كرسي الرئاسة الأولى لا يزال فارغاً منذ سنتَيْن
د. الياس ميشال الشويري
اكتب وكلّي ايمان ويقين وثقة في كل حرف وكلمة أكتبها، في زمن ساد فيه الكذب والنفاق والرياء على مصداقية الأحداث في لبنان! ليست هذه تجربتي وحدي، بل إنها تجربة جيل بأسره؛ جيل مسكين عاش مخدوعاً منذ الصغر مع شعارات سياسية وفكريّة برّاقة وخطابات رنّانة فارغة، ولم يكتشف هذه الخديعة إلا بعد فوات الاوان، وهو يكبر على أوجاع وطن أنهكته الحروب عن الغير ومزقته الصراعات ونهبته الأحزاب والتيارات، ويخسر مدخراته وجنى عمره!
حقاً، لقد ضاعت منّا سنوات وسنوات ونحن نسمع شعارات كاذبة ونعيش حروباً خاسرة فرضت علينا دون أرادتنا! الآن، وبعد ان انكشفت الحقيقة وأُسدل الستار عن وجه الكذبة التي أطلقها منافقون إستغلاليون منذ سنوات وسنوات، أصبحنا ندرك ما ضاع منا ولكننا في نفس الوقت نعجز فيها عن البكاء او حتى الضحك، مصابين بمرض “التخميد العاطفي”، وهي حالة تُعرَّف علمياً على أنها شعور بالخدر تجاه المشاعر الإيجابية والسلبية على حدٍّ سواء، مع وجود استجابة عاطفية محدودة أو صامتة للأحداث.
إنها فاجعة كبرى وفترة مظلمة من حياتنا؛ إنه زمن المتاجرة بشعارات كاذبة لم تجلب للمواطن اللبناني سوى القهر والذل والعذاب! لقد آمنّا بأوهام وخُدعنا بصُور وكلمات وصفقنا لأوغاد، وما زلنا نخدع، ولم نحقّق شيئا … إلا المزيد من التقهقر والفساد والفاسدين والمفسدين! نحن ضحايا حروب وصراعات ونزاعات سياسية لا ذنب لنا فيها سوى اننا ولدنا في هذا اللبنان، بلد الكفر والكذب والرياء بسبب حكّامه الحاليين، حكّام التسعينات ولغاية تاريخه! كل ما اعرفه هو أننا لم نلطخ أيدينا بالدماء ولم نقتل الأبرياء، بل قتلنا على أيدي أوغاد وسفلة وتجّار دماء، انتخبوا من قبل شعب ساذج، قادونا إلى الهلاك .
في دول العالم التي تعمل لمصلحة مواطنيها، لا يكلّفُ إكتشاف ومطاردة الأوغاد والإنقضاض عليهم وطردهم من مواقعهم إلا بضع دقائق، حتّى وإن تتمتّعوا بحصانات قانونية وسياسية ودينية … أما في لبنان، المبتلى بأوغاد من كافة المناطق، فمن أصعب الصعوبات إستئصالهم لأنَّهم مندسون في أوردة وشرايين الشعب الساذج ومتراكمون في قلوب الجهلة، حتى أضحت لهم أحزاب وكتل وتيارات ومكاتب ومناصب وسيارات فاخرة وحمايات … هؤلاء الأوغاد ليسوا سوى رواقم من النفاق وربايا من الرياء وأودية من الكذب، مولعون بالمناصب في نفس الوقت الذي يُظهرون فيه للناس أنهم شرفاء ومضحون ومدافعون عن حقوق الناس والإنسان!
كافة الدول والحكومات في أرجاء العالم تعمل من أجل مصلحة شعوبها وأوطانها، يبنون المنتزهات ويفتحون المؤسسات و…! أما غالبية ما يسمّى بالزعماء في لبنان، الملطخة أيديهم بدماء شعبٍ مسكين وجاهل، فلم يبنوا شيئاً يذكر لمستقبل الأجيال القادمة، بل يتسابقون على عدد ضحاياهم من مثقفين ومبدعين، الذين أجبروا على ترك لبنان بسبب سياسات هؤلاء الحثالة الهدّامة، والتفتيش عن لقمة العيش في بلاد تحترم الإنسان!
من المعروف في معظم دول العالم أنه عندما يدخل الانسان عالم السياسة يضع نصب عينيه مصلحة وطنه اولاً، ومن ثم مصلحة الشعب، وأخيراً مصلحة حزبه، أو طائفته ومذهبه ودينه، إلّا في لبنان حيث نجد ان بعض السياسيين يضعون نصب أعينهم مصلحتهم الشخصية اولاً، ومن ثم مصلحة الحزب، ومن ثم الطائفة والمذهب والدين، وأخيرا مصلحة لبنان؛ اما مصلحة الشعب، فهي منسيّة ولا يوجد لها اي اثر في قاموس الساسة الأوغاد. مع هكذا ساسة، ازداد الجياع جوعاً والمُتخمون تخمة والفقراء تساقطوا تحت آخر خط من خطوط الفقر وأضحوا في القاع بينما الاغنياء ازدادوا غنىً وعزاً، والمُعدمون ازدادوا معاناة بينما الطفيليون ازدادوا رفاهية وثروات، وخرّيجو الجامعات (من الجديرين) ما زالوا يفتشون عن لقمة عيشهم بينما اصبح معظم حملة الشهادات (المشكوك بأمرها) من الموظفين المسؤولين.
إن كل ما نراه من فقر وبطالة، وهدر ونهب للمال العام، والانحطاط على أكثر من صعيد وفي جميع الميادين في لبنان، يُثبت للناظر أن الحكومات المتعاقبة كانت ولا تزال ضد المواطن، ولم تستطع لغاية تاريخه إرساء قواعد الدولة العصرية التي تحترم القوانين وتحمي المواطنين وتؤمن لهم العيش الكريم، من ضمان صحّي، ومعاش تقاعدي (لكل الموظفين)، وبيئة صالحة، وكهرباء، ومياه، وأمان، وسلامة، وطرقات، ووسائل نقل محترمة، و… والغريب والمريب والعجيب ان معظم الحكومات المتعاقبة تتحدث بمنتهى الحماس عن العدالة والمساواة، وعن التضحية ونكران الذات، وعن الحقوق والقوانين والحريات، وعن احترام الشهادات والكفاءات، وعن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب (ونحن ندرك تماماً مواصفات الرجل المناسب في المكان المناسب، خاصةً إذا كانت لديه ملفات دسمة في الهيئات الرقابية) مهما كانت العراقيل والعواقب، حتى بتنا نتخيّل انفسنا في بلاد العجائب والغرائب؛ فالقوانين والمواقف والشعارات والدساتير والتصريحات شفافة بيضاء، ولكن الوقائع والممارسات قاتمة سوداء.
معظم الحكومات المتعاقبة في لبنان، خاصة في فترة ما بعد الثمانينات عمدت جاهدة على أن يبقى أكثرية الشعب اللبناني مديناً للمال العام وأسيراً لوظائف مركّبة لا يوجد فيها حتى هامش صغير لقيمة الإنتاج، ونائماً ينتظر المعاش على أبوابها. وماذا يمكن أن نقول عن الفساد، ونهب الدولة دون حسيب أو رقيب، وانهيار الاقتصاد اللبناني وتأثير ذلك على مستوى معيشة الفرد، وهزال النظام في كل مفاصله ودوائره وتنظيماته الإدارية، وتقسيم السلطة بشكلها المعروف المحاصصي والطائفي والمكوناتي! حقاً، بغياب المحاسبة وتدخل السلاح المتفلت والبؤر الأمنية التي تهدّد سلطة الدولة وضعف تطبيق القانون، أصبح العمل في الدولة اللبنانية مكسب خاص للأحزاب والأفراد ومَن يسمون بأنذال السياسة!
على أي حال، الكلام الوحيد الممكن قوله لكل من ساهم في تدمير لبنان على رؤوس أبنائه من غير المنتفعين، ولا زال يفتك بهم:
لقد اعلّنا عليكم وعلى اعوانكم الحرب
سنثور عليكم في كل شارع ودرب
سنمزّق صوركم ونحطّم تماثيلكم
وكل ماهو منكم قريب للقلب
سنحاكمكم ونعاديكم ونلعن أساميكم
ولن نترك فرصة حتى نقاضيكم
سوف نكون معول هدم مبانيكم
سوف نقلق منامكم وكذا أهاليكم ومواليكم ومنافقيكم
لأنهم شاركوكم ولم يردعوكم عن ذل مواطنيكم
ولأنكم قتلتم الأمل فينا — سوف نقتله فيكم
لن نرحم حتى احلامكم أو امانيكم
وسوف نشعلها ناراً من شمالنا الى جنوبنا،
ومن شرقنا الى غربنا، وهكذا دواليك
ولن تجد ايها الأرعن الغادر من يطفئك أو يحميك
لأنك إتخذت من صراخ الشعب طرب لأغانيك
وعشت الحاكم بأمره والملك والمَليك
ولم تسمع لشيخاً أو طفلاً تحت التراب يناديك
فسوف يأتي يوم لن تجد فيه من يفديك
ويتنكّر لك خدامك وأقرب الناس إليك
فأستمع لنصيحتي واهرب بعمرك …
قبل لحظة الفتك فيك!
في الختام، لنتذكّر الأقوال التالية:
-وإن كان طاغية تودون خلعه عن عرشه،
فانظروا أولا إن كان عرشه القائم في نفوسكم قد تهدّم! – جبران خليل جبران
-متى توقنون وتعي عقولكم بأن مصير الطغاة والفاسدين بأيديكم وليس مصيركم بأيديهم، فأنتم الأغلبية وهم شرذمة مفسدة يجب إستئصالها. – علي إبراهيم الموسوي
-كل الطغاة يحاولون حصر تفكير الشعوب بين حاجزين هما الماضي والحاضر لمنعهم من التفكير بالمستقبل. وهم يفعلون ذلك بإسلوب واحد ومتكرر وهو تخويف الشعوب من فكرة التغيير وإقناعهم بعدم جدواها. علي إبراهيم الموسوي
-جميع الطغاة يلجأون إلى اللعبة نفسها عندما يضيق الخناق عليهم آلا وهي محاربة الشعوب في أرزاقها حتى يشغلوها عنهم لأن غالبية البشر لا يهمهم من هذه الحياة سوى المال حتى لو فقدوا كرامتهم. ولو إن الشعوب حكموا عقولهم وثاروا على الطغاة لحصلوا على المال وحافظوا على الكرامة. – علي إبراهيم الموسوي
-أفضل طريقة إتبعها الطغاة للسيطرة على عقول الشعوب المتخلفة وإرهابهم وتوجيه كثرتهم في الإتجاه الذي يضمن تفكيرهم بسلامتهم فقط هـي إشغالهم بالحروب بمختلف أنواعها ومبرراتها الوطنية والقومية والدينية، وهذه الحروب هي مراكز إعتقال مفتوحة والموت فيها بالجملة. – علي إبراهيم الموسوي
-قديماً كان الطغاة يأتون إلينا بالإنقلاب أما اليوم فيأتون بالإنتخاب. – علي إبراهيم الموسوي
-ان معضلة العالم العربي الكبرى تدور في ثلاث كلمات: الطغاة والغزاة والغلاة، الطغيان الذي يحكم، والغزو الذي قد ينهي الطغيان لكنه يبدأ الاحتلال، والتطرّف الذي يقضي على المناعة الوطنية والحضارية للأمة … المجتمع يحكمه الغلاة والسلطة يحكمها الطغاة، وفي صراع المجتمع مع الطغاة والغزاة تكون الفرصة سانحة لأن يحكم الغلاة. – الحسن بن طلال