إلسا… شدّ الأحزمة بدأ
البحث عن البدلاء جارٍ على قدمٍ وساق. فإذا كانت ربة المنزل بدأت تفتّش عن بابور الكاز القديم كي يكون جاهزًا للإستخدام إذا انقطع الغاز. وإذا كان ربّ المنزل قرّر الإستعانة بالـ UPS (جهاز توليد الطاقة في البيت) بسبب إنقطاع الكهرباء الدائم وتوقّف المولّد عن مدَ المشتركين بالطاقة لفقدان المازوت. وإذا وإذا وإذا… والأمثلة تطول وتطول وتطول، فإن زميلتنا إلسا ضعون، الإدارية في مدرسة “زهرة الإحسان”، اكتشفت وهي على بُعد أيام من العودة إلى المدرسة، طريقة مُثلى للتنقّل بين منزلها الكائن في منطقة السيوفي في الأشرفية وبين مقرّ عملها الذي يبعد حوالى خمسة كيلومترات عن منزلها، تكمُن في استخدام دراجتها الهوائية المُهملة التي غطّاها الغبار، للإنتقال إلى مدرستها في المنطقة المعروفة باسم “زهرة الإحسان”.
لقد كان قرار زميلتنا إلسا أشبه بالسَبَق الصحفي. إذ ما أن علمنا بخطوتها الجريئة حتى أسرعنا إلى إجراء حوارٍ معها يتناول ما سَعَتْ إليه وبدأت تستعدّ له في إجراء التمرينات الضرورية لتحريك عضلات القدمَين الّلتين اعتادتا الكسل والخمول وهي تقود السيارة المريحة. وكان لا بدّ من طرح السؤال البديهي عليها، أولّاً: كيف أتَتْ هذه الفكرة على رأسكِ، وما هي الدوافع التي أمْلَتْ عليك تحقيقها؟ ضحكت وقالت:
- وهل من وسيلة أخرى للتنقّل في شوارع بيروت وقد أصبح اقتناء تنكة بنزين من سابع المستحيلات؟ ولو افترضنا أن هذه المادة توافرت في الأيام الآتية وقبل بداية العام الدراسي المرجّح أن يبدأ في أول أيلول (مايو) المقبل، فمن أين لي أن أدفع ثمن تنكة بنزين يصل سعرها إلى ما يفوق الـ 300 ألف ليرة لبنانية من المحطة، و600 ألف ليرة من السوق السوداء؟ لهذا انكَببْتُ على نفسي لأجد حلاً يسمح لي بممارسة مهنتي من دون تكلفة تُذكر وعلى طريقة عالم الفيزياء اليوناني أرخميدس، صرخت: وجدتُها وجدتُها! قلتُ في نفسي إنني أملك دراجة هوائية كنت أستخدمها للترفيه عن النفس وممارسة الرياضة، أيام كان الترفيه ممكنًا والرياضة تُمارس بشغف! ومن دون إبطاء، أدرتُ محرّك سيارتي وقد نفذت منها كمية البنزين إلاّ ما يكفي للانتقال إلى منزل والدتي حيث ركنتُ دراجتي لآتي بها سريعًا وأعدّها كي تكون جاهزة لخدمتي في بداية أيلول المقبل.
س: ولكن ركوب الدراجة الهوائية، كما الدارجة النارية، يتسبّب في أحيان كثيرة بحوادث، بعضها خطير. ألم تحسبي لهذه المخاطر أية حساب؟ ثم كيف يمكنك الإنتقال من المنزل إلى المدرسة وهناك طلعات عديدة ليس من السهولة بمكان إجتيازها على دراجة، خصوصًا وإن لبنان، ليس كالدول المتقدمة، تركت حكومته ممرّات خاصّة لهذه الدراجات الهوائية؟
ج: لقد درستُ بتمعّن ما تفضلتَ به ووجدتُ الحلول المناسبة. فبالنسبة لاجتياز الأمكنة المرتفعة، فقد ارتأيتُ سلوك طريقٍ منبسطة ولو أنها أطول مسافةً، ولكنها توصلني بأمان إلى المدرسة ومن دون “جميلة” الدولة التي لم تؤمّن لنا البنزين ولا الطاقة الكهربائية، فهل نأملُ منها أن تخصّص لنا ممرّات نعبرها ونحن على الدراجات الهوائية؟ صحيح أن هناك خوفًا وارتيابًا من بعض السائقين المتهوّرين الذين يُمارسون قيادة السيارات وكأنهم يريدون الذهاب إلى جهنّم، لكنني، تفاديًا لأي حادث من هذا النوع، قرّرتُ أن أزوّد سيارتي بمرآتَيْن صغيرتَيْن تسمحان لي بمشاهدة من يسير خلفي.
س: هل تعتقدين أن فكرتك ستلقى تجاوبًا من صديقاتك المعلّمات وحتى الأساتذة، فضلاً عن التلامذة الذين تجاوزوا عمرًا معيّنًا، لاقتباسها؟
ج: أولاً، إن ركوب الدراجة للانتقال إلى العمل شائع جدًا في دول الغرب. وإن ننسَ فلن ننسى رئيس وزراء هولندا Mark Rutte الذي ينتقل يوميًا على دراجة هوائية إلى مركز عمله، وكذلك إلى لقاء الملكة. ثم من منا لا يعرف شخصًا أو أكثر، ومن الجنسَيْن، لم يشترِ دراجة نارية لاستخدامها في الذهاب إلى عمله، وفي الإياب؟
آمل أن يعتمد من يستطيع هذا الأسلوب في التنقّل، أولاً لأنه سيكتسب بُنية قوية بفضل هذه الرياضة، وفي الوقت نفسه سيتفادى زحمة السير ويتخلّص من الثمن الباهظ المنتظر لتنكة البنزين.
لقد دخلنا مرحلة جديدة من العيش في لبنان وزمن البحبوحة ولّى وقد يكون الآتي أعظم!
س: هل لديك ما تقولينه وأنت تقودين تجربة قد تكون فريدة من نوعها في لبنان، رغم انتشارها في الخارج بشكلٍ واسع؟
ج: أنا متحمّسة جدًّا لهذه “المغامرة” والتي أراها عادية لو كنت أعيش في دولةٍ أجنبية. لقد دخلتُ مرحلة شدّ الأحزمة وسأكون البادئة!