الشيخ محمد بن راشد مترئسًا مجلس الوزراء
الإهتمام بالقطاع السياحي بات شغل الدُول الشاغل نظراً الى ما تدرّه من عائدات يستفيد منها المواطنون كما خزينة الدولة المعنية. من هنا، بتنا نجد الدول الطامحة الى هذا الإهتمام تنصح بإقامة المؤتمرات والمهرجانات والمنتديات وما شابه في أمكنة سياحية للترويج لها، وتالياً لتُسدي هذه الخدمة “المالية”، اذا جاز التعبير، للدولة المضيفة هذه المؤتمرات، ولنا في ما يحصل بقطاع التأمين الدليل الساطع. فالأردن، مثلاً، يشجع على أن تكون مدينة العقبة مركزاً للتلاقي والإجتماعات، وهذا ما حصل، وفي أيار المقبل ينعقد فيها مؤتمر العقبة التاسع، بينما نرى مؤتمرات شرم الشيخ تتوالى وعلى كافة الأصعدة، وقريباً ستكون هذ المدينة حاضنة لمؤتمر تأميني رابع يحمل اسمها. ومع انتشار هذه “العدوى” المحبّبة، اعتمدت تونس جزيرة Djerba السياحية مكاناً للمؤتمرات وفعلت الجزائر مثلها بتسمية “وهران” لمهمات مشابهة.
والملاحظ أن مصر تبدو الأكثر استعجالاً بعد النكسة السياحية التي أصابتها جرّاء الحرب الروسية-الأوكرانية، اذ كان سكان هاتَيْن الدولَتَيْن هم الأكثر اهتماماً بالمعالم السياحية المصرية، وكان توافدهم الى هذه الدولة لا يتوقّف بل دائم. وبسبب تلك الحرب تراجعت العائدات بالعملة الصعبة، ما أضطُرّ الحكومة الى اتخاذ إجراءات على صعيد الإستيراد تتماشى والواقع المستجد..
من هنا نفهم ما صدر عن الحكومة المصرية من تصريحات تُفيد بأن “ملف السياحة” في مقدمة الأولويات، في خطوة تستهدف زيادة أعداد السائحين الوافدين الى البلاد خلال المرحلة المقبلة، وجذب الإستثمار الأجنبي لهذا القطاع الحيوي، حيث تسهم السياحة بما يصل الى 15 في المائة من الناتج الإقتصادي لمصر، ما يُشكّل مصدراً رئيسياً للعملات الخارجية، وفقاً للبيانات الرسمية.
رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي وخلال لقائه مستثمرين سياحيين في مدينة شرم الشيخ، قبل أيام، شدّد على السعي الحكومي لجذب العوائد للقطاع، كاشفاً عن الرغبة في الوصول الى “هدف 30 مليار دولار” من قطاع السياحة، مضيفاً “بدأنا بالفعل في تنفيذ عدد من المقترحات لجذب مزيد من السيّاح من أنحاء العالم خلال الفترة المقبلة”، ومؤكداً أن كلّ ما هو مطلوب من الدولة في هذا القطاع “ستنفّذه الحكومة على الفور”، موجهاً تساؤلاً للمستثمرين: “لماذا لا نستهدف نسبة إشغال 100 في المائة؟”.
وجاء تعيين المصرفي أحمد عيسى، وزيراً للسياحة، أخيراً، ليعكس ذلك التوجه، خاصة أن القطاع السياحي المصري عانى خلال الأعوام الأخيرة من عدة أزمات تسبّبت في تراجع عائداته، من بينها جائحة “كوفيد-19” ثم الأزمة “الروسية-الأوكرانية”.
ووفقاً لبيانات البنك المركزي المصري، انخفضت إيرادات السياحة في مصر بأكثر من 66 في المائة، خلال 2020 بسبب انتشار جائحة كوفيد-19 لتهبط الى 4،4 مليار دولار، مقابل أكثر من 13 ملياراً في 2019، قبل أن تسترد نحو 68 في المائة من تلك الإيرادات في 2021. ولكن هل تكفي التمنيات والتصريحات لتحقيق أشغال نسبته مئة في المئة؟ طبعاً لا، فالمطلوب اتخاذ اجراءات عدة، أهمها تحسين البنى التحتية، تعاون الجهات الحكومية المعنية بعضها مع البعض الآخر، إنجاح قطاع يتّسم الى حد ما بطابع تقليدي في العمل، في بلد يعج بالمنتجعات السياحية المتنوعة: الثقافية والدينية والعلاجية وغيرها، لكن ما ينقصه هو الترويج السياحي الذي تشتهر به تركيا على سبيل المثال لا الحصر.
ومن الأدلة على حاجة مصر الماسة الى دعم القطاع السياحي لها، أن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي طالب مجموعة من المستثمرين السياحيين، كما كتبت الصحف، بإعداد قائمة بجميع الطلبات والمقترحات للنهوض بهذا القطاع. قائلاً:” حتى لو طالبتم بلبن العصفور!”
يذكر هنا أن استعدادات كبيرة جارية حالياً لإستضافة الدورة 27 لقمة مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغيير المناخ (COP 27) في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. ويجري حالياً تنفيذ مشروعات في مدينة شرم الشيخ (حيث سيعقد المؤتمر) في إطار الإستعدادات لقمة المناخ التي تراها مصر حقيقية لزيادة أعداد السيّاح الوافدين الى المدينة خلال المرحلة المقبلة..
من ناحية ثانية، وفي المجال نفسه، أظهرت النتائج والمؤشرات في دولة الإمارات تنامياً في قطاع السياجة خلال النصف الأول من 2022 اذ ارتفعت مساهمة السياحة في الإقتصاد الوطني بنسبة 12 في المائة، وزيادة نسبة نمو عدد نزلاء الفنادق في البلاد بنسبة 42 في المائة باجمالي 12 مليون نزيل مقارنة بنسبة 6،2 في المائة قبل الجائحة، فيما حقّق القطاع السياحي إيرادات بلغ 19 مليار درهم (5،1 مليار دولار) خلال النصف الأول من العام الجاري.
جاء الإعلان عن النتائج خلال ترؤس محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، مجلس الوزراء، صرّح فيه قائلاً: “مؤشراتنا اليوم أقوى من مؤشراتنا قبل الجائحة، ونموّنا الإقتصادي أسرع منه قبل الجائحة، وقطاعاتنا التجارية والتنموية أضخم منها قبل الجائحة”، مؤكداً أن “دولة الإمارات بقيادة أخي محمد بن زايد كانت الأسرع في تجاوز آثار الجائحة الأكبر التي مرّت على البشرية، وكانت الأكثر توازناً بين صحة الإنسان ومصالحه الإقتصادية”. أضاف: “ما زالت الكثير من الدول في شرق العالم وغربه تعاني آثار الجائحة، وما زالت التجارة العالمية لم تستعد قوتها بعد، ولكن دولة الإمارات أصبحت نموذجاً واستثناء عالمياً في سرعة وقوة النمو بعد الجائحة”. تابع:” مؤشراتنا التنموية اليوم حقّقت المركز الأول عالمياً في 156 مؤشراً مقارنة بـ 121 مؤشراً قبل الجائحة، و432 مؤشرًا ضمن المراكز العشرة الأولى عالمياً، مقارنة بـ 314 قبل الجائحة، نحن الأول عالمياً في جذب المواهب، وفي البنية التحتية، وفي مرونة القوانين وقدرتنا على التكيف وغيرها”.
وذكر الشيخ محمد بن راشد: “تجارتنا الخارجية للشهور 6 الأولى من العام الحالي تجاوزت تريليون درهم (272 مليار دولار) مقارنة بنحو 840 مليار درهم (228،6 مليار دولار) قبل الجائحة، نمونا الإقتصادي تجاوز نسبة 22 في المائة خلال العام 2022. قطاعنا السياحي تجاوزت ايراداته 19 مليار درهم (5،1 مليار دولار) خلال النصف الأول من العام الجاري، وبلغ إجمالي نزلاء الفنادق 12 مليون نزيل، محققاً نمواً بـ 42 في المائة، وتوقعات بانتعاشة سياحية قوية مع موسم الشتاء القادم”. وقال: “أقررنا اليوم خلال اجتماع مجلس الوزراء اصدار قانون جديد للشراكة بين القطاعَيْن الحكومي والخاص، هدفنا خلق فرص وتشجيع القطاع الخاص للدخول في المشاريع التنموية والإقتصادية والإجتماعية، وتطوير شراكات تؤدي لتحسين جودة الخدمات العاملة”. وقال:”اعتمدنا في مجلس الوزراء الترخيص المؤقت لأول طائرة شحن في المنطقة تعمل بالطاقة الكهربائية النظيفة بالكامل ودون أي انبعاثات، وهي خطوة مهمة قد تساهم في تغيير مستقبل قطاع الشحن مستقبلاً وتأثيراته البيئية”. أضاف: “أقررنا عدداً من الإتفاقيات الدولية، منها اتفاقية الشراكة الشاملة مع اندونيسيا، واتفاقية مع اسبانيا للتعاون في مجال مكافحة الجريمة، واتفاقية مع الصليب الأحمر الدولي لإنشاء مكتب له في الدولة، وغيرها من اتفاقيات تجنب الإزدواج الضريبي مع عدد من الدول التنافسية مع دولة الإمارات”.