عاصفة ثلجية في الولايات المتحدة
الإتحاد المصري للتأمين ركّز في النشرة الأسبوعية الصادرة عنه (رقمها 281) على التطوّرات العالمية في مطالبات تأمين الشركات Corporate Insurance خلال الفترة من 1 كانون الثاني (يناير) 2017 حتى 31 كانون الأول (ديسمبر) 2021. وتستند النتائج المفصّلة في هذه النشرة، إلى تحليل حوالي 530 ألف مطالبة تأمين من 200 دولة وإقليم تبلغ قيمتها حوالى 88.7 مليار يورو. وفي حين أن الخسائر التي تمّ تحليلها لا تمثّل الصناعة ككل، الاّ أنها توفّر مؤشراً قوياً على المخاطر الرئيسة التي تهيّمن على تأمين الشركات.
يُشار هنا الى أن شركات التأمين تسعى لإجتياز مشهد المخاطر الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم ، ففضلا عن الاضطرار إلى مكافحة التهديد الذي تشكّله الكوارث الطبيعية والمخاطر والتي هي من صنع الإنسان، تواجه هذه الشركات مشكلة التعامل مع متطلبات بيئة تنظيمية وقانونية أكثر تشدّداً، علاوة على التعامل مع المخاطر الناشئة عن الإعتماد على المزيد على التكنولوجيا، وبالطبع التحديات التي تجلبها قضايا مثل التضخّم، علماً أن شركات التأمين تلعب دوراً حيوياً في ضمان تقليل أي اضطراب تواجهه الشركات عقب وقوع خسائر نتيجة مواجهة تلك المخاطر. والى ذلك، ترصد هذه النشرة التطوّرات العالمية في مطالبات تأمين الشركات، مع تسليط الضوء على أهم أسباب الخسائر التي يجب على الشركات مراقبتها، وغير ذلك من الاتجاهات الناشئة.
كذلك تناولت النشرة ارتفاع قِيَم مطالبات التأمين على الشركات، عبر تحليل أهم أسباب الخسارة والاتجاهات الناشئة للمطالبات الـ 530 ألفاً في أكثر من 200 دولة وإقليم بين عامي 2017 و2021، والتي تصل قيمتها إلى 88.7 مليار يورو تقريباً، ما يعني أن شركات التأمين دفعت يومياً أكثر من 48 مليون يورو في المتوسط لمدة خمس سنوات لتغطية الخسائر، وهذا يوضح الدور المهم الذي يجب أن يلعبه قطاع التأمين في مساعدة الشركات على إدارة المخاطر والتخفيف من حدّتها والتي يُمكن أن تتباين بشكل كبير من حيث الحجم، ما يعكس الطبيعة الواسعة لهذا المشهد، اذ ثمة مطالبات للشركات الكبيرة تتجاوز قيمة كل منها مئة مليون يورو، وهي ناشئة عن الحرائق أو حوادث الطيران أو حوادث الشحن، مع ذلك، فهي تمثّل أكثر من ربع القيمة الإجمالية لجميع المطالبات التي تمّ تحليلها ( 24.6 مليار يورو) .ويُظهر التحليل أن ما يقرب من 75% من الخسائر المالية تنشأ من عشرة أسباب رئيسية ، الثلاثة الأولى منها تُشكّل ما يقرب من نصف قيمة الخسائر(45%). وعلى رغم التحسينات المستمرة التي طرأت على إدارة هذه المخاطر ووسائل الوقاية من الحرائق (بما فيها الإنفجار) على مرّ السنين، فإن هذه الأخيرة تُعتبر (باستثناء حرائق الغابات) أكبر سبب لخسائر التأمين، اذ تمثّل 21٪ من قيمة جميع المطالبات. وخلال السنوات الخمس الماضية، تسببّت هذه الحوادث في خسائر تأمينية تزيد قيمتها عن 18 مليار يورو تمثل 12 ألف مطالبة، ويبلغ متوسط قيمة المطالبة 1.5 مليار يورو تقريباً.
وبسبب عوامل مثل ارتفاع قيمة الممتلكات والأصول، وتعقّد سلاسل التوريد، أصبحت المطالبات أكثر حدة ويمكن أن تضيف التكاليف المرتبطة بتأثير انقطاع الأعمال عقب حريق بشكل كبير إلى إجمالي الخسارة النهائية للحادث نظراً للوقت الذي يمكن أن تستغرقه إعادة الإنتاج وتشغيله في مصنع كبير، في حين أن ارتفاع التضخّم لن يؤدي إلا إلى زيادة تكاليف المطالبات بشكل أكبر.
يلي ذلك الكوارث الطبيعية والتي تمثّل (15٪) من قيمة جميع المطالبات حيث تصنف باعتبارها ثاني أكبر سبب للخسائر على مستوى العالم من حيث قيمة المطالبات، وتستمر الخسائر في الارتفاع مع تغيّر المناخ اذ يُظهر تحليل أكثر من 20 ألف مطالبة ناتجة من الكوارث الطبيعية حول العالم ان قيمتها تبلغ 13.7 مليار يورو، علماً أن الأعاصير هي أكبر مسبّب لخسائر الكوارث الطبيعية، اذ تمثل 29٪ من قيمة تلك المطالبات، مع وجود موسمَيْن من مواسم الأعاصير في المحيط الأطلسي خلال الفترة (2017 -2021) يُصنّفان الآن من بين المواسم الثلاثة الأكثر نشاطاً، وتكلفة على الإطلاق. وتشكّل الأعاصير مع باقي أنواع الكوارث الطبيعية، (وهي العواصف (19٪)، الفيضانات (14٪)، الصقيع، الجليد والثلج (9٪)، والزلازل، تسونامي (6%)، نسبة 77٪ من قيمة جميع مطالبات الكوارث الطبيعية.
الى ذلك، شهدت شركات التأمين سيناريوهات خسائر جديدة وغير عادية. ففي العام 2021، صُنّف “التجمّد الكبير في تكساس” في الولايات المتحدة والفيضانات في ألمانيا، رغم اعتبارها أحداثاً غير كبيرة، الا أنها تسبّبت في تبعات غير متوقعة. فعلى سبيل المثال، تسبب حدث Texas Big Freeze في شهر شباط (فبراير) في حدوث اضطراب كبير في البنية التحتية والتصنيع، اضطرت العديد من الشركات للإغلاق المؤقت بسبب انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، ما تسبّب في بعض الخسائر الطارئة الكبيرة في مجال “انقطاع الأعمال”. وتشير التقديرات إلى أن الحدث كبّد الإقتصاد خسائر وصلت الى 150 مليار دولار، بينما كبّدت العاصفة الثلجية Uri خسائر تأمينية بقيمة 15 مليار دولار في جميع أنحاء البلاد.
وتمثّل حوادث التصنيع والصيانة الخاطئة، ثالث أكبر سبب للخسارة بشكل عام (بينما تمثّل 9٪ من قيمة المطالبات)، وهي أيضاً ثاني أكثر محرّك للمطالبات شيوعاً (بينما تمثل 7٪ من حيث العدد). ومن أمثلة تلك الحوادث المكلفة: انهيار المباني- الهيكل- الهبوط في المبنى بسبب أخطاء العمل، والتصنيع الخاطئ للمنتجات المكونات أو بسبب التصميم الخاطئ.
ثم تأتي حوادث تصادم أو تحطّم الطائرات كرابع أكبر سبب للخسائر على مستوى العالم، (و تمثل 9٪ من قيمة المطالبات). وهناك العديد من الخسائر التي تندرج ضمن هذه الفئة وتشمل الأضرار التي لحقت بالطائرات أثناء حوادث العمليات الأرضية، القيام بهبوط طارئ أو قسري أو حتى الضرر الناتج عن الاصطدام بالطيور.
ويحتّل تعطّل الآلات (بما في ذلك عطل المحركات) المرتبة الخامسة، يليه المنتج المعيب في المرتبة السادسة ، ثم حوادث الشحن في المرتبة السابعة، ثم تلف السلع (نتيجة عيوب المناولة/التخزين) في المرتبة الثامنة، يليه الإهمال الخطأ (في المرتبة التاسعة ثم الأضرار الناجمة عن المياه في المرتبة العاشرة. وتُعتبر الخسائر التي تنطوي على تلف السلع، والتي يمكن أن تنتج عن عدد من الأسباب المختلفة بما في ذلك التخزين أو المناولة أو التحميل أو التفريغ أو أثناء النقل، هي أكثر أسباب المطالبات شيوعاً لشركات التأمين، اذ تمثل 11 ٪ من جميع المطالبات من حيث العدد في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن مثل هذه المطالبات تمثل فقط 3% من إجمالي قيمة المطالبات.
يُذكر هنا أن اختناقات سلسلة التوريد في مرحلة ما بعد الجائحة، وارتفاع تكاليف الطاقة والنقل، فضلاً عن نقص العمالة، ساهمت جميعها في ارتفاع معدلات التضخم في بداية العام 2022، ومنذ ذلك الحين، أدت الحرب في أوكرانيا إلى زيادة الضغوط، أدّى الى حدوث صدمات أسعار لمجموعة واسعة من السلع ، بما في ذلك الطاقة والغذاء والمواد الخام. وستُظهر عواقب الزيادة الحادة في مستوى التضخم في معظم فروع التأمين، ضغوطاً على شدة المطالبات من زوايا متعددة: فعلى سبيل المثال، تتعرّض مطالبات المسؤولية العامة للضغوط التضخمية من خلال ارتفاع تكاليف الدفاع و التسويات القانونية عن المعتاد.
ويعتبر ارتفاع القيم المؤمن عليها مصدر قلق كبير لصناعة التأمين ، كما أصبحت نقطة نقاش رئيسية بين شركات التأمين والمؤمّن عليهم خلال العام 2022، حيث يزيد التضخم المرتفع من مخاطر قيام الشركات بالتأمين بأقل من القيمة الفعلية للشئ المؤمن عليه Underinsurance أو قيام شركات التأمين بالاعتماد على قيم معلنة غير حقيقية mis-declared Value.
وإذا فشلت الشركات في الحفاظ على تقييمات دقيقة للأصول، وقيم الاستبدال، وتعرّضت لانقطاع الأعمال، فمن المرجح أن تكون غير مؤمّن عليها، وقد تؤدي التقييمات المنخفضة للأصول المؤمّن عليها إلى قيام الشركات بشراء حدود تأمين تقلّ عن القيم المتزايدة أو تكاليف إعادة الوضع إلى ما كان عليه، كما تخاطر شركات التأمين باعتمادها على قيم معلنة declared value لا تعكس بالفعل تكاليف إعادة الوضع إلى ما كان عليه.
وبالفعل، شهد سوق التأمين مطالبات كانت بها فجوة كبيرة بين القيمة المعلنة لموضوع التأمين وقيمة الاستبدال الفعلية، منها مطالبة تخص ممتلكات تجارية دمرت أثناء حرائق الغابات في كولورادو عام 2021 ، كانت قيمة إعادة البناء ضعف القيمة المعلنة تقريباً ، بسبب مزيج من التضخم وزيادة الطلب و التأمين بأقل من قيمة الشيء موضوع التأمين .
وتنتقل النشرة الى فروع التأمين المتخصّصة وتأثرها بالحرب الروسية – الاوكرانية، وفي هذا المجال تقول: من المرجح أن تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى خسائر كبيرة في صناعة التأمين العالمية وتتراوح تقديرات الخسائر الإجمالية حالياً بين 10 و35 مليار دولار. كذلك فقد يكون الطيران الأكثر تعرّضاً للمخاطر والأكثر تكلفة لا سيما تغطيات الحرب المتخصصة لشركات تأجير الطائرات مثل “تغطية المؤجر ضد جميع الأخطار الطارئة” lessor contingent all risk أو “تغطية الحروب الطارئة” contingent war.
وكانت شركات الطيران الروسية قد استأجرت قبل الحرب حوالى 400 طائرة تجارية من أصل 500 (تُقدّر قيمتها بحوالي 10 مليارات دولار)، وبقيت في روسيا حتى ايار (مايو) 2022، وقد تمّ إرسال إخطارات لسوق التأمين من قبل شركات تأجير الطائرات، وعلى رغم أن مثل هذا الوضع المعقّد قد يستغرق حله عدة سنوات، فمن المرجح أيضاً أن يدفع سوق التأمين مطالبات كبيرة عن وثائق المخاطر السياسية والعنف السياسي، بالإضافة إلى التأمين البحري، نظراً لتأثير الحرب صناعة النقل البحري العالمية. كذلك تسببّت الحرب في أوكرانيا بشكل غير مباشر في ارتفاع أسعار الطاقة، ما أدى إلى زيادة التضخم، وبالتالي ارتفاع تكاليف الإصلاح وإعادة البناء فيما يخص المطالبات المتعلقة بالعقارات، كما تسببت في خسائر أكبر بسبب انقطاع الأعمال، ويمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط أيضاً إلى رفع دعاوى تعطّل الأعمال في قطاع الطاقة. وقد تؤدي الحرب أيضاً إلى مطالبات تتعلّق بأنواع أخرى من الأعمال، مثل تأمين المديرين والمسؤولين D&O، فمن المحتمل أن تواجه الشركات التي ألغت written off التعامل مع الأصول الروسية مطالبات من المستثمرين في وقت لاحق، في حين أن الآثار غير المباشرة للصراع أوجدت بيئة مخاطر متزايدة، كالتعرض للعقوبات وتقلبات الأسواق المالية. في ما خصّ خسائر صناعة التأمين الناجمة عن وباء كوفيد-19 ، فإن التقارير قدّرتها بحوالي 44 مليار دولار، ما يجعل الوباء ثالث أكبر خسارة كارثية بعد إعصار كاترينا وهجمات 11 أيلول سبتمبر. ويرجع الجزء الأكبر من مطالبات الشركات من التأمين إلى إلغاء الأحداث ومطالبات انقطاع الأعمال من قبل الشركات المتضررة من عمليات الإغلاق.
وتشكّل البيئة الاقتصادية عقب الوباء خطراً متزايداً على تأمين المديرين والمسؤولين D&O وتأمين التعويض المهني اذ يرتفع عدد مطالبات تأمين المديرين والمسؤولين عادةً، خلال أوقات تقلبات الأسواق المالية، وقد تسبّب التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، بالإضافة إلى الحرب في أوكرانيا في تلك التقلبات ، مثل الانخفاض الأخير في قيم أسهم التكنولوجيا tech stocks، و أسهم شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة (SPACs) والعملات الإلكترونية.
الى ذلك، يتزايد نشاط القضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) والاستدامة، اذ يُمارس المواطنون، ومعهم الحكومات ضغوطاً على الشركات لتغيير أساليب عملهم من أجل الصالح العام. ويُعتبر تغيّر المناخ بالفعل من أهم القضايا التي تشغل اهتمام مجالس إدارات الشركات، اذ تواجه هذه الأخيرة مجموعة من المخاطر المادية و مخاطر المسؤولية من مناخ أكثر تطرفاً و الانتقال إلى اقتصاد منخفض أو منعدم الكربون ، ومع ذلك، تعد القضايا الاجتماعية أيضاً مجالاً متزايداً للتعرض للمخاطر بدءاً من التنوع والشمول إلى تأثير المؤسسة على المجتمعات المحلية وسلاسل التوريد.
ومن المرجح أن يصبح التقاضي المتعلق بتغيّر المناخ مصدراً مهماً لتعرض الشركات ومديريها للمسؤولية في السنوات القادمة، حيث شهد سوق تأمين المديرين والمسؤولين D&O بالفعل مطالبات مرتبطة بتغير المناخ، كما هو الحال عقب حرائق الغابات في كاليفورنيا عام 2018. وتواجه الشركات بشكل متزايد احتمال التعرّض للمقاضاة من قبل المساهمين النشطاء الذين يسعون للتأثير على سياسة الشركة أو التعويض عن الأضرار المزعومة المتعلّقة بالتلوث السابق، فقد تم رفع ما يقرب من ألفَيْ دعوى قضائية متعلّقة بتغير المناخ حتى الآن، نصفها في السنوات السبع الماضية.
ويأتي التعرّض المحتمل الآخر من ادعاءات الامتثال للاستدامة “Greenwashing”، حيث يتم مقاضاة شركة بسبب ادعاءات بشأن البيئة والمجتمع والحوكمة، أو فشلها في مطابقة الالتزامات مع الإجراءات. ومع تزايد متطلبات إعداد التقارير، ستواجه الشركات ومديروها مسؤولية متزايدة من الإفصاح المتعلق بالمناخ وخرق الواجب الاخلاقي Fiduciary duty. كما تؤثر العوامل البيئية أيضاً على مسؤولية المنتج ومطالبات البناء، حيث يمكن أن يؤثر الطقس المتطرف والتغيرات الموسمية غير المتوقعة في المناخ على جودة وأداء تصميمات ومواد البناء مع اشتداد عواقب تغير المناخ، ومثال على ذلك، فشل المنتجات في تلبية توقعات الأداء في الظروف البيئية المتغيرة، مثل المواد اللاصقة المستخدمة في نوافذ القطارات عالية السرعة التي تتأثر بالأشعة فوق البنفسجية، والمطالبات من كسوة المباني وتشطيبات الطلاء التي فشلت في الأداء في درجات الحرارة العالية.
يُشار هنا الى أن مطالبات توقف الأعمال الطارئ (CBI) وصلت إلى مستوى جديد خلال العام الماضي، مع تجاوز عدد المطالبات بكثير لعددها في السنوات الأخيرة بسبب الزيادة الحادة في تعقّد سلاسل التوريد التي تتعامل معها الشركات التي تضررت بمزيج من الاضطرابات المرتبطة بالوباء، والطقس السيء، والحرب في أوكرانيا. اذ درجت العادة أن تعتمد العديد من الشركات على عدد صغير من الموردين الرئيسيين للمواد والأجزاء والخدمات، ما جعل مطالبات توقف الأعمال الكبيرة ومطالبات توقف الأعمال الطارئ الآن أمراً متكرراً، يمكن أن يتسبّب في خسائر تقدّر بمليار دولار أو أكثر. وعلى سبيل المثال وكما سبقت الإشارة اليه، تسبّب “التجمد الكبير في تكساس” في الولايات المتحدة خلال شباط (فبراير) 2021 في حدوث اضطراب كبير في البنية التحتية، مما أدى إلى عدد كبير من المطالبات المتعلقة بالتوقف الطارئ عن الأعمال، اذ استغرقت الشركات عدة أشهر لزيادة الإنتاج بعد انقطاع التيار الكهربائي عقب درجات الحرارة المتجمدة القياسية، وفي نفس الوقت تقريباً، أدى حريق في مصنع في اليابان إلى النقص العالمي في توافر المعالجات الدقيقة، ما أدى إلى حدوث تأثير مضاعف من خلال سلاسل التوريد العالمية، وإلى ضرب الإنتاج في صناعات السيارات والإلكترونيات.
وبلغت عدد مطالبات التوقّف الطارئ عن الأعمال الناتجة عن هذين الحدثين أكثر من ثلاثة أضعاف مطالبات التوقف الطارئ عن الأعمال خلال السنوات الثلاث السابقة، وفي الوقت نفسه، تعرض قطاع السيارات مرة أخرى لمشاكل سلسلة التوريد من الصراع في أوكرانيا، حيث كانت البلاد مورّداً مهماً لقطع الغيار.
بالنسبة للمطالبات المتعلقة بالهجمات الإلكترونية و استمرار تزايد التهديدات، بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مثل هجمات الفدية من ناحية، و بسبب نمو التأمين الإلكتروني Cyber Insurance من ناحية أخرى، فقد تمّ رصد أكثر من ألف مطالبة إلكترونية سنوياً على مدار العامين الماضيين، مقارنة بأقل من مئة مطالبة في العام 2016، ومع ذلك بدأ معدل تواتر المطالبات في الاستقرار وإن كان بمستويات مرتفعة.
ولا تزال برامج الفدية تشكّل مصدر قلق كبير اذ تمّ الإبلاغ عن زيادة الهجمات بمعدل سنوي 13٪، وهي قفزة تفوق المعدل في السنوات الخمس الماضية مجتمعة. كما ظهر أيضاً الابتزاز المزدوج، اذ يكون هجوم برامج الفدية في الواقع حيلة لسرقة البيانات أيضاً.
لقد ولّت الأيام التي كانت الشركات فيها تشتري التأمين ضد الهجمات الإلكترونية بدلاً من الاستثمار في تكنولوجيا الحماية من الهجمات نفسها، فالحقيقة أنهما يجب أن يسيرا جنباً إلى جنب، فإذا قامت الشركة بتحسين مستوى نضجها الإلكتروني، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى حصولها على تأمين إلكتروني أفضل.
وفي ما خصّ استمرار التكاليف القانونية والتسويات المشتقة في استمرار ارتفاعها، فإن مطالبات تأمين المديرين والمسؤولين D&O لا تزال تهيمن عليها ما يسمى “event- driven losses”. اذ على رغم أن القضايا المحاسبية والإعسار لا تزال عوامل مهمة في العديد من المطالبات، شهدت السنوات الأخيرة مطالبات كبيرة بشأن تأمين المديرين والمسؤولين ناشئة عن مجموعة واسعة من الأحداث، بما في ذلك الكوارث الطبيعية ووباء Covid-19 وحوادث الطيران وفضائح التلاعب بالبيانات. وفي ما يخصّ الانبعاثات والهجمات الإلكترونية والمسؤولية عن المنتجات، فمن المحتمل أن يؤدي عدد من الاتجاهات إلى تزايد الخسارة في المستقبل القريب.
الى ذلك، لا تزال التكاليف القانونية و تكاليف الدفاع متجهة نحو الارتفاع، وهو اتجاه سيتسارع بلا شك مع الضغوط التضخمية على الرواتب والرسوم، اذ زادت تكاليف الدفاع التي تتكبدها الشركات في مجال تأمين المديرين والمسؤولين بنسبة 40٪ تقريباً في العام 2019 وأكثر من 10٪ في عام 2020.
ومن المطالبات الجديدة ما له علاقة بالاستخدام المتزايد للمواد اللاصقة Adhesives في صناعة الإلكترونيات وتصنيع السيارات ، اذ شهدت هذه الصناعة، ارتفاعاً ملحوظاً في تكلفة مسؤولية المنتج ومطالبات الاسترجاع، فضلاً عن زيادة ملحوظة في استخدام المواد اللاصقة لربط المكوّنات بعضها بالبعض، ما يجعل الإصلاحات أكثر تعقيدًا و أغلى ثمناً ، وغالبًا ما تتطلب استبدال وحدة كاملة أو ما يحيط بها . و قد تكون بعض الإصلاحات أغلى بنسبة 25٪ على الأقل ، إن لم تكن أكثر ، بسبب استخدام المواد اللاصقة.
أخيراً وليس آخراً، هناك مشاريع البناء المعقدة على ارتفاع قيمة مطالبات التعويض المهنية. بهذا الصدد، فقد أدى الاتجاه نحو ابتكار تصميمات جديدة و استخدام مواد و طرق بناء جديدة إلى وجود بيئة خصبة لارتفاع قيمة مطالبات المسؤولية ضد المهندسين والمطوّرين وشركات البناء، خصوصاً مشاريع البناء الكبيرة المعقّدة باتت تعتمد وبشكل متزايد، على المدخلات يقوم بها محترفون خارجيون متخصصون بدرجة عالية في مجالاتهم، كالمهندسين أو الجيولوجيين أو علماء المعادن المتخصصين في مجال البيئة أو المهندسين المعماريين ، ومع ذلك فقد تؤدي الأخطاء في البيانات أو في إدارة العملية الإحصائية، أو في التصميم التفصيلي وتقييم الأداء، أو ببساطة المشورة السيئة، إلى مشاكل يصعب تصحيحها وتقدير تكلفتها. وبهذا الصدد، شهد سوق التأمين على وجه الخصوص، مطالبات تتعلّق بالاستعانة بأختصاصيين من أطراف ثالثة، كالجيولوجيين المتخصصين في تصميم الطرق السريعة، أو المهندسين المتخصصين في تصميم أنظمة التغطية والتهوية والتدفئة وتكييف الهواء للمستشفيات والمباني السكنية.
وكما العادة، انتهت النشرة بالإضاءة على رأي الإتحاد المصري للتأمين، وفيه أن هناك العديد من التحديات التي تواجه سوق التأمين المصري لتجنب آثار التضخم، منها:
-وضع خطة تسويقية مرنه بحيث يتمّ ابتكار وإتاحة منتجات تأمينية جديدة مختلفة.
-ضرورة تكثيف التواصل مع العملاء والوسطاء لزيادة التوعية التأمينية لمخاطر التضخم على العملاء الحاليين لتجنب النزاعات التي يمكن التعرض لها وقت المطالبة.
-حث العملاء على عمل إعادة تقييم لممتلكاتهم الحالية تجنباً للتعرض لشرط النسبية.
-أهمية مراجعة تسعير الأخطار والتأكد من ملاءمتها لمحفظة الأخطار المكتتبة وكفايتها لتغطية التكلفة المتزايدة للتعويضات والاهتمام بالاستثمار في منظومة التحكم بالمخاطر للتقليل من تكلفة التعويضات.
5- ضرورة توفير المخصّصات الفنية اللازمة لمواجهة التضخم.
وذكّر الاتحاد المصري للتأمين بالدور الكبير الذي لعبه مع الهيئة العامة للرقابة المالية في إصدار عدد من نشرات التوعية المدعمة بالامثلة الرقمية لتوضيح آثار التضخم على كفاية التغطية التأمينية والتي تمّ تدعيمها بحملة صحفية استهدفت ذات للموضوع ، فضلا عن تواصل شركات التأمين المباشر مع العملاء بناء على توصية الاتحاد المصري للتأمين الذي يعمل مع العديد من الأطراف المعنية على المستوَيَيْن المحلي والعالمي لدراسة جدوى تأسيس مجمع للأخطار الطبيعية والسبل المثلى لإدارة وتفعيل تلك المجمعة.
وكان الاتحاد المصري للتأمين قد استبق غيره في تأسيس اللجنة العامة التعويضات والتي تعمل على دراسة كل ما يتعلق بها من مستجدات، كما بحث آثارها على سوق التأمين المصري و العمل على الارتقاء بخدمة التعويضات لتواكب التغيرات العالمية.