وفقاً للمادة 50 الفقرة “و” من قانون العمل، يؤدي إلى اخلالها بموجباتها تجاه الأجراء واعتبار الصرف تعسفياً موجباً للتعويض (محكمة التمييز المدنية، رقم 48 تاريخ 24/4/2006. وأيضاً: مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 197 تاريخ 14/2/1967). لذا يتوجب على صاحب العمل الذي يتذرّع بالقوة القاهرة كي يبرّر فسخ عقد العمل، أن يُثبت توافر عنصر القوة القاهرة، وبنوع خاص عليه اثبات حصول الطارئ بمعزل عن خطأه (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 197 تاريخ 14/2/1967).
ويمكن القول أنه خلال اقفال المؤسسة أبوابها ضمن فترة التعبئة العامة أو لأسباب صحية طارئة، يظلّ الموظف قيد تصرّف صاحب العمل إذا لم يعيّن في وظيفة أخرى ولم يؤجِّر خدمته لشخص آخر. ولا يؤثر وقف العمل موقتاً في الحقوق المقرّرة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ووفقاً لنص المادة 634 من قانون الموجبات والعقود، يجوز للمحكمة أن تخفّض الأجر المعيّن، بحسب مقتضى الأحوال.
من جهة أخرى وفي المعطى ذاته، فقد أكّدت محكمة التمييز المدنية في قرارها الرقم 116 تاريخ 31/10/2013، أن إقدام صاحب العمل على فسخ العقد من دون اثبات إرتباك الأجير أي فعل جرمي، يشكّل قرينة على اساءة وتجاوز في فسخ عقد العمل. ولا يُفترض الادعاء بجرم جزائي أمام مجلس العمل التحكيمي الذي هو محكمة مدنية، بل يقتضي على صاحب العمل أن يراجع المحاكم الجزائية المختصة ويستحصل على حكم جزائي مبرم بحق الأجير. فالمخالفة المسلكية بحق الأجير غير قانونية إذا لم تكن فادحة ومخالفة للنظام الداخلي. وبالتالي، يجب الأخذ بعين الاعتبار فداحة عمل الأجير بالنظر إلى الظروف التي وقع فيها ارتكاب الفعل (في حال وجوده) وإلى نوع ووظيفة الأجير والخطأ والاهمال وقياس نتائجه بالنسبة لفداحة النتائج السلبية على صاحب العمل. إذ يجب أن يكون السبب المبرّر لصرف الأجير جدياً وعلى شيء من الخطورة.
وفي كافة الأحوال، لا يمكن صاحب العمل التذرعّ بأحكام المادة 74 من قانون العمل تبريراً لفسخ عقده مع الأجير دونما تعويض أو علم مسبق، ما لم يَقُمْ بإعلام وزارة العمل بالمخالفة المنسوبة إلى الأجير خلال مهلة ثلاثة أيام من تاريخ تثبتّه من ارتكابها، ولا مبرّر للقول بارتكاب الأجير مخالفات جوهرية لصرفه، في حال عدم تقديم الاثبات على ذلك. وبمقتضى المادة 579/2 من قانون أصول المحاكمات المدنية، يضع قاضي الأمور المستعجلة حدًّا للتعدّي الواضح على الأوضاع والحقوق المشروعة. فله بهذه الصفة، أن يوقف تنفيذ قرارات الصرف التأديبي عندما تتجاوز بشكل واضح ما نصّ عليه عقد العمل أو القواعد المنصوص عليها في النظام الداخلي الذي يحيل إليه العقد.
وبعد، يقتضي الأخذ بتطبيق القانون الأفضل لمصلحة الأجير، وفقاً لما هو أصلح للعامل عند وجود الشك كونه الأضعف اقتصادياً واجتماعياً في ظلّ عدم تمكّنه من الاستحصال على كامل أمواله الموجودة لدى المصارف. إذ أن الهدف عادة من عقد العمل هو الحفاظ على الرابطة واستمرارية العمل تحقيقاً للاستقرار المنشود.
بالنسبة إلى الاقتطاع من أجر العامل أو تخفيضه، فإنّ المادة 43 من قانون العمل أعطت الأجراء حق الاستفادة من الأنظمة الأكثر فائدة لهم. كما أنه لا يجوز، وفقاً للمادة 7 من الاتفاقية الدولية (مؤتمر العمل الدولي) رقم 95، الاستقطاع من الأجور إلاّ بالشروط والمدى الذَيْن تقرّرهما القوانين أو اللوائح الوطنية أو تحدده الاتفاقيات الدولية أو قرارات التحكيم. لذلك، يقتضي التنبه إلى ضرورة عدم توقيع أي مستند أو تنازل عن حق أو عن راتب أو نصف راتب في هذه الظروف، حفاظاً على حقوق الأجراء. مع التأكيد، أنه لا يجوز تعديل الراتب من دون موافقة الأجير وفقاً لنص المادة 59 من قانون العمل، إذ أن العمل ليس سلعة، وهذا ما أكده اعلان فيلادلفيا للعام 1944، مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة تخفيض عدد ساعات العمل التي من شأنها تعديل في ظروف أو بنود عقد العمل وتنعكس عليه بصورة عامة.
وقد أشارت المادة 38 من اتفاقية العمل العربية رقم 1 على أن أجر العامل دَيْنٌ ممتاز على صاحب العمل، علماً بأن هذه الاتفاقية أبرمت بموجب القانون رقم 183/2000 وأصبحت ملزمة للبنان، لا سيما أن الرأي الاستشاري لهيئة التشريع والاستشارات رقم 1801/95، أوضح أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية والعربية التي يوقِّع عليها لبنان وينضمّ إليها تتمتع بقوة القانون ويقتضي تطبيقها. كما أوجبت المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية تقديم أحكام المعاهدات على أحكام القانون العادي عند التعارض بينهما. واستطراداً، صدر عن وزيرة العمل مذكرة رقم 1/5 (شباط 2021) حذّرت فيها أصحاب العمل من مغبة تخفيض الأجور من دون أي مبرر قانوني، واعتبرت أن المبالغ المحسومة من الأجر دون أن يقابلها تخفيض للدوام، تبقى ديناً بذمة صاحب العمل لمصلحة الأجير.
ويعتبر الصرف التعسفي موجوداً إذا كانت أسبابه تعود إلى مطالبة العامل بحقوقه (مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، رقم 62 تاريخ 5/2/1973). وإذا أدخل صاحب العمل على العقد شروطاً أو تعديلات جوهرية لم يقبل بها الأجير، عندها يكون سبب فسخ عقد العمل على مسؤولية صاحب العمل (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 596 تاريخ 25/4/1967).
لذلك، في حال رفض الأجير الاقتطاع من راتبه، وقيام صاحب العمل بصرفه، عندها نكون بصدد تعسّف في استعمال الحق ويكون فسخ العقد على مسؤولية صاحب العمل، حتى ولو كانت لأسباب اقتصادية. إذ أن المادة 50/و من قانون العمل أكدت ضرورة التشاور مع وزارة العمل قبل شهر من تنفيذ الصرف. وبما أنه، يقع عبء اثبات القوة القاهرة على صاحب العمل وعليه اثبات ظروف التدبير المتخذ والمسببات والمبررات، فإذا لم يفعل صاحب العمل هذا الإجراء، يُعتبر مسؤولاً عن فسخ العقد ويستحقّ للأجير التعويض عن صرفه من الخدمة وعن الانذار. وبطبيعة الحال، إذا كان خوف الأجير خلال تواجده في مكان العمل وقّبل استقالته من الخدمة، قد وقّع على كتاب ابراء ذمة، عندها يمكن عدم الأخذ بهذا الإبراء، إذ أن كتاب ابراء الذمة الموقّع في ظلّ علاقة العمل وخلال فترة عمل الأجير، يجوز أن يُعتبر غير صادر عن ارادة حرّة، ويمكن أن يدخل ضمن خانة الإكراه المعنوي خاصة إذا تمّ التوقيع داخل مقر العمل وضمن الدوام، مما يحول دون الأخذ به.
من ناحية ثانية، فإنّ طلب الوساطة المُقدم من الأجراء أمام وزارة العمل، لا يحلّ محل الأصول الشكلية التي فرضتها على صاحب العمل الفقرة “و” من المادة 50 من قانون العمل، وبالتالي، في حال مخالفة تلك الأصول، نكون بصدد صرف تعسفي يستوجب التعويض. كذلك، فإن ممارسة التهديد من قبل صاحب العمل بصرف الأجراء الذين تقدمّوا بشكوى أمام وزارة العمل، يدخل ضمن إطار الإساءة في استعمال الحق. ذلك أنّ الظروف الاقتصاديّة المتردّية لا تشكّل سبباً لانهاء عقد العمل في حال عدم التشاور مع الوزارة المعنيّة، ما يؤدي إلى اعتبار الصرف تعسفياً موجباً للتعويض. كما أن عدم مراجعة الوزارة من قبل صاحب العمل والتشاور معها، وفقاً لما تفرضه الفقرة ” و ” من المادة 50 من قانون العمل، يؤدي إلى اعتبار الصرف بمثابة تعسفي موجب للتعويض. لذا فعدم مراعاة تطبيق هذه الفقرة يؤدي إلى اعتبار الصرف تعسفياً.
ويقتضي التوضيح: إذا قام صاحب العمل بصرف الأجير خلال فترة التشاور مع وزارة العمل وقبل التوصّل إلى الحل المناسب، عندها يعتبر هذا الصرف تعسفياً، إذ أن العبرة ليست فقط في ابلاغ وزارة العمل، بل أن المادة 50/و من قانون العمل أكّدت مسألة التشاور مع الوزارة لوضع برنامج نهائي لذلك الإنهاء. وفي حال مخالفة صاحب العمل القيام بهذا الإجراء، عندها يُعتبر تصرّفه تعسفياً ويلزمه تجاه الأجير بالآثار الناتجة عنه. وعلى سبيل المثال، إذا قام صاحب العمل بتنفيذ قرار صرف الأجير بعد يوم من ابلاغ وزارة العمل، ومن دون انتظار المدة المحدّدة في المادة 50/و من قانون العمل وعدم انتظار نتيجة التشاور مع الوزارة، يكون قد خالف الأصول المرعية الإجراء ويعتبر صرف الأجير من قبل الإشارة أو التجاوز في استعمال الحق ويحق للأخير المطالبة بالتعويض. فهناك فارق تقني وعملي بين الابلاغ والتشاور، وعلى صاحب العمل الالتزام بهما معاً. ولو أراد المشترع الاكتفاء بمسألة الابلاغ لكان نصّ على ذلك صراحة من دون التطرق إلى عملية التشاور مع وزارة العمل. لذلك، إن عدم انتظار نتيجة التشاور مع الوزارة، وقيامه بصرف الأجراء، يؤدّيان إلى افراغ المادة 50/و من مضمونها وروحها وأبعادها.
وثمة نقطة قانونيّة مهمّة: أن عدم تسجيل قرار تصفية شركة حسب الأصول يستتبع عدم الجواز لها بالتذرّع بوجه أجرائها من تاريخ حصول التصفية، وبطبيعة الحال، لا يُطلب من الأجير مشاركة صاحب عمله في خسائر مؤسّسته، كما أن افلاس الشركة نتيجة خطأ أصحابها الجسيم الثابت، يؤدي إلى تحميلها مسؤولية عند انهاء عقود أجرائها واعتبار الصرف من قبيل الإساءة أو التجاوز في استعمال الحق (محكمة التمييز المدنية، رقم 62 تاريخ 22/4/2008). وبصرف النظر عما إذا كانت الدعوى قد أقيمت قبل شطب الشركة من لائحة المصارف أم بعده، فإن المداعاة من قبل الأجير في شأن عقد العمل المنفذ في لبنان تظلّ من اختصاص المحاكم اللبنانية.
إلى ذلك، فإنّ الشركات التجارية نحنفظ بشخصيتها إلى ما بعد تاريخ حلّها وأثناء مدة التصفية في سبيل تأمين عمليات التصفية، وإذا كان حلّ الشركة لم يُدوّن في السجل التجاري، فلا يسري على الغير (مجلس العمل التحكيمي في بيروت، رقم 655 تاريخ 9/5/1967)، فضلاً عن أنّ مجرد افلاس صاحب العمل، لا يؤدي حتماً إلى فسخ عقد العمل، وفي حال عدم متابعة تنفيذ العقد من قبل وكيل التفليسة، يقتضي منح العامل تعويضات الصرف المتوجبة، علمًا أنّ أجور الأجير بالنسبة للسنة الأخيرة قبل اعلان الافلاس تعُتبر ديناً ممتازاً عملاً بأحكام المادة 48 من قانون العمل (مجلس العمل التحكيمي في جبل لبنان، رقم 279 تاريخ 24/7/1974).
في ما خصّ القوّة القاهرة، فإنّها تؤدّي، في حال وجودها، إلى “تعليق” عقد العمل وليس إلى تبرير صرف الأُجَرَاء من الخدمة مع وجوب ابلاغ وزارة العمل عن الرغبة بإنهاء عقد العمل قبل شهر من التنفيذ، وفي حال عدم الالتزام بذلك نكون بصدد صرف غير مُسْنَد إلى سبب مقبول، ونكون في حالة صرف تعسفي، خاصة ان القواعد المتعلقة بقضايا العمل غايتها اجتماعية وتؤخذ بالتفسير الأكثر رحمة وفائدة للأجير. وفي هذا الإطار، إذا أراد صاحب العمل صرف أجير بسبب الإقفال المفروض بسبب حالة التعبئة العامة ولأسباب اقتصادية، عليه ابلاغ وزارة العمل قبل شهر من صرف الأجير والتنسيق مع الوزارة على آلية وكيفية الصرف، مع الإشارة إلى أنّ وضع الأجير نفسه بتصرّف صاحب عمله، ينشئ له حقاً بالأجر، بغض النظر عن استعمال خدماته فعلياً أم لا، ارادياً أم قسرياً من قبل هذا الأخير، خاصة أن النظام العام في قضايا العمل، وضع مبدئياً لصالح الأجراء، بحيث يمكنهم الاستفادة من الاتفاقات والأنظمة الأكثر فائدة لهم. وعلى صاحب العمل اثبات القوة القاهرة التي تؤدي إلى توقفه عن الاستمرار.
وإلى ذلك، أكد الاجتهاد على عدم جواز صرف الأجير أثناء اجازته، وإلاّ اعتُبر تصرف صاحب العمل مخالفاً للقانون ونكون بصدد صرف تعسفي مسنداً إلى سبب غير مقبول ومنطوياً بالتالي على التعسف في استعمال الحق بالصرف من العمل. وفي ما خصّ بالأمر المستجدّ، أي العمل عن بُعد، فإنّ الأجير يستحقّ أجراً لقاء عمله عن بُعد أي من منزله، حتى ولو لم يذهب إلى مقرّ العمل، في ظلّ أزمة الكورونا وضرورة الحفاظ على سلامته. ولا يمكن لصاحب العمل هنا ايقاف راتب الأجير، وإلاّ كان تصرف هذا الأخير في غير محله. وعند حصول الصرف من العمل، يحقّ للأجير أن يستحصل على شهادة (إفادة) عمل يذكر فيها الوظائف التي قام بها وتواريخها وطبيعتها. ولا يجب أن تتضمن أي اشارة ليست لصالح الأجير ومسيئة إليه وتلحق له ضرراً. كما يحقّ للأجير أن يطالب صاحب العمل تسليمه كافة المستندات والأوراق المتعلقة بتعويض نهاية الخدمة (النماذج الخاصة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي) مُوقّع عليها أصولاً من قبل صاحب العمل أو المفوض بالتوقيع عنه أو عن المؤسسة.
نشير هنا إلى أنّ الاتّفاقيّات الدوليّة شدّدت على اعتماد القواعد الصحية في التجارة والمكاتب وتزويد جميع الأماكن التي يستخدمها العمل بتهوية كافية ومناسبة بحيث يكون الهواء فيها متجدداً أو مطهراً، إضافة إلى توفير مياه صالحة للشرب بكميات كافية ومرافق صحية كافية وتصان صيانة تامة. وعلى صاحب العمل أيضاً اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لحماية المؤسسة والعاملين فيها من أي مخاطر كالتعرّض للمواد أو العوامل المسببة للسرطان.
أمّا في الاتفاقيات والمعاهدات التي صادق عليها لبنان فتسمو على القوانين الداخلية عملاً بمبدأ تسلسل القواعد المنصوص عليه في المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية فقرتها الثانية، حيث يقتضي تقديم أحكام المعاهدات الدولية على أحكام القانون العادي عند التعارض بينهما. وفي لبنان، أشارت المادتان 61 و62 من قانون العمل إلى أن على المؤسّسة وقاية الأجراء والحفاظ على الصحة والسلامة، ويجب أن تكون المؤسسات نظيفة ومستوفية لشروط الصحة.