لبنان في صورة معبّرة عن الفساد
د. الياس ميشال الشويري
لبنان، هذا البلد الجميل الذي يتميّز بتنوعه الثقافي والحضاري، يمر حاليًا بأزمة خانقة تعصف بمختلف جوانب الحياة فيه. إن الأزمات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية التي تعصف بالبلاد تُعزى في الغالب إلى فساد الطبقة السياسية الحاكمة التي استمرت لعقود في توظيف موارد الدولة لتحقيق مصالحها الشخصية على حساب المواطن. إن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتفشي الفساد، كلها مؤشرات تدل على أن الحل الأمثل لإنقاذ لبنان يكمن في رحيل الساسة الفاسدين. في هذا البحث، سنتناول أسباب هذه الأزمة، وتأثير الفساد على المجتمع، وأهمية التغيير، وكذلك الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك.
- الفساد في لبنان
-تعريف الفساد. هو عملية استغلال السلطة أو النفوذ لتحقيق مكاسب خاصة أو منفعة غير مشروعة. يمكن أن يأخذ الفساد أشكالًا متعددة، مثل الرشوة، والاختلاس، وتزوير العقود، واستغلال النفوذ. في لبنان، يُعتبر الفساد نظامًا متجذرًا في كافة المؤسسات، مما يجعل من الصعب محاربته. يشمل الفساد أيضًا المحسوبية والواسطة، حيث يتم توظيف الأفراد بناءً على علاقاتهم السياسية بدلاً من مؤهلاتهم.
-مظاهر الفساد في لبنان وتشمل:
أ-الصفقات المشبوهة. يتمّ تمرير العقود والصفقات بين الحكومة والقطاع الخاص بشكل مشبوه، مما يضعف القدرة التنافسية ويزيد من تكلفة المشاريع. يُظهر هذا الفساد في قطاعات حيوية مثل البناء، حيث يتم منح عقود لأشخاص أو شركات ليس لديها المؤهلات اللازمة.
ب-السرقة من المال العام، و تمثّل جريمة كبيرة تمسّ جميع اللبنانيين. فقد تمّ تقدير خسائر الدولة بسبب الفساد بمليارات الدولارات. تسلط التقارير الضوء على أن العديد من المسؤولين الحكوميين قاموا بتحويل الأموال العامة إلى حساباتهم الشخصية أو حسابات عائلاتهم، ما أدى إلى تدهور الخدمات العامة.
ج-عدم الشفافية. تعاني الحكومة اللبنانية من نقص كبير في الشفافية. لا تُنشر البيانات المالية والإحصائيات المتعلقة بالميزانية العامة، مما يجعل من الصعب على المواطنين مراقبة كيفية صرف الأموال العامة.
د-المحسوبية والواسطة. تُعتبر المحسوبية سلوكًا شائعًا في لبنان، حيث يتمّ توظيف الأفراد بناءً على علاقاتهم الشخصية أو السياسية بدلاً من مؤهلاتهم. يؤدي ذلك إلى ضعف في الكفاءة في الإدارة العامة.
-أسباب تفشي الفساد عديدة وهذه أبرزها:
أ-النظام السياسي الطائفي. يعتمد النظام السياسي اللبناني على توزيع السلطة وفقًا للانتماءات الطائفية. هذا النظام يعزز من الفساد ويعوق التقدم، حيث يفضل المسؤولون الحفاظ على نفوذهم على حساب الصالح العام.
ب-غياب المحاسبة. تفتقر المؤسسات الحكومية إلى آليات فعالة للمحاسبة، مما يتيح للمسؤولين الإفلات من العقاب. لا توجد آليات رادعة لمواجهة الفساد، مما يجعل الممارسات الفاسدة شائعة.
ج-ضعف المؤسسات: تعاني المؤسسات الحكومية من ضعف في الأداء والقدرة على التنفيذ. تعاني معظم الوزارات من نقص الكفاءات والموارد اللازمة، مما يزيد من فرص الفساد.
- آثار الفساد على المجتمع اللبناني.
-الاقتصاد. تأثرت الاقتصاد اللبناني بشدة من الفساد، حيث أُسفرت هذه الظاهرة عن تدهور النمو الاقتصادي. يُعتبر الفساد من العوامل الرئيسية التي تعرقل جذب الاستثمارات الأجنبية، اذ يتردد المستثمرون في دخول سوق غير مستقر ويعاني من غياب الشفافية. على سبيل المثال، استثمرت الحكومة مليارات الدولارات في مشاريع البنية التحتية، ولكن نتيجة للفساد، لم تُحقق هذه المشاريع النتائج المرجوة.
تظهر بيانات البنك الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي للبنان شهد انخفاضًا كبيرًا، مما يعكس تداعيات الفساد على الاقتصاد. كما ارتفعت معدلات التضخم بشكل ملحوظ، مما أثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين وأدى إلى تآكل المدخرات.
–الخدمات العامة. تتأثر جودة الخدمات العامة بشكل كبير بسبب الفساد. على سبيل المثال، يُعتبر قطاع الكهرباء أحد أبرز القطاعات التي تعاني من الفساد. شهد اللبنانيون انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، رغم استثمار الحكومة مليارات الدولارات في هذا القطاع. عدم القدرة على توفير خدمات الكهرباء يؤثر على كافة جوانب الحياة، من الأعمال التجارية إلى التعليم والرعاية الصحية.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني قطاع التعليم من نقص في التمويل والموارد، حيث تُعاني المدارس الحكومية من تدني مستوى التعليم، مما يؤثر سلبًا على مستقبل الشباب اللبناني. في مجال الرعاية الصحية، تجد العديد من المستشفيات العامة نفسها تعاني من نقص في الأدوية والمعدات، بسبب الفساد الذي يؤثر على توزيع الموارد.
–الثقة في الدولة. تسبّب الفساد في تآكل الثقة بين المواطنين والدولة. يُعتبر انعدام الثقة هذا أحد العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى تفشي اللامبالاة لدى الشباب. يشعر الكثير من اللبنانيين بأن الحكومة ليست سوى أداة لخدمة مصالح الطبقة السياسية، مما يزيد من حالة الإحباط. وقد شهد لبنان موجات من الهجرة في السنوات الأخيرة، حيث يسعى الشباب إلى البحث عن فرص أفضل في دول أخرى، مما يؤدي إلى تفريغ العقول والمواهب.
تُظهر الإحصاءات أن نسبة كبيرة من الشباب اللبناني ترغب في الهجرة، مما ينعكس سلبًا على مستقبل البلاد. يعتبر هذا الانخفاض في الثقة والتفاؤل بمثابة أحد أبرز التحديات التي تواجهها الحكومة في السعي نحو الاستقرار.
3-أهمية رحيل الساسة الفاسدين.
–استعادة الثقة. يمكن أن يسهم رحيل الساسة الفاسدين في استعادة الثقة بين المواطنين والدولة. تعتبر الثقة عنصرًا أساسيًا في نجاح أي حكومة. إذا تمكنت الحكومة من التخلص من العناصر الفاسدة وإحلال شخصيات نزيهة، فسيكون من الممكن إعادة بناء الثقة وتعزيز المشاركة السياسية.
إعادة الثقة في الحكومة قد تؤدي أيضًا إلى زيادة مستوى المشاركة المدنية، حيث يصبح المواطنون أكثر انخراطًا في العملية السياسية. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تغيير حقيقي في كيفية اتخاذ القرارات.
–تحسين الظروف الاقتصادية. يساعد القضاء على الفساد في تحسين الظروف الاقتصادية. يمكن أن يؤدي إنشاء بيئة تتسم بالشفافية والمساءلة إلى جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، مما يساعد على خلق فرص عمل وتحقيق النمو الاقتصادي.
عندما يتمّ تنفيذ المشاريع بشكل صحيح ودون تلاعب، ستحقق هذه المشاريع نتائج إيجابية على الاقتصاد الوطني. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحكومة استخدام الموارد المالية بشكل أكثر فعالية لتحقيق التنمية المستدامة.
–بناء دولة حديثة. يساهم رحيل الساسة الفاسدين في بناء دولة حديثة تعتمد على العدالة والمساواة. عندما يتم تطبيق القوانين بشكل عادل وشفاف، سيكون هناك إمكانية لتحقيق تنمية شاملة. يجب على الحكومة أن تسعى لإقامة نظام قانوني يتسم بالعدالة ويعزز من حقوق الإنسان.
يمكن أن تشمل هذه العملية إعادة هيكلة مؤسسات الدولة لضمان فعاليتها وكفاءتها. إن بناء مؤسسات حكومية قوية ومستقلة يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق التقدم والازدهار.
4-طرق تحقيق التغيير.
-الضغط الشعبي. يمثل الضغط الشعبي أداة أساسية لتحقيق التغيير. من خلال التظاهرات والاحتجاجات، يمكن للمواطنين التعبير عن رفضهم للفساد والمطالبة برحيل الفاسدين. لقد شهد لبنان العديد من الحركات الاحتجاجية، مثل انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، التي أظهرت قوة الشعب في مواجهة الفساد.
تُعتبر الحملات الشعبية فرصة لإظهار الوحدة الوطنية والضغط على الحكومة لتلبية مطالب الشعب. يمكن أن تؤدي هذه الحملات إلى تغييرات جذرية في السياسة اللبنانية إذا تم تنظيمها بشكل جيد.
–الدعم الدولي. يمكن أن يُسهم المجتمع الدولي في دعم التغيير من خلال الضغط على المسؤولين الفاسدين لتقديم استقالاتهم. يمكن أن تُفرض عقوبات على الشخصيات السياسية المتورطة في الفساد، مما يعزز من جهود الإصلاح الداخلي.
يُمكن أيضًا تقديم الدعم المالي والفني للدولة اللبنانية من قبل المنظمات الدولية، بشرط أن يتم استخدام هذه الأموال بطريقة شفافة. قد تسهم هذه الجهود في تعزيز القدرة على مكافحة الفساد وإعادة بناء الثقة في المؤسسات.
–الإصلاحات القانونية. يجب على الحكومة اتخاذ خطوات فورية نحو تنفيذ إصلاحات قانونية تعزز من الشفافية والمساءلة. من الضروري إنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد، وتقديم الحماية للذين يكشفون عن الفساد.
يمكن أن تشمل الإصلاحات القانونية أيضًا مراجعة القوانين الحالية وتعديلها لضمان تحقيق العدالة والمساواة. يجب أن يكون هناك نظام عقوبات صارم ضد الممارسات الفاسدة، مما يعزز من القدرة على مكافحة الفساد بفعالية.
الخاتمة
لم يعد من حل للبنان سوى برحيل الساسة الفاسدين. إن مواجهة الفساد هو الطريق الوحيد لإنقاذ لبنان من أزماته المستمرة. يجب على اللبنانيين العمل معًا للمطالبة بالتغيير وبناء مستقبل أفضل قائم على العدالة والشفافية. إن استعادة لبنان كدولة حرة ومستقرة يتطلب الإرادة الجماعية والشجاعة لمواجهة الفساد وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
تتطلب هذه المسيرة جهودًا متواصلة من جميع فئات المجتمع، بدءًا من الأفراد العاديين وصولاً إلى المنظمات غير الحكومية والهيئات الدولية. إن القدرة على إحداث التغيير في لبنان تعتمد على تضافر الجهود وتوحيد الأصوات في مواجهة الفساد. بالتالي، يمكن أن تبدأ رحلة إعادة بناء الوطن وتعزيز الثقة في الدولة، مما يساهم في تحسين حياة المواطنين وبناء مستقبل مشرق للبنان.