غلاف المجلة
لا يزال الإنفجار المُزلزل لمرفأ بيروت يتصدّر الإهتمامات والإستفسارات عن أسبابه، ليس في الداخل اللبناني الشعبي (لا الرسمي) فحسب، بل على مستوى العالم. ومن جديد هذا الإهتمام، أنّ مجلّة HISTORIA ذات الجذور الضاربة في القدم، إذ تأسّست في العام 1908، ومن ثمّ إنطلقت بحلّتها الحالية كمجلّة “تُحيي الماضي” في كانون الثاني 1955، أصدرت قبل أيام عدداً خاصاً عن لبنان تحت عنوان: “التحدّي الأخير”، مع صورة على الغلاف تُظهر مروحية للجيش اللّبناني تُساهم في إطفاء الحريق الثاني الذي إندلع في المرفأ بعد الإنفجار بأيام، وقد أخذ الدخان الأسود الداكن يُغطي سماء العاصمة وأبنيتها الشاهقة المتضرّرة كلّها بلا إستثناء.
ماذا في هذا العدد الذي أدخل هذا الانفجار الى سجل الأحداث التاريخية البارزة والذي إعتبر لبنان أمام تحدّ أخير أو فرصة أخيرة بعد ألفي عام على صيغة التعايش بين مختلف مجموعاته الطائفية؟
لا بدّ، أولاً، من القول أن المقصود بـ”التحدّي الأخير” هو ترسيخ هذا التعايش وتمتينه لأن لبنان من دون هذه الصيغة والمحافظة عليها، لامعنى لوجوده المرتبط بتفاهمات مذهبية وطائفية مشتركة. ومن يقرأ إفتتاحية العدد بقلم Guy Sitbon وإستشهاده بالكاتب والبرلماني والمفكر اللبناني الراحل سمير فرنجية، صديق Sitbon القديم، يفهم تماماً ماذا قصد بالعنوان الذي تصدّر المجلة. فأبن زغرتا ونجل الزعيم حميد فرنجية أحد قادة الإستقلال، يجسّد في سيرته مفهوم الكيان اللّبناني الموحّد الذي تتعايش في بوتقته، مجموعات مذهبية وطائفية تتفاهم في ظلّ شعار: “لاغالب ولا مغلوب في دولة موحدة”.
وإلى الإفتتاحية، تضمّن العدد، وهو من مئة صفحة، مقالات وصوراً قديمة، بالأسود والأبيض، وأخرى بالألوان لإظهار الفارق الحضاري والثقافي والسلوكي بين الأمس واليوم، بين البحبوحة والعيش الرغيد وبين الإنهيار الإقتصادي والإفلاس. وبما أنّ هدف HISTORIA الرئيس من وراء إصدار هذا العدد، هو إظهار العلاقة المتميّزة بين لبنان وفرنسا، فقد إستفاضت المجلة بشرح هذه العلاقة التي تجسّدت بعد الإنفجار بإندفاعة الرئيس Emmanuel Macronتجاه البلد الشقيق والقيام بزيارته مرتين في غضون شهر، لإنتشاله من وضعه المزري، وإن كانت هذه الإندفاعة لم تصل الى خواتيمها المرجوّة.
HISTORIA، ولمزيد من التوضيحات والإستماع الى آراء لبنانيين، فقد استكتبت شخصيات لبنانية فرنكوفونية مثل الروائية ديان مظلوم، الصحافية كارول داغر، الكاتبة ديما عبدالله، القانوني الكسندر نجار والروائي سابيل غصوب. وتمحورت المقالات حول مستقبل لبنان في ظل تطوّر الأحداث منذ حرب السنتين التي بدأت في العام 1970 وصولاً الى الإنفجار المزلزل في الرابع من آب 2020، مروراً بأحداث شتى شهدها لبنان، بينها الصدمات مع الفلسطينيين ومن ثمّ مع السوريين، وقبلهما بين أبناء البلد الواحد، عندما شطرت بيروت الى قسمين. وكلّ ذلك لإعادة التذكير بحقبات تاريخية زاخرة بدأت من أيام فخر الدين الى عهد الجنرال ميشال عون.
والى كلّ ما تقدّم، سلّطت HISTORIA الضوء أيضاً على أبرز العائلات اللبنانية التي لعبت دوراً بالحياة السياسية منذ القدم مثل عائلات شهاب وجنبلاط وأرسلان والجميّل والخازن وإدّه وفرنجية والصلح وابي اللمع والحريري وغيرهم.
تبقى إشارة الى ان مؤسس HISTORI عام 1909 هو Jules Tallandier، وكان بائع كتب ثمّ أصبح محرراً فناشراً. كان إسم المجلّة في البداية Lisez- moi- Historia وبعد توقّفها عن الصدور من العام 1937 الى العام 1945، قام Maurice Dumoncel، رئيس دار النشر Tallandier وحفيد المؤسس وإسمه أيضاً Jules Tallandier بإنعاش المجلّة سنة 1946، ليصار الى إعتماد إسم HISTORIA الحالي في كانون الثاني سنة 1955.