تحرّك الجيش الإسرائيلي على الحدود إيذاناً بدخول الجنوب
د. الياس ميشال الشويري
يعاني لبنان منذ عقود من الصراعات الإقليمية والسياسية، وخاصة في علاقته مع إسرائيل، والتي شكلت محورًا مركزيًا في سياسته الخارجية والداخلية على مدار السنوات. لقد أدت النزاعات المتكررة بين الطرفين إلى تدهور الأوضاع الأمنية، الاقتصادية، والاجتماعية في لبنان. ومع تزايد الأزمات الداخلية والانقسامات الطائفية، أصبح من الضروري إعادة التفكير في كيفية التعامل مع إسرائيل من خلال الدبلوماسية والحنكة السياسية لتحقيق الاستقرار في لبنان ووقف دورة العنف المستمرة.
1-الجذور التاريخية للصراع اللبناني الإسرائيلي.
نشأة الصراع. بدأ الصراع اللبناني الإسرائيلي في ظل النزاع العربي الإسرائيلي الأوسع، خاصة بعد قيام دولة إسرائيل في عام 1948. وعلى الرغم من أن لبنان لم يكن في طليعة الدول المشاركة في الحروب الكبرى ضد إسرائيل، إلا أن الوضع الجغرافي والسياسي للبنان جعله جزءًا لا يتجزأ من هذا الصراع.
دور لبنان في الصراع العربي الإسرائيلي لبنان لعب دورًا معقدًا في هذا الصراع نتيجة لعدة عوامل داخلية وخارجية:
الوجود الفلسطيني في لبنان: مع وصول أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان بعد نكبة 1948، بدأ الوجود الفلسطيني يشكل عامل توتر بين لبنان وإسرائيل، خاصة بعد استخدام الفصائل الفلسطينية الأراضي اللبنانية كقاعدة لشن هجمات ضد إسرائيل.
التدخلات الإسرائيلية المتكررة: إسرائيل شنت عدة عمليات عسكرية ضد لبنان، أبرزها الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982، بهدف القضاء على الفصائل الفلسطينية المسلحة.
نشأة حزب الله: مع تزايد التوترات في جنوب لبنان وتراجع سلطة الدولة اللبنانية في تلك المنطقة، ظهر حزب الله كقوة مقاومة مدعومة من إيران وسوريا لمواجهة إسرائيل.
2.الوضع الحالي: لماذا يستمر الصراع؟
العوامل الجيوسياسية. يستمر الصراع اللبناني الإسرائيلي لأسباب متعددة، منها الموقع الاستراتيجي للبنان في قلب الشرق الأوسط، وتداخل القوى الإقليمية والدولية في الشؤون اللبنانية. يُعد لبنان ساحة للصراعات بين قوى إقليمية مثل إيران، سوريا، إسرائيل، والمجتمع الدولي، مما يجعل حل النزاع معقدًا.
الانقسام الداخلي اللبناني. الانقسامات الطائفية والسياسية في لبنان تعيق اتخاذ مواقف واضحة بشأن كيفية التعامل مع إسرائيل. ففي حين يرى البعض ضرورة التواصل مع إسرائيل لإيجاد حلول سياسية، يرفض آخرون أي حوار معها بسبب المخاوف من التطبيع والخيانة للقضية الفلسطينية.
حزب الله وإسرائيل. حزب الله يشكل عاملًا أساسيًا في استمرار الصراع بين لبنان وإسرائيل. فالحزب، المدعوم من إيران، يقف في طليعة المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، وقد شكلت حروبه معها أحد أسباب التوتر المستمر. من جهة أخرى، يرى حزب الله نفسه المدافع الأول عن لبنان ضد التهديدات الإسرائيلية.
3.أهمية الدبلوماسية في حل الصراع.
الدبلوماسية كأداة للحوار. يعتبر الحوار الدبلوماسي أحد أهم الأدوات التي يمكن أن تساعد في حل النزاع اللبناني الإسرائيلي. فعلى الرغم من التوترات الطويلة، فإن الحوار الدبلوماسي يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة لتحقيق السلام والاستقرار بين الطرفين.
النموذج المصري الأردني. يمكن للبنان أن يستفيد من النموذجين المصري والأردني في التعامل مع إسرائيل. فكل من مصر والأردن خاضتا صراعات طويلة مع إسرائيل، ولكن من خلال الدبلوماسية والحنكة السياسية، استطاعتا توقيع اتفاقيات سلام أسهمت في استقرار المنطقة.
فوائد الحوار الدبلوماسي للبنان. من خلال الحوار الدبلوماسي، يمكن للبنان تحقيق عدة أهداف:
تحقيق استقرار أمني: وقف الأعمال العدائية والتهديدات العسكرية المتبادلة بين لبنان وإسرائيل يمكن أن يخلق جوًا من الاستقرار يساعد لبنان على التركيز على حل مشاكله الداخلية.
تحسين الوضع الاقتصادي: إن أي تقارب دبلوماسي مع إسرائيل قد يفتح آفاقًا للتعاون الاقتصادي وإعادة بناء البنية التحتية في لبنان، خاصةً أن الصراعات المستمرة أدت إلى تدمير جزء كبير منها.
دعم التنمية: السلام يمكن أن يتيح للبنان الاستفادة من الفرص الإقليمية والدولية لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
4.الحنكة السياسية: كيف يمكن للبنان تحقيق ذلك؟.
ضبط العلاقات الإقليمية والدولية. على لبنان أن يلعب دورًا أكثر توازنًا بين القوى الإقليمية والدولية. فمن الضروري أن يعمل على تحقيق استقلالية أكبر في قراراته السياسية بعيدًا عن الضغوط الخارجية، مع الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة.
تقوية الدولة ومؤسساتها. لتحقيق أي تقدم دبلوماسي مع إسرائيل أو غيرها، يحتاج لبنان إلى تقوية مؤسساته الداخلية. هذا يتطلب القضاء على الفساد وتعزيز الثقة بين المواطنين والدولة، مما يمكن لبنان من الوقوف على أرضية صلبة عند التفاوض.
إشراك جميع الأطراف في الحوار. أي حل دبلوماسي يجب أن يأخذ في الاعتبار وجهات النظر المختلفة داخل لبنان. لا يمكن تجاهل دور حزب الله وغيره من القوى السياسية، ولكن يجب أن يكون الحوار شاملاً ويسعى لتحقيق التوافق الوطني.
5.التحديات أمام الدبلوماسية والحلول المقترحة
التحديات
المعارضة الداخلية: بعض الأطراف السياسية في لبنان ترى أن أي محاولة للتفاوض مع إسرائيل تمثل خيانة للقضية الفلسطينية.
الدور الإيراني: إيران لها دور كبير في دعم حزب الله، وأي تغيير في العلاقة مع إسرائيل قد يتطلب إعادة النظر في العلاقات اللبنانية الإيرانية.
الحلول المقترحة
إجراء حوار وطني شامل: إشراك جميع القوى السياسية والطوائف اللبنانية في حوار وطني لتحديد استراتيجية موحدة للتعامل مع إسرائيل.
ضمانات دولية: من الضروري الحصول على ضمانات دولية، مثل قرارات الأمم المتحدة أو اتفاقيات دولية، لضمان سلامة واستقرار لبنان بعد أي تسوية دبلوماسية.
الخاتمة
لقد أدت سنوات من الصراع المستمر بين لبنان وإسرائيل إلى تدمير جزء كبير من البنية التحتية اللبنانية وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. يتطلب الوضع الحالي تحولًا في كيفية تعامل لبنان مع هذا الصراع، مع التركيز على الدبلوماسية والحنكة السياسية كأدوات رئيسية لتحقيق السلام والاستقرار. يجب أن يبدأ لبنان حوارًا جديًا مع إسرائيل، مع الحفاظ على مصالحه الوطنية وضمان تحقيق توافق داخلي يحافظ على وحدته واستقلاله.