جلال الدين الرومي
د. الياس ميشال الشويري
مقولة جلال الدين الرومي: “إنهم مشغولون بالدماء والفناء، أما نحن فمشغولون بالبقاء. هم يدّقون طبول الحرب، نحن لا ندّق إلا طبول الحب“، تحمل معاني عميقة ترتبط بفلسفته الصوفية التي تركّز على الحب والتسامح كطريق للحياة بعيدًا عن العنف والدمار. هذه الفلسفة تؤكد على البقاء الروحي والسلام الداخلي، مقابل التركيز على الصراعات والحروب التي تؤدي إلى الفناء.
إذا قمنا بربط هذه المقولة بالأحداث الراهنة في لبنان، نرى أن لبنان يعاني سلسلة من الصراعات الداخلية والخارجية، والتي أدت إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الأصوات التي تدعو إلى العنف والصراع هي المسيطرة في كثير من الأحيان، بينما الأصوات الداعية إلى الحوار والسلام والمحبة تبدو أقلّ حضورًا. ومع ذلك، هناك دائمًا فرصة لتبنّي فلسفة الرومي في مواجهة هذه الأزمات.
فالمحبة والتسامح، كما يصفها الرومي، يمكن أن تكون سبيلًا لإنقاذ لبنان من هذا المصير المأساوي. الفئات التي “تدق طبول الحب” يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في نشر الوعي والتأكيد على أهمية الوحدة والعيش المشترك بدلاً من التفرقة والعنف.
إن ما يعانيه لبنان اليوم ليس فقط أزمات مادية أو سياسية، بل أيضًا أزمة في القيم التي تدعو إلى الحوار والمحبة بدلاً من الكراهية والحقد.
1-تحليل المقولة.
-الصراع والدماء. نعم، مقولة جلال الدين الرومي “مشغولون بالدماء والفناء” تعكس بدقة الجانب المظلم من الطبيعة البشرية، الذي يظهر بوضوح في حالات النزاع والحروب. هذا الجانب يرتبط بالنزعة البشرية نحو العنف والصراع، والتي تتجلّى عبر التاريخ في العديد من المجتمعات والثقافات. الحرب والصراع دائمًا ما كانا جزءًا من حياة البشر، مرتبطين بالصراعات على السلطة، الموارد، الدين، والأيديولوجيا.
إذا نظرنا إلى التاريخ، نجد أن هناك العديد من الأمثلة على مجتمعات وثقافات انخرطت في صراعات دموية تؤدي إلى فناء الشعوب وتدمير الحضارات. الحروب العالمية، الحروب الأهلية، الغزوات الاستعمارية، وحتى الصراعات الداخلية على مر العصور، تعكس هذا الوجه المظلم من الإنسانية الذي يفضل الفناء والدماء على الحوار والتفاهم.
ومع ذلك، يمكن القول إن هذا الميل للعنف ليس حتميًا، حيث أن الإنسان أيضًا يمتلك جانبًا مضيئًا يظهر في الحب، التسامح، والتضامن. هذه الازدواجية في الطبيعة البشرية- بين الميل نحو التدمير والميل نحو البناء-تظهر بوضوح في التاريخ. مقولة الرومي تعكس رفضه للعنف والتركيز على الجانب المضيء، الداعي إلى البقاء الروحي والحب كوسيلة لمواجهة قسوة العالم وفنائه.
وفي السياق الحالي للبنان، كما في كثير من المجتمعات، يظهر هذا الجانب المظلم في الصراعات التي تؤدي إلى الانقسامات والكراهية، ما يعزّز من حالات العنف المستمر. تاريخ لبنان ذاته مليء بالتحولات من الصراع إلى السلام، مما يعكس هذه الدوامة البشرية التي أشار إليها الرومي: السعي الدائم للبقاء رغم الفناء الذي يحيط بنا.
–البحث عن البقاء.عبارة “نحن مشغولون بالبقاء” في مقولة جلال الدين الرومي تلتقط ببراعة جوهر الحاجة الإنسانية الأساسية للسلام والاستقرار. هذا التركيز على البقاء لا يتعلّق فقط بالوجود الجسدي، بل يشمل البقاء الروحي والنفسي، وهو تعبير عن رغبة عميقة لدى البشر في العيش بكرامة، في بيئة آمنة ومليئة بالسلام.
البقاء، كما يعبّر عنه الرومي، هو رفض لفكرة الفناء والصراع، وهو أيضًا تأكيد على أن الحياة لا تقتصر على الصراعات والموت، بل هي رحلة نحو الحب، الإبداع، والتسامح. هذه الفكرة تحمل في طياتها الأمل في مستقبل أفضل، حيث يختار الأفراد والمجتمعات تجاوز العنف والحروب، ويسعون بدلاً من ذلك إلى بناء حياة قائمة على التفاهم والاحترام المتبادل.
في لبنان، كما في أماكن أخرى من العالم التي تشهد صراعات وحروب، يمكن أن نرى كيف أن الشعوب تسعى دائمًا لتحقيق السلام والاستقرار، حتى في أصعب الظروف. الكرامة الإنسانية والعيش بأمان هما من الحقوق الأساسية التي تناضل المجتمعات من أجلها، وهذا النضال يعكس رغبتها في البقاء في وجه الظروف القاسية.
الأمل في المستقبل يلعب دورًا محوريًا في هذه الرحلة، إذ ينظر الأفراد والمجتمعات إلى البقاء كفرصة لبناء عالم أفضل لأجيالهم القادمة. هذا الأمل هو ما يدفع الشعوب للتمسك بالقيم الإنسانية النبيلة، والبحث عن سبل للعيش بسلام رغم التحديات.
فالرومي، من خلال هذه المقولة، يذكّرنا بأن السعي نحو الحب والسلام والاستقرار ليس ضعفًا، بل هو أقوى أشكال المقاومة ضد الفناء.
–المحبة كبديل. عبارة “نحن لا ندق إلا طبول الحب” تجسد فلسفة جلال الدين الرومي في أبهى صورها، حيث يرى أن الحب هو القوة الأسمى التي تستطيع التغلّب على الكراهية والعنف. بالنسبة للرومي، الحب ليس مجرد شعور فردي، بل هو خيار إنساني جوهري يعزّز السلام والتسامح، ويؤدي إلى التعايش السلمي بين الأفراد والمجتمعات.
الحب في هذه الفلسفة يُعتبر أداة قوية لبناء الروابط الاجتماعية، إذ ينظر الرومي إلى الحب باعتباره القوة التي تجمع بين الناس رغم اختلافاتهم، سواء كانت دينية، عرقية، أو ثقافية. هذه الرؤية تتحدى فكرة أن القوة أو العنف هما السبيل لتحقيق السلطة أو السيطرة، بل تؤكد أن الحب هو السبيل لتحقيق الوحدة والاندماج بين البشر.
في مواجهة العنف والكراهية، يعتقد الرومي أن دق طبول الحب يعني دعوة الجميع للعودة إلى القيم الإنسانية التي تدعم التفاهم والاحترام المتبادل. الحب، وفقًا لهذه الرؤية، ليس عاطفة ضعيفة أو خاضعة، بل هو فعل قوي وواعٍ، يعزز الروابط الاجتماعية ويجعل من الممكن بناء مجتمعات تسودها الوحدة والسلام.
في السياق اللبناني، يمكن لهذه الفلسفة أن تكون مصدر إلهام للمجتمع الذي يعاني من الانقسامات والصراعات. فبدلًا من دق طبول الحرب والنزاع، يمكن أن يؤدي تبني “طبول الحب” إلى تعزيز الروابط بين الفئات المختلفة في المجتمع، والسعي نحو مستقبل قائم على التسامح والعيش المشترك.
2-لبنان: واقع مرير في ظل الصراعات
لبنان، المعروف بتنوعّه الثقافي والديني، كان لفترة طويلة رمزًا للتعايش بين مختلف الطوائف والأعراق. ومع ذلك، هذا التنوّع نفسه أصبح في كثير من الأحيان مصدرًا للتوترات والصراعات التي شكّلت تاريخ البلاد على مدى العقود الماضية. منذ الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) التي خلّفت آثارًا عميقة على المجتمع اللبناني، لم يتمكّن لبنان من استعادة استقراره الكامل، بل واجه موجات متلاحقة من الصراعات السياسية والعسكرية التي زادت من تعقيد الأوضاع.
الأزمة الاقتصادية الحالية، التي تُعد واحدة من أخطر الأزمات في تاريخ لبنان، تؤثر بشكل كبير في الحياة اليومية للمواطنين. انهيار الليرة اللبنانية، التضخم المرتفع، ارتفاع معدلات البطالة، وندرة الموارد الأساسية مثل الكهرباء والوقود، كلها عوامل تضغط على المواطنين وتزيد من تدهور الحالة المعيشية. إضافة إلى ذلك، أزمة المصارف والودائع المجمدة تزيد من حالة اليأس والغضب بين اللبنانيين، مما دفع البعض إلى الاحتجاجات والمطالبة بتغييرات جذرية في النظام السياسي والاقتصادي.
الصراعات الداخلية بين الأحزاب والطوائف السياسية المختلفة تفاقم الأزمة، حيث تتنافس القوى السياسية على النفوذ والسيطرة بدلاً من التركيز على حلول جذرية للأزمات الاجتماعية والاقتصادية. هذه الانقسامات تضعف الحكومة وتجعلها عاجزة عن اتخاذ قرارات حاسمة، مما يزيد من تعميق الفجوة بين الشعب والنخب السياسية.
أما الضغوطات الخارجية، فتلعب دورًا معقدًا في التأثير على الوضع اللبناني. التدخلات الإقليمية والدولية تسهم في تعزيز الانقسامات الداخلية، حيث تدعم بعض القوى الدولية أطرافًا على حساب أخرى، ما يجعل الحلول أكثر تعقيدًا.
في ظلّ هذه الظروف، تزايدت الأعمال العدائية، سواء على مستوى الصراعات العسكرية أو الاحتجاجات الشعبية. هذه الأوضاع تؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية، حيث يعاني الشعب من نقص في الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، وتزايد في الفقر والجوع.
رغم كل هذه التحديات، يظل الأمل معقودًا على قدرة الشعب اللبناني على تجاوز الأزمات. تاريخ لبنان حافل بالتحديات، إلا أن روح التعايش والتضامن قد تكون مفتاحًا لإيجاد مخرج من هذه الأزمات وبناء مستقبل أفضل للبلاد.
–الصراع الداخلي. على مدى عقود، كان لبنان مسرحًا لحروب أهلية وصراعات سياسية عميقة تركت آثارًا عميقة على المجتمع اللبناني. الحرب الأهلية (1975-1990) تمثل أبرز هذه الصراعات، حيث أدت إلى تقسيم المجتمع اللبناني إلى طوائف ومجموعات متناحرة، وجعلت من الطائفية السياسية والحزبية جزءًا أساسيًا من نظام الحكم. هذه الانقسامات، على الرغم من توقف الصراع المسلح، استمرت في التأثير على الحياة السياسية والاجتماعية في لبنان.
الفساد المستشري يُعد أحد أكبر المشاكل التي تواجه لبنان حاليًا. الفساد السياسي والاقتصادي يطال جميع جوانب الحياة، حيث تتورط النخب الحاكمة في شبكة معقدة من المصالح الشخصية والحزبية التي تعوق أي محاولة للإصلاح. الفساد بات متجذرًا في المؤسسات الحكومية، من التوظيف إلى الصفقات العامة، ويعزز الانقسامات الطائفية والسياسية. يُعتبر المحسوبية والزبائنية عوامل رئيسية في توزيع الموارد والمناصب على أسس طائفية وحزبية، مما يزيد من استياء الشعب ويعزز الفوارق الاجتماعية.
انعدام الثقة في المؤسسات الحكومية هو نتيجة مباشرة للفساد وسوء الإدارة. الشعب اللبناني يشعر بخيبة أمل كبيرة تجاه مؤسساته، سواء كانت السلطة التنفيذية أو القضائية أو حتى الأجهزة الأمنية. الأزمات المتلاحقة، من انهيار الليرة اللبنانية إلى تفجير مرفأ بيروت في 2020، كشفت بوضوح عجز النظام السياسي عن حماية مصالح المواطنين أو تحقيق العدالة والمساءلة. هذا الفقدان للثقة يشكل عقبة كبيرة أمام أي إصلاح حقيقي، حيث لا يمكن للمجتمع أن ينهض إذا كانت الثقة في القيادة والمؤسسات شبه معدومة.
غياب العدالة الاجتماعية أيضًا هو نتيجة لتلك الانقسامات والصراعات. الفجوة بين الأغنياء والفقراء تتسع يومًا بعد يوم، في حين أن الطبقة الوسطى التي كانت تشكل أساس المجتمع اللبناني تنهار تدريجيًا. التوزيع غير العادل للثروة والخدمات الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية، يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد. الفئات الأكثر ضعفًا، مثل اللاجئين والعمالة غير النظامية، تعاني أكثر من غيرها، وتجد نفسها في حالة من التهميش والحرمان.
الصراعات السياسية والطائفية تترك لبنان في دوامة مستمرة من عدم الاستقرار، حيث تركز القوى السياسية على مصالحها الخاصة بدلاً من تقديم حلول للأزمات المتفاقمة. ومع استمرار هذه الانقسامات وغياب العدالة والشفافية، يبدو من الصعب تخيل حل سريع للأزمة اللبنانية. ومع ذلك، يبقى الأمل في الصحوة الشعبية، التي بدأت تظهر بشكل أوضح في السنوات الأخيرة، كوسيلة للضغط نحو إصلاح شامل يعيد بناء الثقة في الدولة ويحقق العدالة الاجتماعية.
–الوضع الاقتصادي. لبنان يواجه اليوم أزمة اقتصادية خانقة تُعتبر من أخطر الأزمات في تاريخه الحديث. المواطنون يعانون من آثار هذه الأزمة على حياتهم اليومية، حيث ترتفع معدلات البطالة بشكل مقلق، وتدهور مستوى المعيشة يجعل الحصول على الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء، الدواء، وحتى الكهرباء، أمرًا صعبًا للغاية. هذا الوضع المأساوي أدى إلى انتشار الفقر على نطاق واسع، وتزايد مشاعر اليأس والإحباط بين الناس.
أزمة الغذاء، على سبيل المثال، تجعل كثيرًا من العائلات غير قادرة على تأمين احتياجاتها اليومية، مع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني وتراجع القدرة الشرائية. أما الدواء، الذي كان متاحًا بسهولة في لبنان في العقود الماضية، فقد أصبح نادرًا، مما يعرض حياة المرضى للخطر. هذه الأزمات المتشابكة تتسبب في معاناة إنسانية حقيقية، حيث يجد المواطنون أنفسهم مشغولين بما يشبه “الدماء والفناء“، مع انعدام الأمان المعيشي والاقتصادي.
هذا الواقع المظلم يتناقض بشكل كبير مع رسالة الحب والأمل التي دعا إليها جلال الدين الرومي. فبينما يرمز الحب في فلسفته إلى الأمل والاستمرارية والبقاء، يشعر كثيرون في لبنان اليوم بأنهم محاصرون في دوامة من العنف الاقتصادي والاجتماعي التي تجعلهم غير قادرين على النظر إلى المستقبل بعين التفاؤل. العنف هنا لا يتمثل في النزاع المسلح فحسب، بل في الانهيار المعيشي والاقتصادي الذي يُعتبر شكلاً من أشكال الفناء المستمر.
وفي مواجهة هذه التحديات، يبقى دور الحب والتضامن الاجتماعي أكثر أهمية من أي وقت مضى. قد تبدو دعوة الرومي للحب والسلام بعيدة عن الواقع الحالي، لكنها تمثل بوصلة أخلاقية يمكن أن توجه المجتمع اللبناني نحو تجاوز هذه الأزمات. فالتكاتف المجتمعي والتمسك بالقيم الإنسانية مثل التعاطف والمساعدة المتبادلة قد يكونان السبيل الوحيد للنجاة في ظل هذه الظروف. الحب الذي دعا إليه الرومي ليس مجرد عاطفة، بل قوة تدفع المجتمعات لتجاوز الصعاب وبناء مستقبل أفضل، حتى عندما تبدو الظروف أشد قتامة.
في النهاية، على الرغم من أن الناس في لبنان قد يشعرون بأنهم غارقون في الفناء المادي والمعنوي، إلا أن رسالة الحب والتسامح تبقى تذكرة دائمة بإمكانية النهوض من تحت الركام وإعادة بناء المجتمع على أسس من الوحدة والأمل.
–الحاجة إلى الحب والتسامح. رسالة جلال الدين الرومي تصبح أكثر أهمية في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان اليوم. فلسفته التي تدعو إلى الحب والتسامح، ليست مجرد فكرة مثالية بل ضرورة اجتماعية لمواجهة التحديات العميقة التي تعصف بالبلاد. لبنان بحاجة ماسة إلى تعزيز ثقافة الحب والتسامح بين جميع مكوناته الاجتماعية والطائفية، لأن الحلول الحقيقية لا يمكن أن تأتي إلا من خلال الوحدة والتضامن.
التوترات الطائفية والانقسامات السياسية المستمرة في لبنان أدت إلى زعزعة الاستقرار الداخلي، وتفاقمت مع الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد. في ظل هذه الظروف، لا يمكن لمجتمع منقسم أن ينجو. الرومي يذكرنا بأن الحل يكمن في تجاوز الانقسامات وبناء الجسور بين الناس من خلال الحب والتسامح. التواصل الصادق والتعاون بين اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم يمكن أن يخلق مساحة جديدة من الثقة والإيجابية.
الحب، كما يراه الرومي، ليس مجرد شعور فردي، بل هو فعل جماعي يتمثل في التضامن والتفهم والاحترام المتبادل. في لبنان، حيث التعددية الثقافية والدينية جزء من الهوية الوطنية، يمكن أن يكون هذا الحب قوة موحدة. من خلال تعزيز ثقافة التسامح والتعاون، يمكن للشعب اللبناني أن يواجه التحديات الاقتصادية والسياسية بروح من الأمل والإصرار على بناء مستقبل مشرق.
بالإضافة إلى ذلك، التعاون بين مكونات المجتمع اللبناني، سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي، يمكن أن يؤدي إلى حلول مستدامة للأزمات الحالية. لا يمكن أن تتحقق العدالة الاجتماعية أو الإصلاحات الاقتصادية في بيئة يسودها الانقسام والتوتر. لذلك، التعاون بين الفئات المختلفة في المجتمع والتواصل الإيجابي بين القادة والشعب هما مفتاح التغلب على هذه الأزمات.
في النهاية، رسالة الرومي تذكرنا بأن الحب هو القوة الوحيدة القادرة على تحويل الصعوبات إلى فرص للتجديد والإصلاح. إذا تمكن اللبنانيون من تبني هذا النهج والعمل معًا بروح من التسامح والوحدة، يمكنهم تجاوز هذه الأزمة وبناء مستقبل أفضل وأكثر إشراقًا للجميع.
3- الخاتمة
مقولة جلال الدين الرومي تعكس بعمق جوهر التجربة الإنسانية في مواجهة العنف والدمار بالحس الإنساني والروحاني. في سياق لبنان، حيث تعصف الأزمات والصراعات بالمجتمع، فإن هذه الكلمات تأخذ بُعدًا خاصًا. عندما يُنشغل الكثيرون بالدماء والفناء، يكون التحدي الأكبر هو في العثور على القوة الداخلية للمحبة والتسامح، وجعلها دافعًا للعمل الجماعي لبناء وطن مستقر وآمن.
السلام الداخلي، كما أشارت إليه مقولة الرومي، هو السبيل الحقيقي للخروج من دائرة الصراع والتوتر التي يعاني منها لبنان. المحبة، باعتبارها قوة إيجابية، تستطيع أن تهزم الكراهية والانقسامات الطائفية والسياسية التي مزّقت النسيج الاجتماعي. عندما يدق اللبنانيون “طبول الحب” في قلوبهم وعقولهم، يمكن أن يعيدوا الأمل ويخلقوا جوًا من الوحدة والتلاحم في هذا البلد المتنوع والجميل.
إن إعادة بناء لبنان تتطلب جهدًا جماعيًا، مبنيًا على أسس من التسامح والتفاهم، حيث يعمل الجميع بروح من التضامن والإيجابية. طبول الحرب والصراع لم تجلب للبنان إلا المزيد من المعاناة والتدهور، في حين أن طبول الحب قادرة على إحياء روح الأمل، وإعادة الثقة في بناء وطن يتسع للجميع. لبنان، بجماله الطبيعي وتاريخه العريق، يستحق أن يُبنى على أسس من السلام والتعايش، وهذه الرسالة هي ما تحتاجه البلاد اليوم أكثر من أي وقت مضى.