ناجي حداد
رغم انقضاء المرحلة الأصعب من أزمة الجائحة العالمية، الاّ أن مالكي المطاعم لا يزالون يشعرون بالضغوط الناجمة عنها وعن مشاكل أخرى مثل النقص في الأيدي العاملة والتحديات المرتبطة بالوضع الصحي في ظلّ الارتفاع المتزايد لأسعار المواد الغذائية والتكاليف التشغيلية.
وكان عام 2021، قد شهد ارتفاعًا في التضخم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وصل إلى 14.8% ، وفقًا لتقارير صندوق النقد الدولي. وعلى خطاه، ها هو العام 2022 يُسجّل، هو الآخر، موجة أخرى من هذا التضخم أثّرت في التكلفة في جميع القطاعات وألزمت المؤسسات والشركات على مراجعة خدماتها بشكل استراتيجي يمكّنها من التعامل مع تصاعد الأسعار والمحافظة على الاستمراريّة والبقاء.
ولكن كيف ينبغي للمطاعم التعامل مع التضخّم دون زيادة العبء على عملائها؟ هل يكتفي مالكوها برفع الأسعار فحسب؟ أم أن هناك طريقة أفضل لإدارة ارتفاع التكاليف وحماية الأرباح مع اتخاذ مقاربة أكثر تركيزًا على العملاء واهتمامًا بهم؟
ناجي حداد، المدير العام لشركة Deliverect، طرح خمسة حلول تُساعد في التعامل مع تضخّم أسعار قوائم الطعام، ننشرها تباعاً، وليت المطاعم اللبنانيّة تستفيد منها لتخفيض الأسعار…
أولاً، الرفع الاستراتيجي للأسعار. ان رفع أسعار الأصناف في قائمة الطعام هو الخيار الأوضح لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتكاليف التشغيلية، إلا ان زيادة الأسعار بشكل عشوائي قد تُكلّف المطعم خسارة عملائه وتُفقده مكانته لدى العملاء وربما تؤثر في سمعته، ولهذا فلا بدّ من تعديل أسعار الأصناف بشكل مدروس مع التركيز على رضا العملاء واحتياجاتهم، مع الأخذ بالحسبان الممارسات التالية عند رفع الأسعار:
– زيادة الأسعار على مدار فترة من الوقت، وبحيث يتمّ توزيعها بشكل مدروس على وجبات الزبائن. على سبيل المثال، توزيع هذه الزيادة على مرحلَتَيْن الى أربع، سنوياً، وبمعدل 2 بالمئة. وهذا أمر مقبول بحسب معايير القطاع.
– دراسة رفع الأسعار بنسبة بسيطة على أفضل المنتجات مبيعًا، كالأطباق الخاصة التي يعود العملاء لطلبها باستمرار.
– تحليل أسعار القوائم لدى المنافسين لتقييم معادلة القيمة في المطعم والبقاء في المستوى نفسه.
– تعديل وصف الأطباق التي تغيّرت أسعارها بحيث لا يقارن العملاء السعر بالوصف، مع التأكيد على القيمة والمكونات المقدمة.
– رصد سلوك الضيوف بعناية بعد جولات رفع الأسعار، وفي حال ملاحظة انخفاض الإقبال على طلب الأطباق أو الأصناف التي ارتفعت أسعارها، على مالكي المطاعم تصحيح الأسعار على الفور دون أي تأخير.
ثانياً، الاستعانة بهندسة قوائم الطعام، في ظلّ الوضع الاقتصادي غير المستقر، قد تتغيّر تكلفة المواد الأولية بشكل مفاجئ نظرًا لاضطرابات سلسلة الإمداد أو المشاكل التي تؤثر في الإنتاج العالمي، ولهذا، فإن زيادة أسعار الأصناف في قوائم الطعام لن يضيف الكثير إلى المطعم. ولكن هناك استراتيجية أفضل تمكّن المطعم من مواصلة تحقيق الأرباح، وهي استخدام ما يعرف بهندسة قوائم الطعام: أي تحليل العروض المقدّمة بناء على البيانات (بما فيها تكلفة الطعام) لضمان كفاءة التكلفة لكل بند في القائمة واستمرار إقبال العملاء عليه.
وعندما يفهم مالكو المطاعم عملية الهندسة بالشكل الصحيح، سيكون بوسعهم اتخاذ قرارات صائبة حول الأطباق التي يرغبون إبرازها والأسعار التي سيرفعونها والأصناف التي ستُزال من قائمة الطعام. وسيكون تحسين قائمة الطعام بهذا الشكل عاملًا يساعد المطعم في تبسيط عمليات المطبخ في الوقت نفسه.
ومن الجوانب المهمة لهندسة قائمة الطعام مراجعة تصميم القائمة، فحتى أصغر التغييرات من شأنها المساعدة في استقطاب العملاء لطلب اطباق معيّنة على القائمة أو جذبهم لاختيار أصناف تعزّز القيمة، كالأطباق الجانبية والمشروبات أو المقبلات.
ثالثاً، تقليل هدر الطعام. بما أن رفع الأسعار هو الملاذ الأخير لمشغلّي المطاعم، يلجأ الكثير منهم إلى أساليب أخرى لتحسين تكلفة الطعام أولًا ومنها التقليل من هدر الطعام، وهي استراتيجية مضمونة للموازنة بين التكلفة المنخفضة والجودة العالية للمكوّنات. كما يُعد تحسين إدارة المخزون والتسوّق الذكي نقاط انطلاق جيّدة، إذ ينبغي للمطاعم، على سبيل المثاـل، تجنّب شراء المواد الخام ذات التكلفة المرتفعة والتي تُستخدم في بضعة أطباق فقط أو للزينة وحسب. وعليها بدلًا من ذلك استخدام المكوّنات في عدد كبير من الأطباق لزيادة قيمتها وتعزيز الأرباح المحقّقة. وسيكون من المفيد لمدراء المخزون العمل على جدولة توصيل كميات صغيرة على مدى الأسبوع بدلًا من توصيل دفعة كبيرة واحدة لأسبوع كامل، ما يضمن عدم طلب كميات أكبر من اللازم من المكونات.
ومن الوسائل الأخرى التي تساعد في تقليل هدر الطعام، تعديل حجم الحصة، لكن على مالكي المطاعم أن يحدّدوا الأطباق التي تسمح بذلك قبل الإقدام على هذه الخطوة. فعليهم دراسة الأطباق التي تعود من المائدة إلى المطبخ، ومعرفة ما إن كان الضيوف يتناولون الطبق بأكمله أم أنهم يتركون فيه بقايا دومًا.
ويساعد ابتكار العروض لفترة محدودة على وقف هدر الطعام، فهي تمكّن المطاعم من استخدام كافة المكونات قبل انتهاء فترة صلاحيتها واستعمال المواد الخام التي سيزداد سعرها خلال الأسابيع التالية.
وأخيرًا، فإن التخزين الصحيح للمواد الغذائية يساعد في إدارة تكلفة الطعام ويساعد في تجنّب الارتفاع الحاد في أسعارها بشكل ينعكس على المستهلك.
رابعاً، الاستثمار في علاقتك مع الموردين. لا يمكن الموردين التحكّم بتذبذب الأسعار، بطبيعة الحال، ولكنهم يعرفون توجّهات السوق، وبالتالي يمكنهم إعلام مالكي المطاعم قبل ارتفاع أسعار بعض المكونات، ولهذا السبب لا بدّ للمطاعم من إدامة علاقات جيدة مع الموردين. فمعرفتك بارتفاع أسعار المواد والمكونات مبكرًا تمكنك من البحث عن بديل مناسب وتعديل قائمة الطعام وفقًا للتغييرات، فتقليل الأطباق أو تعديل بنود القائمة أفضل بكثير من إخبار الضيوف بأن الطبق الذي طلبوه لم يعد متوافرًا.
خامساً، زيادة الطلبات خارج المطعم. ومن الطرق الأخرى التي تساعد المطاعم في التعامل مع تضخّم الأسعار، تشجيع العملاء على طلب الأطباق للتوصيل الخارجي أو تسلّمها لتناولها في مكان آخر. ذلك أن توفير خيارات الطلب عبر الإنترنت، يؤدي إلى إضافة مصادر جديدة للإيرادات، كما أن المطاعم التي تمتلك أنظمة تتسم بالكفاءة لقبول وتوصيل الطلبات عبر الإنترنت، ستجد أنها حقّقت أرباحاً أكثر من تلك التي تقدّم في المطاعم لأن من السهل أتمتة تدفق الطلبات بتلك الوسيلة، وبالتالي توفير الوقت والمال والأيدي العاملة، علماً أن المستهلكين مستعدون اليوم لدفع مبلغ أعلى لتوصيل أطباق الطعام ذات الجودة العالية من المطعم إلى المنزل، ولهذا فإن رفع أسعار الأطباق المباعة عبر الإنترنت بشكل طفيف لن يزعجهم كثيرًا.
خلاصة ما سبق ذكره، يقول ناجي حداد منهياً كلامه، أنه عند ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لا بدّ للمطاعم من التعامل مع المستهلكين بطريقة شفّافة بحيث يحصل الواحد منهم على نوعية الطعام وكميتها، مقابل ما يدفعه من مال، من روحية الطرق الخمس التي أشرنا اليها والتي يُمكن المطاعم الاستعانة بها للتغلّب على تضخّم أسعار الأطباق مع ضمان استمتاع العملاء بالجودة العالية بأسعار معقولة، ومن ذلك: هندسة قوائم الطعام والقضاء على الهدر الغذائي وتحسين التواصل مع الموردين وتعزيز الطلبات الخارجية، وكلّها وسائل فعّالة في الحفاظ على التوازن السليم بين تكلفة الطعام ومعادلة القيمة. كما أن كفاءة إدارة عمليات المطاعم أمر أساسي للتعامل مع التقلّب في الظروف الاقتصادية، وتساعد الإدارة المحكمة والدقيقة في تعويض آثار التضخم على عمل المطعم قدر الإمكان.