اسعد ميرزا يتوسط Roudy Strass من ميونخ ري وجورج بيطار من Premium
تزامناً مع مؤتمر الـ Gaif بنسخته الـ 34 أصدرت الأمانة العامة لهذا الإتحاد عدداً خاصاً من مجلة “التأمين العربي” تضمّن عدداً من المقالات الخاصة بالوضع المحلي لأسواق التأمين العربية ومستجداتها، كان بينها حوار أُجري مع رئيس جمعية شركات الضمان في لبنان ACAL السيد أسعد ميرزا ردّ خلاله عن ثلاثة أسئلة: أولّها، عن توقعاته للسوق اللبناني وللأسواق العربية خلال العام 2024 وكيف سيواجه قطاع التأمين في لبنان والأزمة المالية والوضع غير المستقر داخلياً وفي المنطقة. أما السؤال الثاني فكان حول المؤتمر بحدّ ذاته من حيث اختيار الشعار والمواضيع المدرجة في البرنامج والترتيبات وما هي أهمّ التوصيات المأمول الخروج بها. يبقى السؤال الثالث وهو حول الآمال التي ينشد اليها الجميع لتنمية العمل العربي المشترك وما هي أفضل الوسائل لذلك، تزامناً مع مناسبة مرور ستين عاماً على تأسيس الـ Gaif.
ونظراً الى أهمية مضمون الحوار، ينشر موقع مجلة “تأمين ومصارف” هذا الحوار كاملاً، تعميماً للفائدة، مع الإشارة هنا الى أن السيد أسعد ميرزا شارك في هذا المؤتمر وفي الإجتماعات التي عقدها الإتحاد واتُخذ خلالها مقررات وتوصيات نشرنا بعضها على موقع المجلة.
فإلى نصّ الحوار:
س: في ظلّ الأزمات والأوضاع السياسية التي تعيشها المنطقة العربية والعالم، ما هي توقعاتكم للسوق اللبناني وللأسواق العربية خلال عام 2024؟ وكيف يواجه سوق التأمين اللبناني الأزمة المالية والوضع غير المستقر في لبنان والمنطقة؟
ج: بداية أتقدم بتهنئتَيْن قبل الشروع في الإجابة عن سؤالكم. الأولى، تهنئة بمرور ستين عاماً على تأسيس الإتحاد العام العربي للتأمين الذي كان له الفضل الكبير في نهضة قطاع التأمين العربي، وفي توحيد تطلعاته، وفي إيجاد تطابق للقوانين والتشريعات المتصلة بهذا القطاع في كلّ دولة من الدول العربية التي ينتمي قطاعها التأميني الى الـ Gaif. وبالمناسبة، تغمرني فرحة كبيرة بل ينتابني فخر عندما أرى الخطوة الجبارة التي خطاها الـ Gaif على صُعُد عدّة في تطوير تشريعاته وتعاميمه، وفي تحديث بنيته، وفي إعتماده التكنولوجيا الحديثة في كلّ ما يُقدم عليه من تحسينات وتحديثات تواكب العصر.
أما التهنئة الثانية فترتبط بالمؤتمر الرابع والثلاثين للـ Gaif والذي تستضيفه بعد أيام سلطنة عُمان، هذه الدولة العربية التي كانت ولا تزال بوتقة تجمع الدول العربية كافة، مهما تكن وجهات نظرها متباينة وحتى متضاربة. ولا شكّ أن هذه الإستضافة ستكون حدثاً بحدّ ذاته، عدا الحدث الأساس وهو المؤتمر التأميني للـ Gaif، وأقصد بذلك جمع الدول العربية والإقليمية وحتى العالمية، في وقت تشتد فيه الأزمات في كلّ مكان وفي غياب وسيط حكيم يُقرّب ولا يُبعد ويجمع ولا يُفرّق. بل يكون كالإطفائي يقضي على النيران المشتعلة، ويزيل الخلافات. هذا هو الدور الذي تلعبه اليوم سلطنة عُمان، وسبقتها اليه كلّ من الكويت ولبنان اللتين اشتهرتا به.

أعود الى السؤال لأتمنى، أولاً، أن تنتهي هذه الأزمات التي نعيشها حالياً لأن استمرارها يؤدي، لا محال، الى إطالتها، واذا هي طالت، فإنها حتماً ستزداد وستتوسع، ما سينعكس حتماً على الإقتصاد العربي بشكل عام، وبالتالي على قطاع التأمين الذي بدأ، فعلياً يتأثر بما يجري، بدءاً من الحرب الروسية-الأوكرانية وصولاً الى العدوان الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة، وما أسفرت عنه من تداعيات بدأنا نشهدها في منطقة البحر الأحمر وصولاً الى باكستان وإيران، وقد يكون الآتي أعظم، لا سمح الله. لذا لا يسعني الا أن أقول هنا أنه ستكون لهذه الأزمات بالغ الأثر على قطاع التأمين، جرّاء التكلفة المرتفعة التي بدأت شركات الإعادة العالمية تفرضها بشكل خاص لتغطية البواخر ومجمل قطاع الشحن، سواء في البحر الأحمر وحتى في غيره ذلك من المناطق، من دون أن ننسى هنا الإرتفاع الآخر الناتج من التغيّر المناخي، وما أدى اليه من كوارث طبيعية كبّدت هذه الشركات خسائر كبيرة. صحيح أن دول العالم سارعت الى إيجاد الحلول عبر “مؤتمر الأطراف بشأن تغيّر المناخ” وكانت آخرها 28 COP الذي أُقيم في دولة الإمارات العربية، الا أن القضاء على ملوّثات الجو وبينها الكربون يحتاج الى سنوات، والوقوف في محطة الإنتظار صعب. لذلك يستحيل على المرء أن يتوقّع، منذ الآن، كيف ستكون عليه الأحوال السياسية والأمنية، ولمّا نلج بعد 2024، بل لا نزال في أول هذا العام. فهل سيستمر التصعيد السياسي والأمني في منطقتَيْ الشرق الأوسط والأقصى، أم سيصار الى إيجاد حلول لوقف النزاعات؟ في الحقيقة
تصعب الإجابة عن السؤال، ولكن يَسْهُل إطلاق التمنيات، وما نتمناه هو أن تهدأ النفوس، أولاً، وأن تتوقف آلة الحرب وأن يستعيد الشعب الفلسطيني حقّه المشروع لأن الإنطلاقة يجب أن تبدأ من هنا، اذ متى تحقّق العدل ستُخمد النيران في سائر الجبهات ودفعة واحدة، وسواء في الدول العربية أو في البحر الأحمر أو في ما استجد أخيراً بين إيران وباكستان.
يبقى أن أقول أن أسواق التأمين العربية جميعها وفي ظلّ هذه الأزمات تشرب من الكأس المرة نفسها وإن بتفاوت، اذ لا يُمكن تشبيه سوق التأمين اللبناني بغيره من أسواق تأمينية عربية أخرى الاّ بمقدار ما تملك هذه السوق أو تلك، من قدرة على الصمود والبقاء، وكذلك ما يملك المواطن من قدرة شرائية تسمح له باقتناء أمور عديدة بينها طبعاً وثائق التأمين، وسواء أكان لبنانياً أو إماراتياً أو سعودياً أو مصرياً أو من جنسيات أخرى.
س: كيف ترون المؤتمر العام الـ34 للـ Gaif من حيث اختيار الشعار والمواضيع المدرجه في البرنامج والترتيبات؟ وما هي أهم التوصيات المأمول الخروج بها؟
ج: لا شك في أن شعار المؤتمر يتماشى مع الواقع التكنولوجي المستجدّ عالمياً والذي فرض نفسه على أسواق العمل بشكل عام وليس اسواق التأمين تحديداً. صحيح أن شركات تأمين عدة واكبت هذا التطوّر واعتمدته كما اعتمدته مصارف عربية عدة، الاّ أن إصرار الإتحاد على تعميم هذه التكنولوجيا في العمل التأميني هو، بحدّ ذاته، مسعىً مهمّ ورائد ومشكور، ومن هنا كان الشعار الكبير لهذا المؤتمر وهو “من أجل صناعة تأمين عربية أكثر إستدامة وشمولية”. ففي كلمَتَيْ “إستدامة” و”شمولية” تكمُن النظرة المستقبلية لهذه الصناعة، اذ أن “الإستدامة” بمعناها الواسع هو ترسيخ قواعد التطوّر والإعتماد على المستجدات التكنولوجية التي تغزو العالم أجمع. أما “الشمولية” فتعني من بين ما تعني، أن يشمل هذا التطور الشركات التي تعمل في قطاعات التأمين العربية. وأرى الـ Gaif هنا أشبه بـ “المايسترو” الذي يقود فرقة موسيقية تعزف في قاعة عالمية يستمع اليها ويراها كبار من هذا العالم، اذ يكفي لهذا المايسترو أن يُخطئ خطأ بسيطاً في نوتة موسيقية، حتى ينعكس هذا الخطأ على الفرقة ككلّ. ونحمد الله أن الأمانة العامة في الـ Gaif ، وتحديداً السيد شكيب او زيد، هو “مايسترو” من الدرجة الأولى، بل هو قبطان ماهر قاد سفينة صناعة التأمين العربية وأوصلها الى البرّ الآمن بنجاح قلّ نظيره. أما التوصيات التي نأمل أن يخرج بها المؤتمر فهي أولاً: أن يزداد التعاون بين القطاعات العربية ويترسّخ، وأن تتبادل الشركات الخبرات والأفكار والأعمال وأن يتعزّز العمل المشترك الذي يفيد وينهض بقطاع التأمين العربي ككل، وأن تبقى مواكبة ما يجري من تطوّر على المستوى العالمي واعتماد هذا التطور. وما آمله هو أن يتضمن هذه التوصيات، تحصين المجمّعات التأمينية العربية وتقويتها وإنشاء شركة إعادة ضخمة تستطيع أن تقوم مقام شركات الإعادة الغربية التي تعيش قطاعات التأمين العربية تحت رحمتها.
طبعاً هناك أمور أخرى نتمنى أن تُدرج في هذه التوصيات لعلّ أبرزها المضي قدماً في تقوية كيانَيْن، الأول للوسطاء والثاني للإكتواريين لأن لكلّ من هاتَيْن الرابطَتَيْن فوائد جمّة على قطاع التأمين، سواء لناحية تفعيل عمل الشركات وزيادة أقساطها وبالتالي أرباحها، وهذا الأمر منوط بالوسطاء، أو لناحية التنبيه الى المخاطر وتجنّبها قدر الإمكان، وهو ما يقوم به الإكتواريون من بين مهمّات أخرى عديدة سواء في التسعير أو بغير ذلك بخاصة في ظلّ هذا التغيّر المناخي الذي أربك الجميع. وأن ننسَ فلن ننسى المستجدات الحديثة، منها الإبتكارات الصناعية التي تحتاج تغطيتها الى من يُخمّن أسعارها، ومن لشركات التأمين غير الإكتواري؟
س: مع احتفال الاتحاد العام العربي للتأمين بمرور 60 عام على تأسيسه، ما هي آمالكم لتنمية العمل العربي المشترك؟ ومن وجهة نظركم، ما هى أفضل الوسائل لتنمية العمل المشترك بين شركات التأمين في المنطقة العربية؟
ج: عندما يبلغ المرء عامه الستين يُصبح ناضجاً وكلّ ما يقوم به يرتكز على قواعد الرشد. والـ Gaif بوصولها اليوم الى هذا العمر، يعني أن قدمَيْها ترسّختا في الأرض وأنها كذلك، ككيان، قد تجذّرت في التراب، ولهذا بات قطاع التأمين العربي في مأمن في ظل وجود الـ Gaif الساهر والمرشد والساعي دائماً الى تعميم ثقافة التأمين على الناس ونشر المستجدات العالمية على الشركات، وكل هذا هو أساس، أما المطلوب من الشركات فهو ما أشرتم اليه في سؤالكم، أي تنمية العمل العربي المشترك، لا في قطاع التأمين وحده بل في كل القطاعات الإقتصادية والصناعية والزراعية، على أمل أن تكون هناك سوق عربية مشتركة تنهض بالإقتصاد العربي وتُحقّق التكامل في كلّ القطاعات، لعلّ دولنا العربية تسترجع ماضيها الرائد وتُصبح كلمتها كلمة مسموعة في العالم أجمع، بحيث إذا قالت ما تريد تحقّق لها ما تريد!
