انتباه الأهل ضروري… في المياه رصاص وطفيليّات
إعداد باسكال هبر بجاني
الحديث عن سلامة الأطعمة وفسادها، كما يحصل اليوم في لبنان وفي كثير من الدّول، شرقًا وغربًا،يكون أحياناً حافلاً بالمتناقضات التي ربما جعلت الإنسان حائراً لا يكاد يعرف وسيلة للتمييز بين ما هو صحي نافع وما هو ضار محفوف بالأخطار. وعلى سبيل المثال، فمن المؤكد أن السمك ضروري للجسم. ولكننا لا نُعدم أشخاصاً يحذروننا من أن الزئبق والمواد الكيمائية التي تحتوي عليها الأسماك، هي مواد سامة!
كذلك الماء. إن الإكثار من شربه شيء صحي يوصي به خبراء التغذية. ولكننا كثيراً ما نسمع عن تحذيرات من الرصاص والطفيليات في المواد المائية!
مثل ذلك الدواجن والبيض ولحوم الأبقار ولبنها. فقد توجد جراثيم السالمونيلا الفتّاكة في لحوم الدجاج وبيضه، كما يقول أولئك الشديدو التقيّد بقواعد الصحة. ويضيفون أن لحم البقر ربما احتوى على جراثيم الأشريكية القولونية E.Coli بل وحليب البقر يُمكن أن يكون محتوياً على آثار من المضادات الحيوية.
هذه المتناقضات والتحذيرات حريّة بأن تبلبل عقول الكثيرين. وربما جعلتهم يحجمون عن تناول كثير من الأطعمة التي لا غنًى لأجسامهم عنها، خوفاً من المرض! فهل تستطيع أنت أن تتلمس طريقك بأمان وسط هذا الفيض من الإدعاءات، والإدعاءات المناقضة لها؟
في ما يلي بعض النصائح التي يُمكن أن تُساعدك على معرفة الفوائد والمحاذير، وعلى حماية نفسك وأفراد أسرتك من المخاطر:
1- الحليب ومنتجات الألبان الأخرى والبيض. مع أن منتجاتنا من الحليب تكون بعد التعقيم مأمونة من الناحية الأساسية، الا أن هذه المنتجات لا تظلّ خالية من بعض الأذى. وقد أقرّ قبل سنوات في الولايات المتحدة، عقار أُطلق عليه اسم (RBST)، من أجل زيادة ادرار الأبقار. وقد وصفت إدارة الأغذية والعقاقير (FDA) هذا العقار بأنه مأمون سليم من الأذى للبشر، لأنه شبيه بالهورمون الطبيعي الذي تنتجه أبقار المباقر. ولكن دول الإتحاد الأوروبي منعت استخدامه لحقن أبقارها به، وأجّلت استخدامه الى ما بعد إجراء دراسات عليه في أوروبا.
ولهذا التأجيل سبب، اذ أن الأبقار التي تُحقن بعقار (RBST)، تصبح معرّضة لشيء من الخمج في ضروعها (التهاب الضرع) ولكن هذا الخمج يصيب كلّ الأبقار التي يكون انتاجها من الحليب غزيراً، ويُمكن معالجتها عن طريق الزيادة في استخدام المضادات الحيوية، وآثار من هذه العقاقير المضادة للجراثيم يُمكن تسربّها الى الحليب المُنتج. وهكذا يكون الإنسان معرّضاً لمستويات دنيا من هذه المضادات الحيوية، ليس فقط عن طريق شرب حليب هذه الأبقار، وانما يُصاب أيضاً عن طريق أكل لحومها، أو لحوم الدواجن القريبة منها، والأسماك في المزارع السمكيّة القريبة كذلك.
وقد قدّرت إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية عدد العقاقير المستخدمة في الولايات المتحدة لمعالجة أبقار المباقر الأميركية بـ 85 عقاراً. ومن المفترض أن يُطرح مربو الماشية حليب الأبقار المعالِجَة بهذه العقاقير، مُدَداً معينة ولفترة محدودة، منعاً لرسوبيات هذه العقاقير من الوصول الى الحليب. ولكن هذا الإجراء الوقائي لا يتبع في أكثر الأحيان!
وليست هذه الملوّثات هي المواد الوحيدة التي قد تصل الى الحليب، بل إن منتجات الألبان بعامة، وكذلك البيض، قد تتلوث بجراثيم سالمونيلا، وهي جراثيم خطيرة تؤدي الى الإصابة بإسهال شديد ومغص وحمى وغثيان وإقياء.
للوقاية، ماذا نفعل؟ تحاشَ شرب الحليب غير المعقّم أو غير المُبسْتر، وكذلك لا تتناول منتجات الألبان قبل غَلْيها الى درجة كافية واحفظ البيض في البراد، واستعمله خلال ثلاثة الى خمسة أسابيع (بعد التبريد). عالج البيض عند طبخه أو قَلْيِه بالحرارة الكافية بحيث يُحمى البياض والصفار معاً الى الحدّ الكافي. تجنّب الأطعمة المحتوية على بيض نيء.
2- اللحوم والدواجن. ان جراثيم الأشريكية القولونية (E.Coli) يُمكن أن تلوّث أي طعام مثل الهمبرغر السيء الإعداد أو لحم البقر المشوي أو الحليب النيء أو عصير التفاح أو الماء الملوث أو الخضر التي تنبت مسمّدة برُوَث البقر، وهذه الجراثيم قابلة للإنتقال بعد ذلك من شخص الى آخر، وعدد المصابين بتسمّم الأشريكة القولونية كل عام هو كبير جدًّا، عدا عن الإسهال المدمّى، يُمكن أن تُسبّب الإصابة مرضاً مؤدياً الى قصور كلوي عند الشباب والشيوخ على السواء.
ومع إمكان تلويث لحوم الدواجن والبيض بالسالمونيلا، فإن اللحوم بعامة قد تُصبح محتوية على فضلات من العقاقير والمبيدات الحشرية والمواد الكيمائية الصناعية مثل سموم ديوكسين، والمعادن الثقيلة مثل الزئبق والرصاص، وهذه جميعاً يُمكن أن تُحدث في جسم الإنسان آثاراً صحية مؤذية مزمنة.
لحماية نفسك، انضج لحوم الحيوان والدواجن عند طبخها، انضاجاً وافياً. وعند تبريد الدواجن النيئة في الثلاجة، ابقها ملفوفة في اللفائف الأصلية التي اشتريت بها. يجب استهلاك لحوم الدواجن واللحوم الحمراء المفرومة، خلال يومَيْن على الأكثر. فإذا كان من المطلوب استخدامها بعد مدّة أطول من ذلك، فيجب حَفْظها في مجمّدة البراد. وبعد معالجة اللحوم النيئة، يجب غسل اليدَيْن وأدوات المطبخ وسطوح ألواح الفرم والتقطيع بالماء الدافئ والصابون. ومن الضروري أن تُطرح من اللحوم المواد الشحمية، حيث يكون تركيز المواد السمية. ويُسري ذلك أيضاً على جلود لحوم الدواجن.
3- الأطعمة البحرية. يُمكن أن يكون السمك أيضاً محتوياً على جراثيم السالمونيلا. ويُمكن كذلك أن تتلوث لحوم الصدفيات كالمُحار بمياه الصرف الصحي التي تصبّ في البحر.
كما أن لحوم المخلوقات البحرية يُمكن أن تكون محتوية على فضلات من المبيدات الحشرية التي تصل الى البحر عن طريق الأنهار والجداول التي تصبّ فيه، مثل الد. د.ت والمعادن الثقيلة مثل الزئبق، فضلاً عن المواد الكيمائية من المصانع.
لحماية نفسك، إنتقِ الأطعمة البحرية الطازجة التي لا تنبعث منها روائح ذفِرة. عند شرائك السمك من السوق، إخترْ الأسماك البراقة العينَيْن، اصلبة ملمس اللحم. ضَعْها في علبة التجميد بالبراد. ولا تُبقها خارجه أكثر من ساعَتَيْن. عند الإستعمال تنقل الأسماك من المجمدّة وتبقى محفوظة في البراد أثناء ذوبان الثلج عنها.
اياك وأكل المحار النيئ اذا كان مستخرجاً من مياه ملوثة. المحار يجب سلقه طازجاً عند طبخه. وهذا يُسري أيضاً على السرطانات والكركند.
أطبخ كل اللحوم البحرية طبخاً كافياً لقتل كلّ الجراثيم التي يُمكن أن تكون عالقة بها.
ان أسماك المياه البحرية العميقة، أقل ضرراً من الأسماك المصيّدة في الأنهاء والبحيرات الحلوة.
4- الماء. أغلب المنازل تستعمل مياهًا صحية نظيفة مستوفية لشروط الصحة البيئية. ولكن هنالك منازل، وهي قلّة، تستعمل مياهًا غير مستوفية لكامل الشروط الصحية. وغنيٌ عن القول ان شرب المياه الملوّثة يُحدث آثاراً ضارة بالصحة ترافق شاربها طوال حياته، محدثة خللاً في آلية التطوّر عند الأطفال ومسبِّبة أمراضاً عدّة مثل الآفات القلبية والغدة الدرقية، وكذلك اضطرابات تصيب الجملة العصبية، وخلاف ذلك.
لحماية نفسك، لا تشرب من الحنفية ماء حاراً، ولا تطبخي بماء الحنفية الحار. بل يجب قبل شرب الماء من الحنفية أو طبخ الطعام به أن تفتح الحنفية بضع دقائق الى أن يُصبح الماء الخارج منها بارداً. ان وجود بقع زرقاء مائلة الى الخضرة في الماء قد يكون دالاً على حدوث تأكّل في الأنابيب أو الحنفية وتسرّب مادة النحاس الى الماء بسبب ذلك، وقد يتسرّب الرصاص أيضاً.
تأكّد من نظافة الماء قبل استعماله. والجراثيم والمواد الكيمائية الممكن وجودها فيه والتي لا تُمكن رؤيتها بالعين المجرّدة ولا طعم لها ولا رائحة، ولكنها مع ذلك يُمكن أن تسبّب مرضًا للإنسان.
قد تستعمل أدوات التصفية (فيلتر) آملاً بانقاص محتويات الماء من الملوّثات، أو منعها. ولكن الشيء الذي ينبغي معرفته هنا هو أن مواد التصفية على عدّة أنواع، وكل نوع منها مخصّص لمادة ملوّثة بعينها. لذلك يُستبعد وجود مصفاة صالحة لإزالة كل الملوثات. ولهذا السبب يجب بذل العناية عند اختيار المصفاة وجعلها كافية للوفاء بغاية محدّدة ونوع معين من تلك الملوثات.