ايلي نسناس… بانتظار جوجلة الأفكار
هل سيواكب قطاع التأمين اللبناني عمليّات التنقيب عن الغاز ليتولّى التغطيات التأمينيّة المطلوبة بعد الاتّفاق المبدئي على خطوة الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركيّة؟
طبعًا، قال لنا رئيس جمعيّة شركات الضمان ACAL إيلي نسناس، في حديث سريع أجريناه معه، ذكر فيه “إنّنا في جاهزية قصوى لهذه الخطوة وستكون لنا اجتماعات مكثّفة في الآتي من الأيّام، تحضيرًا لهذه المهمّة الوطنيّة أوّلاً، والضروريّة للقطاع برمّته ثانيًا، وللمساندة والمؤازرة في عمليّات التنقيب الذي يأمل منه الجميع انفراجًا اقتصاديًا يمنّي اللبنانيّون النفس به، خصوصًا بعد السنوات الثلاث الأخيرة، تحديدًا منذ انتشار كوفيد وما خلّفه على المستويَيْن الصحّي والاستشفائي، وصولاً إلى انفجار مرفأ بيروت، هذه الجريمة التي تسبّبت بتداعيات كبيرة لكلّ القطاعات ومنها، بل في طليعتها، قطاع التأمين بعد تعاميم المركزي التي حالت دون الوفاء بالتزاماتنا مع شركات الإعادة العالميّة لعدم القدرة على التحويل المالي”. تابع: “صحيح أنّ التفاهم الأخير في ما خصّ الترسيم البحري قد فاجأ الجميع لاسيما قطاعنا التأميني، ولكن سنسرّع الخطى ونكثّف الإجتماعات ونحضّر الأرضيّة المطلوبة للانطلاق بهذه المهمّة الوطنية، كما أسلفت، والتي نعتبرها واجبًا مقدّسًا علينا”.
س: في العام 2014، استعدّت جمعية شركات الضمان لهذا الحدث ولكن، مع الأسف، لم تُستكمل الخطوة بسبب فشل المشروع برمته لغير سبب وسبب، خلاف ما هو حاصل حاليًا. ما هو تصوّرك للمرحلة المقبلة؟
ج: مع أنّ الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى دراسة معمّقة مع أعضاء مجلس الإدارة ومع هيئة الرقابة على الضمان ICC، فضلاً عن وزارة الاقتصاد القيّمة على هذا القطاع، من دون أن ننسى مسؤولين في السلطة، إلاّ أنّ أفكارًا في رأسي لا تزال تحتاج إلى بلورة، وأكاد أقول إلى نضج. ومن ذلك مثلاً، هل نجدّد مع الزملاء فكرة إنشاء مجمّع تأميني لهذا الغرض؟ هل تسمح القوانين بالحصريّة وماذا لو دخلت على الخطّ شركات إعادة أجنبيّة إرتاحت لها الشركة المنقّبة “توتال” على سبيل المثال لا الحصر. هل هناك قانون يمنعها؟ ثمّ، وهذا هو الأهمّ: هل تملك شركات التأمين الوديعة المالية المطلوبة لتأسيس الـ POOL؟
الحقيقة أنّ الأسئلة عديدة ولا بدّ من التعمّق في الدراسة وفي طلب الاستشارات الفنيّة والعلميّة، لأنّ تغطية من هذا النوع، وفي ظلّ الظروف المناخيّة الضاغطة، فضلاً عن المخاطر الناتجة عن التنقيب، سواء برًّا أو على اليابسة، لا يمكن النظر إليها بخفّة وإنّما بجديّة وتركيز. وبانتظار الاجتماعات المقبلة والتحرّكات التي سنقوم بها، أستطيع استخلاص أفكار للمرحلة المقبلة في ما خصّ قطاع التأمين وتغطية التنقيب بما يلي: فكرة إنشاء الـ POOL مطروحة جديًّا، وَضْع المطالبة بتعديلات على القوانين لتثبيت حصرية تجمّع ACAL في موضوع تغطية عمليّات التنقيب تحت الدراسة. وأخيرًا التعمّق في طلب المشورة من شركات إعادة عالميّة نتعامل معها وكذلك من اكتواريّين على مستوى دولي وغير ذلك. (انتهى حديث إيلي نسناس)
يُذكر أنّ ACAL ابتداءً من العام 2014، صبّ تحرّكها في ثلاثة توجّهات:
توجّه أوّل قاده المستشار القانوني للجمعيّة الوزير السابق زياد بارود لإدخال تعديلات على المرسوم 10289 الخاصّ بالأنظمة والقواعد المتعلّقة بالغاز والنفط بحيث تكون الأفضليّة للتغطيات المتنوّعة بعمليّات التنقيب لقطاع التأمين اللبناني، استنادًا للمادة 9 من قانون تنظيم هيئات الضمان المنفّذ بالمرسوم الرقم 9812 تاريخ 4/5/1968. وتقول هذه المادّة صراحة أنّه يحظّر على أيّ وسيط أو شخص طبيعي أو معنوي أن يتعاقد مباشرة أو بصورة غير مباشرة مع أيّ هيئة لبنانية أو أجنبيّة غير مرخّص لها في لبنان.
توجّه ثانٍ تمثّل بندوات أقيمت ضمن هذا الإطار كان بينها ندوة عُقدت في فندق “فينيسيا”، كانت بمثابة انطلاقة أولى لهذا الحدث الاقتصادي. وكانت الندوة مناسبة لوضع شركات الضمان اللبنانيّة أمام مسؤوليّاتها لكونها المعنيّة بالقيام بالتغطيات، وتاليًا للاستعداد للصافرة عندما تُطلق إيذانًا ببدء التنقيب. ولن تتأخّر الصافرة هذه المرّة لحاجة أوروبا إلى الغاز بسبب الحرب الروسيّة – الأوكرانيّة والتي سرّعت الوصول إلى تفاهم على الترسيم البحري في الجنوب.
يبقى التوجّه الثالث والأهم ربما وهو الذي شهدته ACAL عندما دعا القيّمون فيها الى ندوة عُقدت في قاعة المحاضرات في مبنى الجمعية بالحازمية، وكان عنوانها الأساسي: “كيفية إنشاء تجمّع لشركات التأمين POOL” يتولّى مجتمعًا عملية التغطيات المتعدّدة والتي أشارت إليها بالتفصيل رئيس هيئة الرقابة على شركات الضمان، آنذاك، السيدة نادين الحبال عسلي في الكلمة التي ألقتها، والتي اعتبرت فيها أنّ هذه الخطوة ليست مستحيلة خصوصًا ان إنشاء التجمّع قد يُشكّل العنصر الأهم في عملية التنقيب عن الغاز. ولأن أصحاب أو مدراء شركات تأمين، شاركوا في هذه الندوة كانوا بحاجة الى المزيد من المعطيات، فقد اقتصرت المحاضرات على خمس: محاضرة اولى لرئيس ACAL الأسبق السيد ماكس زكار، وهي عبارة عن نظرة شاملة للموضوع ككلّ. محاضرة ثانية لهيئة الرقابة على شركات الضمان التابعة لوزارة الاقتصاد. ثم كانت محاضرة لهيئة مجلس إدارة قطاع النفط في لبنان أدلى بها رئيس هذه الهيئة، آنذاك، السيد وسام الذهبي الذي استفاض في الشرح وفي الردّ على الأسئلة، فكلمة الضيف الإنكليزي المنتدب من شركة Willis Towers Watson السيد Chris Dear المتخصّص في هذا المجال والذي له باع طويلة في التغطيات المتعلّقة بالتنقيب عن النفط. كذلك أجرى مداخلة قيّمة المستشار القانوني لـ ACAL الوزير زياد بارود تناول فيها قضايا قانونية بينها التعديلات على مرسوم النفط.
إشارة هنا إلى أنّ رئيس “آكال”، يومها، ماكس زكار قال عن إنشاء المجمّع: “يجب على السوق اللبناني أن يجمع وديعة مالية قيمتها عشرة ملايين دولار لتغطية أيّ حادث كبير إذا وقع وتسبّب بأضرار، لا سمح الله. لقد وضعنا القطار على السكّة وأرجو ان ينطلق قريبًا عندما تبدأ الشركات اللبنانية المهتمّة بتسجيل أسمائها ليتشكّل هذا التكتّل ونقول للحكومة اللبنانية عندها: “ها قد أصبحنا جاهزين”.
طبعًا، ليس الأمر بهذه السهولة، إذ ثمة من يميل إلى أنّ هذا التجمّع المُزمع إنشاؤه، لا يمكن أن ينفرد في التغطية، كما يقول الرئيس الأسبق لـ ACAL أسعد ميرزا الذي أدلى لنا يومها بتصريح مفاده: “ماذا يمكن أن نقول لشركة تأمين عالميّة تريد أن تغطّي عمليات التنقيب ووافقت عليها شركة “توتال” الفرنسيّة التي ستتولّى هذه المهمّة؟”. من هنا أضاف ميرزا: “إنّ المطالبة بتعديلات لتثبيت حصرية تجمّع ACAL غير ممكنة، وهذا ما فهمته أيضًا من المستشار القانوني في الجمعية الوزير السابق زياد بارود الذي أبدى أمامي ملاحظة أساسيّة هي: إذا كان سعر تغطية الـ POOL لا يناسب الشركة المنقّبة التي تتعامل مع واحدة أقل سعرًا، فهل هناك ما يمنع من ارتباطه بتلك الشركة؟”.
يبقى أن نشير إلى أنّ تغطية أعمال التنقيب على الغاز والنفط معقّد لغياب المعلومات الكافية عن حجم الثروة النفطيّة في قاع البحر ولاسيما منها ما يعود إلى لبنان وفق التفاهم الأخير مع إسرائيل، لكنّه واعد لأنّه ينتشل لبنان من القعر الذي هو فيه، يحرّك الاقتصاد، يطفي الديون، يعيد الحركة إلى المصارف، وأخيرًا وليس آخرًا ينعش قطاع التأمين.
يُذكر هنا أنّ التغطيات تشمل تأمينات الأفراد ومنها الطبابة وطوارئ العمل خلال مراحل التنقيب وصولاً إلى عمليات الاستخراج والتوزيع. ثانيًا، تأمين الممتلكات التي تتطلّب اختصاصًا عميقًا وخبرة طويلة. ثالثًا، تغطية المخاطر المتعلّقة بالتلوّث البيئي خوفًا من حصول ماحدث في خليج المكسيك وغرب فرنسا حيث تكبّدت شركات عالميّة ضخمة مثل “توتال” و”بريتش بتروليوم” مبالغ باهظة بلغت مليارات الدولارات، فضلاً عن أنّ آثار الهزّات الأرضيّة جديرة بالاهتمام بالنظر إلى التكوين الجيولوجي الذي يتميّز به لبنان. لهذا يرى خبراء أنّ القيام بهذه الخطوة يحتاج إلى رساميل لتغطية هذه المخاطر، كما تحتاج إلى قدرات اكتتابية علميّة وإلى إدارة المخاطر على نحوٍ دقيق، إلى غير ذلك …