فادي الشرقاوي: الخوف من تسييس التحقيقات
بانتظار نتائج التحقيقات العائدة إلى الانفجار الهيروشيمي في مرفأ بيروت، سيُدلي الكثير من الخبراء بآرائهم في ما خصّ التعويضات التي ينتظرها المتضرّرون، تحديدًا من شركات التأمين المولجة بالتغطيات. لكنّ الوصول إلى معرفة أسباب هذا التفجير، قد يستغرق أشهرًا وربما سنوات، قبل أن يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود. ومن هنا أعلنت جمعية شركات الضمان في لبنان بشخص رئيسها السيد ايلي طربيه، أن لا مجال لاعطاء المتضرّرين المضمونين حقوقهم ما لم تظهر الحقيقة، وهذا يعني أنّ ترميم البيوت والسيارات لا بدّ أن يتمّ حاليًا على عاتق حَمَلَة البوالص، ومن ثمّ يتقدّم هؤلاء بمستندات معيّنة، أملاً في الحصول على ما دفعوه. غير أنّ شركات تأمين قادرة بميزانياتها وأقساطها وملاءتها، اتّخذت قرارًا بالتسديد بغضّ النظر عمّا ستسفر عنه تلك النتائج.
للحديث عن هذه الكارثة الاقتصادية والاجتماعية والبيئيّة وما هو تأثيرها على قطاع التأمين الذي تمرّ شركاته بأزمات مالية متلاحقة، توجّهنا إلى المدير العام التنفيذي لشركة “بلاتينوم” لإعادة الوساطة السيد فادي الشرقاوي للاستفسار منه عن مواضيع عدّة ترتبط بالانفجار وبشركات التأمين معًا، وخصوصًا أنّه كان على معرفة قبل سنوات في كيفية التأمين على المرفأ من خلال موقعه الإداري في شركة كانت تتولّى تغطية المرفأ ولا تزال.
في ما يلي نصّ الحوار..
س: الانفجار المدمّر لمرفأ بيروت وتداعياته على العاصمة ككلّ قد يتسبّب بضربة قاضية تطاول شركات التأمين في لبنان، إذا أظهرت التحقيقات أنّ ما حصل يندرج تحت خانة “القضاء والقدر”. كيف ترى هذه المستجدّات؟
ج: بداية، فإنّ ما حصل يشكّل فاجعة للجميع وخاصة للذين فقدوا أشخاصًا عزيزين على قلوبهم. فبعد هذا الانفجار المدمّر مباشرة، وتحسّبًا لأسئلة عديدة كنّا على دراية أنّها ستردنا من المضمونين المتضرّرين، ولكي تكون أجوبتنا مدروسة وواضحة، بدأنا بالاطّلاع على جميع بوالص التأمين العائدة إلى السيارات والممتلكات، فضلاً عن بوالص التأمين البحري.
بالنسبة إلى جريمة المرفأ، فقطاع التأمين بانتظار معرفة ما إذا كان الانفجار ناتجًا عن ضربة عسكرية تخريبيّة Sabotage أو مجرّد حادث قضاء وقدرًا، أدّى إلى هذا الدمار الهائل. لذا لا يمكننا جزم أي شيء قبل الوقوف على نتائج التحقيقات، وهنا تواجه شركات التأمين مشكلة، ذلك أنّ التحقيقات الجارية حاليًا ستأخذ بلا شكّ وقتًا طويلاً، خلافًا لما قيل أنّها تنتهي في غضون خمسة أيّام. ويكمن الخوف في تسييس التحقيقات وتسييرها باتّجاه لا يوصل إلى الحقيقة. وفي مطلق الأحوال، فالأرجح أنّ النتائج لن تصدر في القريب العاجل، وربما لن تكون هناك أية أجوبة أبدًا عن مسبّبات هذا الدمار.
ملاحظة أخرى يجدر بنا تسجيلها. فإذا كان الانفجار ناتجًا عن هجوم عسكري أو أي عمل إرهابي آخر، فهو مستثنى من بوالص التأمين إلاّ إذا كانت البوليصة تتضمّن بندًا يُغطّي الأعمال الارهابيّة. لكن هذا النوع من البوالص قليل جدًّا في لبنان، ما يعني أن شركات التأمين، في هذه الحالة، لن تدفع تعويضات إلاّ لمن يمتلك بوالص واضحة البنود. عدا ذلك، فالشركات ملزمة بالتعويض إذا كان الانفجار حصل بلا دوافع.
س: وماذا عن شركات الإعادة؟ هل ستلبّي طلب الشركات؟
ج: طبعًا، ولو لم تأخذ شركات محليّة موافقة شركات إعادة تتعامل معها بدفع التعويضات، لما كانت بدأت بتسديد الأضرار، علمًا أن عدد هذه الشركات قليل ولكنّها تملك قدرات مالية وملاءة تسمحان لها بتلبية طلبات عملائها، بغضّ النظر عن نتائج التحقيقات.
إنّ التقديرات الأوليّة للأضرار المؤمّنة في جميع شركات التأمين في لبنان تقدّر بـنحو 450 مليون دولار، ولكلّ شركة حريّة التصرّف: تسدّد لعملائها أو تنتظر.
أمّا ما تأثير هذه الفاجعة على شركات التأمين، فأقول أنّ الكثير منها قد تتعثّر إذا جاءت النتائج عكس ما تشتهي رياحها، لأنّ حجم التعويضات كبير، فضلاً عن أنّ البعض من تلك الشركات لم يسدّد فواتيره بعد لشركات الإعادة نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تضرب لبنان وارتفاع سعر صرف الدولار.
س: هناك مساعدات عديدة وصلت إلى لبنان ومن كلّ الأنواع، وثمّة من مضى في تركيب زجاج لسيارته وبيته وإعادة إعمار ما تهدّم وشراء أثاث جديد، اعتمادًا على مساعدات وعدت هيئة الإغاثة بتقديمها، علمًا أنّ مؤسّسات إنسانيّة وخيريّة بادرت، منذ اللحظة الأولى، إلى تقديم الدعم. ففي هذه الحالة، هل تستثني شركات التأمين المضمونين الذين تلقّوا هذا الدعم؟
ج: لا دخل لشركات التأمين بالمساعدات الخارجية. فعلى كلّ شركة أن تدفع ما يتوجّب عليها من تعويضات للمضمونين استنادًا إلى بنود البوالص المكتتبة عندها، بغضّ النظر عمّا إذا حصل هؤلاء على مساعدات أم لا. إنّ شركات التأمين مُلزمة تنفيذ مضمون العقود الموقّعة بينها وبين المضمونين، ولا علاقة لها بتاتًا بمساعدات قد تأتي من هنا أو هناك.
س: وهل تعتقد أن شركات الإعادة سيكون بإمكانها تسديد حصّتها من المبلغ التقديري، أي 450 مليون دولار؟
ج: طبعًا، لأنّ هذا المبلغ ليس كبيرًا وضخمًا بالنسبة لشركات الإعادة العالمية، فضلاً عن أنّه يعود إلى عدّة شركات وليس شركة واحدة، وبالتالي، فإنّ عدّة شركات إعادة عدّة ستتقاسم التسديد، علمًا أن هناك نسبة معيّنة من المبلغ تتحمّله الشركات المحليّة. ومن نتائج هذه المشاركة في دَفْع التعويضات، ستظهر الشركة القوية والقادرة على الاستمرار، فيما ستسقط الشركات الضعيفة في أقساطها وملاءتها، وهي ليست بالقليلة، وعندها يظهر عمل لجنة الرقابة على شركات الضمان على حقيقته: هل كانت حازمة في إجراءاتها أو متراخية؟
س: المرفأ مؤمّن من قبل إحدى الشركات المحليّة.. كيف تتمّ التغطية؟
ج: تغطية المرفأ تطاول الهيكليّة والعنابر والأملاك والمعدّات وليس للشركة الضامنة أية علاقة بالموجودات في العنابر، إذ أنّ البضائع تكون مؤمّنة إفراديًا من قبل شركة تأمين يتعامل معها أصحاب العلاقة.
س: كيف قبلت شركات تأمين تغطية عنبر توجد فيه مادة نيترات الامونيوم؟
ج: شركة التأمين لا تغطّي المواد الخطرة والشديدة الاشتعال مثل نيترات الأمونيوم، وفي حال قبلت، تضع شروطها وترفع مسؤوليتها عن أية أضرار قد تنجم عن اشتعال هذه المواد. بالنسبة للعنبر 12 الذي وضعت فيه نيترات الأمونيوم، فشركة التأمين عادة تكشف على محتويات العنبر الذي تريد التأمين عليه مرة واحدة، ومن ثمّ تجري التغطية تلقائيًا ومن دون إخضاعها للكشف.
س: ما تقديرك لقيمة التأمين على المرفأ؟
ج: كما أذكر، عندما كنت مديرًا عامًا في الشركة التي تتولّى تغطية المرفأ منذ سنوات، كانت التغطية مقدّرة بما يقارب الـ 65 مليون دولار في مقابل تعويض مالي يصل إلى 40 مليونًا سنويًا. وعند حصول أي حادث، تسدّد شركة التأمين التعويضات، ومن ثمّ تتوجّه إلى شركة الإعادة للحصول على التغطية. ولكن حادث المرفأ ضخم وخلّف أضرارًا جسيمة وهائلة، لذلك لن يكون بإمكان شركة التأمين تغطية هذه الأضرار بمفردها، فبطبيعة الحال، سترتدّ النتائج السلبيّة على شركة الإعادة التي ستُرسل حتمًا خبيرًا للكشف عن الحادث قبل معرفة نتائج التحقيقات.
ثلاث صور تظهر الأضرار التي تعرضت لها مكاتب “بلاتينوم”
س: كيف ترى قطاع التأمين اليوم في ضوء جائحة كورونا وارتفاع الدولار والحالة الاقتصادية المزرية؟
ج: لا شكّ أن قطاع التأمين تأثّر بشكل كبير بكلّ ما ذكرت، ولكن يبقى حجم هذا التأثير أقلّ من التداعيات التي أصابت قطاعات أخرى. إن سعر صرف الدولار أثّر على شركات القطاع التي عليها أن تدفع بالدولار إلى معيدي التأمين، ما يعني أنّها تسدّد فرق سعر الصرف منها. ولكن إذا حصلت حوادث كارثيّة متعدّدة مثل حريق مجمّع مثلاً، وهذا ما لا نتمنّاه طبعًا، فإنّ ما تدفعه الشركة يُحصّل الجزء الأكبر منه من شركات الإعادة. بالنتيجة، فإنّ سعر صرف الدولار هو الذي يعرقل الأعمال من جميع النواحي. وكما سبق وأسلفت، يمكن معرفة الشركات القوية من الضعيفة في أوقات مماثلة، وخاصة بعد حادث أليم كالذي ضرب مرفأ بيروت، فالعديد من الشركات الصغيرة والمتوسّطة ستضطر للاندماج بشركات كبيرة لكي تتمكّن من الاستمرار.
س: لماذا لا تجتمع شركات التأمين في مجمّع واحد Pool ليتمكّن القطاع من تخطّي هذه الكارثة بأقلّ أضرار ممكنة؟
ج: لم يعد بالإمكان إنشاء مجمّع حاليًا، إذ يجب التحضير له قبل وقوع الحدث. وبالنتيجة، فالمجمّع في حالة الدمار التي شهدتها بيروت والأضرار الجسيمة التي تخطّت النصف مليار دولار، لن ينفع كثيرًا لأنّ قدراته تكون محدودة.
س: وماذا عن “بلاتينوم”؟
ج: لقد تضرّرت المكاتب لوجودنا على مقربة من المرفأ وبمواجهته، وتبلغ قيمة الأضرار حوالى الخمسين ألف دولار أميركي. لكن مكاتب “بلاتينوم” مؤمّنة لدى شركة “فيدليتي” وسنقدّم لها الفواتير، وستدفع الأخيرة حالاً إذ أن “فيدليتي” من الشركات ذات رأسمال قادر على التصدّي وملاءة جديرة بمواجهة الأخطار، بدليل أنّها بدأت تدفع التعويضات للمتضرّرين قبل صدور نتائج التحقيقات.