الملك سلمان يطلّع على الميزانيّة قُبَيْل إقرارها
يكفي أن نستعرض أبرز الأرقام التي وَرَدَتْ في الميزانية السعوديّة للعام 2022 لنتبيّن خروج اقتصاد المملكة من “ظلمة” الانكماش الذي تعرّض له هذا الاقتصاد بسبب جائحة كورونا، إلى “نور” التعافي التنموي الذي شهدت عليه هذه الميزانيّة التي كُشف عنها قبل يومَيْن. ومن هذه الأرقام الأساسيّة وبالمقارنة عمّا كانت عليه في العام السابق، نذكر على صعيد الإيرادات، على سبيل المثال، فقد ارتفعت إلى 1045 مليار ريال مقابل 930 مليارًا (عام 2021). وفي ما يتّصل بالنفقات فقد تدنّت من 1015 إلى 955 مليار ريال، مع تسجيل فائض 90 مليارًا مقابل عجز وصل إلى 85 مليار ريال في 2021. ولأنّ قطاع التعليم يبقى الأكثر أهميّة بين سائر القطاعات الأخرى، فقد تصدّر مخصّصات القطاعات بتخصيصه بــ 185 مليار ريال من أصل 955 مليارًا، ليليه قطاع البنود العامة (182 مليارًا) فالقطاع العسكري 171 مليارًا. وبالنسبة إلى معدّل نمو الناتج المحلي الاجمالي، وهنا يظهر الفارق الكبير المهمّ، فقد ارتفع إلى 7،4 بالمئة مقابل 2،9 في 2021. أمّا المفاجأة الماليّة التي كان يتوقّعها كثيرون فتمثّلت بضخّ 27 تريليون ريال بالاقتصاد حتى 2030، منها 10 تريليونات كإنفاق حكومي. وفي المحصلة، فإنّ الميزانيّة العامة للمملكة للعام 1443-1444 (2022 ميلاديّة) أُقرّت في مجلس الوزراء السعودي برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز، بفائض يصل إلى نحو 24 مليار دولار، وهذا ما دفع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشؤون الاقتصاديّة والتنمية، إلى القول بعد إقرار الميزانيّة: “إنّ رحلة التحوّل الاقتصادي التي تتبنّاها الحكومة، مستمرّة في تحقيق الإنجازات والمستهدفات، وصولاً إلى مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح”. أضاف: إنّ “النتائج والمؤشّرات الماليّة والاقتصاديّة تؤكّد أنّنا نتقدّم بشكل إيجابي، إذ تأتي هذه الميزانيّة وسط مناخ عالمي يتّسم بالتحديّات الكبيرة في ظلّ تداعيات جائحة كورونا، وكذلك في ظلّ الطموحات المحليّة المُتاحة، بما يحقّق أفضل عائد منها، مع الحفاظ على الاستمرار الحالي كركيزة أساسيّة للنمو المستدام. ولا شكّ أنّ الاصلاحات الاقتصاديّة والهيكليّة التي يتمّ تطبيقها منذ انطلاق رؤية المملكة 2030، قد ساهمت في تقليل الآثار السلبيّة المرتبطة بالجائحة، وهذا ما يثبت قوّة اقتصاد المملكة في مواجهة التحديات الطارئة، علمًا أنّ المملكة تعمل على دعم الدول الشقيقة والمنظمات الدوليّة في جهودها لمواجهة الأزمة”. وفي الختام، أكّد في تصريحه: “إنّ دور المواطن أصبح محوريًا في التنمية الاقتصاديّة، فهو يساهم مباشرة في تحقيق الإنجازات في مختلف المجالات والقطاعات الواعدة، إضافة إلى زيادة مشاركة المرأة التي تمثّل مشاركتها قوّة إيجابيّة للمجتمع”.
في العودة إلى خبر الإعلان عن الميزانيّة العامة للمملكة للعام 2022، نشير إلى أنّ “السياسات والإجراءات الواقعية والمسؤولة التي اتخذتها الحكومة في التعامل مع جائحة فيروس كورونا (كوفيد -19) حدّت من التداعيات الإنسانية والمالية والاقتصادية بتقديم دعمًا ثويًا للقطاعَيْن الصحي والخاص مع الحفاظ على الاستدامة المالية للمديَيْن المتوسط والطويل، مبيناً أن تلك السياسات انعكست إيجاباً على التعافي التدريجي للاقتصاد المحلي، الذي شهد نمواً متسارعاً في عدد من الأنشطة الاقتصادية“. أضاف: “أن الميزانية أكّدت حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين على الـمُضي قدماً نحو تعزيز النمو الاقتصادي في مرحلة ما بعد الجائحة، وتسخير الموارد المالية للإنفاق على الصحة والتعليم وتطوير الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى استمرار الدعم والإعانات الاجتماعية. فالميرانية تأتي استمراراً لمسيرة الإصلاحات الداعمة لتطوير إدارة المالية العامة، مع التزام الحكومة بالمحافظة على سقوف الإنفاق المعلنة سابقًا، بما يضمن استدامة مالية على المدى المتوسط ومركزاً مالياً قوياً يمكّن الدولة من مواجهة أي متغيّرات طارئة، وامتصاص الصدمات الاقتصادية غير المتوقعة“.
وعمّا تسعى إليه الحكومة في العام 2022، قال الوزير الجدعان أنّ “الحكومة على المدى المتوسط، مستمرّة في دعم التعافي في النشاط الاقتصادي، مع الحفاظ على المبادرات التي تم البدء في تنفيذها خلال الأعوام الماضية، والالتزام بتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 من خلال تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، وتنويع الاقتصاد وتنمية الإيرادات غير النفطية وضمان استدامتها، فضلاً عنالتقدّم المحرز خلال الفترة الماضية في تنفيذ برامج تحقيق الرؤية والمشاريع الكبرى وكذلك المشاريع الاستثمارية في مختلف القطاعات، بما فيها مشاريع البنية التحتية“. وبكلام آخر فاقتصاد المملكة سيشهد تنامياً مستمراً في دور الممكنات الاقتصادية الداعمة للقطاع الخاص، وعلى رأسها المساهمة في المشاريع والبرامج التي يقوم بها كل من صندوق الاستثمارات العامة، وصندوق التنمية الوطني، إضافة إلى التقدم في تنفيذ برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، والاستراتيجية الوطنية للاستثمار، وبرنامج شريك، وبرنامج تطوير القطاع المالي، والتخصيص. ولا شكّ أن نجاح تلك الممكنات سينعكس إيجابيًا على أداء المالية العامة من خلال تحفيز وتنويع النمو الاقتصادي، وبالتالي تحسن الإيرادات غير النفطية، كما يحدّ من الضغط على الإنفاق الحكومي، لاسيما مع قيام القطاع الخاص بقيادة الاستثمار والتوظيف“.
وكان الوزير الجدعان قد أشار إلى النمو الملحوظ في مؤشرات أداء الأنشطة حتى نهاية الربع الثالث من العام الحالي 2021، والذي يعكس استمرار حالة التعافي التدريجي التي صاحبتها سرعة ارتفاع نسب التحصين من فيروس (كوفيد-19)، مما ساهم في تخفيف المزيد من الإجراءات الاحترازية المتبعة في المملكة، موضحاً أن التقديرات الأولية لعام 2021 تظهر نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.9%، مدفوعًا بارتفاع الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي الذي من المُتوقع أن يسجّل نموًا بنحو 4.8%. وتُشير التوقعات لعام 2022، ودائمًا حسب وزير الماليّة السعودي، إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 7.4%، مدفوعًا بارتفاع الناتج المحلي الإجمالي النفطي المرتبط باتفاقية أوبك+، بالإضافة إلى التحسّن المُتوقع في الناتج المحلي غير النفطي مع استمرار تعافي الاقتصاد وتنفيذ المشاريع والبرامج الداعمة للنمو والتنويع الاقتصادي.
باختصار فإن ميزانية 2022 هي نتيجة عمل تشاركي بين كافة الأجهزة الحكومية التي بُذلت الجهود وسخّرت الإمكانيات وحَشَدَت الطاقات في إعداد هذه الميزانية بصورة ملائمة تحقّق من عبرها المستهدفات الاستراتيجية حتى تخرج بمنتهى الشفافية والوضوح، انطلاقا من التزام الحكومة المباشر في ما يخص الأوضاع المالية والاقتصادية، من خلال إصدار التقارير المرتبطة بالميزانية مثل تقارير الأداء: ربع السنوي، ونصف السنوي، والسنوي، والبيان التمهيدي، بالإضافة إلى بيان الميزانية ونسخة المواطن، تماشيًا مع رؤية المملكة 2030.
إشارة إلى أنّ مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي د. جهاد أزعور ذكر في تصريح له، تعقيبًا على الميزانيّة السعوديّة للعام 2021، أنّ “دول الخليج تمرّ حاليًا بمرحلة من التعافي الاقتصادي الجيّد، ويعود الفضل، برأيه، إلى سرعة التلقيح التي ساهمت في الخروج من أزمة كورونا. وتساءل: هل يعود النمو إلى ما كان عليه قبل الجائحة؟ أجاب: هناك تحسّن تشهده هذه المنطقة حاليًا مقارنة بالعام 2020 بدليل ارتفاع معدّل النمو وسيزداد هذا الارتفاع نتيجة عودة أسعار النفط إلى الصعود مع التعافي من كورونا والطلب العالمي على هذه المادة الحيويّة، وبذلك ستصبح السعوديّة أكبر اقتصاد في المنطقة، علمًا أنّ اقتصادها تنوّع انسجامًا مع رؤية 2030 التي بدأت نتائجها تظهر بالفعل. فخلال السنوات الماضية، بدأت استراتيجيّة التنويع الاقتصادي يرسّخ قدمَيْه، وبذلك ازداد حجم القطاع غير النفطي الذي لا يزال يكبر في دول المنطقة السعوديّة تحديدًا، إضافة إلى أنّنا شهدنا تنوّعًا في مصادر دخل الأفراد، إضافة إلى أنّ الاستثمارات المتعلّقة ببعض الأحداث ساعدت كثيرًا مثل “إكسبو 2020” واستضافة قطر كأس العالم. لقد ساعد هذَان الحدثَان في تنشيط الاقتصاد وفي ترشيده. لهذا أدعو إلى النظر في عمليّة التحوّل الكبير التي تشهدها أسواق الطاقة عالميًا، أي التخصّص أكثر فأكثر بالطّاقة سواء المتجدّدة منها أو التقليديّة”.