شعار الأمم المتحدة
في الرابع والعشرين من تشرين الأوّل الحالي، تحتفل الأمم المتحدة بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لإنشائها، وقت يعاني العالم بأسره اضطرابًا كبيرًا بفعل تفاقم الأزمة الصحية العالمية غير المسبوقة جرّاء انتشار جائحة كورونا وتداعياتها الخطيرة على الوضعَيْن الاقتصادي والاجتماعي. وبسبب هذه الأوضاع السوداويّة، سيتمّ إطلاق منشور من إعداد نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة ج. محمد والمدير العام لمنظمة الصحّة العالمية تيدروس ادهانوم غيبريسوس ورئيس جنوب افريقيا سيريل رامافوزا الذي اختير بالنظر إلى تاريخه النضالي في محاربة التمييز العنصري والدفاع عن حقوق الإنسان. وسيركّز هذا المنشور على خمسة مجالات رئيسة هي:
- عقد اجتماعي جديد للاقتصاد الشامل، من أهدافه تحقيق التقدّم للجميع.
- التفاهم على المتطلّبات الأساسية لحياة صحيّة.
- الاستثمار في القطاع الصحّي وجعل التغطية الصحيّة الشاملة حقيقة واقعة.
- الإفادة من التكنولوجيا الرقميّة كمساعد في إعادة تشكيل “أجندا” صحيّة وأخرى لحقوق الإنسان.
- إعداد تصوّر طويل المدى يتناول الصحة العالميّة.
يأتي هذا المنشور وقت ألحق فيه وباء Covid-19 دمارًا واسعًا في الاقتصاد العالمي يهدّد في إزالة عهود من التقدّم الذي تمّ إحرازه في قطاع الرعاية الصحيّة. من هنا، باتت الصحّة خيارًا سياسيًا، وعلى الجهات الفاعلة عالميًا، أن تتّحد لمحاربة الوباء الحالي المستجدّ وغيره من التهديدات الوشيكة والطويلة الأجل. وعلى هذا الأساس، فإنّ هذه الذكرى لتأسيس الأمم المتحدة ستكون محطّة لتسليط الضوء على الفجوات الموجودة في التغطيات الصحية الشاملة وكَشْف الحاجة الملحّة إلى الخدمات الأساسيّة العالية الجودة للجميع.
واستباقًا لما هو مرتقب، فإنّ قادة العالم سيُدعَوْن إلى الاتحاد معًا لمواجهة وباء Covid-19 والتهديدات الأخرى لصحّة الإنسان، وكذلك “صحّة” الاقتصاد العالمي، وصولاً إلى تغطية صحيّة شاملة وإعادة تحريك عجلة الاقتصاد.
مدير عام منظمة الصحة العالميّة تيدروس ادهانوم غيبريسوس صرّح في هذه المناسبة قائلاً: “في السنوات العشرين الماضية، استثمرت البلدان بكثافة للتحضير للهجمات الارهابية ولكنّها استثمرت القليل نسبيًا في الاستعداد للهجمات الفيروسيّة التي، كما تبيّن من وباء Covid-19، تستطيع أن تكون أكثر فتكًا وتعطيلاً وتكلفة”. تابع: “لن يكون هذا الوباء الأخير، ومن هنا على العالم أن يكون جاهزًا عندما يأتي وباء جديد، لذلك يجب أن تلتزم كلّ دولة بإعادة بناء الصحّة العامة بشكلٍ أفضل كاستثمار في مستقبل أكثر صحّة وأمانًا”.
ولكن لماذا هذه الصرخة العالميّة الآن؟
لأنّ فيروس كوفيد-19 بات يشكّل، بحسب البعض، تذكيرا صارخا بضرورة التعاون عبر الحدود، وعلى نطاق القطاعات والأجيال. وتكفي الاستجابة لهذه الصرخة لمعرفة مدى سرعة تعافي العالم، وما إذا كانت الدول ستحقّق أهداف التنمية المستدامة، ومدى نجاحها في التصدي للتحديات الملحة، بدءا من أزمة المناخ، وصولا إلى الأوبئة ولأوجه عدم المساواة وأشكال العنف الجديدة والتغيّرات السريعة في التكنولوجيا وفي الأوضاع السكانية.
ولكن في الوقت الذي يحتاج فيه العالم بأسره، إلى العمل الجماعي أكثر من أي وقت مضى، ما فتئ الدعم العالمي للتعاون يتلاشى. ففي العديد من البلدان، تتراجع ثقة الجمهور بالمؤسسات التقليدية وتتعرض العلاقات بين البلدان لضغوط. فهل ستؤدي جائحة Covid-19 أوّلاً، والخوف من زوال عقود من التقدّم، ثانيًا، إلى جمع شمل العالم، أم ستؤديان إلى مزيد من عدم الثقة؟
إن الحوار والعمل، على الصعيد العالمي، أصبحا الآن أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.