بقلم د. فؤاد زمكحل
العقوبات الدوليّة التي قد تطال شخصيات لبنانيّة سياسية حزبية وغيرها، من بإمكانه تنفيذها في العالم أجمع؟ والجواب: إنّها الأمم المتّحدة التي تنفّذ العقوبات بعدما يُصوّت عليها. لكنّ موضوع التصويت أصبح أخيرًا صعبًا جدًّا بعد الانقسام الدولي، ولأسباب سياسية وصراعات كبرى يعلمها الجميع، ومن ذلك أنّ الصين وروسيا يتّخذان، عادة، موقفًا مغايرًا للولايات المتحدة الأميركيّة فلا يتحقّق المرتجى. لذا، تأتي العقوبات من دولة عظمى، هي الولايات المتحدة التي تحكم العالم اقتصاديًا، ماليًا ونقديًا، أو حتى من أوروبا.
لقد سمعنا مؤخّرًا عن العقوبات الكبيرة وهي: قانون قيصر والذي طاول سوريا بسبب الجرائم التي ارتكبت فيها ضدّ الانسانية وغيرها، ثمّ هناك قانون ماغنتسكي الذي نُفّذ في الولايات المتحدة في العام 2012 في عهد الرئيس اوباما بعد اعتقال واستشهاد المحامي ماغنتسكي في السجون الروسيّة، وهذا هو القانون الذي يمكن أن يُنفّذ في لبنان.
اليوم، من الممكن أن تكون هناك عقوبات من اوروبا وهي، على وجه الخصوص، مالية، ويمكن أن تنفّذ في لبنان لمحاربة الفساد وتبييض الأموال والجرائم المرتكبة ضدّ الانسانية، طبعًا بعد ثبوت الأدلّة الواضحة. كما بإمكان الولايات المتحدة تطبيق عقوبات ماغنتسكي على شخصيات كبيرة سياسيّة وغير سياسيّة.
لماذا نتكلّم عن عقوبات دوليّة؟ لأنّنا لسوء الحظّ، نعرف أن الحكّام هم الحَكَم وأنّ جميع السياسيين، ومنذ أكثر من ثلاثين عامًا، هم الذين نظّموا العدالة في لبنان، ولهذا لا حلّ لدينا كلبنانيّين سوى اللجوء إلى محاكم دولية لاسترداد الحقوق.
جميعنا يعرف أن لكلّ سياسي في لبنان خطّة إصلاحية خلال الانتخابات النيابيّة وأبرز عناوينها محاربة الفساد، ولكن لسوء الحظّ، كلّ من استعمل هذه الشعارات اتّضح أنّه فاسد، فضلاً عن أنّ السلطات الدولية، وخاصة الدول المانحة، يعرفون من هم الفاسدون ومن بيّض الأموال وأهدر المال العام.
يعرف الجميع أن مال الفساد والهدر ومال السياسيين والأحزاب قد حُوِّلت إلى الخارج، ما يعني أنّه من الممكن إعادتها إلى لبنان مجدّدًا، وفي أيّ وقت كان. أنا لا أتكلّم هنا عن استرجاع الأموال، إذ هناك أخطر من ذلك بكثير، فإذا لم يتمّ تجميد هذه الأموال المنهوبة، سيعاود السياسيّون أنفسهم إلى تمويل انتخاباتهم من جديد وبالأموال نفسها، ويستمرّون متربّعين على كراسي السلطة ولفترات طويلة. فإذا جُمّدت العقوبات الأموال، هذا يعني أنّها جمّدت التحويلات إلى لبنان، وفي هذه الحالة لن يتمكّن السياسيّون الحاليّون من تمويل انتخاباتهم وأحزابهم من جديد. لذلك، هذه العقوبات مهمّة جدًّا ويجب أن تطاول جميع الشخصيات اللبنانية التي عملت بالشأن العام منذ سنوات طويلة.
من جهة ثانية، لماذا تُعتبر العقوبات وتجميد الأموال ضروريّة، لأنّنا نعرف أنّنا لن نستطيع بناء اقتصادنا من جديد وكلّ قطاعات الدولة إلاّ عبر الخصخصة أو الشراكة بين القطاعَيْن العام والخاص. وإذا أردنا السير في الخصخصة والشراكة بين القطاعَيْن، فمن يملك الأموال اللازمة لهذه المشاريع الضخمة غير السياسيّين أنفسهم والأحزاب؟ فإذا عادت الأموال إلى لبنان فسوف تُستعمل من قبلهم لاستثمارات ولشراء البلد الذي كانوا السبب في خرابه وباسعار متدنية جدًّا.
نحن اليوم نطالب جميع المنظمات الدولية وبصوت مرتفع، بتنفيذ وتطبيق العقوبات الدولية بأسرع ما يمكن، لأنّ الوقت قد حان لرفع هيمنة السياسيّين الحاليّين والفاسدين. العقوبات الداخلية لن تُجدي نفعًا معهم لأنّهم هم من وضعوا الأنظمة التشريعيّة والتنفيذيّة.