الطواف حول الكعبة المشرفة
غدًا الثلاثاء يحلّ عيد الأضحى المبارك على العالمَيْن الإسلامي والعربي، بعدما طاف الحجّاج حول الكعبة المشرفة وقاموا بالسعي بين الصفا والمروى قبل أن يتوجّهوا إلى منى، ومنها إلى عرفات، على بُعد عشرة كيلومترات، لأداء أهمّ أركان مناسك الحجّ الذي يعقبه حلول العيد. وكما بات معلومًا، فإنّ الحجّ هذا العام اقتصر على المقيمين في المملكة الملقّحين ضدّ كوفيد 19 والذين تتراوح أعمارهم بين 18 و65 عامًا ومن غير أصحاب الأمراض المُزمنة، وسط ظروف استثنائيّة من حيث التنظيم والعدد، وذلك للعام الثاني تواليًا. ووفق الأرقام الموزّعة، فإنّ عدد المشاركين في الطواف وصل إلى 60 ألف مقيم مقارنة بنحو 2،5 مليون مسلم حضروا في العام 2019. وقد اختير المشاركون من بين 522 ألف متقدّم وفق نظام تدقيق الكتروني. ولمزيدٍ من الحرص على سلامة الحجّاج وحفظ الأمن، نشرت السلطات السعوديّة نقاط تفتيش عدّة على الطرق الرئيسيّة المؤديّة إلى الحرم في مكّة. وكانت “قناة الإخباريّة” الحكوميّة، وعشية بدء المناسك، قد بثّت مقاطع مصوّرة لعمّال يعقّمون المنطقة المحيطة بالكعبة وسط المسجد الحرام، مع الإشارة إلى أنّ نقاط التفتيش الأمنيّة منعَت الحجّاج من لَمْس البناء المغلّف بقماشٍ أسود مطرّز بالذهب.
جدير بالذكر أن المسجد الحرام بمكّة المكرّمة مرّ بكثيرٍ من التحوّلات لاستيعاب أعداد المصلّين، وقد شهد الحرم المكّي الشريف ثلاث توسّعات مختلفة، كان آخرها “التوسعة السعودية الثالثة” في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، والتي استكملها من بعده الملك سلمان بن عبد العزيز، وهي أكبر توسعة في تاريخ المسجد الحرام منذ فجر الإسلام، إذ بلغت تكلفتها 200 مليار ريال تقريبًا، لرفع الطاقة الاستيعابية إلى مليون و600 ألف مصلٍّ خارج أوقات الذروة.
ومنذ بداية التوسعة السعودية الأولى، حرصت المملكة على تزويد المسجد الحرام بمختلف النُظُم والشبكات التي تدعم المسجد، وتضمن سلاسة أداء الشعائر في جوّ من الروحانية والطمأنينة. وقد نال نظام التكييف والتبريد داخل أروقة وساحات الحرم نصيبه من الاهتمام.
وفي تقريرٍ لـ W7Worldwide للاستشارات الاستراتيجية والإعلامية، فإنّ تبريد الحرم بدأ في عهد الملك عبد العزيز عام 1954 مع بدء التوسعة الأولى، حيث تمّ تركيب المراوح الكهربائية السقفيّة والجداريّة للمرة الأولى. ومع مرور الزمن، تمّ تطوير نظام التكييف عن طريق دفع الهواء البارد من خلال مجارٍ هوائية من الصاج المجلفن. وفي عام 1989، وضمن أعمال التوسعة السعودية الثانية في عهد الملك فهد، صُمّم نظام تكييف شامل، تضمّن عمل فتحات في قواعد الأعمدة المستديرة لدفع الهواء الساخن خارج المسجد الحرام عبر مجارٍ خاصة متصلة بمجاري التكييف، علاوة على تركيب عدد من وحدات مناولة الهواء.
وفي العام 1993، ودائمًا حسب التقرير المُشار إليه، شهد نظام تبريد المسجد الحرام، إنشاء أول محطة تبريد مركزية في منطقة أجياد القريبة من الحرم، حيث زُوّدت بــ 32 مبرّد (تشيلر) قدرتها التبريديّة 11,520 طنًّا وذلك بالتعاون مع شركة آل سالم جونسون كنترولز (يورك). ومع مراحل توسعة المسجد الحرام لاستيعاب الأعداد المتزايدة للمصلين والمعتمرين والحجاج، تمّ إنشاء محطة أجياد الثانية في العام 2008، وقد دخلت حيز التشغيل الفعلي في العام 2010، مزوّدة بـ 28 مبرد (تشيلر) يورك، وبقدرة 6,960 طنًّا. وتزامنًا مع هذه التوسعة، زُوّد المسجد الحرام بأعداد كبيرة من وحدات مناولة الهواء، أغلبها سعودية الصنع، موزعة في جميع أنحاء المسجد، وقد ارتبَطَتْ بمحطات التبريد عبر شبكة المياه المبردة. وفي العام 2012، تمّ إنشاء محطة أجياد الثالثة، وبدأ تشغيلها في العام التالي بقدرة تبريديّة تصل إلى 15,450 طنًّا. وقد زوّدت بـ 3 مبردات (تشيلرات) يورك ذات الطرد المركزي.
ومع ارتفاع الطاقة الاستيعابية للمسجد، وبالتالي ازدياد أعداد ضيوف الرحمن طوال العام، ولضمان كفاءة نظام التكييف والتبريد، تقرّر في العام 2011 إنشاء محطة تبريد جديدة في منطقة الشامية، دخلت مرحلة التشغيل الفعلي عام 2014، بـ 15 مبردًا يورك، بسعة 120 ألف طن تبريد، وهي ثاني أكبر محطة تبريد على مستوى العالم. ونظرًا لكونها رائدة في مجال التدفئة والتهوية والتكييف والتبريد وخدمات الصيانة ذات العلاقة، أُسند إلى شركة آل سالم جونسون كنترولز (يورك) عقد صيانة وتشغيل محطات التبريد. ومن أجل خصّصت فريقا من الفنيّين الخبراء للعمل على مدار الساعة في محطات التبريد وداخل الحرم، للاستجابة الفورية لطلبات الصيانة والإصلاح السريع، حفاظًا على راحة ضيوف الرحمن.
جدير بالذكر أنّ شركة آل سالم جونسون كنترولز تأسّست في العام 1991، وكانت ثمرة شراكة استراتيجية بين مجموعة شركات آل سالم وشركة جونسون كنترولز العالميّة، الشركة الأم ليورك، وهي شركة متعدّدة الصناعات ورائدة في توفير الحلول المتكاملة التي تشمل مجالات التهوية والتبريد والتكييف وأنظمة السلامة من الحريق والأمن، ونظم إدارة والتحكم في المنشآت، للقطاعات السكنية والتجارية والصناعية في كل من المملكة العربية والسعودية ولبنان ومصر واليمن.
وتُعرف الشركة في السوق المحليّة بصفتها آل سالم يورك، وهي من أوائل الشركات في المملكة المتخصصة في توفير حلول مستدامة، من خلال تشكيلة واسعة من المنتجات والخدمات التي تعمل على تعزيز كفاءة استخدام الطاقة، علاوة على تحسين مستويات الراحة والأمان، وبفريق عمل يتجاوز ألفَيْ موظّف.
يبقى أنّ أُسرة مجلة “تأمين ومصارف” تتمنّى للمسلمين والعرب عيدًا مباركًا بهذه المناسبة الكريمة، آملةً أن يستعيد أصحاب هذا العيد إلفتَهم وتضامنهم وتعاضدهم وتآزرهم لما فيه خير البلدان العربيّة والإسلاميّة، وعلى أمل أن تواكب جميع هذه البلدان، التحديث والتطوير، كما كان الحال مع المسجد الحرام، وهذا برأينا لا يتحقّق إلاّ إذا نبذنا الأحقاد ووضعنا خلافاتنا جانبًا وسعَيْنا إلى نوعٍ من التكامل الاقتصادي الصناعي الزراعي السياحي والعمراني الذي ينمّي مواردنا ويحقّق لنا الأمن المعيشي الذاتي، وهذا أغلى ما تطمح إليه الدول المتقدّمة في العالم!