ايلي خوري… الشباب بحاجة إلى من يتفهّمهم ويستوعب مطالبهم ويحقّقها لهم…
الجلسة كما الحوار مع المدير التنفيذي “لشركة التأمين العربية” السيد ايلي انطوان خوري، ممتعان للغاية، وإلى درجة أنّ اللقاء معه كأنّه الأوّل بعد المئة. ليس لأنّ ايلي خوري من المدراء الذين يشبهون سنبلة القمح المليئة التي تنحني بثقل ثمرتها الغنيّة بفوائدها الغذائية، وإنّما لأنّه يوحي إليك، بحديثه وتطلّعاته، وبعلمه وخبرته التي تصل إلى أربعين عامًا، أنّه رجل تغييري، نهضوي ومواكب للعصر، بكلّ ما في هذه الأوصاف من معانٍ. صحيح أنّ شركة التأمين العربية هي الأقدم في لبنان وفي المنطقة، مبنًى ورخصة وتوسّعًا وابتكارًا للبرامج وتجديدًا فيها ونيلاً للتصنيفات العالميّة ودعمًا من واحدٍ من المصارف الكبرى ذي الامتدادات المشرقيّة، هو البنك العربي، إلاّ أنّ هذا التراث التاريخي العريق يحتاج دائمًا إلى من يمسح الغبار عنه كي يعود يلمع كالأصفر الرنّان.
إيلي انطوان خوري هو من بدأ تولّي هذه المهمة منذ تسلّمه هذا المنصب قبل أشهر، مزوّدًا بخبرته الطويلة ومعرفته الواسعة وفي قطاعَيْن بات من الصعب فصل الواحد عن الآخر: المصارف والتأمين. وإذا كان طرْح هذا الاسم عند تعيينه في هذا المركز، قد ذهب بالبعض إلى حدّ الاستغراب كون خبرته مصرفية لا تأمينية، فإنّ الواقع أظهر لاحقًا، وهو ما ستبيّنه المقابلة التالية، أنّ إيلي خوري بدأ حياته المهنيّة بالتأمين، ثمّ انتقل إلى العمل المصرفي ليعود مجدّدًا إلى الحبيب الأول.
في السيرة الذاتيّة التي سمعناها منه في أثناء هذا الحديث، أنّ حياته المهنيّة (التأمينيّة) بدأها في اليونان ولمدّة أربع سنوات مع شركة ACE الكلمة المختصرة لـ Arab Commercial Entreprises، لينتقل بطلب منها إلى فرعها في مدينة الخُبَر السعوديّة، وهذه المرّة كوسيط تأميني وتقني استشاري لشركات ومؤسّسات كبيرة تتعامل معه، ناصحًا لها ومنفّذًا للرغبات في مواضيع تأمينية على درجة عالية من الأهميّة. وبعد خمس سنوات أمضاها في الخُبَر، تولّى منصب مساعد نائب الرئيس للشركة نفسها في جدّة، ليترك السعودية في العام 1995 ويعود إلى بيروت التي التقى فيها رجل التأمين المعروف أنطوان خوري الذي اتّفق وإيّاه على تأسيس شركة تأمين هي “كمبرلاند” تكون له فيها حصّة ويتولّى منصب عضو في مجلس إدارة، وهكذا كان.
كان انطوان خوري، يومها، وكيلاً لشركة AON Brokers، فطلب إليه تسلّمها وتسلّم قسم المخاطر الكبيرة في شركة كامبرلاند. لكن في العام 1999، ترك الشركة ليؤسّس شركة مالية مع آخرين اسمها Capital Finance Company اختصارها CFC واختصاصها منح قروض بالتجزئة، فكان عضو مجلس إدارتها ونائب المدير العام فيها وقد مارس المهمّات فيها عشر سنوات، انتقل بعدها متعاونًا مع السيدَيْن فادي زريق وطارق خليفة لتقوية قسم القروض بالتجزئة في بنك “الاعتماد المصرفي”. وبالفعل، ساعد على تطوير البنك ليصبح بنكًا حديثًا، لديه منتجات جديدة وفروع و”لوغو” مُبتكر، كما عمل على تكبير رأس المال ومحفظة الودائع من مليارين إلى أربعة مليارات في غضون عشر سنوات. وفي العام 2019، وعقب المستجدّات التي شهدتها الساحة اللبنانية، قدّم استقالته من العمل المصرفي وبقي يتولّى أعمالاً استشارية لشركات في الخارج، إلى حين اتّصل به رئيس مجلس إدارة الشركة “التأمين العربية السيد وهبه تماري وطلب منه تسلّم الإدارة التنفيذيّة مكان سلفه السيد سامر ابو جوده . وكان الدافع لهذا الاختيار خبرته التي تتخطّى الـ 40 عامًا في مجال العمل المصرفي والتأميني في لبنان والمنطقة.
س: هذه الخبرة التأمينية – المصرفية يُمكن أن تقودك إلى مهمّة جديدة: تنشيط ما يُعرف بالتأمين المصرفي الـ Bancassurance في البنك العربي؟
ج: طبعًا، فعندما كنت أزاول المهنة المصرفية في بعض البنوك، كنت أتولّى أيضًا مسؤولية قسم التأمين، بالنظر إلى خبرتي الواسعة في هذا القطاع. وتأكيدًا على اهتمامي كثيرًا بهذا الجانب التأميني – المصرفي، هو طلبي من عضو مجلس إدارة البنك العربي المسؤول عن التأمينات فيه السيد منير المعشّر، الانضمام إلى فريقنا لتنشيط “الشباك التأميني” في البنك المذكور.
————————————–
-
أتَيْت من قطاعَيْ التأمين والمصارف
-
· نظّفنا صندوقنا من “اللولار” وأصبحنا نتعامل بـــ “الفريش” فقط
—————————————-
س: “شركة التأمين العربية” عريقة في تاريخها وقدَمِها وذات جذور راسخة في الأرض. فما الجديد الذي يمكن أن تضيفه، أنت شخصيًا، إلى هذه الشركة بخبرتك الواسعة في الحقلَيْن معًا التأميني والمصرفي والتي تعود إلى أربعين عامًا؟
ج: إنّ الخبرة التي أمتلكها وأسعى إلى استثمارها في “شركة التأمين العربية” تتناول عدّة محاور. أوّلاً، أنّ الشركة تفتقر إلى الاستراتيجيّة الواضحة في طريقة العمل. فعندما تسلّمت المهمّة، قمتُ وزميلي المدير العام السابق سامر أبو جوده بزيارة جميع الفروع ، وكوّنتُ فكرة عن الشركة. إنّ لشركة التأمين العربية تاريخًا ضاربًا في القِدَم، ولها انتشار واسع في المنطقة، فضلاً عن تمتّعها بمجلس إدارة من شخصيّات أكفّاء، إلى جانب أنّ لها مستثمرين على مستوى عالٍ من الملاءة والرساميل، في طليعتهم البنك العربي الذي يملك أربعين بالمئة من هذه الشركة منذ دخل الشراكة معها في العام 1970. لقد اكتشفت في هذه الجولة أنّ “شركة التأمين العربية” يمكن أن تعطي أكثر بكثير. هي جوهرة تفقد اللمعان ويكفي أن نعيد البريق إليها، حتّى تزداد وهجًا وتلمع أكثر. لهذا وضعنا خطّة عمل للسنوات الثلاث المقبلة تقوم على مبدأ إعادة تنشيط عمل الفروع بحيث تتمكّن الشركة من زيادة الأرباح. ولكن كيف؟ بإعطاء كلّ فرع حرية الحركة في مجال العمل التأميني بكلّ متطلّباته وتحويل المقرّ الرئيسي إلى منصّة تنسيقيّة بين الفروع، ولخدمتها، وبذلك يصبح كلّ فرع مركزًا ربحيًا. هذه الخطوة التي بدأناها ستعيد البريق اللامع لشركة التأمين العربية للحصول على حصّتها من السوق. صحيح أنّنا نملك نموًا ذاتيًا كبيرًا جدًّا، ولكن مع جهد إضافي نطوّر العمل ونضاعف الأرباح.
س: يردّد البعض أنّ “شركة التأمين العربية” هي بمثابة جسم قوي، ببنيته وعضلاته وعقله، ولكن تنقصه المرونة، فهل هذا التوصيف خطأ أو صحّ، وما تعليقك عليه؟
ج: من الضروري جدًّا أن تتمتّع شركة، أيًّا تكن هذه الشركة، بالمرونة، تماشيًا مع التطوّرات الكثيرة التي تحصل حاليًا، وفي ظلّ المنافسة الشرسة. إنّ التأمين العربية باتت مرنة أكثر، هذه الأيام، وتعمل بطريقة متميّزة وتتفاعل مع الزبائن بأسلوب محبّب، خصوصًا مع الشباب الذين يحتاجون إلى أشخاص يتفهّمونهم ويستوعبون مطالبهم ويحقّقونها لهم، وهذه الصفات باتت متوافرة في جميع الفروع. ولا شكّ أنّ إدخال هذه المرونة والروح الشبابية إلى الشركة سيسمح لها بمنافسة شركات كبيرة في منطقة الخليج، ونحن قادرون على هذه المنافسة: أوّلاً، لأنّ تأسيس الشركة يعود إلى – 78 سنة مضت، ثانياً ولأنّ رخصتها هي الثانية في لبنان ولأنّها ثالثًا من الشركات القليلة التي تملك تصنيفًا من شركات التصنيف العالميّة. ما تحتاجه، وكما قلنا سابقًا، هو المرونة وقد اشتغلنا عليها ونجحنا ونتابع هذا التطوّر بشكل مُستدام.
ولأنّ تقدّم الشركة لا يمكن أن يحصل من دون التكنولوجيا الحديثة التي هي العمود الفقري لأيّ شركة أو مؤسّسة، فإنّ أوّل مشروع بدأنا في تنفيذه هو تغيير النظام المعلوماتي State of the Art، النظام الجديد الذي اشتريناه هو الأفضل في العالم حاليًا ويتماشى مع التطوّر والعصرنة لسنوات عشر إلى الأمام.
س: هذا التجدّد لشركة التأمين العربية على مستوى لبنان، لا بدّ أن يتمدّد إلى جميع الفروع في الوطن العربي لتحقيق الهدف نفسه وهو التجديد ضمن القواعد الراسخة القديمة ولكن بنفحة شبابيّة تلبّي طموحات مَن هم دون العشرين. فهل فعلاً ستواكب هذه الفروع ما بدأتم به في الفرع الأم وماذا عن سوريا، هل ستماشي هذا التطوّر؟
ج: عندما نتكلم عن تطبيق التطور في الشركة فهذا يشمل التطور في كافة الشركة أن كان في المركز الرئسيي وجميع الفروع والبلاد المتواجدين فيها (لبنان – الامارت العربية المتحدة – البحرين – الكويت – قطر) إنّ وضع سوريا خاصّ بسبب العقوبات، ولهذا وضعناها جانبًا في الوقت الراهن، إلى حين تغيّر الظروف.. ولا شكّ أن سوريا عندما تُرفع عنها العقوبات ستشهد نهضة قوية جدًّا على الصعيدَيْن المصرفي والتأميني.
س: لنتناول تطبيق المعيار 17 IFRS. لقد قرأنا على مواقع التواصل الاجتماعي ونشرنا الخبر على موقعنا، أن ّشركة التأمين العربية – الأردن، وقّعت اتفاقًا مع شركة “التقنية لأنظمة المعلومات (Technosys) لتدريب جهازها التقني المحاسبي في الشركة لتكون جاهزة للانطلاق في العام 2023. فهل هذه الخطوة ستُعمّم في كلّ فروع شركة التأمين العربية؟
ج: لقد كنّا في لبنان الأوائل في العمل على تحضير أنفسنا لتطبيق المعيار IFRS 17 لتلحق بنا الشركات التابعة المنتشرة في الاردن وعُمان للالتزام بالتاريخ المُحدّد للتنفيذ وهو بداية 2023. ومن هذه الشركات : شركة التأمين العربية – الأردن التي يديرها السيد رشيد الهباب الذي يُعتبر من نخبة رجالات التأمين في المملكة الهاشمية الاردنية. ومن المعروف أنّه واكب الحديث عن هذا المعيار وأشبعه درسًا رغم صعوبة فهمه وتطبيقه أيضًا! ولكي نواكب في “شركة التأمين العربية” تطبيق هذا المعيار بطريقة سليمة، تم التنسيق مع السيد سميح جحا المدير العام لشركة Actuscope التي تتولي عمليات الاكتواري مع شركتنا لتأمين التدريب اللازم للموظفين للبدء بتطبيق معيارIFRS17 ، وكذلك مع شركتي الاستشارات Milliman وKPMG الموجودتين في دبي ، وبالتنسيق مع شركة التدقيق Ernst & Young.
الجدير ذكره هنا أنّ البيانات المالية التي تصدر في فروع الشركة في الامارات وقطر والبحرين والكويت ولبنان تُقدّم أوّلاً إلى البنك المركزي في كلّ بلد من هذه البلدان، لتصبّ، في ما بعد، في المقرّ الرئيسي.
إنّ “شركة التأمين العربية” بمركزها الرئيسي وبفروعها ستبدأ تنفيذ هذا المعيار العالمي المحاسبي الجديد بداية 2023. ولذلك فإنّ البرامج التأمينية التكنولوجية الجديدة التي نتعامل معها تأخذ بعين الاعتبار هذا المعيار الذي يجب أن يُطبّق وإلاّ لن تستطيع شركات إعادة الـتأمين أو المصارف أو شركات التصنيف التعامل مع شركات التأمين المتخلّفة عن تطبيق المعيار الجديد.
س: هل أنت مرتاح لقطاع التأمين في لبنان وكيف كانت نتائج “شركة التأمين العربية” خلال العام الماضي؟
ج: وضع قطاع التأمين في لبنان لا يُحسد عليه، وبخاصة الشركات التي ليست لها فروع في الخارج ويعود ذلك إلى الأزمة الصعبة التي تمرّ بها البلاد من اقتصادية إلى مالية إلى سياسية إلى اجتماعية… بالنسبة لشركتنا، فأمورها أسهل من غيرها لأنّ لها فروعًا في الخارج.
في العام 2021، نظرنا إلى لبنان بخوف وخاصة في ما يتعلّق بالعملة: من دولار ولولار وفريش و… كل التحديات الكبيرة وفي الحقيقة، لا أحد يمكنه قراءة البيانات المالية الصادرة عن الشركة للعام 2021، فهي تصدر بالليرة اللبنانية لهيئة الرقابة على شركات التأمين ICC، وبالدولار أيضًا ولا أحد يفهم شيئًا. لذلك، اتّخذنا قرارًا في نهاية العام 2021 بتنظيف كلّ ما يتعلّق بالليرة اللبنانية وباللولار والتعامل فقط بالفريش دولار، فتعرّضنا لخسائر كبيرة طبعًا.
س: وماذا عن محفظة فرع الاستشفاء؟
ج: حصل تراجع في المحفظة الطبية ونحن آسفون على الناس ولكن، وبصراحة، الوضع المزري جعل الكثيرين يختارون الدرجة الثانية وحتى الثالثة للاستشفاء، ومنهم من استغنوا عن تغطية الـ out. في النتيجة، نحن نسيج من هذا المجتمع، وبسبب غياب الدولة نهائيًا عن هذا الموضوع الأساسي، حاولنا المساعدة قدر الإمكان ولكن لم يعد باستطاعتنا سوى التقاضي بالــ “فريش” لكي نستمرّ. وأودّ أن أشير هنا إلى أن شركات التأمين تصرّفت بطريقة أفضل بكثير من المصارف ، فهي تحترم التزاماتها، تدفع مستحقاتها بينما البنوك أغلقت الباب بوجه الناس، وهذا ما يؤكّد أن تنشئة التأمين أفضل بكثير من المصارف، ولا تزال ثقة الناس بالتأمين مستقرّة.