عندما يتحادث الكمبيوتر مع إنسان بشريّ….
دخول الروبوتات الى صناعة التأمين، بات واقعاً ولم يعد من نسج الخيال. صحيح أن شركات تأمين في دول عربية عدّة، لم تطرق الباب حتى الآن، الاّ أن اللجوء الى الذكاء الإصطناعي لا بدّ أن يحصل عاجلاً أم آجلاً، لعدم قدرة هذه الشركات على تجاهل التطوّرات التكنولوجية الحاصلة على مستوى العالم.
ولأن النشرة الأسبوعية للإتحاد المصري للتأمين “مستنفرة” دائماً للإضاءة على الجديد الرائج على المستوى العالمي، من باب التوعية والإرشاد وتالياً لتبنّي الخيار الملائم لها، فقد خصّصت الحلقة الجديدة ذات الرقم 260 للحديث عن روبوت المحادثة Chatbot الذي بدأ بطلّ برأسه في شركات، فيما شركات أخرى، وهي عديدة، لا تزال تَسْتَهْيّب هذا الإنتقال من الإنسان الى الآلة لألف سبب وسبب.
فماذا عن روبوتات المحادثة؟ ما هي فوائدها على صعيد قطاع التأمين؟ وهل يُمكن تجاهل هذه التكنولوجيا المرتبطة بالذكاء الإصطناعي؟
الإجابات الشافية في دراسة الإتحاد المصري للتأمين الذي لم يترك جانباً من هذا الموضوع، الا أضاءه لأن التغييرات تتسارع واللحاق بها قد يصبح مع مرور الأيام ملزماً…
***
ما يُعرف بـ “الذكاء الإصطناعي” (AI)، لم يترك مكاناً لم يدخله الا في ما ندر. والأمكنة الأخيرة التي “اقتحمها” دون “مقاومة”، هي قطاع التأمين، تحديداً عبر روبوتات المحادثة (Chatbot)، أي أن الحوار يتمّ بين العميل وبين الشخص الآلي بطريقَتَيْن اثنَتَيْن:
روبوتات المحادثة (غير الإجرائية)، وهي تستخدم لتأدية وظيفة واحدة محددّة الهدف مثل الاستفسارات عن ساعات العمل أو المعاملات البسيطة التي لا تتضمن مجموعة متنوعة من المتغيّرات، وهذا النوع من الروبوتات يملك قدرة بسيطة إلى حد ما، ومع ذلك يُعتبر في الوقت الراهن أكثر أنواع روبوتات المحادثة استخدامًا.
أما الثاني فهي روبوتات المحادثة القائمة على المساعدات الظاهرية أو المساعدات الرقمية، التي ستعرف تفضيلات العملاء بمرور الوقت، وتقديم التوصيات، وتوقّع الاحتياجات أيضاً. ومن أمثلة هذا النوع النوع من الروبوتات: Siri من Apple و Alexa من Amazon . وثمة اتجاه متنامٍ يقضي باستخدام روبوتات المحادثة التي انتشرت في الإمارات بعد دمج روبوتات المحادثة في الإعلانات المصوّرة، وبسبب ذلك زادت معدلات التفاعل بنسبة 87٪.
الى ذلك، حقّق روبوت المحادثة الخاص بشركة Amtrak (شركة ركاب سكك حديدية بالولايات المتحدة) عائدًا على الاستثمار أعلى بثماني مرات من التوقعات وزادت الإيرادات لكل حجز بنسبة تقترب قليلاً من 30٪.
يُشار الى أن السوق العالمي لروبوتات المحادثة قدّر بحوالي 2.5 مليار دولار في العام 2019 الذي شهد نموًا قويًا في السوق، لا سيما في الولايات المتحدة. ومن المتوقّع أن تبلغ القيمة على المستوى العالمي حوالي 25 مليار دولار بحلول العام 2027، أي بمعدل نمو سنوي مركّب قدره 37٪ .
وتُظهر الإحصاءات أن تطبيقات المراسلة أصبحت بشكل متزايد الطريقة المفضلة للتواصل مع الشركات يتجاوز في كثير من الحالات ما يمكن للبشر تقديمه. فمثلاً، توفر روبوتات المحادثة في القطاع المصرفي أربع دقائق في المتوسط بالنسبة لكل استعلام، مقارنة بالمراكز التقليدية للاتصال.
تلعب روبوتات الدردشة في قطاع التأمين، دورًا مهمًا في مراحل ما قبل الشراء والشراء، وما بعد الشراء، لتسهيل معاملات التأمين المعقدة، التي تتخذ طابع التعبئة اليدوية للاستمارات والاستبيانات التفصيلية، بالإضافة إلى استهلاك الوقت، التحقق من المعلومات الأساسية، النقص في عدد الموظفين، وخدمة العملاء المرهقة، لهذا تستطيع شركات التأمين عند تبنيها إمكانيات الذكاء الاصطناعي، أن تحقّق رضا العملاء بشكل واسع.
وتتضافر عدة عوامل لنمو وازدهار روبوتات الدردشة، في الوقت الحاضر، بما في ذلك ظهور تطبيقات المراسلة، والتطوّر في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات المعرفية ذات الصلة، والتوسع في استخدام واجهات العملاء، واستخدام التكنولوجيا بشكل أوسع.
الاّ أن أبحاث سوق التأمين أظهرت أن معظم العملاء في كثير من الصناعات ما زالوا يفضّلون التفاعل مع شخص طبيعى بدلاً من روبوت المحادثة، ومن ذلك، دراسة أجرتها CGS عام 2019 وفيها أن 86٪ من المستهلكين يفضّلون الإنسان على روبوت المحادثة، فيما قال ما يصل إلى 71٪ من المستهلكين إنهم لن يختاروا التعامل مع الشركة إذا لم يكن هناك موظف بشري. كذلك، توصلت Intercom عام 2021، إلى استنتاجات مماثلة أظهرت أن حوالى 87٪ من المستهلكين الذين شملهم الاستطلاع يفضلون التحدّث إلى شخص طبيعي بدلاً من chatbot أثناء التفاعلات القصيرة. وقد يكون أحد التفسيرات المحتملة لإحجام العملاء هو أن 50% من العملاء يعتقدون أن برامج الدردشة الآلية لا يمكنها حلّ مشكلاتهم.
كذلك أظهر تقرير صادر عن eMarketer عام 2018، أن نصف المشاركين تقريبًا (48٪) يعتقدون أن: روبوتات المحادثة كثيرا ما تعطي إجابات غير مفيدة. وذكر ما يقرب من 40٪ ، أن روبوتات المحادثة تُعيد توجيههم إلى الأسئلة الشائعة للخدمة الذاتية، وما يقرب من 30٪ يعتقدون أن برنامج الدردشة الآلي يقدّم اقتراحات سيئة فقط. كما تعتبر الخصوصية والثقة عاملين مهميْن.
ولكن تقول نشرة الإتحاد المصري للتأمين أن الشركات ترى أن روبوت الدردشة ليس فقط وسيلة لخفض التكاليف التشغيلية، وإنما طريقة أيضًا لتحسين تجربة العملاء. ففي إحدى الدراسات، أفاد أكثر من ثلث مؤسسي الشركات الناشئة، بأن روبوتات الدردشة، وهم الوسطاء الافتراضيون، سيحتلون أعلى قائمة بين مستخدمي الذكاء الاصطناعي، خلال السنوات الخمس المقبلة. وقد تمّ بالفعل استخدام بعض روبوتات المحادثة في مرحلة الشراء، بما في ذلك إصدار الوثائق، دفع الاقساط أو تحميل مستندات تطلبها الشركة، كما أن هناك وظائف محدودة في مرحلة ما بعد الشراء، مثل معالجة المطالبات.
ان روبوتات الدردشة راهناً، لا تستطيع تنفيذ العديد من طلبات العملاء، ولكن يمكنها توجيهم إلى حيث يتعيّن عليهم استكمال إجراء ما، على سبيل المثال: تغيير العنوان.
في قطاع التأمين، تُستخدم معظم روبوتات المحادثة ضمن التأمين على الممتلكات، بينما تصل النسبة إلى حوالي 20% فقط في نشاط تأمينات الحياة والرعاية الصحية (L & H)، والسبب أن تسوية الخسائر والتعامل مع فرعَيْ الحياة والرعاية الصحية أكثر تعقيدًا، في حين أن باقي المهمات تكون متكرّرة وبسيطة ومحدودة النطاق، مثل تقديم عروض أسعار أو الإجابة على الأسئلة المتداولة.
وماذا عن فوائد استخدام روبوتات الدردشة في صناعة التأمين؟
-سهولة جمع المعلومات أو طرح الأسئلة بدون الانتظار يومًا أو يومين (أو أكثر) لتلقّي الرد عبر البريد الإلكتروني، أو انتظار ممثل خدمة العملاء المتاح.
-توفّر الخدمة على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع، ما يعني أنه يمكن العملاء إرسال اى استفسار في أي وقت حتى بعد مواعيد العمل الرسمية أوعطلات نهاية الأسبوع أو العطلات الرسمية. وفقًا لـ Finance Online ، يرى 64٪ من العملاء أن أفضل ميزة لروبوت التأمين هي القدرة على الاتصال بخدمة العملاء على مدار 24 ساعة في اليوم.
-الحصول على إجابات فورية، اذ في كثير من الحالات، عندما يكون لدى العملاء أسئلة ، فإنهم يبحثون عن إجابات فورية . وفى تقرير لشركة HubSpot لتطوير البرمجيات، تبين أن 71٪ من العملاء الذين يستخدمون تطبيقات تحتوى على خدمة العملاء يفعلون ذلك من أجل الحصول على إجابات سريعة – وقد تكون روبوتات الدردشة هي الحل بسبب وظائفها السهلة الاستخدام.
-إعادة توزيع عبء العمل على الموظفين الذين يحتاج عملهم إلى الرد على المكالمات الهاتفية إلى جانب الرد على رسائل البريد الإلكتروني، ما يوفر الجهد والمال، كما يمكن لروبوتات الدردشة أن تساعد الموظفين في معالجة المطالبات الجديدة وإدارتها والتعامل مع المهام العادية مثل تحديث الحسابات.
-تبسيط العمليات، بدءاً من المطالبات وحتى تحليل البيانات.
-تحسين العلاقات مع العملاء. فوفقاً لـ HubSpot ، فإن غالبية جيل الألفية الذين تفاعلوا مع روبوت المحادثة في مجال عملهم يقولون إن التجربة أثرت في نظرتهم الإيجابية للشركة.
-الوصول للعملاء المحتملين. ذلك أنه عندما يتفاعل العملاء مع روبوت محادثة، قد يُتوقع منهم ملء معلومات الاتصال الأساسية ، مثل الاسم وعنوان البريد الإلكتروني. هذه طريقة بسيطة وسهلة تساعد شركات التأمين على الوصول للعملاء المحتملين.
-التكامل مع قنوات التواصل الاجتماعي. في حالة وضع روبوتات الدردشة عبر قنوات التواصل الاجتماعى التي يستخدمها المستهلكون يومياً. فانهم ينجزون مهامهم، في المكان الذي يقضون فيه معظم أوقاتهم بالفعل.
وهل من تحديات يمكن أن تحلها روبوتات المحادثة الخاصة بالتأمين؟ نعم تُجيب النشرة بالقول:
بالنسبة لكثير من العملاء، يعتبر التأمين على الممتلكات والتأمين ضد الحوادث أمرًا معقّدًا ويصعب فهمه، اذ قد يكون شراء وثيقة أو إجراء تجديدات أو إرسال مطالبات مختلفة أمرًا معقدًا، لكن روبوتات الدردشة الخاصة بالتأمين يمكن أن توفر توضيحا بشأن هذه العمليات وتساعد العملاء على فهم التكاليف المرتبطة بها.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أنه يجب على شركات التأمين دائمًا تضمين طريقة سهلة للعملاء للاتصال بالموظفين. وعلى رغم أن روبوتات المحادثة يمكنها التعامل مع المهام الروتينية، إلا أن العملاء يريدون معرفة أنه يمكنهم التحدث إلى شخص حقيقي إذا لزم الأمر.
يمكن أن تساعد روبوتات الدردشة أيضًا شركات التأمين على مواكبة متطلبات خدمة العملاء وغالبًا ما تكون استجابة روبوت المحادثة أسرع من استجابة الشخص الطبيعى، وعلى عكس الأشخاص يمكنها التعامل مع الاستفسارات المتعددة الواردة من عدد كبير من العملاء في وقت واحد.
ومن الملاحظ أنه بينما لا يزال بعض الأشخاص يفضلون الاتصال الشخصي أو إرسال استفسار بالبريد الإلكتروني، يجد البعض الآخر أن روبوتات المحادثة أقلّ استهلاكا للوقت وأكثر كفاءة في بعض الأحيان.
ووفقًا لماكينزي، لقد عزّزت جائحة Covid-19 فكرة تفضيل العملاء للمحادثات غير المادية بشكل عام، رغم أن بعض عملاء التأمين يفضلون الاتصال البشري، إلا أن التوقعات تصبّ أخيراً في صالح روبوتات المحادثة.
بالإضافة إلى ذلك، سيكون الذكاء الاصطناعي هو المجال الذي ستقرّر فيه شركات التأمين زيادة حجم الاستثمار أكثر من غيرها، اذ تفكّر نسبة ملموسة من الشركات في زيادة الاستثمار مستقبلا ، لذلك ، فمن المتوقع منح المزيد من فرص تنفيذ روبوتات المحادثة في صناعة التأمين.
أخيراً ما هو رأي الإتحاد المصري للتأمين؟ لقد أوردت النشرة ذات الرقم 260 أن للنجاح في سوق التأمين الحديث، يجب على شركات التأمين التركيز أولاً، وقبل كل شيء، على التوقّعات المتطوّرة لعملائها، وتعد روبوتات المحادثة مجرد أداة واحدة أكثر ابتكارًا يمكن شركات التأمين استخدامها لتلبية توقعات عملائها وتقديم الخدمة التي يحتاجون إليها.
ويسعى الاتحاد لدعم وتطوير سوق التأمين المصري، وذلك من خلال إطلاع السوق على المستجدات والاتجاهات العالمية الحديثة فيما يتعلق بصناعة التأمين، من خلال العمل على نشر التقارير والدراسات المتعلقة بذلك حيث ستمكن هذه التحولات شركات التأمين من البقاء خلال المدى القريب، كما سيمكنها من الاستعداد للتحديات التي ستواجهها في المدى البعيد، ولذلك يجب عليها أن تفهم توقعات العملاء واتجاهات السوق مع الحفاظ على الشراكات المناسبة التي تساعدها على الابتكار لكي تبقى قادرة على المنافسة، لذلك ينبغي على شركات التأمين أن تسعى للاستفادة من استخدام وسائل التكنولوجية الرقمية في تسويق المنتجات لما لهذه الوسائل من مساهمة في تخفيض التكلفة على شركات التأمين، بالإضافة إلى المساهمة في تقليل المخاطر، مع الاهتمام بإعادة صياغة الوثائق التأمينية المتنوعة حتى تتناسب مع طبيعة الوسائل التكنولوجية.